صفحة 1 من 1

خصوصية الدورة الطارئة للمؤتمر العربي العام

مرسل: الجمعة مارس 04, 2011 12:14 pm
بواسطة محمد النشوان9
معن بشور
كانت الدورة الطارئة للمؤتمر العربي العام لنصرة الثورة الشعبية العربية التي انعقدت في بيروت يوم الأحد في 27/2/2011 هي الدورة الخامسة التي يعقدها المؤتمر بدعوة من المؤتمرات الثلاثة (القومي العربي، والقومي – الإسلامي، والأحزاب العربية)، للبحث في قضية ذات أهمية خاصة بالنسبة للأمة العربية.



فلقد سبق لهذا المؤتمر العام، الذي يضم عادة أعضاء من المؤتمرات الداعية وشخصيات عربية فاعلة في أقطارها، أن انعقد من أجل دعم انتفاضة الأقصى المباركة (2001)، ورفض وصم المقاومة بالإرهاب (2002)، ودعم المقاومة العراقية بعد الاحتلال (2003)، وصون سلاح المقاومة في لبنان (2006)، وهو ينعقد اليوم (2011) لدعم الثورة الشعبية العربية التي تعم عدة أقطار عربية، متكاملاً مع دورات المؤتمرات الداعية، ومع الملتقيات التي بادر إلى إطلاقها المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن في اسطنبول ودمشق والقنيطرة والخرطوم وبيروت والجزائر.



ولقد اشتركت الدورة الأخيرة للمؤتمر العربي العام مع الدورات السابقة بأنها كانت جامعة لممثلين عن تيارات الأمة الرئيسية الكبرى، ولأعضاء قادمين من أقطار الأمة، ولأجيال متعددة من أبناء الأمة، فكانت بمثابة برلمان شعبي عربي مصغّر تطرح فيه كل الآراء، حتى وأن كانت متنافرة، وتتفاعل في رحابه كل الرؤى وأن كانت صادرة عن خلفيات مختلفة.



إلاّ أن لهذه الدورة أيضاً خصوصيتها وسماتها التي تميّزها عن الدورات السابقة:



1. لم تكن هذه الدورة مخصصة لقضية خاصة بقطر أو اثنين كما جرت العادة في دورات سابقة (رغم إدراكنا مدى انعكاس أي قضية وطنية على مجمل أوضاع الأمة والعكس صحيح أيضاً) بل تناولت قضية تهم الأمة بأسرها سواء في الأقطار التي شهدت ثورات أو انتفاضات أو تلك التي تنتظر، ليتبين من خلال الحوار والنقاش الحقيقة التي تبرز وحدة الأمة، سواء في معاناتها أو تطلعاتها، ألآمها أو أمآلها، أهدافها أو برامجها، آليات تحركها أو أساليب عملها.



2. لم تقتصر جلسات الدورة التي استمرت يوماً واحداً فقط (رغم أن عدد الحاضرين بلغ أكثر من 350 شخصية لبوا الدعوة العاجلة بأقل من أسبوع وأتوا من 15 دولة عربية)، على إلقاء الخطب، وإعلان المواقف فحسب (وهو ليس بالأمر العابر في ظروف بالغة التعقيد على كل حال)، بل تضمنت كذلك شهادات لشباب الثورة وشيوخها من أكثر من قطر وساحة نضال، فأغنت تلك الشهادات جو المؤتمر، وعزّزت ثقة الأمة بمستقبلها مع هذا المستوى الرفيع من الوعي والشجاعة والقدرة على التعبير الذي يمتلكه شباب الأمة "خريجي" ميادين الثورة وساحاتها وأساتذتها.



3. لم تظهر الدورة الطارئة فقط الحجم الكبير لاهتمام الأمة بثورات شبابها الآتين من قلب تجارب الثورة، بل أبرزت بوضوح العمق القومي لتطلعات هؤلاء الثوار ورُؤاهم مبددين ببساطة وسلاسة تلك المحاولات التي أرادت أن تصور أن تلك الثورات قامت من أجل لقمة الخبز وحدها، أو الحريات الديمقراطية دون غيرها، وهي محاولات تجاهلت، عن قصد أو غير قصد، المضمون الوطني والقومي لهذه الثورات التي قامت ضد أنظمة اجتمعت فيها ثلاثية التبعية والفساد والاستبداد، وتآزرت لتعزز بعضها البعض، ولعل التصفيق الحاد الذي لاقاه اسم جمال عبد الناصر خلال المؤتمر، واستمر لدقائق، ورغم التباين في تقييم الحاضرين لتجربته، هو أكبر دليل على أن العروبة التي كان ناصر رمزها وقائدها ما زالت حاضرة بقوة في وجدان الأمة. تماما مثلما ابرز التجاوب المليوني في ميدان التحرير مع خطبة الشيخ يوسف القرضاوي عن الصلاة في الاقصى ومكانة فلسطين والقدس في ضمير الثوار المصريين.



4. أكدت هذه الدورة، مثلما أكدت الثورة الشعبية العربية نفسها، صحة رهان المؤتمرات الثلاث ومؤسسيها على الشباب ودورهم وقدراتهم الكبيرة، منذ أن واكب تأسيس هذه المؤتمرات في أوائل التسعينات من القرن الماضي جهد خاص بالشباب فأقيمت مخيمات وبرامج وجمعيات ومنتديات خاصة بهم كانت تواكب عمل هذه المؤتمرات، وتتفاعل معها، سواء على المستوى القومي (كمخيمات الشباب القومي العربي التي انطلقت في بداية التسعينات، أو مخيمات شباب الأحزاب العربية فيما بعد)، أو حتى على المستوى القطري.



ومن هنا برزت أهمية توصية صدرت عن المؤتمر باحتضان مبادرة تواصل شبابي عربي تنعقد بعد أسابيع تحت عنوان مؤتمر "الشباب العربي والتغيير" تضم شباباً من كل أقطار الأمة، لاسيّما تلك التي شهدت أو ستشهد انتفاضات وثورات شعبية عمادها الشباب.



5. أكّدت هذه الدورة كذلك على سلامة الرهان على قيام كتلة تاريخية في الأمة من كل تيارات وقوى النهوض فيها، أيّاً كانت خلفياتها ومنابتها ومشاربها الإيديولوجية، فهذه الكتلة هي الكفيلة بمواجهة التحديات الضخمة التي تواجه الأمة، داخلياً أو خارجياً.



ولقد حرصت معظم الكلمات، كما البيان الختامي ذاته، على أهمية بناء هذه الكتلة وتحصينها في وجه كل المحاولات لتفكيكها أو ضربها عبر إثارة حساسيات ورواسب وعصبيات مزقت قوى الأمة في الماضي البعيد والقريب، وتحاول تمزيقها في الحاضر.



ولقد كان واضحاً دعوة الغالبية من أعضاء المؤتمر إلى الحفاظ على التنسيق والتعاون والتفاعل بين التيارات الرئيسية في الأمة (الإسلامية واليسارية والليبرالية والقومية)، كما كان واضحاً سلبية موقف أعضاء المؤتمر مع دعواتٍ أو ممارسات، قليلة جداً، اتخذت منحى انقسامياً أو إيقاعياً بين هذه القوى.



6. لقد كان المؤتمر العربي العام، بأعضائه وحواراته وحرارة نقاشاته، صورة مصغرة عن ميادين الثورة وساحاتها التي شاهدناها منذ اندلاع ثورة تونس الملهمة، ومعها ثورة مصر المجيدة، تماماً مثلما كانت هذه الميادين والساحات صوراً مكبّرة لهذه المؤتمرات والملتقيات والمنتديات والمخيمات تعكس حراكها وحيويتها وتفاؤلها وثقتها التي لا حدود لها بقدرات الشعوب.



ومثلما رفضت هذه المؤتمرات وامتداداتها الفكرية والسياسية والنضالية والشبابية على مدى عقدين من الزمن تنظيرات تشاؤمية داعية لليأس والاستسلام، لتثبت الأيام سلامة نظرتها، وعمق رؤيتها، وعلو همتها، فقد كانت الدورة الطارئة الخامسة للمؤتمر العربي العام إشارة جديدة على طريق "الاستبشار والاعتزاز بهذه "الثورة الشعبية العربية" كما جاء في مقدمة البيان الختامي لهذا المؤتمر وهو يعلن الثقة بالثوار وبقدرتهم على الاستمرار في المسيرة حتى تحقيق كل مطالبهم وأهدافهم.