صفحة 1 من 1

صورتان لفقدان التوازن والاتزان

مرسل: الجمعة مارس 04, 2011 12:22 pm
بواسطة محمد النشوان9
عريب الرنتاوي
صورة أولى:



في الأنباء أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، قدّم اعتذاراً للإدارة الأميركية عن اتهامه لها برعاية "غرفة العمليات" التي تحرك الجماهير الغاضبة في اليمن ومختلف الأقطار العربية.. اعتذار الرئيس لم يوجه لنظيره الأميركي، الذي يبدو أنه رفض أن يرفع سماعة الهاتف، بل قُدّم لموظف في البيت الأبيض، ورأت الإدارة أن الاعتذار كافْ، مُذكّرة السيد الرئيس ببؤس سياسة البحث عن "شمّاعات" يعلق عليها أخطاءه وخطاياه.



والحقيقة أن الرئيس اليمني، نسيّ في حمأة الهجوم على المنتفضين عليه من أبناء شعبه في مختلف محافظاته، أن تهم "العمالة"للغرب، لم تعد صالحة للاستخدام بعد أن برهنت التجارب والوثائق أن نظامه بالذات، كان الأسرع على طريق الخنوع لهذه الدوائر والتبعية الذليلة لها.. وسبق أن قلنا في هذه الزاوية، أن علي صالح ليس جيفارا ولا جياب أو هوشي منّه، لكي يطلق صرخات التحذير من "عملاء الغرب"، فهو الرجل الذي سمح لواشنطن باستباحة بلاده، وسمح لطيرانها الحربي بالعربدة في سمائها وأجوائها، ولأجهزة مخابراتها، بل ولكل أجهزة مخابرات العالم، بأن "تسرح وتمرح" في ربوع اليمن "غير السعيد" بحكم صالح وأقربائه، فما الذي يمكن للعملاء أن يفعلوه أكثر من ذلك؟.



الرئيس اليمني اتهم في التصريحات ذاتها، إسرائيل باحتضان غرف عمليات مشابهة لتلك التي قال إن واشنطن تديرها وترعاها.. هل اعتذر الرئيس لنظرائه الإسرائيليين، أم لموظفين عندهم؟ هل سيعتذر..؟ لا ندري.



ولا ندري أيضاً من هو الأولى بالاعتذار والأجدر بطلب الصفح...الشعب اليمني الذي اتهم بـ "العمالة" للغرب، أم موظفو البيت الأبيض.. مئات الألوف التي لا يراها علي عبد الله صالح ولم يسمع هتافاتها المدوّية، أم ضباط المخابرات الأجنبية التي تدير فعلا غرف التآمر السوداء على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله، وبتواطؤ لافت من قبل أركان الحكم القائم فيه، بدلالة "ويكيليكس"؟.



مؤسف هذا الإسفاف الذي بلغه بعض حكامنا الذين فقدوا توازنهم واتزانهم على ما يبدو، بعدما شاهدوا الملايين من أبناء شعوبهم تهتف برحيلهم الآن وليس غداً ، عن مقاعد الفساد والاستبداد التي ظلوا مستمسكين بها لسنوات وعقود طويلة.. لقد أصابهم الهذيان حتى أنهم باتوا يطلقون الاتهامات ضد أسيادهم الجدد، في "عواصم الإمبريالية والصهيونية".. إنهم يستلون سيوفاً خشبية، تذكر بمعارك دونكيشوت، أو بـ"الفروسية" الجوالة في زمن القطار الكهربائي السريع.



صورة ثانية:



استحضر العقيد معمر القذافي في خطابه الثالث أثناء الأزمة، صوراً وتجارب عديدة، استخدمت فيها القوة ضد عناصر مسلحة تمردت على الحكم والنظام ، وذلك في معرض تبريره لاستخدام القوة في مواجهة "عصابات القاعدة" التي تهاجم معسكرات الجيش ودوائر الدولة في ليبيا. والقذافي كما تعلمون نفى وجود انتفاضة في بلاده ونفى وجود مظاهرات سلمية أو غير سلمية وفضل الحديث عن عصابات القاعدة المسلحة.



استحضر هجوم الجيش الباكستاني على وادي سوات.. والقوات الأميركية على الفلوجة.. والحرب الأميركية على أفغانستان.. و"الرصاص الإسرائيلي المصبوب" على قطاع غزة دائما.. بهدف تبرير اللجوء إلى استخدام القوة من جانب أجهزته وكتائبه الأمنية. ولسان حاله يقول: طالما أن كل تلك "الاعتداءات" على المسلحين مبررة ومجازة، فلماذا لا يكون الاستخدام المفرط للقوة من جانب نظامه مبرراً كذلك.



من بين كل الأمثلة والتجارب التي استنجد بها القذافي لتسويق وتسويغ سلوكه الإجرامي، تستوقنا حكاية الحرب الإسرائيلية على غزة.. لا لأن "العقيد" تبنى الرواية الإسرائيلية حولها: هجوم مبرر على مسلحين ومتمردين، بل لأنها الأقرب إلى وصف ما يجري من ليبيا من عدوان غاشم على شعب أعزل.. القذافي أدان نفسه بنفسه، عندما وضع أعماله الإجرامية في سلة واحدة مع الفعل الإسرائيلي الإجرامي في غزة.



بالقياس مع العقيد علي عبد الله صالح، بدا العقيد معمر القذافي أكثر تهافتا واهتزازاً...فهو تارة يتهم حركة شعبه بـ"العمالة" للغرب وخدمة أهدافه المتمثلة بإعادة احتلال ليبيا والسيطرة على ثرواتها كما يقول ويردد، ناسياً او متناسياً بأنه هو بالذات، من وضع مقدرات ليبيا في جيوب الغرب وأرصدة شركاته وسياسييه، وجعل من بلاده مسرحاً لمافيات الفساد والإفساد.. وهو تارة أخرى يتهم القاعدة بأنها المحرك الرئيس للأحداث في بلاده.. صيفا وشتاء على صفيح ساخن، هكذا هو القذافي.



أما القاسم المشترك بين الرجلين وربما غيرهما ممن لم تصلهم العدسات بعد فهو الهذيان، و"الانفصال عن الواقع" و"عدم تصديق ما تراه الأعين وتسمعه الآذان".. لقد فقدوا اتزانهم وتوازنهم.. لقد فقدوا البصر والبصيرة.. لقد فقدوا الرشد والرشاد.. إنهم أشد خطراً اليوم أكثر مما كانوا عليه بالأمس.. إنهم يقاتلون في المربع الأخير وربع الساعة الأخير.