- السبت مارس 05, 2011 10:06 pm
#33158
ما توجس أحد في العالم مما جرى في تونس ومصر ثم انتشر في سائر أنحاء العالم العربي، كما توجس الإسرائيليون حاكمين وخارج السلطة، ومعتدلين ومتطرفين، ويمينيين ويساريين ووسطا. وحجتهم جميعافي هذا القلق أن الذي يجري الآن ما جرى مثله منذ أزمنة سحيقة في العالم العربي. وقد كان الانطباع الأول أن الثورة المصرية هي مثل الثورة الإيرانية عام 1979، فهي تتميز بالشعبية الجارفة، وهي تريد اقتلاع نظام الحكم من الأساس، والذين سيصلون للسلطة هم من الإسلاميين المتشددين! أما الشعبية الجارفة فقد كانت هناك شواهد عليها من الانتشار الواسع والواسع جدا، والإصرار على البقاء في الشارع بأعداد كبيرة وعدم الخشية من الموت تحت هراوات رجال الأمن ورصاصهم. وفي مسألة نظام الحكم؛ فإن كل الشعارات التي رفعها المتظاهرون تشير إلى ذلك، فبعضها لا يكتفي بذهاب الرئيس، بل ويطالب بذهاب النظام معه. أما إسلامية المتظاهرين، وصيرورتهم للاستيلاء على السلطة، فما وجدوا أدلة عليها غير برامج فضائية «الجزيرة»، وتحمس إيران وحزب الله الظاهر لها، ثم خطابات الشيخ القرضاوي الداعية للتغيير العنيف، والمضي لتحرير فلسطين!
ومع مضي الأيام والأسابيع، واتضاح أبعاد التحركات المستمرة، ومراقبة الشعارات والمطالب بدقة، فإن المخاوف من الإسلاميين أو الإخوان لم تنقض، لكن كان على المراقبين الإسرائيليين أن يعترفوا أن مطالب المتظاهرين عادية أو ديمقراطية مألوفة، مثل التداول على السلطة، والانتخابات الحرة، ومكافحة الفساد، وإيجاد فرص عمل للشباب. بل إن الإخوانيين أنفسهم ما طالبوا بأكثر من ذلك، وقالوا إنهم لن يسعوا لغير الحصول على مشروعية إقامة حزب سياسي، ولن يخوضوا معركة رئاسة الجمهورية، وسيظلون مع المتظاهرين الآخرين في مطالبهم. وهكذا، ورغم عدم خمود الخوف من «الظاهرة الإسلامية»؛ فإن العسكريين والسياسيين بدأوا يعبرون عن توجساتهم على اتفاقيات السلام مع مصر ومع الأردن. وكانت القيادة العسكرية المصرية قد أعلنت عن ضمانها للاتفاقيات الإقليمية والدولية، فهدأ ذلك بعض وجوه القلق. وفي حين قال العسكريون إن مصر ليست جاهزة على أي حال للحرب الآن أو خلال سنوات قليلة؛ فإنه كان عليهم جميعا الاعتراف بأن «الاضطراب» في الدول العربية المجاورة، يتسبب في بيئة غير مستقرة، ويشجع الراديكاليات، ويطرح على إسرائيل تحديات استراتيجية، تتجاوز مخاطر ظاهرتي حماس وحزب الله، لأنها من طبيعة مختلفة. فوجهة نظر بعض الخبراء العسكريين أن حماس وحزب الله، صارا يغلبان اعتبارات الصراع الداخلي، والصراع على السلطة بالداخل اللبناني، وبالداخل الفلسطيني. وهما في ذلك لا يختلفان عن الدواخل العربية الأخرى، التي همها التغيير بالداخل أيضا. بيد أن الحزب والحركة امتلكا السلاح، ولذلك سعيا ويسعيان للغلبة الداخلية بهذه الطريقة السريعة؛ في حين تمتلك السلطات وحدها في الدول العربية الأخرى وسائل القوة؛ ولذا فإن المحتجين يعملون سلما على التغيير. بيد أن التغيير السلمي هذا، والمختلط بالكثير من الفوضى، وذهاب الاستقرار الذي كانت الأنظمة تؤمنه، يتسبب في المدى المتوسط بمخاطر على إسرائيل، ما كانت إسرائيل تتحسب لها في مصر والأردن وسورية.
والنتيجة أو الخلاصة العسكرية والاستراتيجية أن على إسرائيل، وخلال عشر سنوات، أن تتحسب لظاهرتين: ظاهرة فيضان الفوضى باتجاهها من جانب تنظيمات ثورية إسلامية وغير إسلامية تعجز السلطات الضعيفة عن ضبطها، كما عجزت السلطة اللبنانية، والظاهرة الأخرى: اتجاه الدول العربية المجاورة والبعيدة إلى سياسات أكثر راديكالية تجاه الدولة العبرية؛ بما في ذلك تهديد اتفاقيات السلام، إما بحجة أنها ما كانت منصفة، وإما بحجة أن إسرائيل تستمر في استعمار فلسطين وزيادة الاستيطان، ولا تريد السلام. ولذا يكون على إسرائيل تطوير قدرات الجيش للقتال على عدة جبهات، ولمواجهة حروب كر وفر شأن الظروف التي فرضتها عليها في العقود الماضية التنظيمات الثورية غير الإسلامية ثم الإسلامية.
وتوقف فريق من الباحثين (اليساريين غالبا) عند الفرص التي فوتتها إسرائيل للسلام في السنوات العشر الماضية. وقد رأى هؤلاء أنه كان معروضا على إسرائيل من السلطة الفلسطينية، ومن سورية، وبوساطات عربية وأميركية وأوروبية، عدة مبادرات لإنهاء احتلال الأرض السورية والوصول إلى اتفاقية سلام، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمسالمة لإسرائيل على أرض وحدود العام 1967. بيد أن اليمين الإسرائيلي (وبإغراء أميركي أيام شارون أو بدون إغراء بعده) رفض كل المحاولات، وقدم الاستيطان والحروب الخاطفة ومن جانب واحد تقريبا على كل اعتبار آخر. لكن اليمين ومنظّريه، لا يأبهون لهذه الحجة. ويقولون إنه حتى الاتفاقيات السابقة تتعرض الآن للتهديد. فالأنظمة العربية فقدت وتفقد شرعيتها (ومنها السلطة الفلسطينية)، وكذلك الاتفاقيات التي أجرتها أو التي كانت على استعداد لإجرائها. ولذلك فحتى المحاولات المتواضعة الجارية (المحاولة الأميركية) لا ينبغي السير فيها، ولا بد من الانتظار لانجلاء التطورات، ومعرفة إلى ماذا ستؤول الظاهرة الثورية العربية. ويشمل هذا التأمل أو الانتظار الجهة السورية أيضا. فالسيناتور الأميركي جون كيري وآخرون يتحركون لاستعادة المفاوضات بين سورية وإسرائيل. وقد جرت مفاوضات واتصالات من قبل بمساع تركية ثم فرنسية، وما تمخضت عن شيء. وإنما كان النظام السوري يسعى للتفاوض دائما عندما تشتد عليه الضغوط الأميركية، أو عندما يضطر للانحياز علنا إلى إيران وحزب الله، ثم يخفف من انطباع الانحياز بعرض التفاوض، لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ومع دول الاتحاد الأوروبي.
وبهذا التعليل يسعى اليمين الإسرائيلي المتشدد للإقناع والاقتناع بعدم الاستجابة للمحاولات الأميركية والأوروبية لاستعادة التفاوض بين سورية وإسرائيل. بيد أنه ظل هناك من يقول من خارج معسكر الصقور إنه ينبغي الاتفاق، أولا لصالح مَن التطورات الجارية في العالم العربي؟ هل هي لصالح إيران وسورية وحزب الله وحماس والإخوان بالدواخل؟ أم هي تطورات داخلية بحتة لن تستفيد منها الأنظمة الشرق أوسطية غير العربية والعربية؟ إذا كان الأمر الأول هو المرجح فالأفضل الانتظار بالفعل، بل والاستعداد للأسوأ عسكريا وأمنيا. وإن كان النظام السوري سيتعرض لمخاطر، فالأفضل مد اليد لمساعدته، لأن التغيير بسورية لن يكون لصالح إسرائيل بالتأكيد. لكن الطرفين اليميني واليساري متفقان على أن أوضاع السلطة الفلسطينية تزداد سوءا، دون أن يعني ذلك انفراجا ملموسا في أوضاع حماس. إنما الخلاصة أن اتفاق سلام مع السلطة اليوم أو غدا لن يجلب شيئا لإسرائيل أفضل مما هي عليه الآن.
ليس الأمر الآن أن الخطر الإسرائيلي زال أو تناقص. فالفلسطينيون لا يزالون منقسمين، ولا تزال التهديدات الإيرانية تجمع الغربيين من حول إسرائيل، لأسباب تتعلق بهم، ولأخرى تتعلق بها. بل الأمر أن الوضع الاستراتيجي بالمنطقة بكاملها يتغير بتغير الأنظمة في الدول المحيطة بإسرائيل، وتغير الموقف الدولي نتيجة لذلك من مستقبل المنطقة. فحتى لو بقيت اتفاقيات السلام مع إسرائيل (وتلك الاتفاقيات غير زائلة الآن على الأقل)؛ فإن العالم كله ما عاد بوسعه الصبر أو التسليم بالاحتلال للأراضي الفلسطينية أو العربية، أو لا يعود هناك ضمان على الإطلاق، لاستمرار أو قوة اتفاقيات السلام الأخرى. ووقوف 14 دولة في مجلس الأمن مع مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي في الأسبوع الماضي، أوضح رسالة أمكن توجيهها لإسرائيل، وهي رسالة ما استطاع الفيتو الأميركي تغطيتها أو التقليل من شأنها. فالولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون مع التغيير الديمقراطي في مصر وتونس وليبيا، ومع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وسورية ولبنان.
ومع مضي الأيام والأسابيع، واتضاح أبعاد التحركات المستمرة، ومراقبة الشعارات والمطالب بدقة، فإن المخاوف من الإسلاميين أو الإخوان لم تنقض، لكن كان على المراقبين الإسرائيليين أن يعترفوا أن مطالب المتظاهرين عادية أو ديمقراطية مألوفة، مثل التداول على السلطة، والانتخابات الحرة، ومكافحة الفساد، وإيجاد فرص عمل للشباب. بل إن الإخوانيين أنفسهم ما طالبوا بأكثر من ذلك، وقالوا إنهم لن يسعوا لغير الحصول على مشروعية إقامة حزب سياسي، ولن يخوضوا معركة رئاسة الجمهورية، وسيظلون مع المتظاهرين الآخرين في مطالبهم. وهكذا، ورغم عدم خمود الخوف من «الظاهرة الإسلامية»؛ فإن العسكريين والسياسيين بدأوا يعبرون عن توجساتهم على اتفاقيات السلام مع مصر ومع الأردن. وكانت القيادة العسكرية المصرية قد أعلنت عن ضمانها للاتفاقيات الإقليمية والدولية، فهدأ ذلك بعض وجوه القلق. وفي حين قال العسكريون إن مصر ليست جاهزة على أي حال للحرب الآن أو خلال سنوات قليلة؛ فإنه كان عليهم جميعا الاعتراف بأن «الاضطراب» في الدول العربية المجاورة، يتسبب في بيئة غير مستقرة، ويشجع الراديكاليات، ويطرح على إسرائيل تحديات استراتيجية، تتجاوز مخاطر ظاهرتي حماس وحزب الله، لأنها من طبيعة مختلفة. فوجهة نظر بعض الخبراء العسكريين أن حماس وحزب الله، صارا يغلبان اعتبارات الصراع الداخلي، والصراع على السلطة بالداخل اللبناني، وبالداخل الفلسطيني. وهما في ذلك لا يختلفان عن الدواخل العربية الأخرى، التي همها التغيير بالداخل أيضا. بيد أن الحزب والحركة امتلكا السلاح، ولذلك سعيا ويسعيان للغلبة الداخلية بهذه الطريقة السريعة؛ في حين تمتلك السلطات وحدها في الدول العربية الأخرى وسائل القوة؛ ولذا فإن المحتجين يعملون سلما على التغيير. بيد أن التغيير السلمي هذا، والمختلط بالكثير من الفوضى، وذهاب الاستقرار الذي كانت الأنظمة تؤمنه، يتسبب في المدى المتوسط بمخاطر على إسرائيل، ما كانت إسرائيل تتحسب لها في مصر والأردن وسورية.
والنتيجة أو الخلاصة العسكرية والاستراتيجية أن على إسرائيل، وخلال عشر سنوات، أن تتحسب لظاهرتين: ظاهرة فيضان الفوضى باتجاهها من جانب تنظيمات ثورية إسلامية وغير إسلامية تعجز السلطات الضعيفة عن ضبطها، كما عجزت السلطة اللبنانية، والظاهرة الأخرى: اتجاه الدول العربية المجاورة والبعيدة إلى سياسات أكثر راديكالية تجاه الدولة العبرية؛ بما في ذلك تهديد اتفاقيات السلام، إما بحجة أنها ما كانت منصفة، وإما بحجة أن إسرائيل تستمر في استعمار فلسطين وزيادة الاستيطان، ولا تريد السلام. ولذا يكون على إسرائيل تطوير قدرات الجيش للقتال على عدة جبهات، ولمواجهة حروب كر وفر شأن الظروف التي فرضتها عليها في العقود الماضية التنظيمات الثورية غير الإسلامية ثم الإسلامية.
وتوقف فريق من الباحثين (اليساريين غالبا) عند الفرص التي فوتتها إسرائيل للسلام في السنوات العشر الماضية. وقد رأى هؤلاء أنه كان معروضا على إسرائيل من السلطة الفلسطينية، ومن سورية، وبوساطات عربية وأميركية وأوروبية، عدة مبادرات لإنهاء احتلال الأرض السورية والوصول إلى اتفاقية سلام، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمسالمة لإسرائيل على أرض وحدود العام 1967. بيد أن اليمين الإسرائيلي (وبإغراء أميركي أيام شارون أو بدون إغراء بعده) رفض كل المحاولات، وقدم الاستيطان والحروب الخاطفة ومن جانب واحد تقريبا على كل اعتبار آخر. لكن اليمين ومنظّريه، لا يأبهون لهذه الحجة. ويقولون إنه حتى الاتفاقيات السابقة تتعرض الآن للتهديد. فالأنظمة العربية فقدت وتفقد شرعيتها (ومنها السلطة الفلسطينية)، وكذلك الاتفاقيات التي أجرتها أو التي كانت على استعداد لإجرائها. ولذلك فحتى المحاولات المتواضعة الجارية (المحاولة الأميركية) لا ينبغي السير فيها، ولا بد من الانتظار لانجلاء التطورات، ومعرفة إلى ماذا ستؤول الظاهرة الثورية العربية. ويشمل هذا التأمل أو الانتظار الجهة السورية أيضا. فالسيناتور الأميركي جون كيري وآخرون يتحركون لاستعادة المفاوضات بين سورية وإسرائيل. وقد جرت مفاوضات واتصالات من قبل بمساع تركية ثم فرنسية، وما تمخضت عن شيء. وإنما كان النظام السوري يسعى للتفاوض دائما عندما تشتد عليه الضغوط الأميركية، أو عندما يضطر للانحياز علنا إلى إيران وحزب الله، ثم يخفف من انطباع الانحياز بعرض التفاوض، لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ومع دول الاتحاد الأوروبي.
وبهذا التعليل يسعى اليمين الإسرائيلي المتشدد للإقناع والاقتناع بعدم الاستجابة للمحاولات الأميركية والأوروبية لاستعادة التفاوض بين سورية وإسرائيل. بيد أنه ظل هناك من يقول من خارج معسكر الصقور إنه ينبغي الاتفاق، أولا لصالح مَن التطورات الجارية في العالم العربي؟ هل هي لصالح إيران وسورية وحزب الله وحماس والإخوان بالدواخل؟ أم هي تطورات داخلية بحتة لن تستفيد منها الأنظمة الشرق أوسطية غير العربية والعربية؟ إذا كان الأمر الأول هو المرجح فالأفضل الانتظار بالفعل، بل والاستعداد للأسوأ عسكريا وأمنيا. وإن كان النظام السوري سيتعرض لمخاطر، فالأفضل مد اليد لمساعدته، لأن التغيير بسورية لن يكون لصالح إسرائيل بالتأكيد. لكن الطرفين اليميني واليساري متفقان على أن أوضاع السلطة الفلسطينية تزداد سوءا، دون أن يعني ذلك انفراجا ملموسا في أوضاع حماس. إنما الخلاصة أن اتفاق سلام مع السلطة اليوم أو غدا لن يجلب شيئا لإسرائيل أفضل مما هي عليه الآن.
ليس الأمر الآن أن الخطر الإسرائيلي زال أو تناقص. فالفلسطينيون لا يزالون منقسمين، ولا تزال التهديدات الإيرانية تجمع الغربيين من حول إسرائيل، لأسباب تتعلق بهم، ولأخرى تتعلق بها. بل الأمر أن الوضع الاستراتيجي بالمنطقة بكاملها يتغير بتغير الأنظمة في الدول المحيطة بإسرائيل، وتغير الموقف الدولي نتيجة لذلك من مستقبل المنطقة. فحتى لو بقيت اتفاقيات السلام مع إسرائيل (وتلك الاتفاقيات غير زائلة الآن على الأقل)؛ فإن العالم كله ما عاد بوسعه الصبر أو التسليم بالاحتلال للأراضي الفلسطينية أو العربية، أو لا يعود هناك ضمان على الإطلاق، لاستمرار أو قوة اتفاقيات السلام الأخرى. ووقوف 14 دولة في مجلس الأمن مع مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي في الأسبوع الماضي، أوضح رسالة أمكن توجيهها لإسرائيل، وهي رسالة ما استطاع الفيتو الأميركي تغطيتها أو التقليل من شأنها. فالولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون مع التغيير الديمقراطي في مصر وتونس وليبيا، ومع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وسورية ولبنان.