- الاثنين مارس 07, 2011 2:21 am
#33182
خالد محادين
(من يعادي نصف شعبه، يتحول بشكل تلقائي الى عدو لكل الشعب، وهذا ما حدث بالضبط في الجماهيرية).
في الرابع والعشرين من شهر آب من عام 1969، غادرت مطار عمان المدني في ماركا متجها الى ليبيا، كنت عائدا الى الاردن في اجازة صيفية من عملي في قرية ينبع النخيل السعودية حيث كنت أعمل مدرسا في مدرسة اعدادية، يوم وصولي الى عمان التقيت مع صديق اردني من اصل ليبي اخبرني انه سيسافر الى ليبيا للعمل في اذاعتها وأنه سيبحث لي عن عمل هناك، وبعد اسبوع من سفره ارسل لي برقية يطلب مني فيها الحضور لوجود فرصة للعمل في صحيفة ليبية خاصة اسمها (الزمان) كان يرأس تحريرها رجل ليبي طيب عمله الرئيس هو تربية الاغنام.
استقبلني صديقي في مطار بنغازي، واخذني الى فندق متواضع يقع على بعد مئات الامتار من الاذاعة، والتقيت خلال الاسبوع الاول من وصولي بالعديد من الصحفيين والنشطاء السياسيين والحزبيين الذين كانوا يتوزعون بين الناصريين والقوميين، وكان الحديث في كل جلسة حول انقلاب وشيك سيقع على الملك السنوسي ويقوده ضابط مهم من الاسرة ثم كانت المفاجأة ان ملازما يحمل على كتفه نجمتين يقود انقلابا لمجموعة من الضباط الاحرار اطلقوا عليه اسم (ثورة الفاتح من سبتمبر) أي ثورة الاول من أيلول، وكان الملازم أول معمر القذافي هو القائد الذي لم يعلن عن اسمه الا يوم 16/9/69 عندما خرج ليقف امام ضريح شيخ الشهداء عمر المختار ويلقي كلمة ارتجالية في ذكرى استشهاد زعيم الثورة الشعبية المسلحة التي قادت نضال الليبيين ضد الاستعمار الايطالي، وعلقت جثته الطاهرة في حبل مشنقة وتواصل النضال المسلح حتى تم طرد الايطاليين.
أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين تم الاعلان عنهم كانوا حسب اهميتهم الملازم اول معمر القذافي والباقون كانوا يحملون رتبة نقيب وهم حسب أهميتهم ابو بكر يونس ومصطفى الخروبي وعبدالسلام جلود وعبدالمنعم الهوني وخويلدي الحميدي وبشير هواري وعمر المحيشي ومختار القروي ومحمد احمد المقريف ومحمد نجم، وتولوا فيما بعد مناصب وزارية ثم مع نهاية السبعينات بدأوا في الاختفاء عن المسرح واحدا بعد الاخر حيث لم يبق منهم سوى معمر القذافي وابو بكر يونس ومصطفى الخروبي وحولهم عشرات الشباب القوميين والناصريين والبعثيين كنت اتساءل دائما اين صاروا فقد عملت معهم تسعة اعوام استضافتي خلالها هذا البلد العربي وعاملني بافضل معاملة بل ومنحني جواز سفر دبلوماسيا كنت اتنقل به وخاصة في افريقيا، الزملاء عمر الحامدي وسالم والي وعبدالرحمن شلقم كانوا رؤساء تحرير لصحيفة (الثورة) الرسمية في ظل احداث الثورة الجديدة عرفت ان الزميل شلقم يعمل مندوبا للجماهيرية في الامم المتحدة وقد اعلن انحيازه الى الثورة وأدرلى في مجلس الامن بتصريحات شجاعة قال فيها ان العقيد القذافي يقول لليبيين/ اما ان احكمكم او اقتلكم اما الزميلان فاذكر ان الحامدي كان مسؤولا عن الشؤون العربية اما الزميل والي فآخر ما سمعت عنه قبل سنوات انه يعمل سفيرا لدى اليمن، الزميل والصديق محمد ابو القاسم الزوي يعمل الان امينا عاما للجنة الشعبية أي بوظيفة تقارب وظيفة رئيس الوزراء وقد اطل عبر الشاشات الفضائية يدافع عن العقيد ويهاجم الليبيين الجرذان – حسب تعبير الاخ القائد– الصديق ابو زيد عمر دورده مدير الامن الخارجي، ولا ادري كيف اسند اليه هذا المنصب وكيف قبله فهو سياسي ومفكر وقومي ناصري، الزميل والصديق النقي علي ماريه آخر اخباره بالنسبة لي انه كان سفيرا لبلاده في اليونان، الصديق سعد مجبر هو الان سفير في ايران. وبعد عمليات التصفيات التي تعرض لها رفاق معمر القذافي يبدو انه لم يبق معه سوى مجموعة من اقاربه العسكريين وابرزهم سيد قذاف الدم واحمد قذاف الدم وعبدالله السنوسي ساعده العسكري والامني الذي شن غارة على سجن (ابو سليم) فقتل فيه الفا ومائتي سجين– ما بين اسلاميين وبين حزبيين لم يقتنعوا بالكتاب الاخضر وبمقولة الاخ القائد (من تحزب خان) فتحزبوا وخانوا واعدموا بدم بارد.
بعد اثنين واربعين عاما من حكم القذافي ظلت السلطة والثروة من نصيب الاخ القائد وابنائه الستة واختهم الوحيدة وزوجاته التي لا ادري اذا كن ما زلن في أسرته، وخاصة الاولى التي انجبت له محمدا، الذي لا يذكره الليبون بخير او بسوء. حول القذافي الجيش الليبي الى رقم ضئيل لا يحظى بتدريب او بتسليح او احترام واقام كتائبه الامنية في العاصمة وجنوبها حيث قبيلة القذاذفة التي يتحدر منها والتي يقاتل معظمها عن امتيازاته الكثيرة، وليس عن الاخ القائد الذي تخلت عنه الغالبية العظمى من الليبيين. ويؤكد احد الليبيين السياسيين انه رغم خطب القذافي الكثيرة والطويلة فان احدا لا يذكر انه خاطب الشعب الليبي بعبارة مثل (ايها الاخوة المواطنون) او (ايها الشعب الليبي العظيم) ابرز اتهاماته للثوار الليبيين ان تنظيم القاعدة يزودهم بحبوب هلوسة، ويدفعهم الى اقامة امارة اسلامية وهاتان مسألتان يصعب على احد أن يفهم واحدة منهما. الاخ القائد اعلن المرة بعد المرة ان الشعب الليبي يحبه والامة العربية تحبه والشعوب الافريقية تحبه، وانه سيقاتل الذين تحركوا ويتحركون ضده حتى اخر نقطة دم.
اما ابنه العظيم سيف الاسلام فأكد انه سيقاتل الليبيين بالجزمة، وانه سيهزمهم شر هزيمة، بينما الليبيون يتوسعون في المدن والمناطق التي يحررونها وينصرفون الى اشعال النار بصوره وكتابه الاخضر ويمزقون علم الجماهيرية ليرفعوا بدلا منه علم الاستقلال الذي كان مرفوعاً في عهد الملك السنوسي.
بدأت مشكلة القائد وعقده وحقده في كراهيته القديمة لشرق ليبيا، حيث المد القومي يكاد يكون في كل بيت وحيث قربهم من مصر جعلهم اكثر تأثرا بثورة 23 يوليو وزعيمها الراحل جمال عبدالناصر، وحيث لا نحتاج الى وقت او بحث لنكتشف ان مئات الآلاف من الاسر الليبية تضم امهات مصريات او زوجات مصريات، وحيث ان الحرب على الاستعمار الايطالي ولد وكبر وحقق النصر في المنطقة الشرقية التي كرهها الاخ القائد، ولم يقم فيها منذ توليه سلطته الانقلابية مشروعا واحدا، فهذه المدينة لم تحرم من محبة القذافي ورعايته، بل حرمت من اصغر المشاريع رغم ان نفط ليبيا يتفجر منها ويشحن منها ويصرف على غرب ليبيا.
الاخ العقيد وابنه سيف الاسلام وكل المطبلين والمزمرين له واعلامه الرسمي لا يتوقفون عن التأكيد ان الجماهيرية لا تشهد اية مظاهرات ولم يسقط شهيد واحد على ارضها وهذه نقطة تدعونا الى التساؤل: اي نوع من حبوب الهلوسة يجعل هؤلاء مجتمعين لا يرون ولا يسمعون ولا يعترفون بالنهر العظيم الشعبي المتبقي الذي يجرف الان كل ارض الجماهيرية وكل حكامها وكل كتائب امنها وكل جيوش المرتزقة الآتين اليها من دول افريقية تقبض من معمر وتدفع ابناءها الى الموت دفاعا عنه؟!.
(من يعادي نصف شعبه، يتحول بشكل تلقائي الى عدو لكل الشعب، وهذا ما حدث بالضبط في الجماهيرية).
في الرابع والعشرين من شهر آب من عام 1969، غادرت مطار عمان المدني في ماركا متجها الى ليبيا، كنت عائدا الى الاردن في اجازة صيفية من عملي في قرية ينبع النخيل السعودية حيث كنت أعمل مدرسا في مدرسة اعدادية، يوم وصولي الى عمان التقيت مع صديق اردني من اصل ليبي اخبرني انه سيسافر الى ليبيا للعمل في اذاعتها وأنه سيبحث لي عن عمل هناك، وبعد اسبوع من سفره ارسل لي برقية يطلب مني فيها الحضور لوجود فرصة للعمل في صحيفة ليبية خاصة اسمها (الزمان) كان يرأس تحريرها رجل ليبي طيب عمله الرئيس هو تربية الاغنام.
استقبلني صديقي في مطار بنغازي، واخذني الى فندق متواضع يقع على بعد مئات الامتار من الاذاعة، والتقيت خلال الاسبوع الاول من وصولي بالعديد من الصحفيين والنشطاء السياسيين والحزبيين الذين كانوا يتوزعون بين الناصريين والقوميين، وكان الحديث في كل جلسة حول انقلاب وشيك سيقع على الملك السنوسي ويقوده ضابط مهم من الاسرة ثم كانت المفاجأة ان ملازما يحمل على كتفه نجمتين يقود انقلابا لمجموعة من الضباط الاحرار اطلقوا عليه اسم (ثورة الفاتح من سبتمبر) أي ثورة الاول من أيلول، وكان الملازم أول معمر القذافي هو القائد الذي لم يعلن عن اسمه الا يوم 16/9/69 عندما خرج ليقف امام ضريح شيخ الشهداء عمر المختار ويلقي كلمة ارتجالية في ذكرى استشهاد زعيم الثورة الشعبية المسلحة التي قادت نضال الليبيين ضد الاستعمار الايطالي، وعلقت جثته الطاهرة في حبل مشنقة وتواصل النضال المسلح حتى تم طرد الايطاليين.
أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين تم الاعلان عنهم كانوا حسب اهميتهم الملازم اول معمر القذافي والباقون كانوا يحملون رتبة نقيب وهم حسب أهميتهم ابو بكر يونس ومصطفى الخروبي وعبدالسلام جلود وعبدالمنعم الهوني وخويلدي الحميدي وبشير هواري وعمر المحيشي ومختار القروي ومحمد احمد المقريف ومحمد نجم، وتولوا فيما بعد مناصب وزارية ثم مع نهاية السبعينات بدأوا في الاختفاء عن المسرح واحدا بعد الاخر حيث لم يبق منهم سوى معمر القذافي وابو بكر يونس ومصطفى الخروبي وحولهم عشرات الشباب القوميين والناصريين والبعثيين كنت اتساءل دائما اين صاروا فقد عملت معهم تسعة اعوام استضافتي خلالها هذا البلد العربي وعاملني بافضل معاملة بل ومنحني جواز سفر دبلوماسيا كنت اتنقل به وخاصة في افريقيا، الزملاء عمر الحامدي وسالم والي وعبدالرحمن شلقم كانوا رؤساء تحرير لصحيفة (الثورة) الرسمية في ظل احداث الثورة الجديدة عرفت ان الزميل شلقم يعمل مندوبا للجماهيرية في الامم المتحدة وقد اعلن انحيازه الى الثورة وأدرلى في مجلس الامن بتصريحات شجاعة قال فيها ان العقيد القذافي يقول لليبيين/ اما ان احكمكم او اقتلكم اما الزميلان فاذكر ان الحامدي كان مسؤولا عن الشؤون العربية اما الزميل والي فآخر ما سمعت عنه قبل سنوات انه يعمل سفيرا لدى اليمن، الزميل والصديق محمد ابو القاسم الزوي يعمل الان امينا عاما للجنة الشعبية أي بوظيفة تقارب وظيفة رئيس الوزراء وقد اطل عبر الشاشات الفضائية يدافع عن العقيد ويهاجم الليبيين الجرذان – حسب تعبير الاخ القائد– الصديق ابو زيد عمر دورده مدير الامن الخارجي، ولا ادري كيف اسند اليه هذا المنصب وكيف قبله فهو سياسي ومفكر وقومي ناصري، الزميل والصديق النقي علي ماريه آخر اخباره بالنسبة لي انه كان سفيرا لبلاده في اليونان، الصديق سعد مجبر هو الان سفير في ايران. وبعد عمليات التصفيات التي تعرض لها رفاق معمر القذافي يبدو انه لم يبق معه سوى مجموعة من اقاربه العسكريين وابرزهم سيد قذاف الدم واحمد قذاف الدم وعبدالله السنوسي ساعده العسكري والامني الذي شن غارة على سجن (ابو سليم) فقتل فيه الفا ومائتي سجين– ما بين اسلاميين وبين حزبيين لم يقتنعوا بالكتاب الاخضر وبمقولة الاخ القائد (من تحزب خان) فتحزبوا وخانوا واعدموا بدم بارد.
بعد اثنين واربعين عاما من حكم القذافي ظلت السلطة والثروة من نصيب الاخ القائد وابنائه الستة واختهم الوحيدة وزوجاته التي لا ادري اذا كن ما زلن في أسرته، وخاصة الاولى التي انجبت له محمدا، الذي لا يذكره الليبون بخير او بسوء. حول القذافي الجيش الليبي الى رقم ضئيل لا يحظى بتدريب او بتسليح او احترام واقام كتائبه الامنية في العاصمة وجنوبها حيث قبيلة القذاذفة التي يتحدر منها والتي يقاتل معظمها عن امتيازاته الكثيرة، وليس عن الاخ القائد الذي تخلت عنه الغالبية العظمى من الليبيين. ويؤكد احد الليبيين السياسيين انه رغم خطب القذافي الكثيرة والطويلة فان احدا لا يذكر انه خاطب الشعب الليبي بعبارة مثل (ايها الاخوة المواطنون) او (ايها الشعب الليبي العظيم) ابرز اتهاماته للثوار الليبيين ان تنظيم القاعدة يزودهم بحبوب هلوسة، ويدفعهم الى اقامة امارة اسلامية وهاتان مسألتان يصعب على احد أن يفهم واحدة منهما. الاخ القائد اعلن المرة بعد المرة ان الشعب الليبي يحبه والامة العربية تحبه والشعوب الافريقية تحبه، وانه سيقاتل الذين تحركوا ويتحركون ضده حتى اخر نقطة دم.
اما ابنه العظيم سيف الاسلام فأكد انه سيقاتل الليبيين بالجزمة، وانه سيهزمهم شر هزيمة، بينما الليبيون يتوسعون في المدن والمناطق التي يحررونها وينصرفون الى اشعال النار بصوره وكتابه الاخضر ويمزقون علم الجماهيرية ليرفعوا بدلا منه علم الاستقلال الذي كان مرفوعاً في عهد الملك السنوسي.
بدأت مشكلة القائد وعقده وحقده في كراهيته القديمة لشرق ليبيا، حيث المد القومي يكاد يكون في كل بيت وحيث قربهم من مصر جعلهم اكثر تأثرا بثورة 23 يوليو وزعيمها الراحل جمال عبدالناصر، وحيث لا نحتاج الى وقت او بحث لنكتشف ان مئات الآلاف من الاسر الليبية تضم امهات مصريات او زوجات مصريات، وحيث ان الحرب على الاستعمار الايطالي ولد وكبر وحقق النصر في المنطقة الشرقية التي كرهها الاخ القائد، ولم يقم فيها منذ توليه سلطته الانقلابية مشروعا واحدا، فهذه المدينة لم تحرم من محبة القذافي ورعايته، بل حرمت من اصغر المشاريع رغم ان نفط ليبيا يتفجر منها ويشحن منها ويصرف على غرب ليبيا.
الاخ العقيد وابنه سيف الاسلام وكل المطبلين والمزمرين له واعلامه الرسمي لا يتوقفون عن التأكيد ان الجماهيرية لا تشهد اية مظاهرات ولم يسقط شهيد واحد على ارضها وهذه نقطة تدعونا الى التساؤل: اي نوع من حبوب الهلوسة يجعل هؤلاء مجتمعين لا يرون ولا يسمعون ولا يعترفون بالنهر العظيم الشعبي المتبقي الذي يجرف الان كل ارض الجماهيرية وكل حكامها وكل كتائب امنها وكل جيوش المرتزقة الآتين اليها من دول افريقية تقبض من معمر وتدفع ابناءها الى الموت دفاعا عنه؟!.