- الثلاثاء مارس 08, 2011 9:40 pm
#33258
ما بعد الجامعة العربية
طلعت رميح
لم يعد التساؤل المطروح على النخب والجمهور العام في العالم العربي ،هو ماذا بعد انعقاد القمة العربية في ليبيا ،كما الجهد لم يعد ينصب على دراسة النتائج لتوجيه النقد أو مراجعة ما تحقق ،ولكن السؤال الذي صار مطروحا بعد القمة وفى ضوء الأوضاع الاستراتيجية وتوازنات القوى ،هو ماذا بعد الجامعة العربية ،التي يبدو أنها وصلت إلى تلك المرحلة التي تشهدها المنظمات الإقليمية التي تشيخ أو ينتهي دورها بانتهاء الأهداف التي أسسها من أجلها من أسسها أو بتغير الأوضاع التي أتاحت تشكيلها وانقلابها في الاتجاه المضاد.
لقد انعقدت القمة العربية في مدينة سرت الليبية ،فلم تأت على وزن المعنى المتصور لاختيار المدينة التي كانت يوما ما عنوانا لتحدى الهيمنة والغطرسة الأمريكية ،حين جرى اعتداء أمريكي على ليبيا كان عنوانه خليج سرت الذي حاولت الولايات المتحدة انتزاعه من السيادة الليبية وجعله ضمن المياه الدولية .
تحديات بلا مواجهة
كان فى مواجهة القمة العربية تحدي التعامل مع الكيان الصهيوني ،في لحظة فارقة ،دفعت الأمين العام للجامعة العربية بطلب من قادة القمة الاستعداد لمواجهة ما بعد إعلان فشل عملية التسوية ،فكان رد القمة مزيدا من الكلام لغزة ،لا يقدم ولا يؤخر من وضعية حصارها ،وقليلا من المال للقدس إذ رصدت القمة نحو 500 مليون دولار لمواجهة خطة التهويد التي أنفق عليها الصهاينة نحو 14 مليار دولار .
لم يصدر عن القمة ما يفيد لا قبول التحدي ووضع خطة للمواجهة بالمثل ،ولا إعلان بأن طريق السلام الذي اختطوه قد فشل ،بل ظلت القمة على حالها أو حالتها ،حتى صار هناك من يقول ،ربما كان الأفضل أن تعلن فشل خطتها وخيارها ولو كانت النتيجة ترك الشعب الفلسطيني ليواجه مصيره بلا أوهام مستندة لمواقف عربية رسمية حول السلام وخياره.
واصلت القمة الإعلان عن السلام كخيار استراتيجي ،وإن كان هناك من جديد، فتلك القمة ميزها عدم استرسال القادة فى الكلام ،إذ اختصروا الجلسة الكلامية الختامية ،كإعلان عن الزهق ربما من النفس.
وكان في مواجهة القمة تحدي حالة التفكك والتشرذم الحاصلة في داخل النظام الرسمي العربي ،إذ تتحالف بعض دوله مع دول من خارج هذا النظام في مواجهة دول في داخل هذا النظام ،فكانت الاستجابة غائمة ،تمثلت في اقتراح لم تفهم أبعاده بعد ،تلاه الأمين العام للجامعة ،حين تحدث عن تشكيل آلية تجمع دول الجامعة مع دول الجوار ما عدا الكيان الصهيوني .
البعض فهمها اقتراحا بإعلان اليأس من قدرة النظام الرسمي العربي على مقاومة الاختراق الإقليمي له ولأطره ،بما دعا إلى تشكيل آلية جامعة لدول ونظام ضعيف مع دول قوية هي ذاتها التي اخترقت هذا النظام ،على طريق تسكين اللص في الشقة التي يسرقها جزءا جزءا ،والبعض رآها محاولة لإدخال تركيا فقط –لا إيران ولا "إسرائيل"- داخل نظام شرق أوسطي للاستفادة من نفوذها وقوتها فى مواجهة إيران من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى ،فرد عليهم آخرون ،بأن تركيا في حالة تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني ،ولا تسعى لصراع مع إيران ،وأن إدخالها وبعض الدول الإفريقية والإعلان عن حوار مع إيران لن يفضى فى النهاية إلا إلى كتابة شهادة وفاة الجامعة العربية .
وقسم آخر من المتابعين ،قالوا إن الاقتراح هو إعلان خلفي أو مستتر لبناء نظام شرق أوسطي جديد ،وبشأن هذا الرأي انقسم المحللون بين من رآها محاولة للتماهى مع المشروع الأمريكي لبناء شرق أوسط جديد لكن بأيدٍ عربية هذه المرة ،وبين من قال أبدا ،إنها محاولة محلية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية تفضي لنظام تكافل إسلامي ،وأن الفارق واضح بين المشروعين إذ المشروع الأمريكي يقيم الشرق الأوسط الجديد على أساس محوري هو سيطرة الكيان الصهيوني عليه وتعيينه رئيسا لمجلس إدارته ،بينما المشروع العربي يعمل على استبعاد هذا الكيان من النظام الجديد ،بل هو اقتراح لاستبعاد هذا الكيان من الترتيبات المفروضة بعوامل القوة والتوازنات الجديدة.
وكان أمام القمة تحدي تفكك الدول من الداخل على أسس هي الخطر بعينه على النظام الرسمي العربي لا على استقرار الدول والمجتمعات ،فلم تأت الاستجابة إلا على الطريقة المعتادة، نعلن تضامننا وشجبنا واستنكارنا والتأييد لما هو قائم "وكفى" .
دخلت السودان واليمن والعراق والجزائر والمغرب إلى أبواب تلك القمة ،وهى فى قلب أتون معارك وصراعات داخلية ،كانت تطلب دورا وردا من القمة ،فلم تجد إلا المواقف التعبيرية من التضامن ،بينما المعارك تخاض من قوى تطلب رأس العروبة أو الفكرة العربية.
فى جنوب السودان ،يجرى التحضير لانفصال على أساس رفض العروبة ،إذ الحركات الانفصالية التى أصبح الطريق مفتوحا لها للانفصال بالجنوب ،ترفع شعارات تعادي العروبة والعرب واللغة العربية وبطبيعة الحال الإسلام .
وفى العراق تتعدد التحديات بين قادة وممثلي الميليشيات الشيعية ـ إذ هم ناشطون على أساس فكرة الارتباط مع إيران وفصم العلاقة مع العرب والعروبة ـ، وقادة الحركة الكردية العرقية ،المتحدثين بالكردية رفضا للعربية لا تمايزا عنها فقط ،والرافضين للعروبة والساعين للانفصال عن العراق لا النظام الرسمي العربي فقط .
وكذا الأوضاع فى اليمن ،إذ الحركة الحوثية لم تكن –ولا تزال-اختراقا لليمن فقط ،بل اختراقا للنظام الرسمي العربي ولاءً لإيران .
أما في الحركة الأمازيغية الناشطة حاليا ،فالدلالات قاطعة فى رفض كل ما هو عربي والعودة ربما لما قبل التاريخ .
تعددت التحديات وتنوعت ،لكن الردود عليها لم تأت بشيء عملي ،فهل يدعو ذلك للقول ،بأن الجامعة العربية والقمم العربية لم تحقق شيئا حقيقيا منذ نشأتها وحتى الآن ؟ بل ألا يدعو ذلك للتساؤل ،عما إذا كانت الدول الغربية قد حققت أهدافها التي ابتغتها منذ يوم تشكيل الجامعة وأنها كانت على حق حين دفعت العرب وسهلت تشكيل الجامعة وهم تحت الاحتلال في أغلبية دولهم ،وأن الدول العربية لم تنجح في تخليص الفكرة من أهداف الغرب؟
التشكيل ..والدور
لم يتخلف أحد من قادة الدول "الاستعمارية" عن التعبير عن رفضه وقلقه وتخطيطه لمنع جمع شمل الدول العربية وتشكيل حالة تضامن فيما بينهم، ومع ذلك فان الجامعة العربية التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وكجزء من نتائجها ،لم يأت تشكيلها ضد رغبة الغرب ،بما يثير تساؤلات كثيرة .
في الشق الأول من المعادلة المتضادة ،يبدو اقتباس بعض الأقوال مهما للتدليل على الموقف الغربي .ومنها قول وزير الدفاع الفرنسي السابق شفنمان "في كل مرة أراد العرب استدراك تخلفهم ،وأن يصوغوا وحدتهم ،كانوا يجدون الغرب في طريقهم يمنعهم من تحقيق أهدافهم بقوة السلاح " .
ويقول المفكر الاستراتيجي الأمريكي نعوم تشومسكى "الولايات المتحدة تنظر بعين الخطورة إلى الروح القومية والوطنية المستقلة التي تكتسب في المنطقة أهمية فوق العادة " أما الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون فيقول "الهاجس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية إنما يتمثل في القومية العربية والدين الإسلامي" .
وهكذا فإن الغرب يعلن بوضوح أن فكرة تجمع العرب هي فكرة تحارب ولو بقوة السلاح .لكن تشكيل الجامعة العربية لم يلق رفضا رغم ذلك ،بل كان تشكيل الجامعة محل ترحيب .
طلعت رميح
لم يعد التساؤل المطروح على النخب والجمهور العام في العالم العربي ،هو ماذا بعد انعقاد القمة العربية في ليبيا ،كما الجهد لم يعد ينصب على دراسة النتائج لتوجيه النقد أو مراجعة ما تحقق ،ولكن السؤال الذي صار مطروحا بعد القمة وفى ضوء الأوضاع الاستراتيجية وتوازنات القوى ،هو ماذا بعد الجامعة العربية ،التي يبدو أنها وصلت إلى تلك المرحلة التي تشهدها المنظمات الإقليمية التي تشيخ أو ينتهي دورها بانتهاء الأهداف التي أسسها من أجلها من أسسها أو بتغير الأوضاع التي أتاحت تشكيلها وانقلابها في الاتجاه المضاد.
لقد انعقدت القمة العربية في مدينة سرت الليبية ،فلم تأت على وزن المعنى المتصور لاختيار المدينة التي كانت يوما ما عنوانا لتحدى الهيمنة والغطرسة الأمريكية ،حين جرى اعتداء أمريكي على ليبيا كان عنوانه خليج سرت الذي حاولت الولايات المتحدة انتزاعه من السيادة الليبية وجعله ضمن المياه الدولية .
تحديات بلا مواجهة
كان فى مواجهة القمة العربية تحدي التعامل مع الكيان الصهيوني ،في لحظة فارقة ،دفعت الأمين العام للجامعة العربية بطلب من قادة القمة الاستعداد لمواجهة ما بعد إعلان فشل عملية التسوية ،فكان رد القمة مزيدا من الكلام لغزة ،لا يقدم ولا يؤخر من وضعية حصارها ،وقليلا من المال للقدس إذ رصدت القمة نحو 500 مليون دولار لمواجهة خطة التهويد التي أنفق عليها الصهاينة نحو 14 مليار دولار .
لم يصدر عن القمة ما يفيد لا قبول التحدي ووضع خطة للمواجهة بالمثل ،ولا إعلان بأن طريق السلام الذي اختطوه قد فشل ،بل ظلت القمة على حالها أو حالتها ،حتى صار هناك من يقول ،ربما كان الأفضل أن تعلن فشل خطتها وخيارها ولو كانت النتيجة ترك الشعب الفلسطيني ليواجه مصيره بلا أوهام مستندة لمواقف عربية رسمية حول السلام وخياره.
واصلت القمة الإعلان عن السلام كخيار استراتيجي ،وإن كان هناك من جديد، فتلك القمة ميزها عدم استرسال القادة فى الكلام ،إذ اختصروا الجلسة الكلامية الختامية ،كإعلان عن الزهق ربما من النفس.
وكان في مواجهة القمة تحدي حالة التفكك والتشرذم الحاصلة في داخل النظام الرسمي العربي ،إذ تتحالف بعض دوله مع دول من خارج هذا النظام في مواجهة دول في داخل هذا النظام ،فكانت الاستجابة غائمة ،تمثلت في اقتراح لم تفهم أبعاده بعد ،تلاه الأمين العام للجامعة ،حين تحدث عن تشكيل آلية تجمع دول الجامعة مع دول الجوار ما عدا الكيان الصهيوني .
البعض فهمها اقتراحا بإعلان اليأس من قدرة النظام الرسمي العربي على مقاومة الاختراق الإقليمي له ولأطره ،بما دعا إلى تشكيل آلية جامعة لدول ونظام ضعيف مع دول قوية هي ذاتها التي اخترقت هذا النظام ،على طريق تسكين اللص في الشقة التي يسرقها جزءا جزءا ،والبعض رآها محاولة لإدخال تركيا فقط –لا إيران ولا "إسرائيل"- داخل نظام شرق أوسطي للاستفادة من نفوذها وقوتها فى مواجهة إيران من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى ،فرد عليهم آخرون ،بأن تركيا في حالة تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني ،ولا تسعى لصراع مع إيران ،وأن إدخالها وبعض الدول الإفريقية والإعلان عن حوار مع إيران لن يفضى فى النهاية إلا إلى كتابة شهادة وفاة الجامعة العربية .
وقسم آخر من المتابعين ،قالوا إن الاقتراح هو إعلان خلفي أو مستتر لبناء نظام شرق أوسطي جديد ،وبشأن هذا الرأي انقسم المحللون بين من رآها محاولة للتماهى مع المشروع الأمريكي لبناء شرق أوسط جديد لكن بأيدٍ عربية هذه المرة ،وبين من قال أبدا ،إنها محاولة محلية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية تفضي لنظام تكافل إسلامي ،وأن الفارق واضح بين المشروعين إذ المشروع الأمريكي يقيم الشرق الأوسط الجديد على أساس محوري هو سيطرة الكيان الصهيوني عليه وتعيينه رئيسا لمجلس إدارته ،بينما المشروع العربي يعمل على استبعاد هذا الكيان من النظام الجديد ،بل هو اقتراح لاستبعاد هذا الكيان من الترتيبات المفروضة بعوامل القوة والتوازنات الجديدة.
وكان أمام القمة تحدي تفكك الدول من الداخل على أسس هي الخطر بعينه على النظام الرسمي العربي لا على استقرار الدول والمجتمعات ،فلم تأت الاستجابة إلا على الطريقة المعتادة، نعلن تضامننا وشجبنا واستنكارنا والتأييد لما هو قائم "وكفى" .
دخلت السودان واليمن والعراق والجزائر والمغرب إلى أبواب تلك القمة ،وهى فى قلب أتون معارك وصراعات داخلية ،كانت تطلب دورا وردا من القمة ،فلم تجد إلا المواقف التعبيرية من التضامن ،بينما المعارك تخاض من قوى تطلب رأس العروبة أو الفكرة العربية.
فى جنوب السودان ،يجرى التحضير لانفصال على أساس رفض العروبة ،إذ الحركات الانفصالية التى أصبح الطريق مفتوحا لها للانفصال بالجنوب ،ترفع شعارات تعادي العروبة والعرب واللغة العربية وبطبيعة الحال الإسلام .
وفى العراق تتعدد التحديات بين قادة وممثلي الميليشيات الشيعية ـ إذ هم ناشطون على أساس فكرة الارتباط مع إيران وفصم العلاقة مع العرب والعروبة ـ، وقادة الحركة الكردية العرقية ،المتحدثين بالكردية رفضا للعربية لا تمايزا عنها فقط ،والرافضين للعروبة والساعين للانفصال عن العراق لا النظام الرسمي العربي فقط .
وكذا الأوضاع فى اليمن ،إذ الحركة الحوثية لم تكن –ولا تزال-اختراقا لليمن فقط ،بل اختراقا للنظام الرسمي العربي ولاءً لإيران .
أما في الحركة الأمازيغية الناشطة حاليا ،فالدلالات قاطعة فى رفض كل ما هو عربي والعودة ربما لما قبل التاريخ .
تعددت التحديات وتنوعت ،لكن الردود عليها لم تأت بشيء عملي ،فهل يدعو ذلك للقول ،بأن الجامعة العربية والقمم العربية لم تحقق شيئا حقيقيا منذ نشأتها وحتى الآن ؟ بل ألا يدعو ذلك للتساؤل ،عما إذا كانت الدول الغربية قد حققت أهدافها التي ابتغتها منذ يوم تشكيل الجامعة وأنها كانت على حق حين دفعت العرب وسهلت تشكيل الجامعة وهم تحت الاحتلال في أغلبية دولهم ،وأن الدول العربية لم تنجح في تخليص الفكرة من أهداف الغرب؟
التشكيل ..والدور
لم يتخلف أحد من قادة الدول "الاستعمارية" عن التعبير عن رفضه وقلقه وتخطيطه لمنع جمع شمل الدول العربية وتشكيل حالة تضامن فيما بينهم، ومع ذلك فان الجامعة العربية التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وكجزء من نتائجها ،لم يأت تشكيلها ضد رغبة الغرب ،بما يثير تساؤلات كثيرة .
في الشق الأول من المعادلة المتضادة ،يبدو اقتباس بعض الأقوال مهما للتدليل على الموقف الغربي .ومنها قول وزير الدفاع الفرنسي السابق شفنمان "في كل مرة أراد العرب استدراك تخلفهم ،وأن يصوغوا وحدتهم ،كانوا يجدون الغرب في طريقهم يمنعهم من تحقيق أهدافهم بقوة السلاح " .
ويقول المفكر الاستراتيجي الأمريكي نعوم تشومسكى "الولايات المتحدة تنظر بعين الخطورة إلى الروح القومية والوطنية المستقلة التي تكتسب في المنطقة أهمية فوق العادة " أما الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون فيقول "الهاجس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية إنما يتمثل في القومية العربية والدين الإسلامي" .
وهكذا فإن الغرب يعلن بوضوح أن فكرة تجمع العرب هي فكرة تحارب ولو بقوة السلاح .لكن تشكيل الجامعة العربية لم يلق رفضا رغم ذلك ،بل كان تشكيل الجامعة محل ترحيب .