صفحة 1 من 1

السيادة العربية عند ابن خلدون

مرسل: الجمعة مارس 11, 2011 8:51 pm
بواسطة مشاري الحربي ( 9 )
جل الدساتير العربية تنص موادها على أن السيادة ملك للشعب وتجعلها ركيزة أساسية تبني عليها نظمها القانونية، لكن ما يحز في نفس المواطن العربي -حسب المؤلف– هو ذاك التباعد الشاسع الذي يعيشه بين واقعه اليومي من قهر واستبداد وبين ما يمنحه القانون من مكانة مرموقة. لماذا هذا الخلل؟ ما القول وما الفعل؟

يساير الدكتور أحمد خروع ابن خلدون في تمييزه الملك عن الرئاسة التي هي عصبة صغرى في حين يسمي الملك عصبة كبرى تجتمع فيها العصبيات القبلية وتنصهر، وهو اليد القاهرة التي ليس لها يد قاهرة أخرى، "فالحاكمية" التي كثيرا ما تحدّث بشأنها الإمام أبو الأعلى المودودي –مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان- هي الوعاء الأكبر الذي يكون فيه الملك لله.

أما السيادة فهي المصطلح الذي يوظف لتمييز السلطة العليا المطلقة عن المقيدة، وهي في الحقيقة أمر يكشف عمق النظرية العربية الإسلامية واكتمالها، فهي كما يصفها "نظرية تحمل سلفية الطبري وواقعية المسعودي ونظرية الماوردي وتجمعهم في نسق واحد".

ويرى المؤلف أن عجزنا عن بناء دولة القانون والسيادة ليس راجعا كما يحلو للبعض ترويجه إلى نقص في النظرية، وإنما إلى انتفاء الهمم لدينا في الوقت الحاضر وفشل القيادات. ويقر بأن الدولة العربية حقيقة موجودة، وأن النظرية العربية الإسلامية للدولة أيضا موجودة، لكن التطبيق على أرض الواقع -أهم دعائم النظرية- يبقى غائبا.

إن السمة الشمولية للدولة الإسلامية وكونها دينا ودولة في آن واحد هو ما يخلط الأمور على الدارسين الغربيين ويثير مخاوفهم بدون مبرر، ويدفعهم إلى نعت الدولة الإسلامية بالدولة المناقضة لمفهوم الدولة الحديثة التي هي أولا وقبل كل شيء دولة القانون.

دولة القانون
يرى المؤلف أن المفهوم المطلق لفكرة دولة القانون ممزوج بالمثالية لأنها بكل بساطة تهدف إلى تحقيق الفضيلة أو المدينة الفاضلة، وهذا أمر صعب المنال.
وحكم القانون الذي يحقق العدل والرخاء والاستقرار والأمن هو الحكم الراشد، وهو المصطلح الذي راج مؤخرا في الأوساط الدولية وبصفة خاصة في أروقة الأمم المتحدة، وهذا الحكم نادر الوجود كندرة الخلافة الراشدة في النظام الإسلامي.

لأجل ذلك يجب الاكتفاء بالحد الأدنى المعقول والمقبول في تحديد مفهوم دولة القانون التي تسعى لإرساء قواعده، وتكون المشروعية الدستورية والتعددية السياسية والفصل بين السلطان وحرية التعبير أركانا لها.

ويلمح المؤلف إلى أن الغرب يوهم غيره في خطبه السياسية والأكاديمية بأنه حليف دولة القانون ومؤمن بها، ويسعى إلى تكريسها لأجل التعايش الاجتماعي، وهو في الحقيقة لا يولي اهتمامه في معاملاته إلا لشيء واحد، ألا وهو المصلحة المادية بما لها من معنى ضيق وأناني، إذ تلك هي القاعدة الأساسية للعبة السياسية كما نص عليها فقهاؤهم، وكما قال أحدهم وهو الزعيم تشرشل "أنا مستعد للتحالف مع الشيطان لهزم الخصم".

إن فشل التجارب السابقة للدول العربية في إرساء دولة القانون أحدث في الصف العربي والإسلامي جرحا كبيرا لا يعرف وقت التئامه، ففي الجزائر مثلا تبنت الحركات الإسلامية المتطرفة حسب وصف المؤلف، شعار "لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول" للتعبير عن رفضها للنظام الذي لا يحتكم إلى القانون لا إلى الشرع، وهذا في حد ذاته شيء طبيعي يصدر عن المجتمعات الإسلامية كمحاولة للدفاع عن النفس والتشبث بالهوية والأصالة في مواجهة حملة التغريب، وعليه فإن التطرف السياسي والديني إنما مصدره تطرف آخر يقابله، هو تطرف السلطة.

ومن هنا يرى المؤلف أن الشغل الشاغل الذي يجب أن يتصدر قائمة انشغالات رجالات الفكر والسياسة والفقه وغيرهم هو الاجتهاد في توفير الأدوات الفكرية والنظرية للإجابة بفعالية ونجاعة على الإشكالات المطروحة في واقع المواطن العربي، وترشيد العقل العربي، وتبني منهجية عقلانية مستنيرة تكون هي العماد لانطلاقة جديدة نحو ترسيخ دولة القانون.

الدولة العربية الإسلامية الحالية التي هي في غالبها دول وطنية وضعية في هيكلها ومظهرها دينية في بعدها وبنيتها، متناقضة بين خطابها وممارساتها، فهي تطمح لأن تكون دولة الإنتاج والمردودية الرأسمالية وفي نفس الوقت تنص دساتيرها على أن الإسلام هو دين الدولة. هي ببساطة تريد أن تظفر كما يقول المثل الشعبي "بالزبدة وثمنها".

إن حل المسألة يكمن في معرفة الإسلام معرفة حقيقية وتعريفه تعريفا جامعا مانعا كدين ودنيا وعقيدة وشريعة وكلمة وثقافة وديانة وحضارة، فالشمولية التي تميز بها الإسلام حقيقة تاريخية تجلت في مظاهر سياسية واجتماعية متعددة عبر التاريخ. والمطلوب منا اليوم هو التفكير في الممكن الأمثل الذي نستطيع تحقيقه والذي يتوافق مع معطيات العصر دون التخلي عن قيمنا ومبادئنا.
ويخلص المؤلف إلى أن الهدف من إرساء قواعد دولة القانون هو دعم ركائز الأمن والاستقرار والطمأنينة والسلم في المجتمع، مما يسمح للمواطنين بإنتاج معاشهم وإشباع حاجياتهم الدنيوية من أجل التفرغ لحمد الله على نعمه وعبادته من أجل كسب رضاه وعفوه في الآخرة.

ولهذا فإن الإنسان المسلم لا يكاد يفقه قول أولئك الذين بهرهم الغرب بعبقريته التكنولوجية والذين أصبحوا يعتقدون بأنه يستحيل على المسلم بلوغ ما بلغه الغرب من تطور إلا إذا وضعنا الإسلام جانبا وتخلصنا من قيوده أو سياجه الدوغماتي (المتحجر) كما ينعته المفكر الجزائري محمد أركون في كتابه "إسلام اليوم