منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#33307
أن منطق الدولة جاء نتيجة تطور المجتمعات وقوانينها.. وبعد أن اتخذته الشعوب، باعتباره السبيل القانوني، والشرعي، من حيث التولية بصيغة الحكم .. على مجاميع من البشر.. والاشتراط في ذلك.. هو العدل.. والمساواة بين الناس في الحكم والمعاملة، فاذا اخل، هذا .. الحاكم ، بالشروط المتفق عليها، بينه، وبينهم: في هذه الحالة يحق لهم.. عزله.. او اختيار بديل اخر عنه.. وهناك نظرية اخرى طرقها( جوميلوتز) يقول ان الدولة .. تكونت في رأيه بين حاكم ومحكوم نتيجة النزاع بين البشر، على البقاء.. فالنتيجة .. تمت الغلبة لاحد الاطراف.. وهناك نظرية تقول وتؤكد الدولة جاء نتيجة : النزاع و(جوميلوتز) يؤكد عملية النزاع بين البشر، في سبيل البقاء.. في الحياة عبر التاريخ وهذا الكلام، غير منطقي.. لان عملية النزاع هذه والسيطرة على مجاميع من البشر او النزاع في سبيل البقاء رغم القانون الموضوعي في عملية التوازن في الطبيعة والمجتمع.. فهي تبقى عملية مصادفة في زمان ومكان ( محددين) ولكننا ننطلق من مفهوم الدولة بشكلها الشرعي والقانوني والضروري لا الصدفي رغم عمليته القانونية والفلسفية.. فالدولة بدأت منذ ان بدأ وجود الانسان على هذه الارض واصبح بشكل وحدات بشرية، تعيش على الزراعة والرعي ونظرية( جوميلوتز) ليست جديدة، فهي مستمدة من نظرية ابن خلدون، بشكل او بآخر.. وبالتالي ..فالدولة كتكوين وكيان.. تتشكل من قوانين وانظمة واساليب لتنفيذ هذه القوانين والانظمة واساليب مختلفة تخضع لمنطق سلطوي.. فجاء (اوينهايمر) ليقول ان الدولة، تأسست نتيجة الصراع. التاريخي بين( البدو والحضر) وهذا يعني، انها بدأت بعد الزراعة.. والزراعة كانت هي الطفرة النوعية لتطور الانسان من ناحية استكشاف الحاجات الملحة في الحياة.
فالدساتير كانت هي القوانين.. والبنى التي تؤكد مسؤولية الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية، التي تميزت بتطبيق القوانين، فالسلطة التنفيذية موجودة في كل الوحدات البشرية، التي تاخذ العقل منهجا وهي تختلف من وحدة بشرية الى وحدة بشرية اخرى.. وهكذا كان، الاختلاف، في الصيغ والقوانين من سلطة تنفيذية الى اخرى.. ان وجود الدولة، كهيكل.. يعني وجود الحكومة كسلطة تنفيذية ، وادارية .. وهي التي تعبر عن منهج الدولة السياسي، والاجتماعي والثقافي.. فالسلطة هي التي تبعث النظام الذي يتحدد، بالطاعة لاعضاء الوحدة البشرية واسباب الطاعة هي من الاسباب الطبيعية والتكوينية.. لقد كانت القوانين التكوينية.. للقرن الثامن.. قوانين قلقة ومضطربة
. وكان ابن خلدون قد عاش هذا القرن، بكل مساوئه التي عمت هذا القرن، والتي كانت النعمة الكبرى على الاسلام والمسلمين وغير المسلمين من الاديان الاخرى، من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والثقافية.. وصادف ان الاضطرابات التي حصلت في هذا القرن، واكدت سقوط الدولة العباسية، بعد ان سقطت شرعيتها ، وقوانينها نتيجة الاجتياح المغولي لهذه الدولة.. وتوالت الغزوات في هذا القرن.. فقد اجتاح التتر، بقيادة القائد التتري( تيمورلنك) الشرق، والبلاد الاسلامية وعاث بها فساداً، اضافة الى النعرات الدينية والعرقية التي شهدها هذا القرن. ان النمط في الصياغات السلطوية والذي توضح في هذا القرن، هو المكون الكبير، الذي تراجع نتيجة التشبث الفوضوي، الذي احدثه العدوان والفوضى القانونية وصارت في هياكل الدولة هي القوانين المفككة، التي لاتصلح ان تكون من المرويات التاريخية الدقيقة. ان موضوعية الدولة والسلطة عند ابن خلدون تتحد بالتفاصيل الدقيقة والكبيرة، وهي تؤشر المنعطف الخطير في الصياغات المروية، ان المادة التاريخية.. هي ليست صفة قدرية، بل هي منطق قانوني واجتماعي عند( ابن خلدون) وفي نظريته بشكل خاص ان المسلك الذي سلكه( ابن خلدون ) في نظريته الاجتماعية تؤكده الحساسية التاريخية.. بقوانينها الاجتماعية.. وان المشروع المعياري، عند ابن خلدون في نظريته الاجتماعية.. وهو يتشكل بوجوده الجوهري كفهوم متناقض مع الانماط المروية.. وهي تتخلى عن نمطها العلمي، والاجتماعي، والتاريخي ان الضرورة التاريخية، هي التي تقدم معنى اجتماعياً، وفهماً دقيقاً للحدث،من خلال مركزية القوانين الاجتماعية.
فكان سقوط الدولة العباسية.. هي مرحلة المخاض، داخل الحلقات الاجتماعية وهي الفترة العصبية، التي تنذر بالفصل التاريخي، والاجتماعي، والدستوري والقانوني.. والمرارة التي تسكن الواقع الاجتماعي الفعلي.. فكانت الهزيمة والغربة، التي استوطنت المجتمع بعد ان ضاعت دولة الاسلام فاجتاح المجتمع، تصور من نمط الغثيان، والتشبث بالاقدار، والنعي المستمر، لغربة الاسلام، والقضاء على هويته.. وهو المعنى المتطرف في الحبكات، الاجتماعية الفاشلة ، فالهزيمة تعني، نهاية الحياة، فكان الاسلام معنا حياة وتوق، وتماسكا، في القضية النظرية والاجتماعية الفاعلة بالحدث الاجتماعي من الناحية التاريخية .. فالشاطبي في كتابة (الاعتصام) يؤكد حالة الخنوع والذلة، والهوان للاسلام.. فالحقيقة ان الخلل الاجتماعي يحدث للامم الحية، التي تقبل التحديات بقوة. والاحداث التاريخية تبرهن ان الابداع في الامم الحية، لايمكن القضاء عليه وهكذا فالمعنى التاريخي هو عنصر من التعارضات المنطقية اذا اردنا ان نفهم المنطق التاريخي، والاجتماعي واصوله..فالاتجاهات المتعارضة هي في الاصل فقرات متوافقة.. وتصالح بين السلطات التنفيذية والتشريعية.. فالنظرية الخلدونية هي معنى اجتماعية منسجم اجتماعياً منسجماً مع، فقراته المتعارضة..(فالشاطبي) ابدع ولكن باتجاه معاكس.. وان الدليل على صيغة التلاحم الاجتماعي في النظرية الخلدونية تؤكد وجود النص القانوني للسلطة النظرية الاجتماعية، وعبر الممكنات الوجودية المتولدة وان ادراك هذا التعارض، قد اعطانا وظيفة قانونية تشهد على ذلك التوافق، بين ظاهر النظرية وباطنها فالنظرية الخلدونية تنطوي على رؤية دقيقة لحركة الواقع.. الاجتماعي من الناحية التاريخية.
ان الشاطبي( غرب ) الاسلام وتمسك بغربته، نتيجة تشخيصه للبدع.. والفتن والابتعاد عن روح الاسلام وتعاليمه الشرعية والقانونية السمحاء.. كذلك اخرج(الحنبلي) كتابا في دمشق اسمه(الاسلام) ودفنه الى الابد في غربته وان النظرية الخلدونية كانت تعي هذه المسالة الخطيرة، وتعمل على تجاوزها، من خلال الصراع الفكري والاجتماعي، والاقتراب، من حقائق الفوضوية ومعالجتها وابراز معالمها الجمالية، وهي المحور الرئيسي لعمليات الصراع هذه.. وهي صفة التلاحم من الناحية الاجتماعية لتأكيد هذه الفروض النظرية.. عبر التنوع في صنع الوحدات الاجتماعية والوصول الى نتائج مهمة لمعالجتها.. فتم التركيز على قطب المعالجة السريعة في عمليات التوتر الاجتماعي، لانها هي القطب الرئيسي للنهوض بالمجتمع، وبواقعه العلمي.. وايجاد منطق، من التجانس، والكشف عن البنية، الفكرية والاجتماعية، والثقافية، واعطاء حلول تؤسس بموجبه، منطقاً ابداعياً، ينهض بالمجتمع نهضة وظيفية ابداعية اساسها التعدد في العمليات الابداعية.. وفي هذا المجال يؤكد (بوتول) بأن ابن خلدون قد تاثر بهذه المروريات التاريخية،والاجتماعية، واصبحت نظريته تشاؤمية فطغت عليها الكآبة والانحطاط فقد نسي(بوتول) ان نظرية ابن خلدون، تاخذ مداها في الاتساع والانكماش لانها مرنة.. وان انساق النظرية من القوة والاتساع، في المفاهيم العلمية بقيت حية، لحد الان وانها تتجه ، بمرور الزمن الى بنيتها المتميزة وهذه الرؤية عبر عنها ابن خلدون، في عدة محاور متنوعة، وضرورية كشفت قدرة وعناصر النظرية وتصديها الى الهيمنة القانونية، في اطارها الموضوعي لانها تستند الى اساس متناقض ومتفاعل في آن واحد.. وتظل عناصر النظرية موجودة ومتواجدة في كل مستويات التنوع في البنية الاجتماعية.. وراح( كرامر) ينظر في عملية التشاؤم الخلدونية ووصفها بانها تشبه عملية التشاؤم عند( المعري) وهذه غربة جديدة يؤكدها( كرامر) وبقي الوضع التاريخي والاجتماعي ليعيش عصر الغربة في الاسلام ودولته حتى وصل التنظير في هذا الموضوع في حده المروع.. ويتهم من دعا الى عصر الغربة في الاسلام ودولته.. ويتهم من دعا الى الرجوع الى التعاليم الاسلامية، والسنة النبوية.. وهو الحل الامثل.. وهو الانقاذ للاسلام.. وهناك نظرية طرحت موضوعاً دقيقاً، عن التشاؤم فتم تشبيه( ابن تيمية) بانه ينحا المنحى المثالي في عملية التشاؤم وان ابن خلدون بوصفه المتشائم الواقعي.. والرجلان عاشا في نفس الفترة التاريخية.. فكانا من اعظم مفكري الاسلام واتخذ منهجاً واحداً في اكتساب المعارف.. وان العمل الفكري والاجتماعي ينطوي على قيم واعتبارات داخلية، وهي التي تشكل عمليات التلاحم، داخل النظرية. فابن خلدون كان يرفض طريقته المعتزلة في العمليات العقلية المجردة.. فالمقياس العقلي المجرد ليس قانونا لتمحيص الصيغ الخبرية.. وان الوعي المتلاحم داخل البنية، لن يتحقق في البنية العامة مالم يصل الى منطق واع من الادراك الموضوعي لخواص النمو البنائي للمجتمع.. وان البنية الواعية هي المعيار الجمالي، داخل النظرية، وداخل الابنية المرتبطة، بالموازنة النظرية.. ويؤكد هذه الخاصية الجدلية ..( توينبي) في ان صاحب النظرية الاجتماعية ابن خلدون، كان قد خضع لعمليات الانسحاب. والرجوع، والاعتزال قبل الشروع، بكتابة( المقدمة .. فهو قد دخل المعترك السياسي، فخرج مفكراً ، وصاحب نظرية اجتماعية. يقول( توينبي) انه حدث هذا التحول في فترة الانعزال ثم عاد الى المسرح الاجتماعي ثانية.
فالنظرية ترتبط ارتباطاً كلياً وجدلياً، بسياستها وسياقها الذي وضعت من اجله.. والممارسة هي عملية التقدم، وهي التي تستقي اهدافها في اطار علاقتها بحركة الواقع ومنطلقاته وعلى ضوء هذا المنظور العلمي.. فصاحب النظرية يستقي مقدرته من مخاض الاضداد، داخل الاطار الجدلي للنظرية.. فهو الذي يوازن بين الحدين بالبصيرة العلمية، وفي حدودها.. الفكرية والتي ترتبط بالمرحلة التاريخية وربما تناقضها، بعد أن يشتد الصراع الاجتماعي وانعكاسه، على منطلقات النظرية.. الرئيسية .. والنتيجة الحتمية هو ايجاد الموازنة بين الحالات المتناقضة وهو الصراع النفسي داخل الشخصية الاجتماعية، وهو الذي يؤدي الى منعطف جديد في عملية الصراع بعد ان تم خلق، نواة جديدة لعمليات الصراع.. والذي تنتهي عنده الهياكل للسلطة والدولة.. وهذا رأي احد المفكرين بعد ان تحقق في المجتمع العدالة وكذلك عند اخوان الصفاء في رسائلهم .. وهكذا تكون الدولة في رأي ابن خلدون هي عبارة عن مستوى، تطبيقي للنظرية.. الاجتماعية وهي السياق المنظم في التجربة الخلاقة، التي تعد الانتقال من الاستقراء الى الاستنباط لان الدولة هي التصور الفعلي والعقلي عند ابن خلدون .. وهي النتائج لتركيبة فكرية ناضجة...وهي التي تهدف الى ربط النتائج النظرية، بالمبادئ لانها التركيبة الفكرية الشاملة.
أوراق حول منزلة الفلسفة عند ابن خلدون
السياسة عند فيلسوف الاجتماع ابن خلدون:
ولا بد لنا هنا أن نُعرِّج على رأي فيلسوف الاجتماع، بل مؤسس علم
الاجتماع في الحقيقة: عبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ)، الذي أثبته في
مقدمته، وهو أثر الدِّين عند العرب في إقامة المُلك وتثبيته، مع سوء رأيه
في العرب، وأنهم أقرب إلى التَّوحش منهم إلى العمران والحضارة ومع
هذا قرَّر: أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصفة دينية، من نبوة أو ولاية
(لله) أو أثر عظيم من الدِّين على الجملة.
قال: (والسبب في ذلك: أنهم لخُلُق التَّوحش الذي فيهم، أصعبُ الأمم انقيادًا
بعضهم لبعض للغلظة والأَنَفَة، وبُعد الهمَّة والمنافسة في الرِّياسة؛ فقلَّما
تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدِّين بالنبوة أو الولاية (أي الولاية لله بالتقوى)،
كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خُلُق الكِبر والمنافسة منهم، فسهُل
انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدِّين المُذْهِب للغِلظة والأَنَفَة، والوازع عن التَّحاسد والتَّنافس. فإذا كان فيهم النَّبي أو الوَلِي الذي يبعثهم
على القيام بأمر الله، ويُذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها،
ويؤلِّف كلمتهم لإظهار الحق، تمَّ اجتماعهم، وحصل لهم التَّغلب والمُلك. وهم مع ذلك أسرع الناس قَبولا للحق والهُدى لسلامة طباعهم من عِوَج
المَلَكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق، إلا ما كان من خُلُق التَّوحش القريب

المعاناة، المُتهيِّئ لقَبول الخير، ببقائه على الفطرة الأولى، وبُعده عمَّا ينطبع
في النفوس من قبيح العوائد وسوء المَلَكات فإن كل مولود يولد على الفطرةكما ورد في الحديث
كما عقد ابن خلدون فصلا أكَّد فيه: أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها
قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها. قال: (والسبب في ذلك
-كما قدمناه: أن الصبغة الدِّينية تذهب بالتَّنافس والتَّحاسد الذي في أهل
العصبية، وتُفرد الوجهة إلى الحق. فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم: لم
يقف لهم شيء؛ لأن الوجهة واحدة، والمطلوب متساوٍ عندهم، وهم
مستميتون عليه، وأهل الدَّولة التي هم طالبوها -إن كانوا أضعافهم- فأغراضهم متباينة بالباطل، وتخاذلهم لِتَقيَّة الموت حاصل، فلا يُقاومونهم وإن كانوا أكثر منهم، بل يغلبون عليهم، ويُعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذُّل كما قدمناه.
وهذا كما وقع للعرب صدر الإسلام في الفتوحات. فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعة وثلاثين ألفا في كل معسكر، وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسية، وجموع هِرَقل -على ما قاله الواقدي- أربعمائة ألف! فلم يقف للعرب أحد من الجانبين، وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم.
واعتبرْ ذلك أيضا في دولة لَمْتُونة ودولة الموحدين. فقد كان بالمغرب من القبائل كثير ممَّن يقاومهم في العدد والعصبية أو يَشِف عليهم، إلا أن الاجتماع الدِّيني (عند الموحدين) ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة كما قلناه، فلم يقف لهم شيء
شغل ابن خلدون بالسياسة الواقعية، ولم يحلق وراء الطوبويات كجمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي، وعني باكتشاف القوانين الطبيعية التي تحكم الأمم والمجتمعات، والتي سماها (طبائع العمران)، فهو أبو علم (العمران السياسي) أو علم (الاجتماع السياسي)، وهو باعتراف الغربيين أنفسهم أول من كتب في هذا العلم، حتى ذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز) أنه سمع العلماء في فرنسا حين إقامته في النصف الأول من القرن التاسع عشر يدعون ابن خلدون (منتسكيو الشرق أو الإسلام) ويسمون منتسكيو (ابن خلدون الفرنج)، ولا غرو أن أُطلق عليه: رائد علم الاجتماع السياسي الحديث”
1-تصنيف السلطة الاجتماعية عند ابن خلدون كان اللقاء مع المفكر اللبناني صاحب كتاب “صدام الهمجيات” جيلبير الأشقر في إطار الأيام الدراسية: “ابن خلدون والفلسفة” يومي 16- 17 أفريل 2009 الذي نظمته وحدة البحث في تاريخ الفلسفة والعلوم العربية والإسلامية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (9 أفريل تونس) بالتعاون مع المركز القومي للبحث العلمي بباريس والمهداة إلى فقيد الفكر الأممي المناهض للامبريالية والمناصر للقضايا العربية: جورج لابيكا، وقد تناول أستاذ دراسات النمو والعلاقات الدولية بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن الإشكال التالي: على أي أساس يقوم ابن خلدون بتصنيف السلطة الاجتماعية؟
هذه الورقة مستلهمة من خلال كتاب طريف الخالدي حول تاريخ الفكر العربي في الحقبة الكلاسيكية وتعمل جاهدة على انجاز المقارنة بين فكرة فيبر وفكر ابن خلدون.
الغاية ليست إظهار ابن خلدون على أنه يعرف كل شيء بل الإشارة إلى اعتراف فيبر بمجهودات ابن خلدون والتعامل مع ابن خلدون من وجهة نظر علم الاجتماع الفيبري. كيف يمكن التمييز بين الاجتماعية والسياسية بالمعنى الفيبري وبالمعنى الخلدوني؟
السلطة مبنية عند ابن خلدون على الغلبة والغلبة في العربية هو الهيمنة وصنف أول من الغلبة هي الرئاسة والغلبة إنما تكون بالعصبية الذي يسمح بالرئاسة التي تترجم chef. ان الملك صنف آخر من الرئاسة ونمط آخر من الغلبة وهي السؤدد وصاحبه متبوع وليس عليهم قهر في أحكامه والقهر هو الذي يميز الملك عن الرئاسة. في حين أن القهر هو الجزم بالقوة ونجد فيه الوصف الفيبري للسياسة بالمعنى الحديث بأنها مبنية على القوة بالدرجة الأولى أي الاجتماع السياسي.
يصنف الملك إلى النظام الملكي والملك بالمعنى العام أي السلطة والحكم بشكل عام Pouvoir يستعمل جورج لابيكا Souveraineté السيادة التي تعني الملك في المعنى الوسيط. لكن الملك الذي يبنى على القهر لا يدوم.
Domination هي هيمنة تقليدية وكاريزماتية وقانونية نجدها عند ابن خلدون، ان الهيمنة التي مصدرها الدين والنبوة وهو مماثل لمفهوم السلطة السلطة الكاريزماتية (النبي هو كاريزم). أما الهيمنة التقليدية فتحدث عندما يتحول الملك إلى تقليد نجده عند ابن خلدون بقوله إذا استقرت الدولة استغنت عن العصبية وتصبح بالوراثة. تحول الملك إلى ملك مبني على الزمن والعادة. في حين أن الهينة القانونية الشرعية والعقلانية، اذ يؤكد ابن خلدون إلى تأكيد ضرورة بناء الحكم على القوانين عندما يصرح:” فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة في ذلك كما أن الشأن في الفرس وغيرهم”.
يميز ابن خلدون بين قوانين العقلاء وقوانين ترجع إلى الله التي يسميها السياسة الدينية ولكن السياسة العقلية هي مبنية على قوانين الغاية منها المصلحة العامة. كما تفوق السياسة الدينية على السياسة العقلية في علاقة بالآخرة بينما في مجال الدنيا فالتفوق يكون إلى السياسة الدينية.
النوع الآخر من الملك هو الخلافة وهنا يحيل إلى نوعين من القوانين: القانون العقلي الذي يستند إلى المصلحة العامة والشرع الذي يستند إلى النجاة في الآخرة
أنماط العمل أربعة وأنماط الهيمنة ثلاث فقط وهذا خلل في حد ذاته. أشار الخالدي خطأ شائع من قبل الباحثين حول التناقض بين الخلافة والملك، لكن الملك الذي يناقض الخلافة هو الجبروتية والكسروية بينما الملك الذي هو خلافة فهو الحكم الصالح.
حتى فكرة وجوب النبوات فهي غير برهانية في السياسة وقد تتم من دون ذلك لأن أهل المجوس لهم أنظمة سياسية ناجحة. النظرة الخلدونية العلمية هي نظرة تنسيبية تاريخية للملك.
أبو بكر الطرطوشي هو الذي ميز بين السياسة الاصطلاحية والسياسة النبوية ,الأولى في نجاح الحكم هو السياسة وليس الشريعة والإيمان دون حنكة سياسية تؤدي إلى ضياع الدول والحنكة السياسية دون إيمان يمكن أن تحفظ الدول. “الجور المرتب أفضل من العدل المهلك” الأمم التي استطاعت أن تقيم الحكم على أصول صحيحة.
ابن خلدون تجرأ على تفسير الدين بالسياسة والتاريخ، زمن الطرطوشي فيه أكبر من حرية الفكر والتعبير أكثر من زمن ابن خلدون حسب عبد العالي والتي تسمح بفهم علماني للسياسة ونظرة تاريخية للمجتمع. ان الرغبة في الإصلاح عند ابن خلدون ليست ناتجة عن فقدانه للإيمان الديني بل متأتية من إيمانه العميق بصدقية النص الديني.
ظهور الكاريزم ضرورة تاريخية من أجل التغيير في طريقة بناء الدول من قدوم العصبيات من البادية والسيطرة على الحكم في المدينة إلى الاعتماد على دعوة دينية تتشكل كإيديولوجية تأسيس الدولة على الفكرة والهيمنة الأيديولوجية.
الحالة الوحيدة تتعالى على الواقع من أجل التي يقترب فيها فيبر من ابن خلدون حسب رأي الأستاذ صالح مصباح هي السلطة الكاريزماتية ومفهوم الكاريزما هي قضية المهدي المنتظر وخاصة الحاجة إلى المهدي ولذلك يعظم ويركز على الانتظار والتوقع والهالة.
يمكن مناقشة هذه الورقة بالتساؤل عن جدوى منهج تبرير الفكر الحديث بالبحث عن ما يتطابق معه في النصوص القديمة، إذ أن الانطلاق من نظرية ماكس فيبر حول الأسس الثلاث للسلطة( التقليدية والكاريزماتية والقانونية) ومحاولة البحث في مقدمة ابن خلدون عما يشبهها هو نوع من الإسقاط التاريخي والوله بالذات وقد يعبر عن نوع من العجز عن الإبداع لدي العقل العربي والشعور بالتبعية للثقافة الغربية.
زد على ذلك أن البحث في علاقة الدين بالسياسة عند ابن خلدون والتصريح بأن ابن خلدون كانت له مثل الطرطوشي جرأة قراءة الدين من وجهة نظر سياسية وأن قوله بأن الدعوة السياسية ولا تقوم إلا بدعوة دينية وأن الدعوة الدينية لا تقوم إلا بالعصبية هو رأي يغلب الاجتماعي الطبيعي على الإلهي والشريعة ويجعل المقدس مجال صراع وتجاذب من طرف رجال السياسة، وهو أيضا توصيف يجعل من ابن خلدون واحد من الذين خاضوا في تجربة الإصلاح الديني عند العرب والمسلمين، فإلي أي حد يمكن أن نعتبر ابن خلدون مصلحا دينيا؟ وفيم يتمثل هذا الإصلاح؟ وعلى ماذا يقوم؟
2- مدني وسياسي:العمل القيم الثاني أنجزه رئيس قسم الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس الأستاذ صالح مصباح وكان بعنوان رئيسي: مدني وسياسي في المقدمة وبعنوان فرعي: ابن خلدون والفكر السياسي في العصر الوسيط.
يمر معظم الباحثين في الدراسات الخلدونية سريعا على المقدمة السادسة التي تتحدث عن تعريف الإنسان على أنه “مدني بالطبع” وكأن هذا الأمر بديهي ولا يثير أي إشكال، لكن إذا كانت كلمة مدني تعني سياسي والإنسان حيواني سياسيun animal politique في المدونة القديمة فإنها لا تعني نفس الشيء في الفلسفة السياسية العربية والحديثة. فأين موطن البداهة
والإشكال في ذلك؟ ولماذا يجب أن نتوقف عند هذا التعريف البديهي
للإنسان ونفكر فيه؟ وما المقصود بالسياسة في المدونة القديمة والوسيطة؟ وما الذي يميز النظرة الخلدونية؟
إن هذه الإشكاليات أثاراتها ترجمة الشدادي لمصطلح ابن خلدون مدني إلى
اللغة الفرنسية بسياسي وليس مدني وهو ما يفرز ابتعادا عن المعنى الأصلي واقترابا من معنى جديد حديث.
السياسة في التصور الخلدوني وخاصة في المقدمة تعني فن تدبير الشأن الإنساني أي الحكم فحسب وليست لها علاقة بتدبير الصنائع والمنزل والمدينة، كما أن كلمة مدني وكلمة سياسي كان مصيرها الانتقال إلى كائن اجتماعيun animal sociable.
تمثل المدينة تجمع اجتماعي والسياسة تلحق فيما بعد، إن المرة الوحيدة التي تم فيها الجمع بين السياسة والمدنية في الفلسفة العربية كانت مع مفهومي العلم المدني والسياسة المدنية هي عند الفارابي ولكن ما قام به ابن خلدون هو رفض هذه المدونة القديمة.

ماهو وضع ابن خلدون في الفلسفة العربية والفلسفة العالمية من جهة التناول للمسألة السياسية ؟
ابن خلدون هو أرسطي في تفكيره السياسي وبعيدا كل البعد عن المثالية الأفلاطونية وغير أرسطي في نفس الوقت،فهو أرسطي لاحتفاظه بمفهوم المدينة ولاعتباره الإنسان مدني بالطبع في المرة الأولى دون مناقشة ذلك ولكنه عندما يتكلم عن كتاب السياسة لأرسطو فهو في الحقيقة يتحدث عن كتاب سر الأسرار المنسوب إلى أرسطو خطا وليس عن كتاب السياسة المعروف والمتداول.
السياسة عند العرب هي سياسة طوباوية تهتم بما ينبعي أن يكون وتغطي الواقع التاريخي بطبقة من التأويلات المضللة وابن خلدون يحاول أن يؤسس السياسة بمعنى الحكم المرتبط بالوازع والسلطان والتي يستمدها من ثلاث مصادر:
المصدر الأول هو علم الفقه الإسلامي وخاصة من نظرية الماوردي في الأحكام السلطانية وقد وضح هذه الفكرة المستشرق هنري لاوست بطريقة جيدة.
المصدر الثاني الذي استلهم منه ابن خلدون هو نصائح الملوك ومرايا الأمراء وخاصة ما نجده عند الطرطوشي من آداب ووصايا ومواعظ موجهة إلى تربية الحكام وتوجيههم ، وآيتنا في ذلك أنه يورد رسالة كاملة لأبي طه إلى ابنه حسين تضمنت نصائح حول المكارم الخلقية والسياسة الحكيمة التي ينبغي التقيد بها نقلها عن الطبري وقد اعتبر ذلك أحسن ما وقف عليه من السياسة.
التقليد الثالث هو التجربة التاريخية وحركة التاريخ والتقلبات السياسية والسيرة الذاتية وعلاقته برجال الحكم في حياته وما حصل له معهم من تقريب وإبعاد ومن استشارة واهتداء إلى عقاب واستغناء.
من هذا المنطلق يفيد مفهوم السياسة عند بن خلدون فن الحكم وأما المفهوم القديم Polisفيعني تدبير المدن ومفهوم مدني بعيد كل البعد عن مفهوم سياسي وقريب من مفهوم اجتماعي.
من المعلوم أن ابن خلدون هبط من السماء إلى الأرض وحاول دحض الفلسفة السياسية المثالية وينتج خطاب علمي حول مجال السياسة سمي عند البعض علم السياسة وعند ابن خلدون نفسه علم العمران البشري وإقصائه للفلسفة الكلاسيكية هو إقصاء للسياسة المعيارية التي تطلب السعادة في الدنيا والآخرة لتجاوز ربط النبوة والسياسة في عيون الحكمة والكتاب العاشر من الشفاء ويحتفظ بالسياسة بالمعنى التوصيفي غير المعياري والذي يمكن أن نسميه الواقعية السياسية إلا باستثناء السياسة النبوية وذلك لانبهار الناس بالنبي.
السياسة المعيارية التوصيفية الخلدونية تتلاءم مع الاستبداد السياسي وذلك لغياب مفهوم الحرية في الفكر السياسي في الفلسفة العربية القائم على باراديغم الخضوع والطاعة والشوكة والغلبة والطاعة والعصبية.
لم يقترح ابن خلدون فلسفة سياسية جديدة بل اقترح نظرة واقعية براغماتية تعتمد على علم الفقه والسياسة الاصطلاحية والعرفية التي نقلها عن الفرس والساسانيين والهنود والتي ترجمها ابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وتنبه إلى أهمية دراسة قوانين العمران البشري من أجل تفسير ما يحدث من تبدل وتغير في الحياة السياسية.
هكذا كان موقف ابن خلدون من الفلسفة حازما ومستبصرا يرفض الميتافيزيقا من أجل بناء العلم والفلسفة الطبيعية التجريبية ولذلك لم ينقد حكماء الإغريق ولم يبطل تعاليمهم بل عظمهم ومجدهم ولكنه حمل بشدة على الفلاسفة العرب واعتبرهم من أصحاب الأقاويل المغشوشة المقصرين عن فهم الحكمة والشريعة والطبيعة والمجتمع.
ننتهي إلى القول بأن ثراء تجربة ابن خلدون السياسية تعود إلى تأليفه بين هذه المصادر الثلاثة والتي أدت به إلى استنتاج غياب الخصومة بين العلم والدين.
في الواقع يمكن مناقشة هذه المداخلة بالتأكيد أن تعريف الإنسان على أنه كائن اجتماعي هو تعريف لا ينتقل من الحد الأول: الإنسان مدني بالطبع إلى الحد الثاني: الإنسان حيوان سياسي بل يؤلف بين الحدين مع أي أن الاجتماعية تضم المدنية والسياسة في الآن نفسه ، كما أن المدونة الإغريقية عرفت مصطلح السياسة وأرسطو نفسه عرف الإنسان على أنه حيوان سياسي والمدونة الحديثة ركزت جميع جهودها تقريبا على التمدين والمواطنية .
فالي أي مدى يصح ذلك وهل يمكن اعتبار ابن خلدون هو المؤسس الفعلي لما سيسمى بعد ذلك بالعلمانية؟
شهدت المداخلات الأخرى محاولة تأصيلية مستحدثة من قبل رئيس وحدة البحث الأستاذ مقداد عرفة منسية بعنوان “مزاج الدولة” وتتمثل خطة بحثه في قراءة السياسة عند ابن خلدون على ضوء مفهوم المزاج المأخوذ من سجل طبي طبيعي وقد جاءت ورقته المتأنية كتحدي كلامي مرتكزا على عدة منطقية لنظرية فلسفية سياسية لها قاع طبيعي وتقف فوق أرضية دينية وقد حاول الأستاذ تبرير أطروحته بالاستناد إلى تحليل منطقي للغة ابن خلدون العلمية ساعده في ذلك العمل الذي قامت به الأستاذة سلوى الشطي حول التناسب والعلية والذي أخضعت بعض نصوص المقدمة إلى أسلوب التقليد التحليلي في قراءة النصوص الفلسفية وخاصة ذلك الذي نجده عند كواين وهو ما مكنها من الاستنتاج أن مقدمات ابن خلدون غير معرفة وغير بديهية وليست كلية وأن خطابه غير برهاني وبالتالي غير علمي من الناحية المنطقية أي أن النتائج لا تكون لازمة لزوما ضروريا عن المقدمات وأن بعض المقدمات غير مثبتة بالتجربة وتتناقض أحيانا مع الواقع وبالتالي هناك مقدمات أخرى لنتائج حاصلة وهناك نتائج أخرى لمقدمات حاصلة.
بقيت مداخلة افتتاحية قدمها المغربي الأستاذ عبد العالي العمراني بعنوان: “شكوك ابن خلدون على نظرية العقل للفلاسفة” والتي نذكر أهم ما جاء فيها وهو تأكيده على أهمية التمييز الخلدوني بين العلماء والعلماء الأولياء والأنبياء وكذلك التفطن إلى منزلة الحس الباطني والقوى الواهمة والذاكرة والمتخيلة في ربط نظرية النبوة بنظرية الحكمة المتعالية واللافت للنظر أن الباحث انتهى إلى الإقرار بأن غربلة ابن خلدون للطبيعة والفيزياء هو تجسيد للتحدي الذي رفعه السحرة في وجه الأنبياء وتبرير للتصوف والميتافيزيقا وحركة الارتقاء الفكري التي يقوم بها الحكيم نحو العقل الروحاني.
غير أن الإشكال لا يتعلق بالتمفصل بين المدني والسياسي بقدر ماهو إشكال يطرح ضمن تمفصل أول بين الفرداني والجماعاتي وضمن تمفصل ثاني بين الطبيعي والاصطناعي وتمفصل ثالث بين القوة ( السيف والحرب والغلبة) والحق( القلم والتمدن والشرع).
في البداية هل يصح القول من الناحية المنطقية بأن خطاب ابن خلدون في المقدمة غير برهاني وجدلي؟ ألسنا نحاول الانتقال من إثباتات واقعية إلى أحكام قيمة؟ وأليس الأنسب هو إخضاع النص الخلدوني للتحليل المنطقي الذي عاصره ونقصد المنطق الاسمي الذي حاول تأسيسه ابن تيمية والغزالي؟ وماذا استفاد ابن خلدون في إعادة تعريفه لمفهوم السياسة من العلوم الدينية وخاصة الفقه؟ وهل انتهى به الأمر إلى الفصل بين الملك والخلافة أم إلى التمييز الوظيفي بينهما بحيث يكون الملك للدنيا والخلافة للآخرة؟ هل برر ابن خلدون واقع الخضوع والهرمية الاجتماعية وكان فكره السياسي مشرعنا للاستبداد وهل خلت المقدمة من أية إشارة إلى فكرة الحرية والديمقراطية كما بين رزونتال؟ هل السبب هو استلاف العدة التنظيمية القانونية من الفقه؟ وهل كل فقه سياسي وكل سياسة فقهية هي مانعة لقيام الديمقراطية؟ وهل يساعد علم الفقه السياسة على أن تكون علما واقعيا ذرائعيا أم أنه يجعله في تبعية ووصاية دائمة للاهوت؟ أليس ما يوجد في الفصل الخاص بعلم الفقه في المقدمة بذورا تنويرية نقدية للمدونة الفقهية القديمة ودعوة إلى بناء علم أصول فقه جديد يكون خير سند لعلم السياسة بالمعنى الواقعي والبراغماتي؟
ألم يكتف بنقل مفهوم التدبير الإلهي للكون الذي ذكره ابن باجة إلى تدبير الإنسان للشأن الدنيوي ؟ لماذا ختم ابن خلدون فصله الشهير حول إبطال الفلسفة وفساد منتحلها بتأكيده على ضرورة التسلح بالعلوم النقلية من أجل حسن الاستفادة من العلوم العقلية لما صرح بما يلي: ” هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه. ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها.”؟
ماذا نفعل لابن خلدون ومقدمته؟ هل نكتب لها مقدمة جديدة أم نكتب خاتمتها ونحفر قبر أهم نص عربي سجل اسمه من ذهب في رواق الفكر العالمي؟ وهل نفكك قلاع الاستبداد السياسي والديني ونقتلع جذور الخضوع ونشيد قصر الحرية بمجرد مغادرتنا لابن خلدون وطي مقاله غير البرهاني؟ أليس الأحق هو أن نبطل إبطال ابن خلدون للفلسفة و نصلح ما أفسده منتحلوها ؟ ما حاجتنا إلى تصور ابن خلدون للسياسة الاستخلافية؟ هل يعني ذلك أن السياسة لا يقع تصحيحها إلا بالواقع وأن الحكمة لا يتم تسديدها سوى بالشريعة وأن العقل لا يتقوم إلا بالعودة إلى عالم التجربة وأن الإنسانية لا يحسن معادها إلا متى دبرت معاشها؟
ملاحظة:
ما دونته هو ما استطعت أن أنقله من المداخلات وربما فاتني بعض الأفكار لثراء الأوراق المقدمة وجدة المقاربات التي أنجزت لذلك أطلب المعذرة من الأصدقاء الأساتذة الأجلاء إن سهوت عن جوانب من تحليلاتهم واستخلاصاتهم ويمكنهم تسديد تغطيتي والرد على مناقشتي.
كاتب فلسفي

















المراجع :
منطق ابن خلدون .. الدكتور على الوردي ص101.
مقدمة ابن خلدون ص20.
. تاريخ ابن خلدون المجلد السادس ص205
أطروحة دكتوراه مقدمة من قبل الباحث شفيق إبراهيم صالح الجبوري، والتي نال عنها درجة الدكتوراه في فلسفة علم الاجتماع، من مجلس كلية الآداب – جامعة بغداد، وبتاريخ 5-7-2000.
تم هذا العرض أيضا من قبل الباحث في مجلة شؤون اجتماعية الإماراتية، العدد74، صيف 2002، السنة 19