صفحة 1 من 1

الأصولية بين تغير الواقع السياسي وتدمير المجتمع

مرسل: السبت مارس 12, 2011 5:20 pm
بواسطة فراس الشويرخ 8-4-1
الأصولية بين تغير الواقع السياسي وتدمير المجتمع
التعصب الديني ظاهرة عالمية لا تقتصر على المعتقدين في الإسلام وحدهم. إن المنصف لا يمكن أن يعزل الظاهرة الأصولية الإسلامية عن الأصولية المسيحية واليهودية وحتى الأديان غير السماوية الأخرى. إن الأصولية ظاهرة تجتاح كل العالم. ومع هذا فإن الراصد الواعي لرموز الأصولية الإسلامية، وليس الشباب المغرر بهم، يجدها لا تعتمد برامج سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تطالب المجتمع بتطبيقها. أو تطالب أن تنفذها بالوكالة عن المجتمع. كما أنها تحشد كامل قوتها لمسح الرأي المخالف من الوجود ولا تقبل المختلف عنها في أي حال من الأحوال لتتحرك بحرية تامة في فضاء الإسلام الرحب لوحدها فقط. فهي تريد أن تكون الصوت الأوحد في العالم الإسلامي واحتكار الحقيقة لكي تكون لها الهيمنة وحدها في النهاية.
لقد أخذت الأصولية الإسلامية على نفسها مهمة هداية البشر بالعنف تجاوزت حتى الشعوب الإسلامية لاعتقادها الجازم بأن كل الناس على خطأ، فالإيمان ما يعتقدونه وحدهم وما يعتقده غيرهم إلحاد، فالفتوى واجتهاد والعلماء الربانيون حصرا عليهم ومن خالفهم حتى في الفروع والقضايا المعزولة في زوايا التاريخ الإسلامي عصاة أو ملحدون يجب تأديبهم وحملهم على ما يؤمنون به ويعتقدونه. ولابد من ردهم إلى طريقهم وإلا حلت بهم مصائب القتل والتكفير والتفجير والتخويف. فالمختلف معهم، وهم كل قوى المجتمع، يجب تصفيتهم بأداة الانتحار من خلال تفجير الشباب لأنفسهم، وإذا صدر منهم فتوى فعلى كل المؤمنين بهم، أي أتباعهم من الشباب، الطاعة والتنفيذ بصرف النظر عن من هو المستهدف مسلما كان أم كافرا. وهؤلاء الرموز لازالوا في أشد اندفاعهم وكأن النصر قاب قوسين أو أدنى. رغم أن عنف التيارات الساخطة على مجتمعاتها لم يستطع أن يغير الواقع منذ سنين في الجزائر وفي مصر وفي بلدان أخرى.
إن ما كابدته المملكة مهبط الهداية الإنسانية خلال العام الماضي من قتل وتخويف وتدمير. يجعل كل مسلم يحاسب عاطفته الأصولية تريد احتكار الحقيقة في عالمنا تجاه هؤلاء النوع من الناس في السابق ويقف منهم موقف الحذر والريبة. إن المسؤولية الجنائية والدينية يتحملها من تصدى لفتوى المغرر بهم والمغسولة أدمغتهم بثمن الجنة وصداق الحورية. إن المرجعية بالفتوى مسؤولون عن دماء المسلمين وأموالهم وتخويفهم كل ذلك في عهدتهم. أقول لمن نفذ وصاياهم وفتواهم كيف تواجهون ربكم في الدماء البريئة المنثورة والأجساد الممزقة والعظام المكسورة والممتلكات المدمرة. كيف تواجهون ربكم بالثكالى والأرامل والأيتام. كيف تواجهون ربكم بتخويف المسلمين الآمنين. ورغم فظاعة ما يرتكبون في حق مجتمعاتهم فإن ذلك لا يعفي التخصصات السياسية والاجتماعية من استنتاج أسباب الظاهرة. فالأسباب الظاهرة أسباب دينية لاستقطاب أكثر ما يمكن من الأتباع. أما السبب الآخر فهو سبب مستتر. فعندما يأتي متخاصمان إلى قسم الشرطة فإن السبب الحقيقي غير المدون في محاضر القسم. فهناك تراكمات مستترة دفعت السبب الظاهر لمسرح الحدث. إن الأصولية في المجتمعات الإسلامية في جانب العنف منها ردة فعل على فشل ثلاث قوى تتعامل مع الأصولية:
1- فشل الأنظمة السياسية الإسلامية وبعض الأنظمة العربية بالذات. التي لم تستجب للتحولات الاجتماعية الكبيرة في شعوبها ففيها الفساد والرشوة وفقر الفقر جنبا إلى جنب مع الغناء الفاحش والطبقية. مع تغييب كامل لمعظم فئات المجتمع وانتهاك سياسات متعددة ومزدوجة مثل: اقتصار الدين على الشعارات والقول ومخالفته في الممارسة العملية سواء على مستوى السلوك الاجتماعي أو المستوى الشخصي. واستبعاد حقوق قوى شعوبها في مراقبة المال العام والمشاركة السياسية وبناء محاضن الضبط الاجتماعي من مؤسسات مدنية وأطر وأنظمة قانونية وغيرها مما تمكن كل الحاملين للهوية الوطنية أن يكونوا شركاء في الوطن. إن المصارحة الصادقة تدفع إلى المخاطرة في الأنظمة العربية. مع إيمان كل الشرفاء والغيارى على أوطانهم وأنظمتهم وشعوبهم والحكماء وأهل الرأي الذين يميزون المصالح الوطنية بدون نظارة طبية. بأن الصمت أو المجاملة أو المداهنة، على الأصح، في ظل الأوضاع الراهنة هي ضد الوطنية. إن قدرات البلدان العربية لم تتحول إلى آليات لنهوض الاقتصادي والاجتماعي وتوفير البنية الأساسية للبناء والتقدم والازدهار ليصبح جزءا حيويا وعضويا من الاقتصادي الوطني.
2- فشل الكوادر والأطر المثقفة أو ما تسميها الأصولية (بالعلمانية)، من تأخذ مكانها المأمول منها وتسد الفراغ في السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية. وتأخذ بنفسها ريادة المجتمع وتكون بمثابة الرقيب والمرشد معا للنظام ولكافة قوى المجتمع بما فيها الأصولية نفسها. فتأخذ بنفسها صيانة المجتمع في معتقداته وأفكاره والمحافظة على السمت العام ومزاج المجتمع المسلم من أن تخدشه الحضارة الغربية أو تزهق روحه الجريمة المصدرة من الخارج. وبهذا لا يعطى المثقف الأصولي حق القيام بالعنف نيابة عن قوى المجتمع وأهل العلم والرأي فيه. وتكون في عهدة المثقف تثقيف قوى المجتمع بما فيها الأنظمة والأصولية بالمكتسبات المادية الغربية بما يفيد المجتمعات الإسلامية بالتصنيع والإدارة وكل ما يعزز المجتمع ويقويه اقتصادياً وصناعياً وعسكرياً وبكل الأسباب المادية.. مع إعطاء العلماء المتنورين مكانتهم ومرجعيتهم بمسائل الشرع وتمكينهم من نشر روحانية الثقافة الإسلامية وتاريخها المجيد الذي جعل لها مكانة مرموقة تحت الشمس في أوج مراحل تاريخها. وتطهير التاريخ الإسلامي من الاختلافات المذهبية والفرق الهدامة وتشعب السبل والرجوع للفرقانين: القرآن والسنة. فالدين الإسلامي واسع في مجال حرية الرأي والحوار والتسامح ويعطي عموم المسلمين التفكير بحرية دون أن تفضي هذه الحرية الفكرية إلى تعدد المذاهب والنحل والطوائف التي من حتمية وجودها تفرقة المسلمين وتشتتهم. فالتعدد في الاجتهاد لا يكون بالدين على الجملة ولكن في قضايا فردية وحصراً على الفروع، كما يحصل بين الصحابة رضوان الله عليهم. فاجتهاداتهم في القضايا الزمنية متعددة ومتباينة أثناء الحوار والنقاش والجدل. ويتفقون في الأغلب على واقع التطبيق. ويعترفون للمختلفين في حق الاختلاف. فقد كان يسود بينهم التسامح والمحبة والرأفة والرحمة والتعاون ولهذا كانوا سادة الدنيا.