منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#33378
علاقات البحرين وإيران تدخل مرحلة جديدة
بيان الأربعاء


بيان الأربعاء - الأربعاء 11 رجب 1423هـ 18 سبتمبر 2002 -العدد 150


اتسمت العلاقات البحرينية ـ الإيرانية بالتوتر والجمود في ظل مطالبات الحكام الإيرانيين بضم البحرين إلى إيران.. فقد بادرت إيران في نوفمبر عام 1927 بإثارة موضوع تبعية البحرين لها في عصبة الأمم وأكدت في المذكرة التي قدمتها إلى المنظمة الدولية في ذلك الوقت أنها كانت المسيطرة على البحرين في معظم عصور التاريخ، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية شنت الصحافة الإيرانية حملة كبيرة ضد بريطانيا تطالب فيها بالسيادة الإيرانية على البحرين، وفي 21سبتمبر عام 1945 أبرزت جريدة «نيروز إيران» الحديث الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني في المجلس النيابي والذي طالب فيه الولايات المتحدة بالتريث في استخراج النفط من الحقول البحرينية نظرًا للحقوق الإيرانية في البحرين.


حاولت إيران بعد ذلك تكريس تبعية البحرين لها من خلال القيام بعدة خطوات في هذا الاتجاه وكانت أبرز هذه الخطوات ما يلي: ـ أصدرت وزارة التربية والتعليم في عام 1946 قرارًا يقضي بتدريس تبعية البحرين لإيران في المدارس.


ـ أصدر مجلس الوزراء الإيراني في أبريل عام 1946 مرسومًا يقضي بأن يخضع إنتاج الحقول النفطية في البحرين والذي يتم تصديره إلى الخارج لنفس الإجراءات المتبعة بحق شركة البترول الأنجلو فارسية.


ـ أصدر البرلمان الإيراني في عام 1946 قرارًا يقضي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الرسوم البريدية على الرسائل الصادرة والواردة من وإلى البحرين.


ـ عدم اعتراف الحكومة الإيرانية بجوازات السفر البحرينية الخاصة بالأشخاص الذين يزورونها من البحرين.


ـ وضعت الحكومة الإيرانية في سبتمبر عام 1948 خرائط جغرافية جديدة تبين تبعية البحرين لإيران، وفي عام 1949 اتخذت الممارسات الإيرانية شكلاً آخر تمثل في معارضة مشاركة البحرين في المؤتمرات الدولية فاحتجت إيران لدى المؤتمر الاقتصادي الآسيوي المنعقد في عام 1949 بكراتشي ولدى اتحاد البريد الدولي على قبول البحرين عضوًا في هذين المنبرين الدوليين، ووصلت الاعتراضات الإيرانية إلى حد الاعتراض على ورود اسم البحرين بين دول الخليج في بعض وثائق الأمم المتحدة.


ـ أصدر مجلس الوزراء الإيراني في عام 1957 قرارًا يقضي بضم البحرين وذلك ردًا على قيام المنامة بإدخال تعديلات على قانون الجيش الذي صدر في عام 1938 نصت على عدم جواز منح الجنسية البحرينية إلا لمن تكون لديه ملكيات غير منقولة بشرط إجادته اللغة العربية وأن يكون مقيمًا في البلاد بصفة مستمرة لما لا يقل عن عشر سنوات.


ـ رفضت إيران اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة بين المملكة العربية السعودية والبحرين عام 1958، وفي هذا الاتجاه اعتبرت إيران المشروع السعودي بإقامة جسر يربط بين المملكة والبحرين بمنزلة إجراء تتخذه السعودية لإحباط أي محاولة تقوم بها إيران لضم البحرين.


ورغم مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من اتجاه شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى فرض وجود إيران كشرطي أمن في الخليج عقب إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من المنطقة، فإن هذه الدول عمدت إلى التأكيد على ضرورة التعاون مع إيران، وفي هذا السياق قام شاه إيران بزيارة إلى كل من الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل السعودية والشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت، أسفرت عن اتفاق وجهات النظر على تسوية الحدود البحرية وعلى ضرورة التعاون بين إيران ودول الخليج نظرًا لطبيعة التداخل الجغرافي وتشابك المصالح الاقتصادية وضمان الاستقرار في المنطقة، وقد ترتب على تلك العلاقات الهادئة نتائج بالغة الأهمية كان من أبرزها إعلان الشاه تخلي إيران عن احتلال أراضي الغير بالقوة.


في هذا السياق أعلن شاه إيران في يناير عام 1969 أنه يقبل حق تقرير المصير في البحرين الأمر الذي ترتب عليه قيام كل من إيران وبريطانيا بموافقة البحرين في أواخر مارس عام 1970 بتقديم طلب إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يوثانت لإرسال لجنة أو مبعوث من قبله لتقصي الحقائق في جزر البحرين لمعرفة رغبات سكانها وما إذا كانوا يفضلون أن تكون بلادهم دولة عربية مستقلة أم تنضم لإيران، وقد جاءت رغبة الغالبية من السكان في صالح إعلان البحرين دولة مستقلة ذات سيادة، مما دفع إيران إلى الموافقة على هذه النتيجة، ومع صدور قرار مجلس الأمن في 11مايو 1970 الذي قضي بحق شعب البحرين في الانتماء لدولة مستقلة ذات سيادة بادرت البحرين بإعلان استقلالها في 14 أغسطس 1971.


سوء فهم جديد:


بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 حاولت إيران أن تمد نفوذها في الخليج عن طريق ما سُمي بمحاولات تصدير الثورة، التي ساهمت إلى حد كبير في تحفيز عوامل عدم الاستقرار في بعض البلاد ذات الأغلبية السكانية الشيعية «كما في البحرين» وهو الأمر الذي ساهم في ترسيخ مخاوف دول الخليج العربية، ومما زاد من تلك المخاوف إعلان آية الله الخميني أن الإسلام لا يتفق مع النظام الملكي، إضافة إلى الخطب الحماسية التي كان يشجب فيها بعض المسئولين الإيرانيين جميع النظم السياسية في الخليج.


ويرى بعض المحللين أن الثورة الإسلامية ظلت طيلة عقد ونصف من عمرها ترتدي رداءين أساسيين في آن واحد في سياستها الخارجية أحدهما سياسي يمثل الدولة ومؤسساتها، والآخر مذهبي وأيديولوجي يمثل قوى ومؤسسات سياسية داخل المؤسسة الدينية الحاكمة مثل حزب الله ومنظمة الارتباطات الثقافية والإسلامية التي كانت تنظر لنفسها على أنها المسئولة في المقام الأول عن تصدير الثورة وتسلم قيادة ما سُمي بـ «الإسلام الشعبوي» في المحيط القريب منها «الخليج» وبقية أنحاء العالم الإسلامي.


في ظل هذا المناخ شابت العلاقات البحرينية - الإيرانية حالة من سوء الفهم وتجدد المطالبات الإيرانية بتبعية البحرين والاتهامات البحرينية لإيران بمحاولة قلب نظام الحكم، ففي بداية الثمانينيات أعلنت الحكومة البحرينية أنها ألقت القبض على مجموعة من المخربين تلقوا تدريباتهم في إيران، في محاولة لقلب نظام الحكم في البحرين، وقد صرح الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بأنه «لا يوجد في البحرين خطر داخلي، وأن الخطر الخارجي هو إيران.. مؤكدا النظام في إيران يثير الشيعة في البحرين والخليج، ويشجع روابطهم السياسية مع آيات الله الحاكمين في طهران ويقوم بتدريبهم على استخدام الأسلحة ويرسلهم إلى أقطارهم لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار».


مع بداية التسعينيات شهدت البحرين حالة من الفوضى والاضطرابات وتجدد أعمال العنف التي بلغت ذروتها عام 1994 واستمرت حتى أوائل عام 1996، وقد أصرت الحكومة البحرينية آنذاك على وصم حركة الاحتجاجات بالطابع الشيعي، ووجهت المنامة اتهامًا رسميًا إلى طهران بالتورط في تمويل تنظيمات سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم وإقامة الجمهورية الإسلامية على النمط الإيراني، وأقدمت البحرين في مطلع شهر فبراير عام 1996على إبعاد السكرتير الثالث في السفارة الإيرانية معتبرة أنه شخص غير مرغوب فيه ويقوم بأعمال تتنافى ومهمته الدبلوماسية، وردت إيران بالمثل فطردت دبلوماسيًا بحرينيًا بعد يوم واحد من الإجراء البحريني.


في 3يونيو عام 1996 أعلنت الحكومة البحرينية الكشف عن حزب الله البحريني وهو حركة معارضة شيعية، يعد أحد فروع حزب الله الإيراني، هذا بالإضافة إلى وجود الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وهي حركة معارضة شيعية تأسست عام 1976 واتخذت طهران مقرًا لها، وعقب الكشف عن حزب الله البحريني ومخططه لقلب نظام الحكم قررت البحرين سحب سفيرها في طهران وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى درجة قائم بالأعمال.


مظاهر انفتاح:


رغم مظاهر التوتر في العلاقات البحرينية ـ الإيرانية ـ كما سبقت الإشارة ـ إلا أنه كانت هناك بعض الفترات التي شهدت فيها تلك العلاقات حالة من الهدوء النسبي، فمع انتخاب هاشمي رافسنجاني رئيسًا لإيران ولقائه بأمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة على هامش قمة عدم الانحياز في داكار بالسنغال في ديسمبر عام 1991 قرر البلدان رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء بعد أن كان على مستوى القائم بالأعمال.


ورغم عودة التوتر وبلوغه الذروة في عام 1996 إلا أن الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني خلال زيارته للسعودية قد قام بعبور الجسر الذي يربط المملكة بالبحرين والتقى بأميرها آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان في زيارة قصيرة اتفق خلالها معه على تطوير علاقات البلدين وبدء مرحلة جديدة فيها، وهي الزيارة التي رأى المراقبون أن لها أثراً ومغزى كبيراً حيث يمكن القول أنها شكلت مقدمة لما تلاها من اتصالات بين البلدين.


وقد بدأت العلاقات البحرينية ـ الإيرانية بالفعل في التحسن في عام 1997 وذلك لعاملين أولهما وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة في طهران وتوجهاته العامة بالانفتاح وتطبيع العلاقات مع دول الجوار العربي وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي. أما العامل الثاني الذي كان وراء تحسن العلاقات فهو التقارب السعودي الإيراني الذي لعب دورًا كبيرًا في تطور العلاقات بين المنامة وطهران وعجل بإعادة العلاقات بين البلدين في يناير عام 1999.


ورغبة في تطوير وتدعيم العلاقات بين البلدين تبادل الجانبان الزيارات الرسمية رفيعة المستوى حيث قام وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بزيارة لطهران في مايو 1999 وتم الاتفاق خلال الزيارة على تشكيل لجنتين إحداهما سياسية والأخرى اقتصادية بهدف تطوير وتنمية العلاقات ومجالات التعاون المختلفة بين البلدين، وقد اعتبر محللون أن هذا التطور في العلاقات بين المنامة وطهران يشكل تحولاً مهمًا وانفراجًا كبيرًا في منطقة الخليج العربي.


في هذا السياق خرجت تصريحات بعض المسئولين البحرينيين مؤكدة على التوجه الجديد في العلاقات البحرينية ـ الإيرانية، فقد أكد رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة في حديث لصحيفة «واشنطن بوست» 23/3/2000 أن إيران دولة مهمة لها دورها الحيوي في أمن المنطقة، كما أشار أيضًا أن جهود تحسين العلاقات بين البحرين وإيران «تمثل امتدادًا لسياسة البحرين وثوابتها الأساسية في علاقات حسن الجوار مع الجميع» مضيفًا أن بلاده تؤمن بأهمية التعاون مع الآخرين في إطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وفي هذا الإطار جاءت الخطوات والجهود في تحسين العلاقات مع إيران.


على الجانب الآخر قام وزير التجارة الإيراني محمد شريعتمداري بزيارة البحرين في مارس عام 2000 لحضور الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية البحرينية ـ الإيرانية، وقد أشارت المصادر إلى أن المنامة وطهران قد اتفقتا خلال هذا الاجتماع على معاودة فتح الخط البحري بين إيران والبحرين على غرار استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، وأثناء تواجد المسئول الإيراني أكد «أمير البحرين» الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حرص بلاده واهتمامها بتطوير العلاقات البحرينية ـ الإيرانية وتنميتها في كثير من المجالات التجارية والاستثمارية، مشيرًا إلى أن مثل هذه الزيارات والفعاليات الاقتصادية تسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين. إضافة إلى ذلك قام وزير الخارجية الإيراني د. كمال خرازي بزيارة المنامة في 28مارس 2000 للمشاركة في اجتماع اللجنة السياسية المشتركة بين البلدين لبحث سبل تدعيم العلاقات الثنائية وتعزيز التبادل الإقليمي، وقد أكدت المصادر بعد انتهاء الزيارة أن البحرين ومن خلال رؤيتها للعلاقات مع إيران تسعى للتعامل معها باستراتيجية جديدة خاصة بعد حصول مجموعة من المتغيرات السياسية الداخلية كان أهمها فوز الرئيس محمد خاتمي بانتخابات الرئاسة عام 1997، كما أكدت هذه المصادر أن زيارة الوزير خرازي للمنامة ومن قبلها استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين يصبان في خانة دعم الرئيس خاتمي، واستنادًا لذلك أكد بعض المحللين أن علاقات البحرين مع إيران قد دخلت مرحلة جديدة لاسيما مع وجود رغبة بحرينية ـ إيرانية مشتركة لتجاوز مشاكل الماضي، غير أنه يجب ملاحظة أن هذا التقارب بين البلدين كان يحكمه عوامل إقليمية أخرى أهمها الموقف الإيراني من قضية الجزر الإماراتية الثلاث، فقد أشار بعض المسئولين البحرينيين إلى أن هذه القضية تقف عائقًا دون تحقيق انفتاح في العلاقات مع إيران.


ورغم التقارب البحريني الإيراني والتحسن الملحوظ في العلاقات بين الطرفين فقد كاد شهر يوليو عام 2001 أن يشهد أزمة أخرى بين المنامة وطهران.. فقد اتهمت البحرين 10/7/2001 إذاعة طهران بالتدخل في شئونها الداخلية حين أذاعت أن السلطات البحرينية تدخلت في النزاع الدائر حول إدارة مكان تجمع للطائفة الشيعية، وقد ذكر بعض المحللين أن التدخل الإيراني في هذا الأمر كان بمنزلة رسالة غير مباشرة إلى حكومة البحرين فحواها أن النزاعات الدينية مسئولية المراجع الدينية في إيران، والتصرف فيها يجب أن يتم بالتنسيق معها، وهو ما اعتبرته البحرين تدخلاً إيرانيًا يمثل امتدادًا للتدخلات السابقة في الشأن البحريني، ولذلك جاء الرد البحريني القوي في هذا الموضوع، غير أن الملاحظ أن هذا الأمر لم يترك تداعيات سلبية مؤثرة على علاقات البلدين لاسيما في ظل استمرار السياسة الإيرانية الراغبة في تحسين وتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي عمومًا وكذلك انتهاء المطالب الإيرانية بتبعية البحرين.


مشاريع مشتركة:


شهدت العلاقات الخليجية ـ الإيرانية في الآونة الأخيرة تطورات ملحوظة بدءاً من حالة الانفتاح والتعاون التجاري والاقتصادي بين الجانبين والدخول في مشاريع مشتركة «مشاريع نقل المياه من إيران إلى الكويت وقطر» مرورًا بتوقيع بعض الاتفاقيات كان أهمها الاتفاقية الأمنية بين الرياض وطهران ووصولاً إلى التعاطي الإيراني الجاد مع قضية الجزر الإماراتية الثلاث فقد تواردت معلومات وأنباء عن إمكانية توصل الجانبين الإماراتي والإيراني إلى تسوية مرضية بخصوص هذه القضية، وقد زادت التوقعات حول هذا الأمر بعد الإعلان عن قيام الرئيس الإيراني بزيارة رسمية إلى أبو ظبي في وقت لاحق تلبية لدعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة.


في ظل هذا التطور الإيجابي في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية جاءت زيارة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الأخيرة لطهران لتضيف حلقة جديدة من حلقات التقارب بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما وأن هذه الزيارة تحمل بين طياتها مدلولات مهمة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البحرين وإيران أبرزها أن هذه العلاقات قد بلغت درجة كبيرة من التفاهم والثقة المتبادلة لاسيما في ظل قيامها على المصالح والاحترام المتبادل لسيادة كل دولة، واقتناع القيادة البحرينية بزوال المطالب الإيرانية بتبعية البحرين لإيران وعدم قيام طهران بأي أعمال يمكن أن تُفسر على أنها تدخل في الشئون الداخلية البحرينية.


وحظيت عملية تدعيم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بنصيب مهم من المحادثات التي جرت بين الملك حمد وبين الرئيس محمد خاتمي، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما صرح به الملك أن «الوقت قد حان لتعزيز العلاقات بين المنامة وطهران في كل المجالات» مشيرًا إلى أن «الرئيس خاتمي هيأ الظروف لتطوير العلاقات بين البلدين» مؤكدًا في الوقت نفسه على بذل «كل ما في وسعنا لتحقيق التضامن وتعزيز أوجه التعاون الثنائي في كل المجالات»، على الجانب الآخر وصف الرئيس الإيراني محمد خاتمي العلاقات بين البلدين بأنها تاريخية ووثيقة قائلاً أن «التواجد الجغرافي للبلدين في منطقة الخليج يقتضي التضامن والتلاحم بين البلدين».


وكان لافتًا أن الوفد المرافق لملك البحرين قد ضم كثيرًا من الشخصيات الدينية، سُنية وشيعية، بالإضافة إلى خبراء في كثير من المجالات لاسيما الاقتصادية، الأمر الذي رأى من خلاله المحللون أن هناك رغبة بحرينية في بناء علاقة متينة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أساسها العقيدة والعلم والخبرة، فضلاً عن تبادل المنافع والمصالح الاقتصادية، في هذا السياق أشارت مصادر إلى أن البلدين يعكفان على دراسة مشروع اتفاق أمني مشابه للاتفاق الموقع بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما قام الجانبان بالتوقيع على ثلاث اتفاقيات تتناول التعاون الاقتصادي والتجاري والفني وتشجيع الاستثمارات وحمايتها وتفادي الازدواج الضريبي.


وبصفة عامة فقد أشار بعض المراقبين إلى أن الزيارة قد أسفرت عن عدة نتائج فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية أهمها ما يلي: ـ تدشين مرحلة جديد من التشاور واللقاءات المباشرة على أعلى المستويات لإيجاد أرضية صلبة على طريق تطوير التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات.


ـ تعزيز التعاون البحريني ـ الإيراني في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية من خلال الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة والمتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتجاري وتشجيع الاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي، والتي تساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.


ـ تبادل الآراء والتشاور حول كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك.


ـ تأكيد دعم القيادة الإيرانية للإصلاحات التي أقدم عليها الملك حمد بن عيسى في البحرين.


العراق:


تناولت المباحثات التي جرت بين الملك حمد وبين المسئولين الإيرانيين عدة قضايا إقليمية ودولية أبرزها ضرب العراق والأوضاع في فلسطين والموقف من قضية الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.


وبالنسبة للعراق فقد أكدت البحرين وإيران في البيان الصادر في ختام الزيارة «معارضتهما الحازمة لأي عمل عسكري أحادي الجانب ضد بغداد» مع مطالبة نظام صدام حسين في الوقت نفسه بضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة، من جهة أخرى أكدت الدولتان على «احترامهما لوحدة أراضي العراق وسيادته الوطنية» وحذرتا من «التهديدات التي تواجه المنطقة» مع تأكيد معارضتهما «لأي عمل يهدف إلى تعريض الأمن والاستقرار في الخليج».


ويرى المحللون أن رفض الضربة الأميركية للعراق مرجعه المخاوف من تداعيات هذه الضربة على الأمن والاستقرار في الخليج لاسيما وأن الملك حمد قد اعتبر «أن ما يستأثر بالاهتمام في هذه المرحلة هو المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة» وأيده في ذلك الرئيس خاتمي حين قال أن «ما يستدعي الاهتمام الآن هو المحافظة على الأمن في المنطقة وذلك يتحقق عبر التعاون والاحترام المتبادل»، في هذا السياق أشار المحللون إلى أن البيان الختامي قد كشف عن حرص البلدين على المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة ومعارضتهما لأي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة وهو الأمر الذي اعتبره الجانبان تهديدًا لمصالح شعوب المنطقة ومعيقًا لبرامجها التطويرية والتنموية، في ظل هذا الإطار العام أشار هؤلاء المحللون إلى أن ضرب العراق من شأنه أن يشكل تهديدًا لمصالح جميع دول وشعوب المنطقة، وقد وجد هذا الأمر ترجمته في إعلان البلدين معارضتهما الشديدة إزاء أي تحرك عسكري ضد العراق من جانب واحد.


إلى جانب قضية العراق عبر البلدان عن «تضامنهما مع الشعب الفلسطيني» وأكدا معارضتهما «لأي شكل من أشكال الإرهاب» وطلبا مكافحته في إطار الأمم المتحدة وتحرك دولي جماعي، كما أبديا أيضًا قلقهما إزاء إنتاج وانتشار وتخزين أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية ووجها الدعوة إلى الموقعين على معاهدات حظر هذه الأسلحة للسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية في المنطقة.


لا شك أن زيارة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة لإيران ستحمل تداعيات إيجابية على العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، وفي هذا السياق يرى بعض المراقبين أن الزيارة جاءت لتؤكد النهج البحريني والخليجي في التقارب مع إيران كما جاءت أيضًا لتؤكد حرص دول مجلس التعاون الخليجي على تشجيع الرئيس الإيراني محمد خاتمي الذي يسعى بدوره لتحسين وتطوير العلاقات الإيرانية مع دول المجلس وتدشين مرحلة جديدة من التعاون معها.


إلى جانب ذلك، فكما أسهم التعاطي الإيراني الإيجابي مع قضية الجزر الإماراتية في الآونة الأخيرة في تسريع وتيرة تدعيم وتعزيز العلاقات بين إيران ودول الخليج الست فإن من شأن زيارة الملك حمد لطهران أن تؤدي إلى الدور نفسه لاسيما وأن هذه الزيارة تكشف عن توافر القدرة على بناء الثقة بين الجانبين الخليجي والإيراني في ظل انتهاء مخاوف دول الخليج من أي توجهات إيرانية غير مقبولة خاصة مع تخلي إيران عن مبدأ تصدير الثورة إلى المجتمعات الخليجية في محاولة منها لزعزعة استقرار هذه المجتمعات.


ومن الواضح أن البحرين كانت أشد الدول حاجة لبناء الثقة مع إيران لاسيما في ظل توتر العلاقات الذي كان سائدًا بينهما لفترات طويلة ـ كما سبقت الإشارة ـ ولا شك أن نجاح إيران في إقناع البحرين بتوجهاتها الجديدة القائمة على تبادل المصالح والمنافع واحترام سيادة الدول المجاورة وعدم التدخل في شئونها الداخلية إنما يعني أن إيران قد استطاعت أن تخلق نموذجًا ناجحًا في علاقاتها مع إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي يمكن أن ينعكس إيجابيًا على بقية هذه الدول.


ويمكن القول، وكما يرى المراقبون، أن العلاقات الخليجية ـ الإيرانية قد بدأت في دخول مرحلة جديدة أبرز سماتها التنسيق السياسي بخصوص الأوضاع والقضايا الإقليمية، وبدء مرحلة متطورة من العلاقات بين الدول المطلة على ضفتي الخليج أن المخاوف المشتركة لما يمكن أن ينجم عن الحرب الأميركية قد ساهمت في رفع وتيرة التقارب الخليجي ـ الإيراني في هذه المرحلة.


وكانت نقطة اللقاء المشتركة هي «معارضة أي هجوم أميركي محتمل على العراق» والدعوة إلى «تسوية الأزمة عبر الطرق السياسية والسلمية» ولكن من دون إهمال القضايا العربية والإسلامية، أخيرًا فإنه يمكن التأكيد على أن زيارة الملك حمد لطهران والتي توجت زيارات مسئولين خليجيين «كما سبقت الإشارة» تمثل دفعة قوية لمسيرة التقارب البحرينية ـ الإيرانية بصفة خاصة ولمسيرة التقارب الخليجية ـ الإيرانية بصفة عامة الأمر الذي يعكس نوعًا من التفاؤل إزاء علاقات الطرفين في المستقبل وإزاء قدرتهما على التفاهم حول بعض القضايا التي قد تكون عائقًا دون استمرار تلك المسيرة.