السلفيون والثورة الديمقراطية
مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 12:56 am
د. محمد أبو رمان
ثمة اهتزازات ارتدادية كبيرة للثورات الديمقراطية العربية، ربما بعضها ما يزال يحتاج إلى وقت أطول كي ندرك نتائجه وآثاره المختلفة، وهو ما أصاب أيضاً السلفية التقليدية، وهو التيار الذي كان يعلن دوماً عزوفه عن العمل السياسي واهتمامه بالجانب العلمي والدعوي. المخاض السلفي يصيب بصورة مباشرة المدرسة الفكرية السياسية لهذا التيار، التي تأسست على اعتبار الحكام والحكومات العربية الحالية بمثابة "أولياء الأمر"، وتحريم الخروج عليهم والمشاركة في الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات التي تدعو إلى التغيير السياسي والمدني.
بل واتخذت السلفية التقليدية، نظرياً، مواقف سلبية من الديمقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة، واتجهت غالباً إلى "صفقة ضمنية" مع الحكومات العربية، تتم عبر مواقف وفتاوى تتوافق مع السياسات الرسمية، مقابل إتاحة المجال لهم بالعمل في المساجد والمحاضرات والتعليم بصورة مريحة، بلا تكدير أو تنغيص. هذا "الاستقرار" الفكري والنظري اهتزّ كثيراً خلال الثورات الأخيرة، التي جاءت بمشهد شعبي سياسي يتجاوز تماماً تلك المقاربة السياسية، ويرفض مقولاتها التي تحث على الطاعة وتصر على مبدأ "النصيحة السريّة" للحكام، بدلاً من النقد العلني الواضح. وبالرغم من أنّ هيئة كبار العلماء في السعودية، وهي بمثابة المظلة الأكثر مشروعية عالمياً لهذا التيار، قد أصدرت فتاوى مستفزة ضد الثورات الجديدة، تتهمها بالفتنة وتحذّر منها، فإنّ أفراداً من التيار السلفي بدؤوا يعيدون التفكير في هذه المواقف والآراء. يمكن ملاحظة هذه السجالات والحوارات على المنتديات والمواقع الالكترونية السلفية، بخاصة حول الموقف من الثورة المصرية، وتحديداً لدى المدرسة السلفية التقليدية في الاسكندرية، ومحاولات بعض الشيوخ تبرير تخلّف "الدعوة" عن المشاركة الفاعلة في ديناميكية الثورة وفعالياتها، بل كان هنالك من أفراد الدعوة في المدينة نفسها من يحذّر الناس من المشاركة في الثورة، ويعتبر ذلك مخالفاً للشريعة الإسلامية!
ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها المدرسة السلفية التقليدية للاختبار، فقد حدث ذلك مراراً، وبصورة كبيرة في بداية التسعينيات عندما خرج من رحمها التيار السلفي الإصلاحي في السعودية، قبل أن يمتد إلى باقي أرجاء العالم العربي، فشكّلت حركة كل من د. سلمان العودة وسفر الحوالي ورفاقهما هزّة عنيفة في أوساط هذه المدرسة، إلى حين تمّ اعتقال قيادات الحركة الجديدة والمئات من أنصارها.
مع ذلك، فقد حافظت الدعوة السلفية التقليدية على تماسكها ومقولاتها السياسية، بعد أن أخرجت من إطارها الفكري المدرسة الجديدة، وبقيت المقولات السياسية على حالها.
أمّا اليوم، فإنّ الهزّة تبدو أكبر بكثير، إذ إنّ التغير حصل على طبيعة المجتمعات العربية نفسها، والثورات تمتد لتغيير بنية النظم السياسية، وهي حالة مجتمعية وسياسية وشعبية جديدة تماماً، تتناقض مع مفاهيم الطاعة والولاء والانكفاء السياسي التي حكمت الفكر السياسي للتقليديين. بعد إصدار دراستي عن "السلفية المحافظة في الأردن"، مؤخّراً، أتاح لي الصديق السلفي، الكاتب في الصفحة الدينية بـ"الغد"، أسامة شحادة، اللقاء مع عدد من الشباب السلفي المتمكّن، وحصل حوار مطوّل، أغلبه حول الفكر السياسي للسلفيين، ما كشف لي عن جيل جديد، أغلبه من الذين يتابعون دراستهم العليا، يتجه إلى صيغة مختلفة من الاشتباك مع الواقع السياسي. الصديق أسامة، نفسه، كتب مقالاً على أثر التحولات الأخيرة بعنوان "أيها السلفيون: وماذا بعد؟" يدعو فيه إلى فكرة تشكيل "لوبيات" وجماعات لإيجاد ثقل لهذا التيار في المشهد السياسي، وهي الدعوة نفسها التي أطلقها الداعية السلفي الشهير محمد حسّان، عندما طالب السلفيين بإعادة النظر في مقولاتهم السياسية. على أيّ حال ثمة إشارات أنّ السلفيين التقليديين أيضاً لديهم جديد سياسي.
ثمة اهتزازات ارتدادية كبيرة للثورات الديمقراطية العربية، ربما بعضها ما يزال يحتاج إلى وقت أطول كي ندرك نتائجه وآثاره المختلفة، وهو ما أصاب أيضاً السلفية التقليدية، وهو التيار الذي كان يعلن دوماً عزوفه عن العمل السياسي واهتمامه بالجانب العلمي والدعوي. المخاض السلفي يصيب بصورة مباشرة المدرسة الفكرية السياسية لهذا التيار، التي تأسست على اعتبار الحكام والحكومات العربية الحالية بمثابة "أولياء الأمر"، وتحريم الخروج عليهم والمشاركة في الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات التي تدعو إلى التغيير السياسي والمدني.
بل واتخذت السلفية التقليدية، نظرياً، مواقف سلبية من الديمقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة، واتجهت غالباً إلى "صفقة ضمنية" مع الحكومات العربية، تتم عبر مواقف وفتاوى تتوافق مع السياسات الرسمية، مقابل إتاحة المجال لهم بالعمل في المساجد والمحاضرات والتعليم بصورة مريحة، بلا تكدير أو تنغيص. هذا "الاستقرار" الفكري والنظري اهتزّ كثيراً خلال الثورات الأخيرة، التي جاءت بمشهد شعبي سياسي يتجاوز تماماً تلك المقاربة السياسية، ويرفض مقولاتها التي تحث على الطاعة وتصر على مبدأ "النصيحة السريّة" للحكام، بدلاً من النقد العلني الواضح. وبالرغم من أنّ هيئة كبار العلماء في السعودية، وهي بمثابة المظلة الأكثر مشروعية عالمياً لهذا التيار، قد أصدرت فتاوى مستفزة ضد الثورات الجديدة، تتهمها بالفتنة وتحذّر منها، فإنّ أفراداً من التيار السلفي بدؤوا يعيدون التفكير في هذه المواقف والآراء. يمكن ملاحظة هذه السجالات والحوارات على المنتديات والمواقع الالكترونية السلفية، بخاصة حول الموقف من الثورة المصرية، وتحديداً لدى المدرسة السلفية التقليدية في الاسكندرية، ومحاولات بعض الشيوخ تبرير تخلّف "الدعوة" عن المشاركة الفاعلة في ديناميكية الثورة وفعالياتها، بل كان هنالك من أفراد الدعوة في المدينة نفسها من يحذّر الناس من المشاركة في الثورة، ويعتبر ذلك مخالفاً للشريعة الإسلامية!
ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها المدرسة السلفية التقليدية للاختبار، فقد حدث ذلك مراراً، وبصورة كبيرة في بداية التسعينيات عندما خرج من رحمها التيار السلفي الإصلاحي في السعودية، قبل أن يمتد إلى باقي أرجاء العالم العربي، فشكّلت حركة كل من د. سلمان العودة وسفر الحوالي ورفاقهما هزّة عنيفة في أوساط هذه المدرسة، إلى حين تمّ اعتقال قيادات الحركة الجديدة والمئات من أنصارها.
مع ذلك، فقد حافظت الدعوة السلفية التقليدية على تماسكها ومقولاتها السياسية، بعد أن أخرجت من إطارها الفكري المدرسة الجديدة، وبقيت المقولات السياسية على حالها.
أمّا اليوم، فإنّ الهزّة تبدو أكبر بكثير، إذ إنّ التغير حصل على طبيعة المجتمعات العربية نفسها، والثورات تمتد لتغيير بنية النظم السياسية، وهي حالة مجتمعية وسياسية وشعبية جديدة تماماً، تتناقض مع مفاهيم الطاعة والولاء والانكفاء السياسي التي حكمت الفكر السياسي للتقليديين. بعد إصدار دراستي عن "السلفية المحافظة في الأردن"، مؤخّراً، أتاح لي الصديق السلفي، الكاتب في الصفحة الدينية بـ"الغد"، أسامة شحادة، اللقاء مع عدد من الشباب السلفي المتمكّن، وحصل حوار مطوّل، أغلبه حول الفكر السياسي للسلفيين، ما كشف لي عن جيل جديد، أغلبه من الذين يتابعون دراستهم العليا، يتجه إلى صيغة مختلفة من الاشتباك مع الواقع السياسي. الصديق أسامة، نفسه، كتب مقالاً على أثر التحولات الأخيرة بعنوان "أيها السلفيون: وماذا بعد؟" يدعو فيه إلى فكرة تشكيل "لوبيات" وجماعات لإيجاد ثقل لهذا التيار في المشهد السياسي، وهي الدعوة نفسها التي أطلقها الداعية السلفي الشهير محمد حسّان، عندما طالب السلفيين بإعادة النظر في مقولاتهم السياسية. على أيّ حال ثمة إشارات أنّ السلفيين التقليديين أيضاً لديهم جديد سياسي.