نرجو الانتباه
مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 12:59 am
د. محمد أبو رمان
بالقدر نفسه من ضروة تدشين خط للإصلاح السياسي السريع، يعرّف الحقوق السياسية للمواطنين، ثمة ضرورة وطنية لا تقل أهمية واستعجالاً في إعادة تعريف برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتحديد صيغة العلاقة مع الدولة وأولويات المواطنين الاقتصادية والتنموية.
أهمية المطالب الاقتصادية برزت، بوضوح، أيضاً خلال المسيرات والبيانات والاعتصامات، وتباينت بحسب الجهة التي تتبناها وأجندتها السياسية، لكن الجميع متفقون على عنوان "العدالة الاجتماعية"، مع اختلاف تعريف هذا المفهوم وتحديد السياسات الاقتصادية التي تنهض به. أهمية المطالب الاقتصادية تقع في صلب مشروع تجديد النظام السياسي وبناء التوازن الاجتماعي الذي يعيد تأهيل شريحة واسعة من المجتمع، لم تستطع التكيف مع التحولات الاقتصادية، ذلك أنّ البرنامج الاقتصادي لم يراعِ في مسارعته إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي "تمكين المواطنين" من الشروط والمدخلات التي يستطيعون من خلالها الانتقال إلى مرحلة جديدة تكون هي بحد ذاتها كفيلة بإعادة تعريف علاقتهم بالدولة على قاعدة المواطنة ودولة القانون وتكافؤ الفرص، وليس المنطق الأبوي أو الرعوي.
عند الحديث، مثلاً، عن "تكافؤ الفرص"، وهو مبدأ بديهي في دولة المواطنة والقانون، فإنّ الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الحالية تعيق ذلك، إذ إنّ تكافؤ الفرص يستدعي "بنية تحتية" تمكّن الجميع من القدرة على التنافسية، ومن ثم الاختيار على قاعدة الأكفأ والأجدر بعيداً عن الوصاية الأمنية والسياسية، كما يحصل حالياً.
البنية التحتية (المقصودة هنا) تتمثل بدرجة رئيسة بفجوتي التعليم والتنمية، بخاصة مع تركّز الثروة والازدهار الاقتصادي في عمان الغربية وانهيار قيم التعليم الحكومي مع الخصخصة، ما جعل مخرجاته دون متطلبات السوق بكثير.
الدولة بدلاً من التنبه لهذا الخلل الكبير، الذي بدأنا لاحقاً ندفع أول كلفه، تعاملت بمنطق عشوائي مخجل مع هذا التحدي الوطني، بل لم تضع إطاراً لهذه المشكلة، فضلاً عن استراتيجية كبرى لإنقاذ التعليم العام، ومنحه أولوية في الإنفاق الوطني، لإزالة هذه الفجوة. بدلاً من معالجة الخلل، أصبحنا نتعامل مع النتائج باختلالات أخطر، مثل "كوتا" الأقل حظا والمحافظات والمخيمات، فنقلنا الأزمة للجامعات، بل ومنحناها مشروعية سياسية وتوظيفاً أمنياً، ما زاوج بين الاختلالات السياسية والاقتصادية-الاجتماعية، وجعلها واقعاً يمثّل "العقبة الأساسية" في وجه الإصلاح الشامل.
هنا، تحديداً، تكمن نقطة الالتقاء بين الأولويات السياسية والاقتصادية-التنموية والخدماتية. فبالتوازي مع الإصلاح السياسي، لا بد من تدشين ثورة حقيقية في التعليم العام في المحافظات والقرى والمدن والمخيمات، وتحديد سقوف زمنية لها للوصول إلى نتائج ملموسة، بالتوازي مع تحسين الخدمات الأساسية، ما يؤهل شريحة واسعة للدخول مستقبلاً في البناء الجديد، ويرفع عبئا ماليا ثقيلا عن كاهل الطبقة الوسطى التي تعاني من ضغوط شديدة.
لسنا بحاجة إلى توفير وظائف استرضائية تزيد العبء المالي على الدولة، بلا نتائج إيجابية، وترحيل المشكلة إلى مراحل قادمة، ولا إلى اختراعات مثل "الأقل حظا" تجذّر الأزمات ولا تحلها، ولا إلى العودة إلى منطق الدولة الريعية، التي لا تنتج مواطنين بل رعايا معتمدين على الدولة ووظائفها.
ما حمى اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وخلق اقتصادها الحالي هو التعليم العام، وما مكن ألمانيا من العودة سريعا بعد تلك الحرب هو التعليم، وما يشغل بال المثقفين والسياسيين الأميركيين اليوم هو التعليم، وما يدركه العالم المتقدم أنك إذا خسرت التعليم خسرت كل شيء!
التعليم العام شرط أساسي للمستقبل وحماية للأجيال المقبلة وحجر الأساس في بناء التوازن الاجتماعي والسلم الوطني.. أيها السادة: نرجو الانتباه!
بالقدر نفسه من ضروة تدشين خط للإصلاح السياسي السريع، يعرّف الحقوق السياسية للمواطنين، ثمة ضرورة وطنية لا تقل أهمية واستعجالاً في إعادة تعريف برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتحديد صيغة العلاقة مع الدولة وأولويات المواطنين الاقتصادية والتنموية.
أهمية المطالب الاقتصادية برزت، بوضوح، أيضاً خلال المسيرات والبيانات والاعتصامات، وتباينت بحسب الجهة التي تتبناها وأجندتها السياسية، لكن الجميع متفقون على عنوان "العدالة الاجتماعية"، مع اختلاف تعريف هذا المفهوم وتحديد السياسات الاقتصادية التي تنهض به. أهمية المطالب الاقتصادية تقع في صلب مشروع تجديد النظام السياسي وبناء التوازن الاجتماعي الذي يعيد تأهيل شريحة واسعة من المجتمع، لم تستطع التكيف مع التحولات الاقتصادية، ذلك أنّ البرنامج الاقتصادي لم يراعِ في مسارعته إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي "تمكين المواطنين" من الشروط والمدخلات التي يستطيعون من خلالها الانتقال إلى مرحلة جديدة تكون هي بحد ذاتها كفيلة بإعادة تعريف علاقتهم بالدولة على قاعدة المواطنة ودولة القانون وتكافؤ الفرص، وليس المنطق الأبوي أو الرعوي.
عند الحديث، مثلاً، عن "تكافؤ الفرص"، وهو مبدأ بديهي في دولة المواطنة والقانون، فإنّ الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الحالية تعيق ذلك، إذ إنّ تكافؤ الفرص يستدعي "بنية تحتية" تمكّن الجميع من القدرة على التنافسية، ومن ثم الاختيار على قاعدة الأكفأ والأجدر بعيداً عن الوصاية الأمنية والسياسية، كما يحصل حالياً.
البنية التحتية (المقصودة هنا) تتمثل بدرجة رئيسة بفجوتي التعليم والتنمية، بخاصة مع تركّز الثروة والازدهار الاقتصادي في عمان الغربية وانهيار قيم التعليم الحكومي مع الخصخصة، ما جعل مخرجاته دون متطلبات السوق بكثير.
الدولة بدلاً من التنبه لهذا الخلل الكبير، الذي بدأنا لاحقاً ندفع أول كلفه، تعاملت بمنطق عشوائي مخجل مع هذا التحدي الوطني، بل لم تضع إطاراً لهذه المشكلة، فضلاً عن استراتيجية كبرى لإنقاذ التعليم العام، ومنحه أولوية في الإنفاق الوطني، لإزالة هذه الفجوة. بدلاً من معالجة الخلل، أصبحنا نتعامل مع النتائج باختلالات أخطر، مثل "كوتا" الأقل حظا والمحافظات والمخيمات، فنقلنا الأزمة للجامعات، بل ومنحناها مشروعية سياسية وتوظيفاً أمنياً، ما زاوج بين الاختلالات السياسية والاقتصادية-الاجتماعية، وجعلها واقعاً يمثّل "العقبة الأساسية" في وجه الإصلاح الشامل.
هنا، تحديداً، تكمن نقطة الالتقاء بين الأولويات السياسية والاقتصادية-التنموية والخدماتية. فبالتوازي مع الإصلاح السياسي، لا بد من تدشين ثورة حقيقية في التعليم العام في المحافظات والقرى والمدن والمخيمات، وتحديد سقوف زمنية لها للوصول إلى نتائج ملموسة، بالتوازي مع تحسين الخدمات الأساسية، ما يؤهل شريحة واسعة للدخول مستقبلاً في البناء الجديد، ويرفع عبئا ماليا ثقيلا عن كاهل الطبقة الوسطى التي تعاني من ضغوط شديدة.
لسنا بحاجة إلى توفير وظائف استرضائية تزيد العبء المالي على الدولة، بلا نتائج إيجابية، وترحيل المشكلة إلى مراحل قادمة، ولا إلى اختراعات مثل "الأقل حظا" تجذّر الأزمات ولا تحلها، ولا إلى العودة إلى منطق الدولة الريعية، التي لا تنتج مواطنين بل رعايا معتمدين على الدولة ووظائفها.
ما حمى اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وخلق اقتصادها الحالي هو التعليم العام، وما مكن ألمانيا من العودة سريعا بعد تلك الحرب هو التعليم، وما يشغل بال المثقفين والسياسيين الأميركيين اليوم هو التعليم، وما يدركه العالم المتقدم أنك إذا خسرت التعليم خسرت كل شيء!
التعليم العام شرط أساسي للمستقبل وحماية للأجيال المقبلة وحجر الأساس في بناء التوازن الاجتماعي والسلم الوطني.. أيها السادة: نرجو الانتباه!