معالم على طريق ثورة الإعلام
مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 1:05 am
عريب الرنتاوي
أمس، دلفت إلى حرم التلفزيون الأردني، لأول مرة منذ سنوات عدة ، لم أعد أذكر أربع أو خمس سنوات، فقد كنت مندرجاً في قائمة سرية "سوداء"، للممنوعين من الظهور على الشاشة الوطنية.. وبرغم أنني ظهرت خلال هذه الفترة مئات المرات على عشرات الشاشات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، إلا أن للأمر مذاقاً خاصاً حين يتعلق الأمر بشاشة التلفزيون الأردني ، حتى ونحن نعرف أن نسبة مشاهدته في تراجع مستمر.
المسؤولون في الحكومات المتعاقبة، نفوا وينفون وجود "قوائم سوداء".. وكاتب هذه السطور يؤكد وجودها.. ولديه على ذلك أكثر من شاهد ودليل، تارة من موقعه كمضيف (معد ومقدم برنامج) وأخرى من موقعه كضيف.. من موقع المضيف، تحتشد ذاكرتي بقصص عديدة عن "القائمة" وأعضائها المتغيرين.. ولكي لا يذهب تفكير السادة القراء والسيدات القارئات بعيداً، أبادر للقول بأن القائمة لم تشتمل على أسماء معارضين كبار فحسب ، بل ومسؤولين كبار في الدولة الأردنية، شملهم الحظر في هذه المرحلة أو تلك.
أذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد، عندما قررت استضافة المعارض البارز ليث شبيلات في حلقة من برنامج "قضايا وأحداث" على الهواء مباشرة.. يومها طُلًبَ إليّ تسجيل الحلقة فرفضت، فإذا بأخبار العاشرة بالإنجليزية تصبح 35 دقيقة بدلاً من عشرين، وموجز الحادية عشرة بالعربية ثلث ساعة بدلاً من خمس دقائق.. المهم أن تختصر مدة حديث شبيلات إلى أدنى قدر ممكن.. الشيء ذاته ، تكرر بوسائل مختلفة عندما استضفت مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين فضيلة الشيخ عبد المجيد الذنيبات.
قلنا: إن ما يسمى بالقوائم السوداء، لم تكن تقتصر على المعارضين سياسياً وإيديولوجياً للحكومات ، فقد شملت في مراحل معينة شخصيات تولت مواقع سيادية، سياسية وأمنية وعسكرية، رئيس مجلس نواب سابق أو أسبق، كان مدرجاً على القائمة.. ومسؤول أمني رفيع يتولى الآن مسؤولية جسيمة، كان من بين هؤلاء، وأذكر العبء النفسي الذي تعرضت له حين أصريت على استضافته متحملاً بالمعنى الشخصي، كامل المسؤولية الأدبية والمعنوية عن عواقب تلك الحلقة.
الغريب في الأمر، أنني في كل مرة كنت أدخل فيها في "تحدْ" من هذا النوع ، كانت النتائج تأتي مريحة للغاية.. لا أحد يريد أن يحرج الأردن عبر شاشتنا الوطنية، الجميع مسؤول بطريقته ومن موقعه، ويكفي أن نرفع منسوب الثقة بالناس، حتى يصبح بإمكان التلفزيون الأردني، أن يصبح منصة للتعددية الأردنية، بدل ان يجد المعارضون و"المندرجون" في قوائمهم السوداء، أن لا سبيل أمامهم سوى التعبير عن آرائهم عبر نوافذ أخرى.
أحسب أن ثمة "روحا تونسية" تهب هذه الأيام على مؤسساتنا الإعلامية.. أحسب أن صحافتنا باتت تمتلك جرعة أكبر من الجرأة جعلتها ترفع سقوف الحرية بشكل ملحوظ.. أحسب أن رياح "ثورة الإعلام" وفقاً لتعبير الزميل عمر كلاب يوم أمس في الدستور، قد بدأت تطرح تحديات جديدة على جدول أعمال الجسم الإعلامي والصحفي.
ودعونا هنا نتحدث بقليل من الصراحة...لقد آن الأوان لكي نهجر مخدع "زواج المتعة" الذي ربط الحكومات، بالصحافة والإعلام.. فالصحافة والحكومة لا يمكن لهما أن يناما في سرير واحد.. آن أوان إنهاء العلاقة الزبائنية بين الحكومة والإعلام.. وسد كل النوافذ والشقوق التي يتسرب منها "الاختراق الحكومي" ، للجسم الصحفي والإعلامي.. على الحكومة أن تؤدي عملها وأن تترك الصحافة والإعلام يؤديان أعمالهما كذلك، وبكل حرية واستقلالية.
يجب وقف تدخل الحكومات "التعيينات" الصحفية والإعلامية، والإسراع في تنفيذ الانسحاب المنظم للحكومة من ملكية وسائل الإعلام.. يجب التوقف عن إصدار التعليمات لما هو مسموح وما هو ممنوع.. حرية الإعلام سقفها السماء، وعلينا أن نحلّق بسقف حرياتنا إلى أبعد مدى، على أن نحصن أنفسنا بإجراءات السلامة وتعليماتها، والسلامة هنا هي "المهنية" أولاً وأخيراً.
ونحن على أبواب انتخابات نقابة الصحفيين، يجب أن نحرص على أن تكون نتائج الانتخابات هذه السنة، مستوحاة من روح ميدان التحرير وشارع الحبيب بورقيبة وساحة الشهداء في بلدة الزاوية الليبية.. يجب استرداد النقابة من حضن الوصاية الحكومية التاريخية.. هل يعقل أن تكون جميع النقابات المهنية أكثر "تسييساً" من النقابة السياسية بامتياز: نقابة الصحفيين؟ هل يعقل أن تكون النقابات المهنية جميعها -تقريبا - في صفوف المعارضة ومواقع الانتقاد بالكلمة الحرة والشجاعة، فيما نقابة الصحفيين، تراوح ما بين حدي "الاستتباع" و"الحياد السلبي" وفقا لشخص النقيب وهوية مجلس النقابة ؟هل يعقل أن تجسد نقابة الصحفيين قولة الشاعر: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم".. نحن بحاجة لثورة في الجسم الإعلامي والصحفي ، تجسد هذه الروح الجديدة المبثوثة في الجسم الإعلامي والصحفي الأردني، ثورة إصلاحية يمليها الشارع وضعط الإقليم كما قال الزميل الوزير طاهر العدوان محقاً في "اعتصام دوار محمود الكايد"، ثورة لها ما يبررها ويفسرها حتى وإن جاءت متأخرة، أو قادها وحركها مرشحون للانتخابات القادمة أو متضررين من عسف السلطات داخل بعض الصحف وخارجها.. ثورة في الإعلام لا يمكن تسفيهها بوصفها "عملية ابتزاز" كما قال أحد الزملاء الكبار الذي اختلط عليه على ما يبدو، موقعه الإداري بموقعه المهني، فلم يعد يدري بأي لسان يتحدث.
ثمة ريح مباركة جديدة تهب على صحافتنا وإعلامنا، الأهلي والحكومي والخاص، المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني.. دعونا نفتح لها نوافذ مؤسساتنا وعقولنا.. دعونا نملأ صدورنا بنسائم الحرية.. دعونا نزيّن حدائقنا بألوان تعدديتنا.. دعونا نجرؤ على النطق باسم شعبنا بمختلف مكوناته وكياناته.. دعونا نسير في ركابه، وليس في ركاب المسؤول فقط.. دعونا نكون له العين التي ترى والأذن التي تسمع والقلم الذي لا يُملأ بحبر الآخرين على حد تعبير الزميل خالد محادين.. واللسان الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.. لا خير فينا إن لم نقلها...ولا خير فيهم إن لم يسمعوها.
أمس، دلفت إلى حرم التلفزيون الأردني، لأول مرة منذ سنوات عدة ، لم أعد أذكر أربع أو خمس سنوات، فقد كنت مندرجاً في قائمة سرية "سوداء"، للممنوعين من الظهور على الشاشة الوطنية.. وبرغم أنني ظهرت خلال هذه الفترة مئات المرات على عشرات الشاشات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، إلا أن للأمر مذاقاً خاصاً حين يتعلق الأمر بشاشة التلفزيون الأردني ، حتى ونحن نعرف أن نسبة مشاهدته في تراجع مستمر.
المسؤولون في الحكومات المتعاقبة، نفوا وينفون وجود "قوائم سوداء".. وكاتب هذه السطور يؤكد وجودها.. ولديه على ذلك أكثر من شاهد ودليل، تارة من موقعه كمضيف (معد ومقدم برنامج) وأخرى من موقعه كضيف.. من موقع المضيف، تحتشد ذاكرتي بقصص عديدة عن "القائمة" وأعضائها المتغيرين.. ولكي لا يذهب تفكير السادة القراء والسيدات القارئات بعيداً، أبادر للقول بأن القائمة لم تشتمل على أسماء معارضين كبار فحسب ، بل ومسؤولين كبار في الدولة الأردنية، شملهم الحظر في هذه المرحلة أو تلك.
أذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد، عندما قررت استضافة المعارض البارز ليث شبيلات في حلقة من برنامج "قضايا وأحداث" على الهواء مباشرة.. يومها طُلًبَ إليّ تسجيل الحلقة فرفضت، فإذا بأخبار العاشرة بالإنجليزية تصبح 35 دقيقة بدلاً من عشرين، وموجز الحادية عشرة بالعربية ثلث ساعة بدلاً من خمس دقائق.. المهم أن تختصر مدة حديث شبيلات إلى أدنى قدر ممكن.. الشيء ذاته ، تكرر بوسائل مختلفة عندما استضفت مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين فضيلة الشيخ عبد المجيد الذنيبات.
قلنا: إن ما يسمى بالقوائم السوداء، لم تكن تقتصر على المعارضين سياسياً وإيديولوجياً للحكومات ، فقد شملت في مراحل معينة شخصيات تولت مواقع سيادية، سياسية وأمنية وعسكرية، رئيس مجلس نواب سابق أو أسبق، كان مدرجاً على القائمة.. ومسؤول أمني رفيع يتولى الآن مسؤولية جسيمة، كان من بين هؤلاء، وأذكر العبء النفسي الذي تعرضت له حين أصريت على استضافته متحملاً بالمعنى الشخصي، كامل المسؤولية الأدبية والمعنوية عن عواقب تلك الحلقة.
الغريب في الأمر، أنني في كل مرة كنت أدخل فيها في "تحدْ" من هذا النوع ، كانت النتائج تأتي مريحة للغاية.. لا أحد يريد أن يحرج الأردن عبر شاشتنا الوطنية، الجميع مسؤول بطريقته ومن موقعه، ويكفي أن نرفع منسوب الثقة بالناس، حتى يصبح بإمكان التلفزيون الأردني، أن يصبح منصة للتعددية الأردنية، بدل ان يجد المعارضون و"المندرجون" في قوائمهم السوداء، أن لا سبيل أمامهم سوى التعبير عن آرائهم عبر نوافذ أخرى.
أحسب أن ثمة "روحا تونسية" تهب هذه الأيام على مؤسساتنا الإعلامية.. أحسب أن صحافتنا باتت تمتلك جرعة أكبر من الجرأة جعلتها ترفع سقوف الحرية بشكل ملحوظ.. أحسب أن رياح "ثورة الإعلام" وفقاً لتعبير الزميل عمر كلاب يوم أمس في الدستور، قد بدأت تطرح تحديات جديدة على جدول أعمال الجسم الإعلامي والصحفي.
ودعونا هنا نتحدث بقليل من الصراحة...لقد آن الأوان لكي نهجر مخدع "زواج المتعة" الذي ربط الحكومات، بالصحافة والإعلام.. فالصحافة والحكومة لا يمكن لهما أن يناما في سرير واحد.. آن أوان إنهاء العلاقة الزبائنية بين الحكومة والإعلام.. وسد كل النوافذ والشقوق التي يتسرب منها "الاختراق الحكومي" ، للجسم الصحفي والإعلامي.. على الحكومة أن تؤدي عملها وأن تترك الصحافة والإعلام يؤديان أعمالهما كذلك، وبكل حرية واستقلالية.
يجب وقف تدخل الحكومات "التعيينات" الصحفية والإعلامية، والإسراع في تنفيذ الانسحاب المنظم للحكومة من ملكية وسائل الإعلام.. يجب التوقف عن إصدار التعليمات لما هو مسموح وما هو ممنوع.. حرية الإعلام سقفها السماء، وعلينا أن نحلّق بسقف حرياتنا إلى أبعد مدى، على أن نحصن أنفسنا بإجراءات السلامة وتعليماتها، والسلامة هنا هي "المهنية" أولاً وأخيراً.
ونحن على أبواب انتخابات نقابة الصحفيين، يجب أن نحرص على أن تكون نتائج الانتخابات هذه السنة، مستوحاة من روح ميدان التحرير وشارع الحبيب بورقيبة وساحة الشهداء في بلدة الزاوية الليبية.. يجب استرداد النقابة من حضن الوصاية الحكومية التاريخية.. هل يعقل أن تكون جميع النقابات المهنية أكثر "تسييساً" من النقابة السياسية بامتياز: نقابة الصحفيين؟ هل يعقل أن تكون النقابات المهنية جميعها -تقريبا - في صفوف المعارضة ومواقع الانتقاد بالكلمة الحرة والشجاعة، فيما نقابة الصحفيين، تراوح ما بين حدي "الاستتباع" و"الحياد السلبي" وفقا لشخص النقيب وهوية مجلس النقابة ؟هل يعقل أن تجسد نقابة الصحفيين قولة الشاعر: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم".. نحن بحاجة لثورة في الجسم الإعلامي والصحفي ، تجسد هذه الروح الجديدة المبثوثة في الجسم الإعلامي والصحفي الأردني، ثورة إصلاحية يمليها الشارع وضعط الإقليم كما قال الزميل الوزير طاهر العدوان محقاً في "اعتصام دوار محمود الكايد"، ثورة لها ما يبررها ويفسرها حتى وإن جاءت متأخرة، أو قادها وحركها مرشحون للانتخابات القادمة أو متضررين من عسف السلطات داخل بعض الصحف وخارجها.. ثورة في الإعلام لا يمكن تسفيهها بوصفها "عملية ابتزاز" كما قال أحد الزملاء الكبار الذي اختلط عليه على ما يبدو، موقعه الإداري بموقعه المهني، فلم يعد يدري بأي لسان يتحدث.
ثمة ريح مباركة جديدة تهب على صحافتنا وإعلامنا، الأهلي والحكومي والخاص، المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني.. دعونا نفتح لها نوافذ مؤسساتنا وعقولنا.. دعونا نملأ صدورنا بنسائم الحرية.. دعونا نزيّن حدائقنا بألوان تعدديتنا.. دعونا نجرؤ على النطق باسم شعبنا بمختلف مكوناته وكياناته.. دعونا نسير في ركابه، وليس في ركاب المسؤول فقط.. دعونا نكون له العين التي ترى والأذن التي تسمع والقلم الذي لا يُملأ بحبر الآخرين على حد تعبير الزميل خالد محادين.. واللسان الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.. لا خير فينا إن لم نقلها...ولا خير فيهم إن لم يسمعوها.