صفحة 1 من 1

عن المصلحة والانتخابات

مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 1:15 am
بواسطة محمد النشوان9
عريب الرنتاوي
ما من طرف فلسطيني في السلطة والمعارضة وما بينهما، إلا ويدعو لاستئناف الحوار واستعادة الوحدة وإنجاز المصالحة...الجميع يريد ذلك...الجميع يعتقد أن المصلحة الوطنية العليا تقتضي وضع حدْ للانقسام...حتى أن البعض أخذ يبوح بأن المصالحة صارت ضرورية لإنجاز "مشروعه الخاص"...الرئيس عباس ومعه الدكتور سلام فيّاض يقولان أن لا دولة من دون غزة، ولا غزة من دون حماس، أي من دون مصالحة...وحماس أيقنت بعد سنوات من الحصار، بأن لا حل لمشكلة القطاع ومشكلتها معه وفيه، خارج إطار المعالجة الفلسطينية الأبعد والأشمل...أما الفصائل فقد سئمت الاستقطاب المُحرج، وهي بدورها ترى أن المصالحة أصبحت تشكل طوق نجاة لها من "تحكّم" ذوي القربى، بافتراض أن المظلة الوطنية الأوسع والأرحب، توفر مخارج لائقة لمختلف القوى.



بالمعنى السياسي، لا أظن أن المصالحة بلغت طريقاً غير نافذ...هناك فرص للتلاقي على مساحة مشتركة بين جميع المواقف الفعلية - لا اللفظية - للفصائل، ودائما هناك مسافة بين المواقف الفعلية واللفظية...فالسلطة من جهة يرتطم مشروعها السياسي بالتعنت الإسرائيلي غير المسبوق، ورفض حكومة نتنياهو جميع المرجعيات الحاكمة لعملية السلام...السلطة مطالبة بالإجابة على سؤال: كيف يمكن أن ندفع إسرائيل للتراجع عن تعنتها ، كيف يمكن رفع كلفة الاحتلال ، كيف يمكننا التعجيل في إنهائه..



أما حماس فمطالبة في المقابل، أن تحدثنا بشيء من التفصيل عن معنى "خيار المقاومة" فنحن نرى سلطة أخرى في غزة، ولا نرى مقاومة...هناك أحاديث كثيرة عن المقاومة لكن هناك أفعال مقاومة أقل...السلطة تمنع المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، ولها مرافعاتها في ذلك...وحماس تمنع "الصواريخ" من قطاع غزة، ولها مرافعاتها في ذلك...هل يمكن أن نتفق على "هدنة شاملة" فلا تكون المقاومة مجازة في الضفة وممنوعة في غزة أو العكس كما تفعل بعض الفصائل اليسارية بخاصة، التي تجيز المقاومة في غزة، وتمتنع عن ممارستها في الضفة...هل يمكن أن نقول من دون مزايدات أو مناقصات، بأن كلفة المقاومة المسلحة باتت باهظة لا تستطيع السلطة في رام الله تحملها، ولا تستطيع حماس في غزة أن تحتملها...إن كان الحال كذلك، فلماذا لا نهبط عن الشجرة، ونتبادل الحديث الصريح بًشأن أوضاعنا الراهنة، ونجترح الخيارات والبدائل.



والخيارات في ظني متاحة، بل ومتاحة جداً، وربما تكون مستوحاة من "روح الثورة العربية الكبرى التي ترفرف في سماء تونس والقاهرة وبنغازي وصنعاء والمنامة"...لماذا لا نتفق على تصعيد المقاومة الشعبية ـ السلمية...ألم يثبت أنها شديدة الفعالية ، وأنها قادرة على الإطاحة بأعتى الديكتاتوريات...نحن لا نتحدث عن إسقاط حق المقاومة بكل أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة للاحتلال ، هذا أمر مفروغ منه، وهو حق مصان بموجب مختلف الشرائع والشرعيات...لكن إن كانت المقاومة "أداة" تخضع شأن كل أدوات الكفاح للدراسة والتمحيص والتقييم والتقويم وفقا لواقع الحال والظروف المستجدة، فإن من الأفضل لنا ولقضيتنا الوطنية أن نبحث عن أشكال من المقاومة، نحتملها ونقوى على ممارستها، مقاومة تكون ذخراً للشعب لا عبئا عليه...مقاومة ترفع كلفة الاحتلال وتحشد مزيدا من الدعم العالمي للقضية الفلسطينية.



عن أية مقاومة مسلحة نتحدث وإسرائيل بالكاد تفقد قتيلا أو اثنين في السنة...هل المطلوب أن يلتزم الشعب الفلسطيني الصمت وأن يلتزم الفلسطينييون منازلهم ، بانتظار أن تقوم "خلية ما" أو "عنصر ما" ذات يوم بتنفيذ عملية هنا أو إطلاق صاروخ هناك...نحن لدينا بدائل أقل كلفة وأشد مضاء، لماذا لا نفعّلها...لماذا لا نخرج بمئات الألوف إلى الحواجز والمستوطنات والجدار...لماذا لا نجعل في كل ساحة فلسطينية "ميدان تحرير" آخر أو "ساحة تغيير" أخرى...لماذا لا نجعل من كل شارع فلسطيني شارع الحبيب بورقيبة؟؟



ثم، إن نحن اتفقنا على أشكال الكفاح، وهي المقاومة الرشيدة والمفاوضات (العمل السياسي) الرشيدة، فهل من الممكن أن نتفق على برنامج وطني موحد...وبعيداً عن الإفراط والتفريط....الأمر في ظني ممكن وإلا ما معنى أن حماس تعكف الآن على إعداد أفكار سياسية جامعة وتفكر بإطلاق مبادرة للوحدة الوطنية، ما معنى أن السلطة تفكر بشيء مماثل، الآن وقبل أيلول ـ سبتبمر القادم...الكل يعرف أن المهمة لم تكن مستحيلة زمن وثيقة الأسرى واتفاق مكة، وهي ليست مستحيلة اليوم شريطة ألا تكون هناك أجندات خفية حاكمة وضاغطة.



أياً يكن من أمر، فإن الوحدة مطلوبة والمصالحة مطلوبة...فإن تعذرتا فلا أقل من أن نذهب إلى انتخابات توافقية، نعيد بها ومن خلالها إنتاج المؤسسة الفلسطينية وتجديد شرعيتها المتآكلة...وكل المؤسسات الفلسطينية القيادية فاقدة للشرعية بالمعنى الحقوقي، لا السياسي للكلمة...انتخابات تتيح للشعب أن يقول كلمته، وأن يجدد خياراته.



شرط نجاح هذه الانتخابات في تحقيق أغراضها ، أن تتم بصورة توافقية، لا أن تفرض من جانب واحد...انتخابات تجري بعد ستة أشهر (دول خرجت من رحم الفساد والاستبداد ستجري انتخابات في مدة أقل من هذه المدة)...ودعونا هنا نتحدث بصراحة، علّنا نفكك بعض الطلاسم والألغاز...فنرى كيف نبدأ ومن أين.



في ظني أن نقطة البدء تنطلق مع صدور إعلانين مبدئيين متزامنين، أحدها عن الرئاسة الفلسطينية والثاني عن قيادة حماس، تعلنا فيها استعدادهما لتوفير كل ضمانات الانتخابات الحرة والنزيهة وتقدمان جملة من الخطوات التي تجعل الضمانات مادية وليست لفظية من نوع: (1) الاستعداد لإتخاذ إجراءات بناء ثقة قبل وقت من الموعد المتفق عليه لإجراء الانتخابات...(2) التوافق على المفوضية والمحكمة الانتخابيتين من حيث التشكيلة والتفويض والأدوار...(3) رقابة دولية كثيفة على العملية الانتخابية لضمان حرية الترشح وسلامة الحملات وسلاسة الانتخابات وصحة النتائج والإجراءات...(4) والأهم من كل هذا وذاك، يجري الإعلان صراحة -وبشهادة الشهود - بقبول النتائج أياً كانت والاحتكام لها، والرضوخ لمقتضيات تبادل السلطة.



ليس في ما ذهبنا إليه "عبقرية خاصة" والأرجح أن هذه الأفكار لم تدهش أحداً...لكننا مع ذلك نعوّل على "يقظة الشعب الفلسطيني" و"عودة الروح" لقطاعات متزايدة منه...نراهن على قوة الدفع في هذا الاتجاه والتي ستملي على الجميع إعادة النظر في المواقف المتشجنة والمواقع المتقابلة....يحدونا كبير أمل بأن يستطيع الرئيس عباس التغلب على "مقاومة قوى الشد العكسي" في أوساطه، خصوصاً "الحمولة الفائضة" في قيادتي السلطة والمنظمة...كما يحدونا كبير أمل في أن تتقدم حركة حماس بخريطة طريق للخروج من حالة الانقسام، لا تكون محكومة بالخشية من نتائج الانتخابات القادمة، فالشعب الفلسطيني ملّ الانقسام...الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الانقسام.