الثورة والثورة المضادة..
مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 2:00 am
عبد اللطيف مهنا
لأنها ثورة شعبية حقيقية بكل المقاييس، ولأن لها خصوصيتها العربية الفريدة والتي جعلتها لا تشبه سواها أو سابقاتها من ثورات الأمم... ولأنها رغم كافة تعابيرها القطرية المختلفة ظروفاً وتعقيدات وأولويات واحدة، فجّرتها وقادتها وحمتها ومنحتها حيويتها جماهيرها، ساحبة من خلفها وهي تتنقل عابرة حدود التجزئة في الوطن العربي نخبها على اختلافها القوى السياسية المعارضة، الملتحقة بها... لأنها كذلك، كانت بحق قد استحقت أن يطلق عليها حتى أعداؤها الثورة العربية الكبرى. وأيضاً لأنها كذلك، استدعت تلقائياً وبالضرورة، ولكي لا تشذ عن سالف سابقاتها من الثورات الشعبية التاريخية ثورتها المضادة. الثورة المضادة بوجهيها البديهيين، أعداء الداخل وأعداء الخارج... كان هذا ومنذ لحظتها الأولى، ولعلها به قد تفردت أيضاً عن سواها باتساع جبهة هؤلاء الأعداء وبوجهيها هذين المذكورين واشتداد في شراستهم ذات المنسوب المرتفع ارتفاع منسوب خسارتهم لاندلاعها...
ولأنها كبرى، فالثورة المضادة لها هي أيضاً كبرى أو لا يستهان بحجمها ولا مدى خطورتها، ذلك لاتساع جبهتها ومدى تقاطع والتقاء وتضافر جهود كل تلك الأطراف المتضررة من اندلاعها، داخلاً وخارجاً، وتشابك عرى ذلك التحالف الموضوعي الجامع بينها.
ولأنها ثورة شعبية حقيقية فهي تعني أمراً خطيراً هو التغيير... وهو هنا أولاً وأخيراً فعل جماهيري وليس من ضامن له إلا الجماهير. فهي كانت، وأيضاً من اللحظة الأولى، تواجه خطر الانحراف واستهداف الإجهاض ومكائد الالتفاف ومحاولات التشويه وضروب من التدخل اللامرئي بدايةً، ومن ثم خطره المباشر لاحقاً، تحت شتى الذرائع ووفق مختلف الوصفات، كما هو المحتمل الآن في الحالة الليبية.
ولأن للثورة المضادة لها، كما قلنا، بعديها المشار إليهما، فقد سبق الداخلي منهما الخارجي واغتنم الأخير فرصة وجود الأول وبدأت نذر المسيرة المضادة بأشكالها المختلفة المتكاملة، وكان لكل ساحة من ساحاتها المختلفة ما تم اعتماده من الأشكال التي رأوا أنها تناسبها... في الداخل، من هم المتضررون؟!
إنهم، في البدء مكتنز ما تراكم من جسوم النظم البائدة المتسلطة المطاح بها رؤوساً وأطرافاً، أو تلك المؤسسات التي اتسعت وتوسعت لتضم كافة القوى والشرائح المستفيدة من حالة بائد الانحدار والركود العربي الآسن، هذه التي غدا يتهددها فعل التغيير... أنهم كافة هؤلاء الذين يرون فيه خطراً محدقاً يتهدد مصالحهم التي ارتبطت بمصالح المهيمن الأجنبي وغدت رهينة لتبعيتهم له. الأجنبي الذي كان لعقود الداعم الراعي لاستبدادهم ولبقائهم قبل أن تفاجئهم وتفاجئه الهبة الثورية الجارفة وتفعل في هذا الواقع العربي البائد المسف فعلها... خطر يطل لهم برأسه مع بدء هبوب رياح الحرية الحاملة معها الديموقراطية المبشرة بالضرورة بامتلاك القرار الوطني والقومي، الذي إن كان فعلاً فلسوف يكون، ولأول مرة، هو الاستقلال الحقيقي، والذي إن هو قد تم فمعناه أن رياح الصحوة وتجليات اليقظة سوف تفعل فعلها لجهة دفع مسيرة النهوض قدماً والتي سوف لا تكتمل بالضرورة إلا بالوحدة... بالمناسبة في التاسع من يناير المنصرم، أو شهر الثورات العربية الراهنة، كانت ذكرى مرور 95 عاماً على اتفاقية سايكس بيكو...
أما أعداء الخارج، فهم ذات أعداء الأمة لقرون خلت هم كل ورثة اصطفافات تليد المشروع الغربي المعادي لأمتنا... ورثه الاستعمار القديم من القوى الاستعمارية المحدثة، وملحقهم الدائم الصهيوني... هؤلاء من اُختصروا راهناً في الولايات المتحدة العدوة الأولى للكرامة والحرية والاستقلال والديموقراطية والعدالة والتقدم في الوطن العربي، والجهة الكونية الأكثر كذباً ونفاقاً ولغواً ومزاعماً واستخداماً شريراً وزائفاً وأحياناً انتقائياً لمثل هذه المفاهيم جميعها فيما يتعلق بالعرب... هنا لا ثمة من داعٍ للكلام عن الملحق الغربي أو الأوروبي لهذا العدو، ولا عن وكيله العضوي الصهيوني في المنطقة... الجميع، ورغم كل المزاعم والإدعاءات والنفاق والتدجيل التي لا تستر غرابيلها شمس الحقيقة، فهم جميعاً من أولئك الذين يعتبرون الديموقراطية مجرد امتياز غربي لا حق للعرب فيها ولا هم يستحقونها، وحتى لا يميلون وراثياً إليها!!!
في الداخل... في البدء كانت طلائع الثورة المضادة، وبعد أن انهارت أدوات القمع الأمنية الرسمية، هم تحالف نُسج من فلول النظام البائد وقياداته الحزبية المحرضة، والجلاوزة من فلول جلادي تلك الأدوات الأمنية المنهارة، أو ضباط أمن الدولة، ومعهم زمر يسيرونها من المرتزقة والدهماء والمغرر بهم... شهدنا هذا في تونس ومصر... وكان للقبلية والجهوية والعائلية دورها في هذا المجال في اليمن، وكذا شبح الطائفية المفتعلة في البحرين والآن في مصر... ثم كان التباطؤ في مسيرة التغيير من قبل الأوصياء على التحول الجاري لتسلمهم "دستورياً" مسؤولية السلطة والذي يوحي بالتواطؤ، أولاً في تونس، ولاحقاً بصورة أكبر وأكثر وضوحاً في مصر، والذي عادة تليه الاستجابة لمطالب المسيرة الثورية بالقطارة بعد مواجهة التلويح الشعبي مرة أخرى بميدان التحرير، أو إبداء قوة رد الفعل الجماهيري الغاضب على مظاهر هذا التباطؤ التواطؤ. يضاف إلى هؤلاء دعاة التدخل الأجنبي والمستغيثون من أول لحظة بالمجتمع الدولي بحسن أو سوء نيّة في ليبيا... وبعد انتصار الثورة وبدء عجلة التغيير، كان لهذه الثورة المضادة تمظهراً آخراً يكمن في جيوش من الانتهازيين وصنوف من راكبي أمواجها من المنتفعين والمغيّري ألوانهم ولكناتهم مع تغيير الأزمنة وفي أول المنعطفات.
الآن عاد البلطجية سيرتهم الأولى في مصر، عادت غاراتهم على معتصمي ميدان التحرير، أي أنه لا زال القمع المنظم ممارساً ضد الثوار... إثارة الطائفية البغيضة وإذكاء بؤر توترها في الأرياف والعشوائيات، وبالتوازي إثارة أخرى للاحتجاجات المطلبية الفئوية التي ليس هذا وقتها والتي لا يحلها إلا نجاح الثورة وإنجاز التغيير... المطلوب هو تشتيت قوى الثورة... يقول رئيس الوزراء المصري عصام شرف، الذي أعلن أنه يستمد شرعيته من ميدان التحرير، معلقاً على وما يحدث من انفلات أمني، وواصفاً بعض مظاهر الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، أنه "شيء ممنهج". ويقول نائبه الدكتور الجمل، "إننا نواجه ثورة مضادة". أما المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري المستلم لزمام السلطة بعد رحيل رأس النظام، فيحذر من "وجود قوى خارجية تستهدف استقرار وأمن البلاد"... هل هي إشارة للوجه الخارجي للثورة المضادة وفق ما كنا قد ذهبنا إليه؟!
هنا نأتي لهذا البعد، البعد الأجنبي... هذا المستهدف دائماً للأمة، والآن لثورتها وسابقاً ولايزال لمقاومتها للمحتلين وشتى أشكال الهيمنة. أو هذا الغرب الراعي والداعم لنخبة من الطغاة في بلادنا، والذي من انفك يتحدث دائماً وبلا حياء عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي لا يريد ويبذل ما يستطيع للحؤول دون وجود أنظمة قوية بشعوبها في بلادنا... وإذا كانت، كما أسلفنا، الحرية والديمقراطية هما الف باء وجود مثل هذه الأنظمة في هذه البلاد فهو معاد للعظم لهذه الديمقراطية، تماماً كما ظل، ومنذ قرون، عدواً دائماً للحرية في بلادنا... أما ملحقه الإسرائيلي الذي يؤمن بأن كل ما هو سيء في الوطن العربي هو لصالحه وكل ما هو جيد هو ضده، ومن يعتبر بائد أنظمة الاستبداد المتهاوية جراء الثورة هي كانت عمقه الاستراتيجي الذي خسره، فإعلامه، الذي يعكس عظيم قلقه، لم يتورع عن وصف عصام شرف ونبيل العربي بالمعاديين للسامية!
إن آخر مظاهر دعم الثورة المضادة من قبل سادتها وشادي خيوطها في الخارج هو تباكي هؤلاء الذين ما همهم يوماً الدم العربي ولا الإسلامي... فلسطين، العراق، الصومال... تباكيهم عليه في ليبيا، وهم بهذا لا يفعلون سوى تشويه الثورة لا أكثر، ذلك عندما يتحدثون عن الحظر الجوي بنبرة عالية والثوار يتقدمون، ويتراجع لغطهم حوله إن تراجع الثوار، كما هو الحال في راس لانوف والزاوية، ومن ثم يبدأ الحديث عن خطر "القاعدة" والحرب الأهلية وتقسيم ليبيا، أو عن تعادل ميزان القوى وبدء ميله لصالح النظام... وصولاً لأن يؤكد راسموسن باسم الأطلسي "إننا نراقب فحسب ما يفعله النظام الليبي ضد شعبه"... أما التدخل، فالأميركان يريدونه أطلسياً، والأوروبيون أممياً، والروس والصين لا يحبذونه... والحقيقة هي أنه إن تهدد النفط فلسوف يتدخلون دون انتظار لسبب ودونما إذن من أحد، وإن قويت الثورة سيسرّعون من هذا التدخل للالتفاف عليها، وإن صمد النظام فلسوف لن يفعلوا أكثر من أن يبتزونه ويتلكأوون في التدخل الموهوم لرفع عوائد ابتزازهم... في بلاد العرب حتى الآن، زعيم مستبد هرب، وآخر تنحى مكرهاً، والثالث لسان حاله هو علي وعلى شعبي يا رب، وهناك فيها من ينتظر دوره متحسساً رأسه... والنتيجة في النهاية لن تكوت إلا واحدة... هذه الثورة العربية الكبرى تمتلك حيويتها الخاصة... ورياح التغيير في واقع هذه الأمة التي استيقظت قد عصفت للتو وانداح لهيبه الثوري في هشيم الواقع الرديء على امتداد خارطتها فأضاء ليلها الداجي الذي طال، ولم يعد هناك من خوف على نوره من أن تطفئه أفواههم!
لأنها ثورة شعبية حقيقية بكل المقاييس، ولأن لها خصوصيتها العربية الفريدة والتي جعلتها لا تشبه سواها أو سابقاتها من ثورات الأمم... ولأنها رغم كافة تعابيرها القطرية المختلفة ظروفاً وتعقيدات وأولويات واحدة، فجّرتها وقادتها وحمتها ومنحتها حيويتها جماهيرها، ساحبة من خلفها وهي تتنقل عابرة حدود التجزئة في الوطن العربي نخبها على اختلافها القوى السياسية المعارضة، الملتحقة بها... لأنها كذلك، كانت بحق قد استحقت أن يطلق عليها حتى أعداؤها الثورة العربية الكبرى. وأيضاً لأنها كذلك، استدعت تلقائياً وبالضرورة، ولكي لا تشذ عن سالف سابقاتها من الثورات الشعبية التاريخية ثورتها المضادة. الثورة المضادة بوجهيها البديهيين، أعداء الداخل وأعداء الخارج... كان هذا ومنذ لحظتها الأولى، ولعلها به قد تفردت أيضاً عن سواها باتساع جبهة هؤلاء الأعداء وبوجهيها هذين المذكورين واشتداد في شراستهم ذات المنسوب المرتفع ارتفاع منسوب خسارتهم لاندلاعها...
ولأنها كبرى، فالثورة المضادة لها هي أيضاً كبرى أو لا يستهان بحجمها ولا مدى خطورتها، ذلك لاتساع جبهتها ومدى تقاطع والتقاء وتضافر جهود كل تلك الأطراف المتضررة من اندلاعها، داخلاً وخارجاً، وتشابك عرى ذلك التحالف الموضوعي الجامع بينها.
ولأنها ثورة شعبية حقيقية فهي تعني أمراً خطيراً هو التغيير... وهو هنا أولاً وأخيراً فعل جماهيري وليس من ضامن له إلا الجماهير. فهي كانت، وأيضاً من اللحظة الأولى، تواجه خطر الانحراف واستهداف الإجهاض ومكائد الالتفاف ومحاولات التشويه وضروب من التدخل اللامرئي بدايةً، ومن ثم خطره المباشر لاحقاً، تحت شتى الذرائع ووفق مختلف الوصفات، كما هو المحتمل الآن في الحالة الليبية.
ولأن للثورة المضادة لها، كما قلنا، بعديها المشار إليهما، فقد سبق الداخلي منهما الخارجي واغتنم الأخير فرصة وجود الأول وبدأت نذر المسيرة المضادة بأشكالها المختلفة المتكاملة، وكان لكل ساحة من ساحاتها المختلفة ما تم اعتماده من الأشكال التي رأوا أنها تناسبها... في الداخل، من هم المتضررون؟!
إنهم، في البدء مكتنز ما تراكم من جسوم النظم البائدة المتسلطة المطاح بها رؤوساً وأطرافاً، أو تلك المؤسسات التي اتسعت وتوسعت لتضم كافة القوى والشرائح المستفيدة من حالة بائد الانحدار والركود العربي الآسن، هذه التي غدا يتهددها فعل التغيير... أنهم كافة هؤلاء الذين يرون فيه خطراً محدقاً يتهدد مصالحهم التي ارتبطت بمصالح المهيمن الأجنبي وغدت رهينة لتبعيتهم له. الأجنبي الذي كان لعقود الداعم الراعي لاستبدادهم ولبقائهم قبل أن تفاجئهم وتفاجئه الهبة الثورية الجارفة وتفعل في هذا الواقع العربي البائد المسف فعلها... خطر يطل لهم برأسه مع بدء هبوب رياح الحرية الحاملة معها الديموقراطية المبشرة بالضرورة بامتلاك القرار الوطني والقومي، الذي إن كان فعلاً فلسوف يكون، ولأول مرة، هو الاستقلال الحقيقي، والذي إن هو قد تم فمعناه أن رياح الصحوة وتجليات اليقظة سوف تفعل فعلها لجهة دفع مسيرة النهوض قدماً والتي سوف لا تكتمل بالضرورة إلا بالوحدة... بالمناسبة في التاسع من يناير المنصرم، أو شهر الثورات العربية الراهنة، كانت ذكرى مرور 95 عاماً على اتفاقية سايكس بيكو...
أما أعداء الخارج، فهم ذات أعداء الأمة لقرون خلت هم كل ورثة اصطفافات تليد المشروع الغربي المعادي لأمتنا... ورثه الاستعمار القديم من القوى الاستعمارية المحدثة، وملحقهم الدائم الصهيوني... هؤلاء من اُختصروا راهناً في الولايات المتحدة العدوة الأولى للكرامة والحرية والاستقلال والديموقراطية والعدالة والتقدم في الوطن العربي، والجهة الكونية الأكثر كذباً ونفاقاً ولغواً ومزاعماً واستخداماً شريراً وزائفاً وأحياناً انتقائياً لمثل هذه المفاهيم جميعها فيما يتعلق بالعرب... هنا لا ثمة من داعٍ للكلام عن الملحق الغربي أو الأوروبي لهذا العدو، ولا عن وكيله العضوي الصهيوني في المنطقة... الجميع، ورغم كل المزاعم والإدعاءات والنفاق والتدجيل التي لا تستر غرابيلها شمس الحقيقة، فهم جميعاً من أولئك الذين يعتبرون الديموقراطية مجرد امتياز غربي لا حق للعرب فيها ولا هم يستحقونها، وحتى لا يميلون وراثياً إليها!!!
في الداخل... في البدء كانت طلائع الثورة المضادة، وبعد أن انهارت أدوات القمع الأمنية الرسمية، هم تحالف نُسج من فلول النظام البائد وقياداته الحزبية المحرضة، والجلاوزة من فلول جلادي تلك الأدوات الأمنية المنهارة، أو ضباط أمن الدولة، ومعهم زمر يسيرونها من المرتزقة والدهماء والمغرر بهم... شهدنا هذا في تونس ومصر... وكان للقبلية والجهوية والعائلية دورها في هذا المجال في اليمن، وكذا شبح الطائفية المفتعلة في البحرين والآن في مصر... ثم كان التباطؤ في مسيرة التغيير من قبل الأوصياء على التحول الجاري لتسلمهم "دستورياً" مسؤولية السلطة والذي يوحي بالتواطؤ، أولاً في تونس، ولاحقاً بصورة أكبر وأكثر وضوحاً في مصر، والذي عادة تليه الاستجابة لمطالب المسيرة الثورية بالقطارة بعد مواجهة التلويح الشعبي مرة أخرى بميدان التحرير، أو إبداء قوة رد الفعل الجماهيري الغاضب على مظاهر هذا التباطؤ التواطؤ. يضاف إلى هؤلاء دعاة التدخل الأجنبي والمستغيثون من أول لحظة بالمجتمع الدولي بحسن أو سوء نيّة في ليبيا... وبعد انتصار الثورة وبدء عجلة التغيير، كان لهذه الثورة المضادة تمظهراً آخراً يكمن في جيوش من الانتهازيين وصنوف من راكبي أمواجها من المنتفعين والمغيّري ألوانهم ولكناتهم مع تغيير الأزمنة وفي أول المنعطفات.
الآن عاد البلطجية سيرتهم الأولى في مصر، عادت غاراتهم على معتصمي ميدان التحرير، أي أنه لا زال القمع المنظم ممارساً ضد الثوار... إثارة الطائفية البغيضة وإذكاء بؤر توترها في الأرياف والعشوائيات، وبالتوازي إثارة أخرى للاحتجاجات المطلبية الفئوية التي ليس هذا وقتها والتي لا يحلها إلا نجاح الثورة وإنجاز التغيير... المطلوب هو تشتيت قوى الثورة... يقول رئيس الوزراء المصري عصام شرف، الذي أعلن أنه يستمد شرعيته من ميدان التحرير، معلقاً على وما يحدث من انفلات أمني، وواصفاً بعض مظاهر الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، أنه "شيء ممنهج". ويقول نائبه الدكتور الجمل، "إننا نواجه ثورة مضادة". أما المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري المستلم لزمام السلطة بعد رحيل رأس النظام، فيحذر من "وجود قوى خارجية تستهدف استقرار وأمن البلاد"... هل هي إشارة للوجه الخارجي للثورة المضادة وفق ما كنا قد ذهبنا إليه؟!
هنا نأتي لهذا البعد، البعد الأجنبي... هذا المستهدف دائماً للأمة، والآن لثورتها وسابقاً ولايزال لمقاومتها للمحتلين وشتى أشكال الهيمنة. أو هذا الغرب الراعي والداعم لنخبة من الطغاة في بلادنا، والذي من انفك يتحدث دائماً وبلا حياء عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي لا يريد ويبذل ما يستطيع للحؤول دون وجود أنظمة قوية بشعوبها في بلادنا... وإذا كانت، كما أسلفنا، الحرية والديمقراطية هما الف باء وجود مثل هذه الأنظمة في هذه البلاد فهو معاد للعظم لهذه الديمقراطية، تماماً كما ظل، ومنذ قرون، عدواً دائماً للحرية في بلادنا... أما ملحقه الإسرائيلي الذي يؤمن بأن كل ما هو سيء في الوطن العربي هو لصالحه وكل ما هو جيد هو ضده، ومن يعتبر بائد أنظمة الاستبداد المتهاوية جراء الثورة هي كانت عمقه الاستراتيجي الذي خسره، فإعلامه، الذي يعكس عظيم قلقه، لم يتورع عن وصف عصام شرف ونبيل العربي بالمعاديين للسامية!
إن آخر مظاهر دعم الثورة المضادة من قبل سادتها وشادي خيوطها في الخارج هو تباكي هؤلاء الذين ما همهم يوماً الدم العربي ولا الإسلامي... فلسطين، العراق، الصومال... تباكيهم عليه في ليبيا، وهم بهذا لا يفعلون سوى تشويه الثورة لا أكثر، ذلك عندما يتحدثون عن الحظر الجوي بنبرة عالية والثوار يتقدمون، ويتراجع لغطهم حوله إن تراجع الثوار، كما هو الحال في راس لانوف والزاوية، ومن ثم يبدأ الحديث عن خطر "القاعدة" والحرب الأهلية وتقسيم ليبيا، أو عن تعادل ميزان القوى وبدء ميله لصالح النظام... وصولاً لأن يؤكد راسموسن باسم الأطلسي "إننا نراقب فحسب ما يفعله النظام الليبي ضد شعبه"... أما التدخل، فالأميركان يريدونه أطلسياً، والأوروبيون أممياً، والروس والصين لا يحبذونه... والحقيقة هي أنه إن تهدد النفط فلسوف يتدخلون دون انتظار لسبب ودونما إذن من أحد، وإن قويت الثورة سيسرّعون من هذا التدخل للالتفاف عليها، وإن صمد النظام فلسوف لن يفعلوا أكثر من أن يبتزونه ويتلكأوون في التدخل الموهوم لرفع عوائد ابتزازهم... في بلاد العرب حتى الآن، زعيم مستبد هرب، وآخر تنحى مكرهاً، والثالث لسان حاله هو علي وعلى شعبي يا رب، وهناك فيها من ينتظر دوره متحسساً رأسه... والنتيجة في النهاية لن تكوت إلا واحدة... هذه الثورة العربية الكبرى تمتلك حيويتها الخاصة... ورياح التغيير في واقع هذه الأمة التي استيقظت قد عصفت للتو وانداح لهيبه الثوري في هشيم الواقع الرديء على امتداد خارطتها فأضاء ليلها الداجي الذي طال، ولم يعد هناك من خوف على نوره من أن تطفئه أفواههم!