منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By محمد النشوان9
#33405
سوسن البرغوتي
أكد خطاب القذافي على كل ما شمله خطاب وريثه قبل يومين، مما يعني أن سيف الإسلام تم تعميده للرئاسة من بعده، والخطاب لم يوجه للجماهير، حيث لا وجود لها ساعة بث الخطاب، وبلا حراس ولا مرافقين، كما ويبدو كأن ثمة حاجزاً شفافاً أو بمكان محاط بحواجز جدارية. كعادة نرجسيته المتعالية، سرد بطولات وحكايا، وسلط الضوء على "المجد" معمر القذافي، وتصعيد عبارات التهديد والوعيد والكيل باتهام الشعب بالإرهاب وتعاطيه المخدرات وحبوب الهلوسة، بمعنى شيطنة الشباب، ومن المفترض أن الزعيم العقيد، أولى جل اهتمامه لبناء دولة عمادها شباب صاحٍ، وليس المسطول الضائع!، فهذا بحد ذاته اتهامه لسلطته، بإهمال الشباب، والسماح بتهريب المخدرات، وبعلمه!.



الاتهام الآخر لنفسه، عند مقاربة همجية قوات الاحتلال الأمريكية وتدمير الفالوجة، وكأنه يتصرف كمحتل وليس كقائد لشعبه. اعترافه بالمرتزقة القتلة، ومطالبته لجماهير معمر بالتصدي (للجرذان الخونة، عملاء أمريكا) وغيرها من توصيفات مشينة له بقيادة شعب "حثالة"، وهذا معيب ومسيء لليبيا. الهذيان غير المتزن، جعل الكثيرين يرتقبون فعل "ساعة العمل" المكررة ثانية، فما الذي حدث؟



سيطرة الشعب على معظم المناطق الشرقية، توالى انضمام عناصر وكتائب من الجيش إلى المظاهرات، هروب طيارين إلى مالطا، وإرساء سفينتين حربيتين على شاطئ مالطا، رفض جنود البحرية الانصياع لأوامر الزعيم، كما أعلنت قبيلتان كبيرتان، انضمامهما للشعب، رغم استنجاده بالقبائل، لدفاعها عن ثائر، وليس عن رئيس، وإن كان لا يعتبر نفسه رئيساً، فيجب أن يكون بصف الشعب، الذي يرفض الاستبداد والقمع والإبادات الجماعية من غرباء همجيين مقابل مال الشعب، ويرفض مصادرة حقه بحياة كريمة، فلا صحة ولا تعليم، ولا إصلاحات وعد بها الرئيس المنتظر، وفشل بتحقيقها بعد أربع سنوات من الوعود، رغم الإمكانيات المادية والبشرية المسخرة لنجاحها، والغريب أن يُعمل بقانون عقوبات التمرد منذ العهد السنوسي البائد ومعمول به حتى الآن. بالإضافة إلى أن المحتجين الغاضبين، يؤكدون أن السلطة لا تحكم سيطرتها على طرابلس ونواحيها.. مما يعني أنه لن تقتل المرتزقة المجرمة، أكثر مما فعلت بعد خطاب نجل الزعيم.



نخلص إلى أن التصعيد كان بأثر رجعي وبناء على خطاب الابن، وفعلاً في اليوم التالي لتهديداته، صعّد المرتزقة هجماتهم، وأغلب الظن، أن التهديد نُفذ بين الخطابين، فزاد عدد الشهداء جراء مجزرة صورة طبق الأصل عن وحشية "يلتسن وبوش"، والقذافي لم يلقِ كلمته بعدها، ولا على اطلاع بما يجري. الهرطقات الجنونية القذافية، تعوّد عليها العرب والعالم، لكن أن يمارسها ضد شعبه، فهذا يعني إما أنه يعيش بعالم آخر، بمعنى أنه قد يتعاطى حبوب الهلوسة، أو محجور عليه بأحسن الأحوال ، وسيف الإسلام لديه الخبر اليقين.



الخطاب تجسيداً لكوميديا سوداء تروي نهاية رجل مصاب بجنون العظمة، وخلو ساحته من الجنود المحاربين لجانبه، مستنجداً بجماهير غير متفاعلة معه، والشجاعة تقتضي أن يواجه رفض الشعب له، طالما أنه ليس رئيساً، كما قال. بعد انتهائه بفترة وجيزة، وحديثه عن أسر ومصير مجهول لوزير الداخلية، أعلن اللواء عبد الفتاح يونس وكتائب الجيش في الجبل الأخضر، الذي عوّل عليهما، انضمامهما إلى الشعب المظلوم... وهذا يعني استراتيجياً انتهاء عهده فعلياً.



إلا أن احتمالات وتداعيات ما بعد عهد القذافي، مفتوحة، على أكثر من اتجاه، ولا يوجد نظام، فاللجان الشعبية ليست هيكلية واللجان الثورية أمنية تحيط بالسلطة وتخدم رغباتها، أي أنها خدماتية استهلاكية بآن، وغير منتجة، وتكاد تنهار بفعل استمرار غضب الشعب وازدياد عدد الرافضين للوضع المتردي القائم، ورفض العالم لتلك الجرائم الوحشية. ولهذا لا قلق من ثورة مضادة، أو الالتفاف على ثورة الشعب، أما الجيش فمنه المدجن "المهلوس" ومنه الواعي الذي انضم للصفوف الشعبية. ولكن الخطورة تأتي من الخارج، ليكون الوضع الجديد، ضابط إيقاع لثورتي مصر وتونس، فيما يخص السياسة الخارجية، والشعبين وقواهما الحية منشغلين بترتيب الوضع الداخلي. لذلك من الخطورة بمكان، المطالبة بتدخل خارجي عسكري، بحجة الحرب على الإرهاب، وهو ما نوه له القذافي، وقد تُستخدم تلك القوات الدولية، ذريعة القبض على القذافي وحاشيته الضالعين بالجرائم، أو لحماية الشعب، لتتحول ليبيا إلى قاعدة عسكرية، لقوات دولية!.



وبنهاية المطاف نجد مصر وتونس محاصرتين، بقوات دولية على أرض ليبيا، لحماية آبار النفط ومصالح الدول المستفيدة منه، والقوات محاصِرة ومقيدة لهم جميعاً. فاحذروا خطة الأفعى المتحركة، بشعار إسقاط سلطة وإنشاء نظام ديمقراطي بمقاييس استعمارية، فالاستقلال لا يقل أهمية عن المطالب المشروعة للشعب، ولو كان القذافي يملك ذرة عقل لانتبه إلى أن أرضه بعد أن انتهك حرمة شعبه باستجلاب المرتزقة، في خطر أهم بكثير من استعلائه وتهديداته، ولتنحى أو ابتعد عن الحياة السياسية أو حتى عن ليبيا، وهو الاختبار الحقيقي له، وسيُكتب له عندها أنه أنقذ بلده من وضع اليد الخارجية بصورة تختلف عن الاحتلال المباشر، وإلا لا حل إلا بتشكيل درع بشري من قبائل الصحراء، لمنع تسلل المرتزقة، وقطع إمدادات المال عنهم، وبيد الشعب الخلاص منه بأسرع وقت قبل إرساء السفن الغربية على شواطئ ليبيا، فالاستسلام أو الرحيل غير وارد لدى القذافي.



المطلوب على الصعيد العربي دعم ثورة الشعب ضد الطاغية حتى إسقاطه وقد بات وشيكاً، وتقديم العون لهم، ومنع تدفق المأجورين المرتزقة ومحاكمتهم، ورفض أي تدخل أجنبي ومنعه، وفضح جرائم القذافي وأعوانه، عبر وسائل الإعلام.



طوبى لكم يا شعب ليبيا، فقد أعدتم روح جهاد الشهيد عمر المختار.. سدد الله خطاكم المخلصة لإنقاذ ليبيا وتأسيس دولتها الحرة الأبية المستقلة، والوحدة الوطنية الصادقة وسيلتكم للحرية.