صفحة 1 من 1

انتهاك الأستبداد لمحرمات الشعب ...

مرسل: الاثنين مارس 14, 2011 2:17 am
بواسطة محمد النشوان9
سوسن البرغوتي
تراكمت خطايا النظام العربي، وتوج فساده قمع الشعب، فتلازما معاً لضمان بقاء نظام الاستملاك مع عدد وقوة أزلامه وأعوانهم المفرطة في تهميش وإقصاء وتضليل الشعب، بإخضاعه لرغباته وسياساته الداخلية والخارجية التابعة على حد سواء، ومعاملة الشعب كعبيد وليس كمواطنين لهم كرامة وحقوق.. فأدت تلك الأمور مجتمعة كدوافع وروافع لتصعيد الغضب، حتى الزلزال، الذي له ارتداداته المختلفة وفقاً لطبيعة المجتمع وطلباته، ووفقاً لدرجة قوة الضغط وتراكماته، منذ عقود، وتحديداً الأربعة عقود الأخيرة، فضلاً عن تفاقم أزمة البطالة، واتساع الفجوة بين من يقدمون كل شيء، ومن يجنون كل شيء ويحصلون على كل الامتيازات، بلا تحفظ أو تقنين.



ومما زاد الأوضاع سوءاً هيمنة النظام ومصادرة أدنى حقوق الإنسان، سواء أكان بسجن وتعذيب المعارضين الوطنيين، أو حتى بحرية الرأي والتنفيس عن هذا الضغط المتراكم.



هل ما سبق هو كل شيء؟.. بالطبع لا، فقد اخترقت وانتهكت الأنظمة الحاكمة في مصر، تونس وليبيا، عناصر هامة: الدم والشهداء، المفاهيم المبدئية كالوحدة، وهي ثقافة الثوابت السياسية الراسخة، والعقيدة الدينية.



ولو استعرضنا، المشهد العام في تلك البلاد قبيل الثورة، لخلصنا، إلى انتهاك العناصر، وذلك على النحو التالي، بإغلاق المساجد، ملاحقة نساء يرتدين اللباس الشرعي، وبالمقابل الترحيب وتشجيع الخلاعة وانحرافات الشباب، إما بإشغالهم بالمخدرات أو الشذوذ (السياحي) وغيرها من ظواهر مشينة بمجتمعاتنا العربية المحافظة، وضع كاميرات ملاحقة الأئمة وفرض خطب الجمعة لتمجيد السلطة المكشوفة بفضائحها وتفريطها الوطني، والارتماء بأحضان سياسات الغرب، بشكل مخزٍ ومفضوح، وتغريب الشعب بهدف إبعاده عن قيمه الثقافية، ومحاولة النظام في مصر بزرع الفتن الدينية والطائفية، مثل حادثة انفجار كنيسة القديسين في الإسكندرية، لضرب وحدة الشعب، وزرع فتنة هجينة، رفضتها الجماهير، التي تعايشت مع اختلافات الأديان والمذاهب والطوائف عبر التاريخ.



كما وصل الحال مع سلطة أوسلو المحلية في الضفة الغربية المحتلة إلى ملاحقة المقاومين والرافضين لاتفاقيات الإذعان والذل باغتيال وتعذيب المقاومين، وامتد الأذى والقمع والطغيان ليشمل الدعاة من رجال الدين، وتخفيض صوت الأذان أو إلغائه، مراعاة لمشاعر المغتصبين الصهاينة، أي الدم والتصادم بعمق مع المحرمات الوطنية، الدينية والثقافية.



في ليبيا قد يبدو ظاهرياً الوضع مختلفاً، ولكن عندما نغوص في عمق الأسباب السابقة، فقد تم انتهاك العروبة – الجانب الوطني- بالخروج من الانتماء العربي إلى الأفق الإفريقي، ثم مشروع (إسراطين) كحل للقضية المركزية الفلسطينية، وذلك بشطب هوية فلسطين كجزء من الوطن العربي، وكانتماء راسخ لعقيدة إسلامية، وما تعنيه المقدسات بفلسطين، والتفسخ عن جوهر الصراع العربي- "الإسرائيلي". ناهيك عن "فتوى" القذافي من فترة وجيزة، أنه يحق لغير المسلمين الطواف بمكة، واتهامه لشعبه بـ"الإرهاب الإسلامي". ومن الملاحظ إسقاط الثورة الشعبية مجسماً للكتاب الأخضر، فهل تناهى لأحد منا، ماهية هذا الكتاب، واختراقه جملة وتفصيلاً لكل ما سبق؟!



أزعم أن الراحل المفكر الصادق النيهوم، هو من ألف الكتاب، أو على الأقل ساهم بتأليفه، بعد مقاربته بكتاب له، بعنوان "الإسلام ضد الإسلام"، الذي اخترق من خلاله الكثير من التعاليم العقائدية. إلا أن جنوح القذافي إلى تبني التصادم بكل جوانبه، وتعزيز نزعة القبائلية لضرب وحدة الشعب، والتهديد بإحراق الأخضر واليابس، وميله للانفتاح على الغرب على حساب مفاهيم ثورية روج لها سابقاً، أدى إلى إصرار حسم الصراع معه، فإما أن يبقى ويستشهدون، وإما أن يبقوا ويرحل، وهذا ما أكد عليه الشعب في مصر وتونس، أي برحيل النظام الاستبدادي، الذي تعدى حدود التماس، وإن اتخذت طبيعة المواجهة، شكلاً مختلفاً.



الخلاصة: أن كل من يتحدى الشعب بتلك المحرمات، مع استمرار ممارسة الاستبداد والضغط على جميع الأصعدة، عليه أن يتوقع أن دوره قادم، وأولهم سلطة أوسلو برام الله، فالوضع بالضفة الغربية المحتلة لم يعد يُطاق، وقد تصادمت السلطة مباشرة مع حرمات الشعب، فلا تمسك بأي ثوابت وطنية، بل أصبحت العمالة نهجاً والإدمان على الخنوع ثقافة، وحللت دم المقاومين والمجاهدين، مقابل وهم ضئيل وتافه، وسلام ذليل ما هو إلا استسلام لشروط العدو بالكامل، ويتعلق بوعود الازدهار الاقتصادي السرابية، التي هي مجرد فتات موائد المحتل والدول المتصدقة دون مراعاة لكرامة الناس وأمانيهم الوطنية، مما يعني الذل والعبودية.



لذلك فليستعد عباس ومن معه إلى محاكمة شعبية عادلة، لأن تأمين رحيلهم المريح، يعني إعادة صناعة لهذا النهج المعوج بشكل أو بآخر. فشعب بلا حرية واستقلال، هو عبد ذليل، وتابع لنفوذ وأهواء الغرب الاستعماري، ومهما صبر وصمت، لكن التراكمات تزيد وتكبر، إلى حين يتفجر حاجز الخوف، ويغرق الموبقات بسيله الجارف. والتخويف بالعودة للوراء، أو حدوث ما هو أسوأ مما كان، لن يغير من جوهر الواقع المرّ والمرير شيئاً، مع التأكيد أن الثورات في العالم لم تستقر وتطرح ثمارها إلا بعد فترة زمنية، قد تطول أو تقصر، فما هُدم لعقود، من الاستحالة إعادة بنائه بشكل سليم، بين يوم وليلة.