حزب الله وحماس والجهاد أبناء شرعيون للثورة الإيرانية
مرسل: الأحد مارس 20, 2011 5:01 pm
أبوان صنعا حزب الله اللبناني، «أب روحي» هو علي محتشمي السفير الإيراني الأسبق لدى سورية الذي خرجت «الفكرة» على يده للنور مطلع الثمانينات، و«أب ميداني» هو محمد حسن أختري السفير الإيراني السابق في سورية والذي ترك منصبه مطلع هذا العام بعد 14 عاما في دمشق. فأختري أخذ الفكرة الوليدة لحزب الله وحولها على مدار سنوات خدمته الى حقيقة واقعة غيرت الكثير من موازين القوى في المنطقة.
كان أختري خلال سنوات عمله، ( عمل سفيرا لدى دمشق على فترتين: الأولى من عام 1986 إلى عام 1997 والثانية منذ عام 2005 حتى يناير 2008)، الدبلوماسي الأكثر نفوذا في سورية. لكنه لم يكن مجرد سفير عادي فهو الى جانب كونه «الاب الميداني» لحزب الله، مهندس «العلاقات الخاصة بين سورية وإيران، ومنسق العلاقات بين طهران من ناحية وبين الفصائل الفلسطينية في دمشق من ناحية اخري، ومؤسس جمعية الصداقة الفلسطينية ـ الإيرانية والتي انضم اليها مندوبون من كل الفصائل الفلسطينية في دمشق بهدف «التقريب بين الشعبين الفلسطيني والإيراني»، كما قيل قبل أشهر قليلة، ورئيس جمعية «آل البيت» العالمية التي ترفع شعار «نشر الوعى الديني الشيعي»، والحوزات العلمية في العالم والتوجيه والتقريب بين المذاهب. ومنذ عودته الى طهران في يناير (كانون الثاني) الماضي يعمل اختري مستشارا للمرشد الاعلى لإيران آية الله خامنئي، وهو المنصب الذي كان يتولاه قبل عودته لطهران بنحو عامين. خلال سنوات عمل اختري في سورية باتت السفارة الإيرانية في دمشق أهم سفارة إيرانية في الخارج على الاطلاق، وتحولت الى ما يشبه «مركزا اقليميا» للنشاطات الدبلوماسية الإيرانية. فأنشطة السفارة امتدت من دمشق، الى بيروت، مرورا بالأراضي الفلسطينية، وانفتحت على ملفات عدة على رأسها علاقات سورية ـ إيران، وملف حزب الله، والفصائل الفلسطينية، والحوزات العلمية في العالم.
وإذا كان أهم ما قام به أختري خلال سنوات عمله هو بناء حزب الله وتحويله من مجرد فكرة الى مؤسسة ذات كيان سياسي واقتصادي وعسكري واجتماعي مستقل بذاته على الساحة الاقليمية، اذ اشرف بنفسه على البناء الميداني لحزب الله، خصوصا البناء العسكري والذي تم على يد عناصر من الحرس الثوري الإيراني ارسلوا خصيصا الى لبنان بناء على تعليمات الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني، كما يقول أختري لـ«الشرق الأوسط»، فإن المهمة الأخرى لأختري والتي لا تقل أهمية هي «بناءه شبكة العلاقات الخاصة بين إيران وسورية»، فبدون هذه العلاقات الخاصة لم تكن طهران لتتحرك بالسلاسة نفسها وبشكل مباشر في لبنان أو مع الفصائل الفلسطينية. نجح اختري في «غزل» كل هذه الخيوط مع بعضها البعض، ايران بسورية بحزب الله بالفصائل الفلسطينية، حتى شكل ما أسماه البعض بـ«سجادة عجمي من العلاقات المركبة والمتداخلة».
وعندما يتحدث أختري حول سنوات عمله في دمشق وحول المهام التي قام بها خلال تلك السنوات، يتحدث بالصفتين، السفير ورجل الدين. فأختري لا يضع عمله في دمشق ولا المهام التي ألقيت على عاتقه منذ اليوم الأول، في اطار الانشطة السياسية المحضة، بل أيضا يضعها في اطار دوره كرجل دين، جاء من منصة امامة الصلاة في جامع سمنان بشمال إيران، الى العمل الدبلوماسي، بروح الدعوة الدينية. خطاب أختري الدبلوماسي تختلط فيه اللغة الفقهية والدينية مع اللغة السياسية، فهو، كما قال في حوار مطول مع «الشرق الأوسط» في طهران، هو الأول من نوعه لصحيفة عربية أو أجنبية، لم يدرس العلوم السياسية أو الدبلوماسية، بل درس الفقه في الحوزة العلمية بقم وعمل كرجل دين وامام جامع، ثم اختاره رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك علي خامنئي لمنصب سفير إيران في دمشق، وذلك في وقت حساس وعصيب كما يصفه أختري، إذ كانت إيران أيامها في سنوات «الحرب المفروضة من العراق»، كما يقول، وكانت سورية واحدة من ثلاث دول عربية وقفت إلى جانبها. تراجعت الاثنتان الاخريان لاحقا عن دعمهما وهما الجزائر وليبيا، وظلت سورية وحدها مع إيران. وكان على أختري أن يضمن أن هذا التحالف لن ينتهي كما انتهى التقارب مع الجزائر وليبيا. ولأن إيران لم يكن لها سفير في لبنان خلال ذلك الوقت بل قائم بالاعمال، كلف أختري بتولي مسؤولية الملف اللبناني، ولأن الفصائل الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي، كانت تتخذ من دمشق مقرا لها، بات أختري مسؤولا أيضا عن ملف علاقات طهران مع الفصائل الفلسطينية.
«الشرق الأوسط» تنشر سلسلة حلقات حول هذه السنوات الحاسمة والمصيرية في الثمانينات، والتي شكلت طبيعة التفاعلات في المنطقة منذ ذلك الحين الى الآن، وشهدت نشأة حزب الله، وبناء العلاقات الخاصة بين إيران وسورية، والعلاقات بين طهران والفصائل الفلسطينية. وتتضمن الحلقات شهادات، بعضها ينشر لاول مرة، من مسؤولين حاليين وسابقين كانوا في دوائر صنع القرار آنذاك في سورية ولبنان وإيران، كما تتضمن شهادات شهود عيان مباشرين خلال هذه السنوات الحساسة، من بينهم مسؤولون حاليون وسابقون سوريون واميركيون ومسؤولون بالفصائل الفلسطينية في دمشق. تبدأ الحلقات بالحوار مع الأب الميداني لحزب الله السفير الإيراني السابق لدى سورية محمد حسن اختري، الذي تحدث عن الملفات الثلاثة الأساسية التي سيطرت على سنوات عمله الـ14، وهي بناء حزب الله ودور الحرس الثوري الإيراني، وعن اشتعال الحرب بين الفصائل الفلسطينية وحركة أمل، ثم اشتعالها مجددا بين أمل وحزب الله. كما تحدث عن بناء علاقات طهران مع الفصائل الفلسطينية، وعن العلاقات بين سورية وإيران، وعن المجمع العالمي لآل البيت، الذي يتولى رئاسته منذ 4 سنوات والذي قال إنه يقوم بأنشطة تبليغ ديني، وعن الفلسفة التي حركته في كل هذه القضايا والمستمدة كما قال من تعاليم آية الله الخميني، موضحا أنه شخصيا كلف بنشاطات تبليغية ودينية في حمص بحلب ولبنان منذ عام 1968 وحتى عام 1972، أي ان علاقته مع البلدين، كما يوضح تعود إلى نحو 40 عاما. وهنا نص الحوار:
* عدت إلى إيران بداية هذا العام بعد 14 عاما من العمل سفيرا في سورية.. هل يمكن أن تحدثنا حول تجربة الـ14 عاما في بناء العلاقات السورية ـ الإيرانية من خلال عملكم؟ ـ أولا أنا شاكر لكم تشريفكم وهذا اللقاء، ونتمني أن نستطيع، ومن خلال المنصة التي لديكم، أن نتواصل في توطيد العلاقات الاخوية بين المسلمين، وبين الدول العربية والإسلامية بصورة دائمة خاصة. إنني أحمل رغبة شديدة وقوية بالنسبة لهذه العلاقات، ايمانا وقناعة مني بضرورة توحيد الصف وتجميع القوى وتوفير الطاقات لتجسيد وترسيم الوحدة الإسلامية في الأمة. وكذلك إيجاد الصف المقاوم ضد المؤامرات الشيطانية التي تحاك ضد الأمة الاسلامية والأمة العربية. ولعله انطلاقا من مثل هذا الايمان، والشعور بمثل هذه المسؤولية، وفقت خلال عملي كسفير في سورية في ترسيخ وتوطيد العلاقات القوية والمستحكمة والمتينة بين إيران وسورية. مهمتي في سورية شملت دورتين: الدورة الأولى استغرقت اثني عشر عاما وشهرا، والدورة الثانية كانت بعد مضي 7 سنوات من الأولى، إذ عدت مرة أخرى لسنتين وشهر كسفير في سورية.
أن تكون سفيرا في بلد واحد لفترة تطول بهذا المقدار من الزمن شيء غير متعارف عليه وأمر غير معتاد. ليس متعارفا عليه في سورية أو في الجمهورية الإيرانية أن تطول مدة عمل سفير إلى هذا المقدار. ولعل قليلين من السفراء في العالم يتجاوزون عشر سنوات. سمعنا عن بعض السفراء، لكن قليلا جدا يمكثون 14 عاما.
طول الفترة والبقاء والاستمرارية دليل على توفيق العمل، خاصة أن مهمتي في سورية كانت في فترة شديدة وعويصة سياسيا، اقليميا ودوليا. كما تعرفون كانت أولى مهامي في عام 1986 وكانت تلك أيام الحرب المفروضة من صدام على إيران، كما كانت بعد اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982 وكانت هناك قضايا لبنانية مهمة. ويمكن لنا أن نقول إن الظرف كان ظرفا خاصا وساخنا في لبنان. في مثل هذه الظروف كلفت بهذه المهمة، وسلم لي هذا الملف. كذلك أنا لم أكن أعمل كموظف في دائرة من الدوائر الحكومية قبل تولي المنصب. كلنا كنا جددا بعد انتصار الثورة الإسلامية، جميع المسؤولين كانوا جددا في تسلم مهمتهم وملف الادارة الحكومية بصورة عامة.
* أين كنتم قبل تسلم منصب السفير الإيراني في سورية؟ ـ أنا كنت إمام جمعة. جئت من منصة إمامة الجمعة إلى منصة المسؤولية السياسية والعلاقات الدبلوماسية. وهذه الخلفية أيضا مؤشر لانجازات العمل. اضافة إلى ذلك، أنا وصلت الى سورية عام 1986 وكان شهر رمضان. الخامس والسادس من شهر رمضان وصلت إلى دمشق وبدأت العمل. وكان هذا مباركا لي في بداية عملي، ولكن في نفس الشهر، لعله في التاسع عشر أو في العشرين من شهر رمضان من ذلك العام حدثت مشكلة الفلسطينيين وحركة أمل في لبنان. في ذاك الوقت لم يكن للجمهورية الاسلامية سفير في لبنان، كان هناك قائم بالأعمال، حينذاك كلفت بمهمة الملف اللبناني.
ولأهمية الملف من جهة، ولأن سورية لها وجود عسكري وأمني في لبنان من جهة ثانية، ولأن جميع الفصائل الفلسطينية والقيادات المركزية للفصائل الفلسطينية كلهم في الشام من جهة ثالثة، كلفت بهذه المهمة في الأيام الأولى من عملي كسفير. ودخلت في الموضوع بكل معنى الكلمة. وبدأنا محاولاتنا لاخماد النار ولايجاد الهدوء والعمل لإيجاد الصلح بين الجهتين لأن الجهتين مسلمتان، الفلسطينيون وحركة أمل.
كانت هناك محاولة، وهذه نقطة مهمة، في ذلك الوقت في لبنان لإحداث فتنة طائفية، مثل الحرب المفروضة على إيران من قبل صدام، وابراز القضية في لبنان كقضية شيعيةـ سنية. منذ ذلك الوقت كانت المؤامرة قائمة، كما نشاهدها اليوم. كانت هناك أياد مسمومة ولئيمة تحاول أن تصير فتن طائفية بين المسلمين. كما قلت ايمانا مني بالوحدة الاسلامية والتقريب بين رؤي المسلمين بصورة عامة أعطيت الموضوع كل اهتمامي، وجاهدت لكي لا تنعكس هذه القضية لا في لبنان ولا في غير لبنان، وأن لا تصور على أنها قضية شيعة وسنة. الفلسطينيون مشردون وجاؤوا إلى لبنان، هناك جماعة لبنانيين عندهم قضايا، وحدثت المشكلة. اندلعت شعلة هذا الاقتتال الداخلي، وكان يهمنا أن نحاول أن نمنع اتساع هذه القضية، وثانيا عدم ابرازها كقضية طائفية شيعية سنية وقد وفقنا في هذا الموضوع.
كانت هناك مجموعة من الاخوة، تجمع علماء المسلمين في لبنان في ذاك الوقت، كان لهم دور كبير في هذا الموضوع. كنا دائما نجتمع وكانوا هم يصدرون بيانات لتهدئة الأمور، ولتبيين أن هذه الخلافات حزبية وليس لها أساسا جذور في العقائد والمذهب. والحمد الله كنا موفقين في هذا الموضوع. يمكن أن نقول إن لبنان رفض أن تحسب هذه القضية كقضية طائفية، ونحن من الأول بدأنا من موضوع النشاط الميداني لإخماد الفتنة ومواجهتها، وفي نفس الوقت تأسيس كيان العلاقات بين إيران وسورية، وبين إيران وفلسطين، وبين إيران ولبنان، بأواصر المودة والاخوة والاعتماد والاطمئنان والثقة.
* لا بد أن نستوقفك في بعض التفاصيل.. ماذا كان بالضبط نوع الخلافات بين حركة أمل والفصائل الفلسطينية؟ وماذا كانت مقترحاتكم التي أدت الى حل الخلافات؟ ـ كما أشرت هذا الخلاف كان مؤامرة. الفلسطينيون كانوا مشردين وقد جاؤوا إلى لبنان كضيوف، خاصة لدى حركة امل. كما أن مؤسس حركة أمل الامام موسى الصدر كان من أول مستقبلي الفلسطينيين. لم يكونوا في لبنان رافضين للفلسطينيين، وكانوا يعرفون قضية فلسطين، وكذلك كانوا يعتبرون أن قضية فلسطين من قضيتهم. فمن جهة استضاف لبنان الفلسطينيين، وإكرام الضيف ضروري على حسب مبادئنا الدينية. ومن جهة أخرى الإمام موسى الصدر كان ممن استقبل فلسطينيين، وكان يؤكد على مواجهة اسرائيل ودعم الفلسطينيين وهو له تاريخ كبير في هذا الموضوع. من جهة ثالثة، الجهتان لهما علاقة بسورية. فسورية حاضنة للطرفين، حركة أمل والفلسطينيين، هذا دليل أن القضية لم تكن قضية لبناني شيعي وفلسطيني سني. لم يكن الأمر هكذا. من جهة رابعة، الجهتان كانتا ترتبطان مع إيران بعلاقة قوية وجديدة لأن الامام الخميني، وبعد اعلان الجمهورية الاسلامية وانتصار الثورة استقبل الشهيد ياسر عرفات. وحولت الجمهورية الإسلامية سفارة اسرائيل إلى سفارة فلسطين. كذلك حركة أمل كانت لها علاقات مع الجمهورية الاسلامية. كلهم كانت لهم علاقات مع الجمهورية الإسلامية. وبالتالي يمكن أن نقول إن المشكلة وقعت في بيت واحد وفي ميدان واحد، وليس في بيتين ولا ميدانين، وسببها اسرائيل ولدينا شواهد على هذا الموضوع.
كنا نجتمع في دمشق لمتابعة الأمور في ذاك الوقت، معاون وزير الخارجية الإيراني الشيخ شيخ الاسلام، والذي تم تعيينه سفيرا بعدي في سورية، فهو ايضا كلف بالمجيء الى سورية وبقي فيها. وعبد السلام جلود (كان الرجل الثاني في النظام الليبي وابتعد عن العمل الرسمي بعد قضية لوكربي ثم اختفى عن الانشطة الرسمية في مايو 1993) الذي جاء في ذلك الوقت من ليبيا إلى سورية، بالاضافة إلى مسؤولين سوريين. كنا نعقد اجتماعات ثلاثية دائما بحضور ممثلين من قيادات حركة أمل والفصائل الفلسطينية. كنا مثلا نجتمع في الليل ونتفق ونصدر بيانا صباحا، لكن وقبل أن يعمم البيان أو القرار على جميع الاخوة في لبنان، كنا نسمع حدوث خروقات من نقطة في الجنوب أو في الشمال أو بيروت. وكنا نحاول أن نعرف ما هو السبب، فيتبين لنا أن هناك اشخاصا مدسوسين، وأن شخصا أطلق النار أو فعل شيئا لتخريب القضية. والمستفيد الوحيد كانت إسرائيل ومن يدعمها في هذه القضية. بعد المصالحة نحن نعرف أن الفلسطينيين بقوا في مكانهم، واخواننا في حركة أمل وباقي اللبنانيين ومن في مكانهم استمروا. هذه المشكلة كانت مشكلة لئيمة وبأيد مرتزقة من الخارج والمستفيد كان إسرائيل، وهي من كان وراء هذه القضايا. (»الشرق الأوسط»: موسى الصدر مؤسس حركة أمل اللبنانية إيراني المولد فقد ولد في مدينة قم بإيران في 15 أبريل عام 1928. ودرس العلوم الدينية بعد نيله شهادتين في علم الشريعة الاسلامية والعلوم السياسية في جامعة طهران عام 1956. ومن قم توجه الصدر إلى النجف لاكمال دراسته تحت اشراف آية الله محسن الحكيم الطباطبائي وآية الله أبو القاسم الخوئي. وفي عام 1960 توجه للاقامة في مدينة صور اللبنانية التي كان ايرانيون كثيرون توجهوا اليها بسبب المشاكل السياسية في إيران. في لبنان أسس الصدر أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة باسم حركة أمل في عام 1974، كما أنشأ المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في عام 1969 وكانت هذه هي أول مرة يتم فيها رسميا فصل طائفي للمسلمين بين الشيعة والسنة. وقد صادف بداية ترؤسه للمجلس بداية التدخلات الإسرائيلية في جنوب لبنان. حصل الصدر على الجنسية اللبنانية لاحقا لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون أنه ولد في إيران وليس في لبنان. اختفى موسى الصدر خلال زيارة لليبيا في 25 اغسطس 1978 في ظل تكتم ليبي على ملابسات الاختفاء. وحتى اليوم لا يعرف مصيره).
* تدخلت ثانية لاحتواء صراع آخر بين حزب الله من ناحية وحركة أمل من ناحية أخرى.. فهل يمكن أن تروي لنا تجربتك مع هذه القضية؟ ـ أولا يجب أن أقول إن قضية حركة أمل والفلسطينيين ظلت عاما كاملا حتى توصلنا لمصالحة بين جميع الأطراف. بعد ذلك حدثت مشكلة جديدة بين أمل وحزب الله. أمل وحزب الله كانوا مجموعة واحدة. يمكن أن نقول إنهم كلهم كانوا من أبناء الإمام موسى الصدر. فبعد انتصار الثورة الاسلامية الجميع تعاهدوا مع الجمهورية الاسلامية، وزاروا الامام الخميني آنذاك، وبدأوا علاقاتهم، مثل العلاقات بين جميع المسلمين.
حدثت المشكلة بين أمل وحزب الله بعد أن كانوا مجموعة واحدة. هم افترقوا، بعضهم بقى في أمل والآخرون شكلوا حزب الله. لكنهم بدأوا كجبهة موحدة في مواجهة اسرائيل حتى اخراج إسرائيل من لبنان، أو يمكن أن نقول من بيروت إلى الشريط الأمني الذي كان معروفا في ذلك الوقت. خلال عدة أشهر استطاع المقاومون اللبنانيون، خاصة أبناء الجنوب، وهم من حركة أمل وحزب الله محاربة اسرائيل. المواجهات بين أمل وحزب الله كانت سيئة جدا وكانت سلبياتها كثيرة، وكنا جميعا منزعجين جدا منها. ولذلك كنا نحاول بكل جهدنا أن ننهي هذه المشكلة.
* ما هو سببها بالضبط؟ هل كان آيديولوجيا أم سياسيا؟ ـ لا أعتقد ان السبب ايديولوجي، فجميعهم آيديولوجيتهم واحدة، بل هم أبناء طائفة واحدة. كما لم تكن هناك أسباب سياسية. فالطرفان كانت علاقاتهما مع إيران وسورية جيدة. كذلك في لبنان لم يكن عندهم مطامع خاصة لنقول إن هناك خلافات سياسية. فلم يكن لديهم أهداف متميزة عن بعضهم البعض، أو متعارضة مع بعضها البعض.
* لكن هل صحيح أن حركة امل كانت توجهاتها العلمانية أكبر.. فيما كان حزب الله دينيا أكثر ومن هنا نشبت الخلافات؟ ـ التدين، كما هو معروف، هو عمل الانسان. الالتزام العملي والسلوك. ربما يمكن أن نقول إن الاخوة من حزب الله كانوا مثلا أنشط وملتزمين أكثر. بينما في حركة أمل، يمكن أن نقول إن هناك شرائح مختلقة، فيهم من كان يقوم بواجباته الدينية تماما مثل الاخوة في حزب الله، لكن، هناك قسم شباب. هناك شاب يمكن ان يكون متدينا، وشاب آخر يمكن أن يكون أقل تدينا. هذا شيء عادي بين الشباب كما نعرف جميعا. لكن أساس الخلاف لم يكن دينيا ولا مذهبيا ولا عقائديا، حتى ولا سياسيا ولا ايديولوجيا لان كلاهما كان يعتقد بضرورة مواجهة اسرائيل. كلهم كانوا يعتقدون بالمقاومة. كلهم كانوا يعتقدون بالمواجهة. وكما قلت من بيت واحد. كما نعرف جميعا، أحيانا تحدث مشكلة داخلية من دون سبب أو لسبب ما، بعد انتهاء المشكلة لا يفهم الانسان ماهية هذا السبب الذي أوصل اخوين في عشيرة واحدة أو في طائفة واحدة للمواجهة. هذه المشكلة أخذت منا وقتا طويلا، وكنت مكلفا بمهمة المصالحة من قبل سماحة الامام خامنئي الذي كان رئيس الجمهورية الإيرانية ساعتها. كنت أنا ممثل الجمهورية الايرانية والمرحوم غازي كنعان (رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان في الفترة من 1982 حتى 2001. وعين وزيرا للداخلية من أكتوبر عام 2003 حتى انتحاره عام 2005) ممثل الرئيس المرحوم حافظ الأسد، بالاضافة إلى ممثلين من حزب الله وحركة أمل. عقدنا اجتماعات طويلة استغرقت شهورا حتى وصلنا الى المصالحة.
* ماذا كانت شروط المصالحة بين حزب الله وحركة أمل؟ ـ كانت الشروط هى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقا، والافراج عن المعتقلين من الطرفين، والالتزام بعدم اطلاق النار. هذه كانت النقاط الاساسية، والطرفان التزما بها. والجهات السياسية والدينية في لبنان كلها ساعدت على هذا الأمر ونجحنا والحمد لله. استمرت وتواصلت خطوة المصالحة بين أمل وحزب الله إلى أن وصلت الامور إلى ما كانت عليه سابقا. الطرفان يقيمان شعائرهما الدينية معا. كانا يجتمعان في الاحتفالات معا. يمكن ان نقول إنه يوما بعد يوم اقترب الطرفان حتى أصبحا شريحة واحدة مثل ما نشاهده اليوم في لبنان. هذه كانت قاعدة لحدوث مثل هذه الوحدة، وهذا الانسجام والتزامل الموجود اليوم بينهم في لبنان. السيد حسن نصر الله يقود القيادة الروحية والدينية، والسيد نبيه بري يقود الحركة السياسية في لبنان. وكانوا موفقين والحمد لله ونحن نعتبر أن المصالحة كانت موفقة. كما نعتبر أنها أساس إيجاد الثقة بين إيران وسورية أكثر مما كان عليه الأمر سابقا. سورية وقفت إلى جانب إيران منذ اليوم الأول وكان الرئيس المرحوم حافظ الأسد يثق بالامام الخميني، وكان يحترم الامام الخميني. وكان ممن يعتقد أن معارضة الجمهورية الاسلامية بأي عنوان أو تحت أي فصل من الفصول يعتبر خيانة للقضية العربية والاسلامية والفلسطينية. وهذه فيها شواهد كثيرة. إذا عدنا إلى خطابات الرئيس حافظ الأسد في مجالس الدول العربية والدول الاسلامية فكلها تشير إلى هذا، لأن وقوف المرحوم حافظ الأسد ضد صدام لم يكن بداع خاص، إذ أنه كان يعتبر أن الجمهورية الإسلامية أو الإمام الخميني أخرجا ايران من تحالف الغرب والتحالف مع أميركا واسرائيل، وأدخلاها إلى تحالف العرب والمسلمين.
كذلك الامام الخميني والجمهورية الاسلامية اعتبرا القضية الفلسطينية قضيتهم، ونادى بيوم القدس العالمي في شهر رمضان دعما للقضية الفلسطينية. وكما نعرف ان حركة حماس وكذلك حركة الجهاد شكلتا بعد انتصار الثورة الاسلامية ومن وحي الامام الخميني، ومن وحي المقاومة التي أسسها الامام الخميني. كذلك تجسدت في لبنان هذه المقاومة وبعد ذلك حصلت في فلسطين. لذلك فأبناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية ابناء شرعيون للجمهورية الاسلامية روحيا ومعنويا.
* السيد عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري ذكر أن إيران عملت على تقوية حزب الله على حساب حركة أمل بعد انتهاء المواجهات بينهما.. هل هذا صحيح؟
ـ لا هذا الكلام غير صحيح.. إيران عندما كانت علاقتها مع حزب الله، في نفس الوقت كانت علاقتها مع حركة أمل. كان هناك أشخاص أو بعض جهات كانوا يحاولون أن يصوروا للآخرين ان إيران تفضل أو تدعم حزب الله على حساب حركة أمل. ولكن في الحقيقة كانت علاقة إيران مع الجهتين، وكان رئيس حركة أمل وعناصر حركة أمل في نفس الوقت في علاقة جيدة مع إيران، وكانوا يزورون إيران وكان المسؤولون الإيرانيون حين يأتون يلتقون مع الرئيس ومع مساعديه في حركة أمل. وعندما اندلعت الفتنة والمشكلة بينهم، كانت إيران تحاول حلها، كانت هناك أياد تخرب هذه الحلول وهذه المحاولات، فأخذت وقتا حتى تصل القضية إلى الحل والعلاج. وما ذكرتم أن خدام قال هذا، فهذه تصوراته الشخصية، ليس لها حقيقة. إيران ساعدت في ايجاد علاقات وثيقة ومتينة بين إيران وسورية. وحدثت هناك ثقة كاملة واعتماد عظيم بين البلدين. كانت هناك مجموعات ومحللون يفكرون أن علاقات سورية وإيران تنحصر في سنوات الحرب المفروضة من العراق. لكن نحن شاهدنا أن العلاقات توسعت وتعمقت اكثر فأكثر. ولا زال هذا هو الحال والحمد الله.
* كان لك دور كبير في بناء حزب الله في لبنان.. فما هي أهم الصعوبات التي واجهتك في بناء حزب الله؟ وكم عام أخذ التأسيس؟ وكيف تم التخطيط له وكيف تمت مساعدتهم؟ ـ كان لي دور في دعم المقاومة وتوسيعها وتعميقها بصفتي ممثلا للجمهورية الإسلامية. لكن من الضروري أن نؤكد على أن المقاومة اندلعت من لبنان بروح لبنانية وبإيمان لبناني وشباب لبناني، هم الذين شعروا بضرورة ايجاد المقاومة، وتأسيس وتنظيم هذه القاعدة. كما قلت إن الإمام موسى الصدر كان هو مؤسس حركة أمل للمستضعفين. لكن وباجتياح إسرائيل للبنان، شعر اللبنانيون بضرورة المقاومة. في نفس الوقت الإمام الخميني، مع أننا كنا في حرب مفروضة، وافق وأرسل وفودا من الحرس الثوري لدعم المقاومة. وقفنا إلى جانبهم داعمين ومساعدين ومشجعين للمقاومة، لكن الأساس كان هم. الأرضية أرضية لبنانية، الكفاءات كفاءات لبنانية والإيمان إيمان لبنانيين، هم الذين أرادوا أن يؤسسوا مقاومة عميقة وواسعة ومتجذرة واستطاعوا. نحن كنا إلى جانبهم، ساعدناهم ودعمناهم في هذا الموضوع. والحمد لله بمتابعة الأمور، وبدعمهم ماديا ومعنويا وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
* هل يمكن الرجوع للأيام الاولى لانشاء حزب الله، أنت وصفت مرارا بأنك «الأب الميداني» لحزب الله، فيما علي محتشمي «الأب الروحي» للحزب. فكيف كانت علاقتك مع محتشمي، وكيف جاءت فكرة دعم حزب الله لدى إيران؟ ـ طبعا في البداية كان السيد علي محتشمي هو المسؤول، وبعد ذلك حينما أصبحت سفيرا كنت أقوم بنفس هذا الموقف الداعم لخط المواجهة. وعلاقتي مع السيد محتشمي علاقة جيدة. لي صداقة معه منذ أكثر من أربعين عاما قبل انتصار الثورة الإسلامية، وعلاقتنا ما زالت قائمة. وسبب نشأة حزب الله وكذلك دخول إيران إلى ميدان لبنان كان احتلال إسرائيل للبنان. فحين احتلت إسرائيل لبنان رأت الجمهورية الإسلامية ضرورة دعم لبنان في مواجهته للاحتلال الاسرائيلي. فجاءت إيران إلى لبنان ووقفت إلى جانب المواجهة في عام 1982، وكانت هناك حركة أمل وسائر اللبنانيين بمن فيهم من المسيحيين، كانوا كلهم في خط مواجهة الاحتلال. ومن حينها مجموعة من حركة أمل بتعهدهم والتزامهم انشأوا حزب الله للمقاومة، والجمهورية الاسلامية وقفت إلى جانب كل خطوط المواجهة، ومع كل الجهات المقاومة، حتى الجماعات العلمانية في لبنان، من مسيحيين ومسلمين كلهم كانوا على علاقة مع الجمهورية الإسلامية. جماعات الأحزاب الاشتراكية والشيوعية وكذلك جماعات أخرى كلهم كانت لهم علاقات مع الجمهورية الإسلامية وما زالت. الجمهورية الإسلامية وقفت إلى جانب هذه القضية، هذه المجموعة وهؤلاء الشباب أرادوا أن يقاوموا، وشكلوا تنظيمهم، الجمهورية الإسلامية ساعدتهم في تنظيمهم. («الشرق الأوسط»: حول نشأة حزب الله قال السفير الإيراني الأسبق في سورية والأب الروحي لحزب الله علي أكبر محتشمي بور، والذي عمل سفيرا في دمشق بين 1982ـ1985 في مقابلة مع صحيفة «شرق الإيرانية» بتاريخ 3ـ8ـ2008 إن حزب الله «شارك جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية ـ العراقية.. وقال محتشمي ما نصّه: «جزء من خبرة حزب الله يعود إلى التجارب المكتسبة في القتال وجزء آخر من التدريب.. إن حزب الله اكتسب خبرة قتالية عالية خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية، بحيث كان رجال الحزب يقاتلون ضمن صفوف قواتنا أو بشكل مباشر». وقال في المقابلة أيضا: «بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، تراجع الإمام الخميني عن فكرة إيفاد قوات ضخمة إلى لبنان وسورية، بعبارة أخرى بعد أن حطت الطائرة الإيرانية الخامسة في دمشق التي نقلت وحدات من الحرس والبسيج ولواء ذو الفقار الخاص (الخالدون في عهد الشاه)، عارض الإمام الخميني إرسال مزيد من القوات، وكنت وقتذاك سفيرا في سورية، وأعيش قلقا حقيقيا حيال مصير لبنان وسورية، ولهذا ذهبت إلى طهران وقابلت الإمام الخميني، فيما كنت متأثرا ومتحمسا لفكرة إرسال القوات إلى سورية ولبنان، بدأت بالحديث عن مسؤولياتنا وما يدور في لبنان، إلا أن الإمام هدأني، وقال إن القوات التي قد ترسلها إلى سورية ولبنان لا بد أن يكون لها دعم لوجيستي كبير، والمشكلة أن طرق الإسناد والدعم تم عبر العراق وتركيا، والأول في حرب شرسة معنا، والثاني عضو في الناتو ومتحالف مع أميركا.... إن الطريق الوحيد هو تدريب الشبّان الشيعة هناك، وهكذا ولد حزب الله». ووفقا لمحتشمي، فإن أكثر من 100 ألف شاب تلقوا تدريبات قتالية منذ تأسيس حزب الله في لبنان، بحيث كانت كل دورة تدريب تشمل 300 مقاتل).
* حول قرار الخميني إرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني لدعم حزب الله في لبنان.. ماذا كانت مهمة هذه القوات بالضبط؟ وكم استمر بقاؤها في لبنان؟ ـ لا أتذكر بدقة الفترة التي بقتها قوات الحرس الثوري الإيراني في لبنان. لكن كما قلت إن الظروف كانت ظروف احتلال، وهذه المجموعات سافرت لدعم اللبنانيين في تلك الآونة بصورة خاصة، وبعدما انتهت، تقريبا بعد عام أو عامين وكانت المواجهة وصلت إلى نتائجها، بعد ذلك رجعوا وانتهى حضور الحرس في لبنان.
* وماذا كانت مهمة الحرس؟ هل كان يشارك في القتال مباشرة أم كان يقوم بتدريب القوات الخاصة بحزب الله؟ ـ كانوا يقومون بدعم حزب الله في موضوع التدريب وموضوع التعليمات الخاصة. ولا أتذكر أن أحدا منهم كان مشاركا في خط المقاومة.
* تحدثت حول دعم حزب الله وعن التنسيق مع حزب الله. فكيف كان يتم التنسيق مع حزب الله، هل كان مقاتلون وناشطون من حزب الله يأتون إلى دمشق أم كنت أنت تسافر إلى بيروت، ومع من كان يتم التنسيق داخل حزب الله؟ ـ كانت لنا لقاءات وكنا نطلع على ما عندهم. كانوا يخبروننا بما يقررون وبما يلتزمون وبما يعملون. كانوا يخبروننا ويقدمون بعض التقارير ونرسل التقارير للإخوة في الجمهورية الإسلامية، ولكن القرار كان بأيديهم. كما أن الفصائل الفلسطينية علاقاتهم معنا كانت على نفس النسق. كنا نلتقي المسؤولين الفلسطينين حين يأتون ويقدمون تقاريرهم ويطرحون قضايام. المسؤولون في الجمهورية الإسلامية كانوا يعطونهم نصحهم إذا كانت عندهم نصيحة خاصة. لكن في جميع هذه الأحوال القرار بأيديهم. كان عندهم مجلس شورى، والقرار كان بيد الشوري، بعد ذلك وصل الأمر إلى انتخاب الأمين العام. والأمين العام هو أيضا عضو في الشورى. القرارات التنفيذية أو القرارات الرئيسية كانت بيد الشوري والأمين العام. فكما هو معروف أهل البيت أدرى بالبيت. وما زال هذا هو الحال. كما تعرفون جميعا نحن اعلنا مرارا ان القضية اللبنانية لا تحل الا بالتوافق. ليس هناك حل للبنان من الخارج وبالفرض والالزام أو بالأوامر أو التعليمات من هنا وهناك. نحن في إيران لم نتعامل مع جميع الجهات المرتبطة بالجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأول إلى يومنا هذا بالأوامر. نحن مع اخواننا في افغانستان هكذا. مع العراقيين، بشرائحهم المختلفة، الشيعة والسنة والعرب والأكراد وغيرهم، كلهم كانت علاقاتهم معنا بهذه الطريقة. واللبنانيون والفلسطينيون نفس الشيء. نحن نجتمع، نتحدث، وهم يقدمون لنا تقارير، يخبروننا بما عندهم، ويستشيروننا في بعض الأمور. نحن نقدم نصحنا فيما نعرف من الأمور، لكن الخيار والقرار بإيديهم. يتفقون، يقررون ويعملون على حسب اختيارهم. حاليا وكما أكدت معالجة الوضع في لبنان لا نراها إلا بالتوافق اللبناني، مع القيادات السياسية والروحية. ومن مميزات لبنان ان القيادات السياسية لا تستطيع ان تفرض رأيها على جميع اللبنانيين. من الضروري ان تكون القيادات السياسية والروحية متفقة على هذا الموضوع.
وكل من كان يعرف لبنان في ذلك الوقت وأحداث لبنان يذكر أن العلاقات اللبنانية ـ السورية كانت علاقات ممتازة، فجميع الجماعات كانت في تواصل معنا في سورية. وبالطبع حينما كنت أذهب الى لبنان كنت التقي مع أطراف مختلفة، مع حزب الله وحركة أمل وجهات إسلامية وعلمانية أخرى، وعلاقتنا كانت تواصل على حسب المقتضيات، وخاصة في أيام الفتن والمشاكل كان هناك تواصل مستمر بغية الوصول إلى الحل وبعدما استقرت أمور لبنان، طبعا تغيرت الموازين.
* كيف تغيرت الموازين؟ ـ حدث هناك استقرار في لبنان وأنا مثلا كجميع السفراء المقيمين في سورية، حينما كنا نذهب إلى لبنان كنا نذهب بصورة رسمية ولقاءاتنا كانت لقاءات رسمية على حسب ما هو متعارف عليه في السلك الدبلوماسي.
* هل حدث أن اختلف الإيرانيون وقيادات حزب الله في وجهات النظر بخصوص أي قضية طوال فترة العلاقات بينكم من خلال تجربتك وسنوات عملك في دمشق؟ ـ هل تقصدون اللبنانيين والجمهورية الإسلامية؟
* لا.. الإيرانيون وحزب الله. فخيارات المقاومة في هذا الوقت كانت خيارات صعبة. كانت هناك قرارات استراتيجية لابد أن تتخذ. هل حدثت خلافات بينكم وبين حزب الله؟ ـ هذه القضية صعبة التفسير. فموضوع اختلاف الرأي دائم في الجمهورية الاسلامية بين شرائح الجمهورية ورجالاتها. كانت ولا زالت تحدث اختلافات في وجهات النظر. حتى أنا مع مساعدي. حتى الرئيس الذي يعمل مع وزرائه، يمكن أن يكون هناك الرأي والرأي الآخر. ولكن دائما في التنظيمات وكذلك في الحكومات القرار شوري. اذا الاكثرية وافقت على أمر، يعمل به. ليس من الصحيح ان تكون وجهات النظر متطابقة مئة بالمئة. لكن اختلاف الرأي والنظر ليس معناه الاختلاف وليس معناه تعارضا في الرأي. نحن كما قلنا، أمر لبنان للبنانيين، هم يقررون ويتفقون. يمكن مثلا ان نقول إن التعامل في هذه القضية لم يكن صحيحا، وإن التعامل بتلك الطريقة يكون أفضل. لكننا جميعا بدين واحد وبايمان واحد. نحن وحزب الله نعتبر ان اميركا عدوة للاسلام وللمسلمين، واسرائيل غدة سرطانية في المنطقة وان خط المواجهة ضروري والمقاومة هي الأساس، اما أشكالها وتطبيقها، فيمكن ان يكون لديهم في حزب الله تطبيق خاص وتعبيرات بشكل آخر. هذا يمكن ان يحدث. لكن في الاساسيات والجذور والأهداف ليس هناك خلاف.
منقول
كان أختري خلال سنوات عمله، ( عمل سفيرا لدى دمشق على فترتين: الأولى من عام 1986 إلى عام 1997 والثانية منذ عام 2005 حتى يناير 2008)، الدبلوماسي الأكثر نفوذا في سورية. لكنه لم يكن مجرد سفير عادي فهو الى جانب كونه «الاب الميداني» لحزب الله، مهندس «العلاقات الخاصة بين سورية وإيران، ومنسق العلاقات بين طهران من ناحية وبين الفصائل الفلسطينية في دمشق من ناحية اخري، ومؤسس جمعية الصداقة الفلسطينية ـ الإيرانية والتي انضم اليها مندوبون من كل الفصائل الفلسطينية في دمشق بهدف «التقريب بين الشعبين الفلسطيني والإيراني»، كما قيل قبل أشهر قليلة، ورئيس جمعية «آل البيت» العالمية التي ترفع شعار «نشر الوعى الديني الشيعي»، والحوزات العلمية في العالم والتوجيه والتقريب بين المذاهب. ومنذ عودته الى طهران في يناير (كانون الثاني) الماضي يعمل اختري مستشارا للمرشد الاعلى لإيران آية الله خامنئي، وهو المنصب الذي كان يتولاه قبل عودته لطهران بنحو عامين. خلال سنوات عمل اختري في سورية باتت السفارة الإيرانية في دمشق أهم سفارة إيرانية في الخارج على الاطلاق، وتحولت الى ما يشبه «مركزا اقليميا» للنشاطات الدبلوماسية الإيرانية. فأنشطة السفارة امتدت من دمشق، الى بيروت، مرورا بالأراضي الفلسطينية، وانفتحت على ملفات عدة على رأسها علاقات سورية ـ إيران، وملف حزب الله، والفصائل الفلسطينية، والحوزات العلمية في العالم.
وإذا كان أهم ما قام به أختري خلال سنوات عمله هو بناء حزب الله وتحويله من مجرد فكرة الى مؤسسة ذات كيان سياسي واقتصادي وعسكري واجتماعي مستقل بذاته على الساحة الاقليمية، اذ اشرف بنفسه على البناء الميداني لحزب الله، خصوصا البناء العسكري والذي تم على يد عناصر من الحرس الثوري الإيراني ارسلوا خصيصا الى لبنان بناء على تعليمات الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني، كما يقول أختري لـ«الشرق الأوسط»، فإن المهمة الأخرى لأختري والتي لا تقل أهمية هي «بناءه شبكة العلاقات الخاصة بين إيران وسورية»، فبدون هذه العلاقات الخاصة لم تكن طهران لتتحرك بالسلاسة نفسها وبشكل مباشر في لبنان أو مع الفصائل الفلسطينية. نجح اختري في «غزل» كل هذه الخيوط مع بعضها البعض، ايران بسورية بحزب الله بالفصائل الفلسطينية، حتى شكل ما أسماه البعض بـ«سجادة عجمي من العلاقات المركبة والمتداخلة».
وعندما يتحدث أختري حول سنوات عمله في دمشق وحول المهام التي قام بها خلال تلك السنوات، يتحدث بالصفتين، السفير ورجل الدين. فأختري لا يضع عمله في دمشق ولا المهام التي ألقيت على عاتقه منذ اليوم الأول، في اطار الانشطة السياسية المحضة، بل أيضا يضعها في اطار دوره كرجل دين، جاء من منصة امامة الصلاة في جامع سمنان بشمال إيران، الى العمل الدبلوماسي، بروح الدعوة الدينية. خطاب أختري الدبلوماسي تختلط فيه اللغة الفقهية والدينية مع اللغة السياسية، فهو، كما قال في حوار مطول مع «الشرق الأوسط» في طهران، هو الأول من نوعه لصحيفة عربية أو أجنبية، لم يدرس العلوم السياسية أو الدبلوماسية، بل درس الفقه في الحوزة العلمية بقم وعمل كرجل دين وامام جامع، ثم اختاره رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك علي خامنئي لمنصب سفير إيران في دمشق، وذلك في وقت حساس وعصيب كما يصفه أختري، إذ كانت إيران أيامها في سنوات «الحرب المفروضة من العراق»، كما يقول، وكانت سورية واحدة من ثلاث دول عربية وقفت إلى جانبها. تراجعت الاثنتان الاخريان لاحقا عن دعمهما وهما الجزائر وليبيا، وظلت سورية وحدها مع إيران. وكان على أختري أن يضمن أن هذا التحالف لن ينتهي كما انتهى التقارب مع الجزائر وليبيا. ولأن إيران لم يكن لها سفير في لبنان خلال ذلك الوقت بل قائم بالاعمال، كلف أختري بتولي مسؤولية الملف اللبناني، ولأن الفصائل الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي، كانت تتخذ من دمشق مقرا لها، بات أختري مسؤولا أيضا عن ملف علاقات طهران مع الفصائل الفلسطينية.
«الشرق الأوسط» تنشر سلسلة حلقات حول هذه السنوات الحاسمة والمصيرية في الثمانينات، والتي شكلت طبيعة التفاعلات في المنطقة منذ ذلك الحين الى الآن، وشهدت نشأة حزب الله، وبناء العلاقات الخاصة بين إيران وسورية، والعلاقات بين طهران والفصائل الفلسطينية. وتتضمن الحلقات شهادات، بعضها ينشر لاول مرة، من مسؤولين حاليين وسابقين كانوا في دوائر صنع القرار آنذاك في سورية ولبنان وإيران، كما تتضمن شهادات شهود عيان مباشرين خلال هذه السنوات الحساسة، من بينهم مسؤولون حاليون وسابقون سوريون واميركيون ومسؤولون بالفصائل الفلسطينية في دمشق. تبدأ الحلقات بالحوار مع الأب الميداني لحزب الله السفير الإيراني السابق لدى سورية محمد حسن اختري، الذي تحدث عن الملفات الثلاثة الأساسية التي سيطرت على سنوات عمله الـ14، وهي بناء حزب الله ودور الحرس الثوري الإيراني، وعن اشتعال الحرب بين الفصائل الفلسطينية وحركة أمل، ثم اشتعالها مجددا بين أمل وحزب الله. كما تحدث عن بناء علاقات طهران مع الفصائل الفلسطينية، وعن العلاقات بين سورية وإيران، وعن المجمع العالمي لآل البيت، الذي يتولى رئاسته منذ 4 سنوات والذي قال إنه يقوم بأنشطة تبليغ ديني، وعن الفلسفة التي حركته في كل هذه القضايا والمستمدة كما قال من تعاليم آية الله الخميني، موضحا أنه شخصيا كلف بنشاطات تبليغية ودينية في حمص بحلب ولبنان منذ عام 1968 وحتى عام 1972، أي ان علاقته مع البلدين، كما يوضح تعود إلى نحو 40 عاما. وهنا نص الحوار:
* عدت إلى إيران بداية هذا العام بعد 14 عاما من العمل سفيرا في سورية.. هل يمكن أن تحدثنا حول تجربة الـ14 عاما في بناء العلاقات السورية ـ الإيرانية من خلال عملكم؟ ـ أولا أنا شاكر لكم تشريفكم وهذا اللقاء، ونتمني أن نستطيع، ومن خلال المنصة التي لديكم، أن نتواصل في توطيد العلاقات الاخوية بين المسلمين، وبين الدول العربية والإسلامية بصورة دائمة خاصة. إنني أحمل رغبة شديدة وقوية بالنسبة لهذه العلاقات، ايمانا وقناعة مني بضرورة توحيد الصف وتجميع القوى وتوفير الطاقات لتجسيد وترسيم الوحدة الإسلامية في الأمة. وكذلك إيجاد الصف المقاوم ضد المؤامرات الشيطانية التي تحاك ضد الأمة الاسلامية والأمة العربية. ولعله انطلاقا من مثل هذا الايمان، والشعور بمثل هذه المسؤولية، وفقت خلال عملي كسفير في سورية في ترسيخ وتوطيد العلاقات القوية والمستحكمة والمتينة بين إيران وسورية. مهمتي في سورية شملت دورتين: الدورة الأولى استغرقت اثني عشر عاما وشهرا، والدورة الثانية كانت بعد مضي 7 سنوات من الأولى، إذ عدت مرة أخرى لسنتين وشهر كسفير في سورية.
أن تكون سفيرا في بلد واحد لفترة تطول بهذا المقدار من الزمن شيء غير متعارف عليه وأمر غير معتاد. ليس متعارفا عليه في سورية أو في الجمهورية الإيرانية أن تطول مدة عمل سفير إلى هذا المقدار. ولعل قليلين من السفراء في العالم يتجاوزون عشر سنوات. سمعنا عن بعض السفراء، لكن قليلا جدا يمكثون 14 عاما.
طول الفترة والبقاء والاستمرارية دليل على توفيق العمل، خاصة أن مهمتي في سورية كانت في فترة شديدة وعويصة سياسيا، اقليميا ودوليا. كما تعرفون كانت أولى مهامي في عام 1986 وكانت تلك أيام الحرب المفروضة من صدام على إيران، كما كانت بعد اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982 وكانت هناك قضايا لبنانية مهمة. ويمكن لنا أن نقول إن الظرف كان ظرفا خاصا وساخنا في لبنان. في مثل هذه الظروف كلفت بهذه المهمة، وسلم لي هذا الملف. كذلك أنا لم أكن أعمل كموظف في دائرة من الدوائر الحكومية قبل تولي المنصب. كلنا كنا جددا بعد انتصار الثورة الإسلامية، جميع المسؤولين كانوا جددا في تسلم مهمتهم وملف الادارة الحكومية بصورة عامة.
* أين كنتم قبل تسلم منصب السفير الإيراني في سورية؟ ـ أنا كنت إمام جمعة. جئت من منصة إمامة الجمعة إلى منصة المسؤولية السياسية والعلاقات الدبلوماسية. وهذه الخلفية أيضا مؤشر لانجازات العمل. اضافة إلى ذلك، أنا وصلت الى سورية عام 1986 وكان شهر رمضان. الخامس والسادس من شهر رمضان وصلت إلى دمشق وبدأت العمل. وكان هذا مباركا لي في بداية عملي، ولكن في نفس الشهر، لعله في التاسع عشر أو في العشرين من شهر رمضان من ذلك العام حدثت مشكلة الفلسطينيين وحركة أمل في لبنان. في ذاك الوقت لم يكن للجمهورية الاسلامية سفير في لبنان، كان هناك قائم بالأعمال، حينذاك كلفت بمهمة الملف اللبناني.
ولأهمية الملف من جهة، ولأن سورية لها وجود عسكري وأمني في لبنان من جهة ثانية، ولأن جميع الفصائل الفلسطينية والقيادات المركزية للفصائل الفلسطينية كلهم في الشام من جهة ثالثة، كلفت بهذه المهمة في الأيام الأولى من عملي كسفير. ودخلت في الموضوع بكل معنى الكلمة. وبدأنا محاولاتنا لاخماد النار ولايجاد الهدوء والعمل لإيجاد الصلح بين الجهتين لأن الجهتين مسلمتان، الفلسطينيون وحركة أمل.
كانت هناك محاولة، وهذه نقطة مهمة، في ذلك الوقت في لبنان لإحداث فتنة طائفية، مثل الحرب المفروضة على إيران من قبل صدام، وابراز القضية في لبنان كقضية شيعيةـ سنية. منذ ذلك الوقت كانت المؤامرة قائمة، كما نشاهدها اليوم. كانت هناك أياد مسمومة ولئيمة تحاول أن تصير فتن طائفية بين المسلمين. كما قلت ايمانا مني بالوحدة الاسلامية والتقريب بين رؤي المسلمين بصورة عامة أعطيت الموضوع كل اهتمامي، وجاهدت لكي لا تنعكس هذه القضية لا في لبنان ولا في غير لبنان، وأن لا تصور على أنها قضية شيعة وسنة. الفلسطينيون مشردون وجاؤوا إلى لبنان، هناك جماعة لبنانيين عندهم قضايا، وحدثت المشكلة. اندلعت شعلة هذا الاقتتال الداخلي، وكان يهمنا أن نحاول أن نمنع اتساع هذه القضية، وثانيا عدم ابرازها كقضية طائفية شيعية سنية وقد وفقنا في هذا الموضوع.
كانت هناك مجموعة من الاخوة، تجمع علماء المسلمين في لبنان في ذاك الوقت، كان لهم دور كبير في هذا الموضوع. كنا دائما نجتمع وكانوا هم يصدرون بيانات لتهدئة الأمور، ولتبيين أن هذه الخلافات حزبية وليس لها أساسا جذور في العقائد والمذهب. والحمد الله كنا موفقين في هذا الموضوع. يمكن أن نقول إن لبنان رفض أن تحسب هذه القضية كقضية طائفية، ونحن من الأول بدأنا من موضوع النشاط الميداني لإخماد الفتنة ومواجهتها، وفي نفس الوقت تأسيس كيان العلاقات بين إيران وسورية، وبين إيران وفلسطين، وبين إيران ولبنان، بأواصر المودة والاخوة والاعتماد والاطمئنان والثقة.
* لا بد أن نستوقفك في بعض التفاصيل.. ماذا كان بالضبط نوع الخلافات بين حركة أمل والفصائل الفلسطينية؟ وماذا كانت مقترحاتكم التي أدت الى حل الخلافات؟ ـ كما أشرت هذا الخلاف كان مؤامرة. الفلسطينيون كانوا مشردين وقد جاؤوا إلى لبنان كضيوف، خاصة لدى حركة امل. كما أن مؤسس حركة أمل الامام موسى الصدر كان من أول مستقبلي الفلسطينيين. لم يكونوا في لبنان رافضين للفلسطينيين، وكانوا يعرفون قضية فلسطين، وكذلك كانوا يعتبرون أن قضية فلسطين من قضيتهم. فمن جهة استضاف لبنان الفلسطينيين، وإكرام الضيف ضروري على حسب مبادئنا الدينية. ومن جهة أخرى الإمام موسى الصدر كان ممن استقبل فلسطينيين، وكان يؤكد على مواجهة اسرائيل ودعم الفلسطينيين وهو له تاريخ كبير في هذا الموضوع. من جهة ثالثة، الجهتان لهما علاقة بسورية. فسورية حاضنة للطرفين، حركة أمل والفلسطينيين، هذا دليل أن القضية لم تكن قضية لبناني شيعي وفلسطيني سني. لم يكن الأمر هكذا. من جهة رابعة، الجهتان كانتا ترتبطان مع إيران بعلاقة قوية وجديدة لأن الامام الخميني، وبعد اعلان الجمهورية الاسلامية وانتصار الثورة استقبل الشهيد ياسر عرفات. وحولت الجمهورية الإسلامية سفارة اسرائيل إلى سفارة فلسطين. كذلك حركة أمل كانت لها علاقات مع الجمهورية الاسلامية. كلهم كانت لهم علاقات مع الجمهورية الإسلامية. وبالتالي يمكن أن نقول إن المشكلة وقعت في بيت واحد وفي ميدان واحد، وليس في بيتين ولا ميدانين، وسببها اسرائيل ولدينا شواهد على هذا الموضوع.
كنا نجتمع في دمشق لمتابعة الأمور في ذاك الوقت، معاون وزير الخارجية الإيراني الشيخ شيخ الاسلام، والذي تم تعيينه سفيرا بعدي في سورية، فهو ايضا كلف بالمجيء الى سورية وبقي فيها. وعبد السلام جلود (كان الرجل الثاني في النظام الليبي وابتعد عن العمل الرسمي بعد قضية لوكربي ثم اختفى عن الانشطة الرسمية في مايو 1993) الذي جاء في ذلك الوقت من ليبيا إلى سورية، بالاضافة إلى مسؤولين سوريين. كنا نعقد اجتماعات ثلاثية دائما بحضور ممثلين من قيادات حركة أمل والفصائل الفلسطينية. كنا مثلا نجتمع في الليل ونتفق ونصدر بيانا صباحا، لكن وقبل أن يعمم البيان أو القرار على جميع الاخوة في لبنان، كنا نسمع حدوث خروقات من نقطة في الجنوب أو في الشمال أو بيروت. وكنا نحاول أن نعرف ما هو السبب، فيتبين لنا أن هناك اشخاصا مدسوسين، وأن شخصا أطلق النار أو فعل شيئا لتخريب القضية. والمستفيد الوحيد كانت إسرائيل ومن يدعمها في هذه القضية. بعد المصالحة نحن نعرف أن الفلسطينيين بقوا في مكانهم، واخواننا في حركة أمل وباقي اللبنانيين ومن في مكانهم استمروا. هذه المشكلة كانت مشكلة لئيمة وبأيد مرتزقة من الخارج والمستفيد كان إسرائيل، وهي من كان وراء هذه القضايا. (»الشرق الأوسط»: موسى الصدر مؤسس حركة أمل اللبنانية إيراني المولد فقد ولد في مدينة قم بإيران في 15 أبريل عام 1928. ودرس العلوم الدينية بعد نيله شهادتين في علم الشريعة الاسلامية والعلوم السياسية في جامعة طهران عام 1956. ومن قم توجه الصدر إلى النجف لاكمال دراسته تحت اشراف آية الله محسن الحكيم الطباطبائي وآية الله أبو القاسم الخوئي. وفي عام 1960 توجه للاقامة في مدينة صور اللبنانية التي كان ايرانيون كثيرون توجهوا اليها بسبب المشاكل السياسية في إيران. في لبنان أسس الصدر أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة باسم حركة أمل في عام 1974، كما أنشأ المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في عام 1969 وكانت هذه هي أول مرة يتم فيها رسميا فصل طائفي للمسلمين بين الشيعة والسنة. وقد صادف بداية ترؤسه للمجلس بداية التدخلات الإسرائيلية في جنوب لبنان. حصل الصدر على الجنسية اللبنانية لاحقا لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون أنه ولد في إيران وليس في لبنان. اختفى موسى الصدر خلال زيارة لليبيا في 25 اغسطس 1978 في ظل تكتم ليبي على ملابسات الاختفاء. وحتى اليوم لا يعرف مصيره).
* تدخلت ثانية لاحتواء صراع آخر بين حزب الله من ناحية وحركة أمل من ناحية أخرى.. فهل يمكن أن تروي لنا تجربتك مع هذه القضية؟ ـ أولا يجب أن أقول إن قضية حركة أمل والفلسطينيين ظلت عاما كاملا حتى توصلنا لمصالحة بين جميع الأطراف. بعد ذلك حدثت مشكلة جديدة بين أمل وحزب الله. أمل وحزب الله كانوا مجموعة واحدة. يمكن أن نقول إنهم كلهم كانوا من أبناء الإمام موسى الصدر. فبعد انتصار الثورة الاسلامية الجميع تعاهدوا مع الجمهورية الاسلامية، وزاروا الامام الخميني آنذاك، وبدأوا علاقاتهم، مثل العلاقات بين جميع المسلمين.
حدثت المشكلة بين أمل وحزب الله بعد أن كانوا مجموعة واحدة. هم افترقوا، بعضهم بقى في أمل والآخرون شكلوا حزب الله. لكنهم بدأوا كجبهة موحدة في مواجهة اسرائيل حتى اخراج إسرائيل من لبنان، أو يمكن أن نقول من بيروت إلى الشريط الأمني الذي كان معروفا في ذلك الوقت. خلال عدة أشهر استطاع المقاومون اللبنانيون، خاصة أبناء الجنوب، وهم من حركة أمل وحزب الله محاربة اسرائيل. المواجهات بين أمل وحزب الله كانت سيئة جدا وكانت سلبياتها كثيرة، وكنا جميعا منزعجين جدا منها. ولذلك كنا نحاول بكل جهدنا أن ننهي هذه المشكلة.
* ما هو سببها بالضبط؟ هل كان آيديولوجيا أم سياسيا؟ ـ لا أعتقد ان السبب ايديولوجي، فجميعهم آيديولوجيتهم واحدة، بل هم أبناء طائفة واحدة. كما لم تكن هناك أسباب سياسية. فالطرفان كانت علاقاتهما مع إيران وسورية جيدة. كذلك في لبنان لم يكن عندهم مطامع خاصة لنقول إن هناك خلافات سياسية. فلم يكن لديهم أهداف متميزة عن بعضهم البعض، أو متعارضة مع بعضها البعض.
* لكن هل صحيح أن حركة امل كانت توجهاتها العلمانية أكبر.. فيما كان حزب الله دينيا أكثر ومن هنا نشبت الخلافات؟ ـ التدين، كما هو معروف، هو عمل الانسان. الالتزام العملي والسلوك. ربما يمكن أن نقول إن الاخوة من حزب الله كانوا مثلا أنشط وملتزمين أكثر. بينما في حركة أمل، يمكن أن نقول إن هناك شرائح مختلقة، فيهم من كان يقوم بواجباته الدينية تماما مثل الاخوة في حزب الله، لكن، هناك قسم شباب. هناك شاب يمكن ان يكون متدينا، وشاب آخر يمكن أن يكون أقل تدينا. هذا شيء عادي بين الشباب كما نعرف جميعا. لكن أساس الخلاف لم يكن دينيا ولا مذهبيا ولا عقائديا، حتى ولا سياسيا ولا ايديولوجيا لان كلاهما كان يعتقد بضرورة مواجهة اسرائيل. كلهم كانوا يعتقدون بالمقاومة. كلهم كانوا يعتقدون بالمواجهة. وكما قلت من بيت واحد. كما نعرف جميعا، أحيانا تحدث مشكلة داخلية من دون سبب أو لسبب ما، بعد انتهاء المشكلة لا يفهم الانسان ماهية هذا السبب الذي أوصل اخوين في عشيرة واحدة أو في طائفة واحدة للمواجهة. هذه المشكلة أخذت منا وقتا طويلا، وكنت مكلفا بمهمة المصالحة من قبل سماحة الامام خامنئي الذي كان رئيس الجمهورية الإيرانية ساعتها. كنت أنا ممثل الجمهورية الايرانية والمرحوم غازي كنعان (رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان في الفترة من 1982 حتى 2001. وعين وزيرا للداخلية من أكتوبر عام 2003 حتى انتحاره عام 2005) ممثل الرئيس المرحوم حافظ الأسد، بالاضافة إلى ممثلين من حزب الله وحركة أمل. عقدنا اجتماعات طويلة استغرقت شهورا حتى وصلنا الى المصالحة.
* ماذا كانت شروط المصالحة بين حزب الله وحركة أمل؟ ـ كانت الشروط هى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقا، والافراج عن المعتقلين من الطرفين، والالتزام بعدم اطلاق النار. هذه كانت النقاط الاساسية، والطرفان التزما بها. والجهات السياسية والدينية في لبنان كلها ساعدت على هذا الأمر ونجحنا والحمد لله. استمرت وتواصلت خطوة المصالحة بين أمل وحزب الله إلى أن وصلت الامور إلى ما كانت عليه سابقا. الطرفان يقيمان شعائرهما الدينية معا. كانا يجتمعان في الاحتفالات معا. يمكن ان نقول إنه يوما بعد يوم اقترب الطرفان حتى أصبحا شريحة واحدة مثل ما نشاهده اليوم في لبنان. هذه كانت قاعدة لحدوث مثل هذه الوحدة، وهذا الانسجام والتزامل الموجود اليوم بينهم في لبنان. السيد حسن نصر الله يقود القيادة الروحية والدينية، والسيد نبيه بري يقود الحركة السياسية في لبنان. وكانوا موفقين والحمد لله ونحن نعتبر أن المصالحة كانت موفقة. كما نعتبر أنها أساس إيجاد الثقة بين إيران وسورية أكثر مما كان عليه الأمر سابقا. سورية وقفت إلى جانب إيران منذ اليوم الأول وكان الرئيس المرحوم حافظ الأسد يثق بالامام الخميني، وكان يحترم الامام الخميني. وكان ممن يعتقد أن معارضة الجمهورية الاسلامية بأي عنوان أو تحت أي فصل من الفصول يعتبر خيانة للقضية العربية والاسلامية والفلسطينية. وهذه فيها شواهد كثيرة. إذا عدنا إلى خطابات الرئيس حافظ الأسد في مجالس الدول العربية والدول الاسلامية فكلها تشير إلى هذا، لأن وقوف المرحوم حافظ الأسد ضد صدام لم يكن بداع خاص، إذ أنه كان يعتبر أن الجمهورية الإسلامية أو الإمام الخميني أخرجا ايران من تحالف الغرب والتحالف مع أميركا واسرائيل، وأدخلاها إلى تحالف العرب والمسلمين.
كذلك الامام الخميني والجمهورية الاسلامية اعتبرا القضية الفلسطينية قضيتهم، ونادى بيوم القدس العالمي في شهر رمضان دعما للقضية الفلسطينية. وكما نعرف ان حركة حماس وكذلك حركة الجهاد شكلتا بعد انتصار الثورة الاسلامية ومن وحي الامام الخميني، ومن وحي المقاومة التي أسسها الامام الخميني. كذلك تجسدت في لبنان هذه المقاومة وبعد ذلك حصلت في فلسطين. لذلك فأبناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية ابناء شرعيون للجمهورية الاسلامية روحيا ومعنويا.
* السيد عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري ذكر أن إيران عملت على تقوية حزب الله على حساب حركة أمل بعد انتهاء المواجهات بينهما.. هل هذا صحيح؟
ـ لا هذا الكلام غير صحيح.. إيران عندما كانت علاقتها مع حزب الله، في نفس الوقت كانت علاقتها مع حركة أمل. كان هناك أشخاص أو بعض جهات كانوا يحاولون أن يصوروا للآخرين ان إيران تفضل أو تدعم حزب الله على حساب حركة أمل. ولكن في الحقيقة كانت علاقة إيران مع الجهتين، وكان رئيس حركة أمل وعناصر حركة أمل في نفس الوقت في علاقة جيدة مع إيران، وكانوا يزورون إيران وكان المسؤولون الإيرانيون حين يأتون يلتقون مع الرئيس ومع مساعديه في حركة أمل. وعندما اندلعت الفتنة والمشكلة بينهم، كانت إيران تحاول حلها، كانت هناك أياد تخرب هذه الحلول وهذه المحاولات، فأخذت وقتا حتى تصل القضية إلى الحل والعلاج. وما ذكرتم أن خدام قال هذا، فهذه تصوراته الشخصية، ليس لها حقيقة. إيران ساعدت في ايجاد علاقات وثيقة ومتينة بين إيران وسورية. وحدثت هناك ثقة كاملة واعتماد عظيم بين البلدين. كانت هناك مجموعات ومحللون يفكرون أن علاقات سورية وإيران تنحصر في سنوات الحرب المفروضة من العراق. لكن نحن شاهدنا أن العلاقات توسعت وتعمقت اكثر فأكثر. ولا زال هذا هو الحال والحمد الله.
* كان لك دور كبير في بناء حزب الله في لبنان.. فما هي أهم الصعوبات التي واجهتك في بناء حزب الله؟ وكم عام أخذ التأسيس؟ وكيف تم التخطيط له وكيف تمت مساعدتهم؟ ـ كان لي دور في دعم المقاومة وتوسيعها وتعميقها بصفتي ممثلا للجمهورية الإسلامية. لكن من الضروري أن نؤكد على أن المقاومة اندلعت من لبنان بروح لبنانية وبإيمان لبناني وشباب لبناني، هم الذين شعروا بضرورة ايجاد المقاومة، وتأسيس وتنظيم هذه القاعدة. كما قلت إن الإمام موسى الصدر كان هو مؤسس حركة أمل للمستضعفين. لكن وباجتياح إسرائيل للبنان، شعر اللبنانيون بضرورة المقاومة. في نفس الوقت الإمام الخميني، مع أننا كنا في حرب مفروضة، وافق وأرسل وفودا من الحرس الثوري لدعم المقاومة. وقفنا إلى جانبهم داعمين ومساعدين ومشجعين للمقاومة، لكن الأساس كان هم. الأرضية أرضية لبنانية، الكفاءات كفاءات لبنانية والإيمان إيمان لبنانيين، هم الذين أرادوا أن يؤسسوا مقاومة عميقة وواسعة ومتجذرة واستطاعوا. نحن كنا إلى جانبهم، ساعدناهم ودعمناهم في هذا الموضوع. والحمد لله بمتابعة الأمور، وبدعمهم ماديا ومعنويا وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
* هل يمكن الرجوع للأيام الاولى لانشاء حزب الله، أنت وصفت مرارا بأنك «الأب الميداني» لحزب الله، فيما علي محتشمي «الأب الروحي» للحزب. فكيف كانت علاقتك مع محتشمي، وكيف جاءت فكرة دعم حزب الله لدى إيران؟ ـ طبعا في البداية كان السيد علي محتشمي هو المسؤول، وبعد ذلك حينما أصبحت سفيرا كنت أقوم بنفس هذا الموقف الداعم لخط المواجهة. وعلاقتي مع السيد محتشمي علاقة جيدة. لي صداقة معه منذ أكثر من أربعين عاما قبل انتصار الثورة الإسلامية، وعلاقتنا ما زالت قائمة. وسبب نشأة حزب الله وكذلك دخول إيران إلى ميدان لبنان كان احتلال إسرائيل للبنان. فحين احتلت إسرائيل لبنان رأت الجمهورية الإسلامية ضرورة دعم لبنان في مواجهته للاحتلال الاسرائيلي. فجاءت إيران إلى لبنان ووقفت إلى جانب المواجهة في عام 1982، وكانت هناك حركة أمل وسائر اللبنانيين بمن فيهم من المسيحيين، كانوا كلهم في خط مواجهة الاحتلال. ومن حينها مجموعة من حركة أمل بتعهدهم والتزامهم انشأوا حزب الله للمقاومة، والجمهورية الاسلامية وقفت إلى جانب كل خطوط المواجهة، ومع كل الجهات المقاومة، حتى الجماعات العلمانية في لبنان، من مسيحيين ومسلمين كلهم كانوا على علاقة مع الجمهورية الإسلامية. جماعات الأحزاب الاشتراكية والشيوعية وكذلك جماعات أخرى كلهم كانت لهم علاقات مع الجمهورية الإسلامية وما زالت. الجمهورية الإسلامية وقفت إلى جانب هذه القضية، هذه المجموعة وهؤلاء الشباب أرادوا أن يقاوموا، وشكلوا تنظيمهم، الجمهورية الإسلامية ساعدتهم في تنظيمهم. («الشرق الأوسط»: حول نشأة حزب الله قال السفير الإيراني الأسبق في سورية والأب الروحي لحزب الله علي أكبر محتشمي بور، والذي عمل سفيرا في دمشق بين 1982ـ1985 في مقابلة مع صحيفة «شرق الإيرانية» بتاريخ 3ـ8ـ2008 إن حزب الله «شارك جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية ـ العراقية.. وقال محتشمي ما نصّه: «جزء من خبرة حزب الله يعود إلى التجارب المكتسبة في القتال وجزء آخر من التدريب.. إن حزب الله اكتسب خبرة قتالية عالية خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية، بحيث كان رجال الحزب يقاتلون ضمن صفوف قواتنا أو بشكل مباشر». وقال في المقابلة أيضا: «بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، تراجع الإمام الخميني عن فكرة إيفاد قوات ضخمة إلى لبنان وسورية، بعبارة أخرى بعد أن حطت الطائرة الإيرانية الخامسة في دمشق التي نقلت وحدات من الحرس والبسيج ولواء ذو الفقار الخاص (الخالدون في عهد الشاه)، عارض الإمام الخميني إرسال مزيد من القوات، وكنت وقتذاك سفيرا في سورية، وأعيش قلقا حقيقيا حيال مصير لبنان وسورية، ولهذا ذهبت إلى طهران وقابلت الإمام الخميني، فيما كنت متأثرا ومتحمسا لفكرة إرسال القوات إلى سورية ولبنان، بدأت بالحديث عن مسؤولياتنا وما يدور في لبنان، إلا أن الإمام هدأني، وقال إن القوات التي قد ترسلها إلى سورية ولبنان لا بد أن يكون لها دعم لوجيستي كبير، والمشكلة أن طرق الإسناد والدعم تم عبر العراق وتركيا، والأول في حرب شرسة معنا، والثاني عضو في الناتو ومتحالف مع أميركا.... إن الطريق الوحيد هو تدريب الشبّان الشيعة هناك، وهكذا ولد حزب الله». ووفقا لمحتشمي، فإن أكثر من 100 ألف شاب تلقوا تدريبات قتالية منذ تأسيس حزب الله في لبنان، بحيث كانت كل دورة تدريب تشمل 300 مقاتل).
* حول قرار الخميني إرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني لدعم حزب الله في لبنان.. ماذا كانت مهمة هذه القوات بالضبط؟ وكم استمر بقاؤها في لبنان؟ ـ لا أتذكر بدقة الفترة التي بقتها قوات الحرس الثوري الإيراني في لبنان. لكن كما قلت إن الظروف كانت ظروف احتلال، وهذه المجموعات سافرت لدعم اللبنانيين في تلك الآونة بصورة خاصة، وبعدما انتهت، تقريبا بعد عام أو عامين وكانت المواجهة وصلت إلى نتائجها، بعد ذلك رجعوا وانتهى حضور الحرس في لبنان.
* وماذا كانت مهمة الحرس؟ هل كان يشارك في القتال مباشرة أم كان يقوم بتدريب القوات الخاصة بحزب الله؟ ـ كانوا يقومون بدعم حزب الله في موضوع التدريب وموضوع التعليمات الخاصة. ولا أتذكر أن أحدا منهم كان مشاركا في خط المقاومة.
* تحدثت حول دعم حزب الله وعن التنسيق مع حزب الله. فكيف كان يتم التنسيق مع حزب الله، هل كان مقاتلون وناشطون من حزب الله يأتون إلى دمشق أم كنت أنت تسافر إلى بيروت، ومع من كان يتم التنسيق داخل حزب الله؟ ـ كانت لنا لقاءات وكنا نطلع على ما عندهم. كانوا يخبروننا بما يقررون وبما يلتزمون وبما يعملون. كانوا يخبروننا ويقدمون بعض التقارير ونرسل التقارير للإخوة في الجمهورية الإسلامية، ولكن القرار كان بأيديهم. كما أن الفصائل الفلسطينية علاقاتهم معنا كانت على نفس النسق. كنا نلتقي المسؤولين الفلسطينين حين يأتون ويقدمون تقاريرهم ويطرحون قضايام. المسؤولون في الجمهورية الإسلامية كانوا يعطونهم نصحهم إذا كانت عندهم نصيحة خاصة. لكن في جميع هذه الأحوال القرار بأيديهم. كان عندهم مجلس شورى، والقرار كان بيد الشوري، بعد ذلك وصل الأمر إلى انتخاب الأمين العام. والأمين العام هو أيضا عضو في الشورى. القرارات التنفيذية أو القرارات الرئيسية كانت بيد الشوري والأمين العام. فكما هو معروف أهل البيت أدرى بالبيت. وما زال هذا هو الحال. كما تعرفون جميعا نحن اعلنا مرارا ان القضية اللبنانية لا تحل الا بالتوافق. ليس هناك حل للبنان من الخارج وبالفرض والالزام أو بالأوامر أو التعليمات من هنا وهناك. نحن في إيران لم نتعامل مع جميع الجهات المرتبطة بالجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأول إلى يومنا هذا بالأوامر. نحن مع اخواننا في افغانستان هكذا. مع العراقيين، بشرائحهم المختلفة، الشيعة والسنة والعرب والأكراد وغيرهم، كلهم كانت علاقاتهم معنا بهذه الطريقة. واللبنانيون والفلسطينيون نفس الشيء. نحن نجتمع، نتحدث، وهم يقدمون لنا تقارير، يخبروننا بما عندهم، ويستشيروننا في بعض الأمور. نحن نقدم نصحنا فيما نعرف من الأمور، لكن الخيار والقرار بإيديهم. يتفقون، يقررون ويعملون على حسب اختيارهم. حاليا وكما أكدت معالجة الوضع في لبنان لا نراها إلا بالتوافق اللبناني، مع القيادات السياسية والروحية. ومن مميزات لبنان ان القيادات السياسية لا تستطيع ان تفرض رأيها على جميع اللبنانيين. من الضروري ان تكون القيادات السياسية والروحية متفقة على هذا الموضوع.
وكل من كان يعرف لبنان في ذلك الوقت وأحداث لبنان يذكر أن العلاقات اللبنانية ـ السورية كانت علاقات ممتازة، فجميع الجماعات كانت في تواصل معنا في سورية. وبالطبع حينما كنت أذهب الى لبنان كنت التقي مع أطراف مختلفة، مع حزب الله وحركة أمل وجهات إسلامية وعلمانية أخرى، وعلاقتنا كانت تواصل على حسب المقتضيات، وخاصة في أيام الفتن والمشاكل كان هناك تواصل مستمر بغية الوصول إلى الحل وبعدما استقرت أمور لبنان، طبعا تغيرت الموازين.
* كيف تغيرت الموازين؟ ـ حدث هناك استقرار في لبنان وأنا مثلا كجميع السفراء المقيمين في سورية، حينما كنا نذهب إلى لبنان كنا نذهب بصورة رسمية ولقاءاتنا كانت لقاءات رسمية على حسب ما هو متعارف عليه في السلك الدبلوماسي.
* هل حدث أن اختلف الإيرانيون وقيادات حزب الله في وجهات النظر بخصوص أي قضية طوال فترة العلاقات بينكم من خلال تجربتك وسنوات عملك في دمشق؟ ـ هل تقصدون اللبنانيين والجمهورية الإسلامية؟
* لا.. الإيرانيون وحزب الله. فخيارات المقاومة في هذا الوقت كانت خيارات صعبة. كانت هناك قرارات استراتيجية لابد أن تتخذ. هل حدثت خلافات بينكم وبين حزب الله؟ ـ هذه القضية صعبة التفسير. فموضوع اختلاف الرأي دائم في الجمهورية الاسلامية بين شرائح الجمهورية ورجالاتها. كانت ولا زالت تحدث اختلافات في وجهات النظر. حتى أنا مع مساعدي. حتى الرئيس الذي يعمل مع وزرائه، يمكن أن يكون هناك الرأي والرأي الآخر. ولكن دائما في التنظيمات وكذلك في الحكومات القرار شوري. اذا الاكثرية وافقت على أمر، يعمل به. ليس من الصحيح ان تكون وجهات النظر متطابقة مئة بالمئة. لكن اختلاف الرأي والنظر ليس معناه الاختلاف وليس معناه تعارضا في الرأي. نحن كما قلنا، أمر لبنان للبنانيين، هم يقررون ويتفقون. يمكن مثلا ان نقول إن التعامل في هذه القضية لم يكن صحيحا، وإن التعامل بتلك الطريقة يكون أفضل. لكننا جميعا بدين واحد وبايمان واحد. نحن وحزب الله نعتبر ان اميركا عدوة للاسلام وللمسلمين، واسرائيل غدة سرطانية في المنطقة وان خط المواجهة ضروري والمقاومة هي الأساس، اما أشكالها وتطبيقها، فيمكن ان يكون لديهم في حزب الله تطبيق خاص وتعبيرات بشكل آخر. هذا يمكن ان يحدث. لكن في الاساسيات والجذور والأهداف ليس هناك خلاف.
منقول