أقطاي الأردن ...
مرسل: الاثنين مارس 21, 2011 9:31 pm
د. محمد أبو رمان
لفتت انتباه بعض المشاهدين لاعتصامات ميدان التحرير (بعد الثورة) لافتة رفعها أحد المشاركين مكتوب عليها "أقطاي لسه مامتش!". وهي عبارة تم اقتباسها من الفيلم الشهير "وا إسلاماه"، وتحديداً من مشهد يبحث فيه شيخ ضرير عن جاسوس المغول "أقطاي" ليتأكد من مقتله (وفق سيناريو الفيلم، بعيداً عن مناقشة الرواية التاريخية)، بالرغم من تأكيد الجميع له بأنّه قُتل، ليكتشف الضرير بإحساسه العميق وبصيرته الحيّة مكان أقطاي المختبئ بين الجثث، ويجهز عليه.
"الدلالة الرمزية" التي أراد إرسالها حامل اللافتة أنّ الثورة وإن أجهزت على "رأس النظام" السابق، إلاّ أنّها لم تجهز على أجزاء حيوية منه، فبقيت مستمرة تعمل لإجهاض الثورة أو الالتفاف عليها.
تذكّرت هذه اللافتة وأنا أشاهد مقطعاً مرعباً أرسله إليّ أحد قراء "الغد"، أبو قصي المغترب، لمجموعة من الطلبة في جامعة اليرموك يهتفون بلغة عنصرية، ويبشّرون بـ"حرب أهلية".
تفاجأت (لاحقاً) أنّ الفيديو متداول بصورة واسعة لدى مغتربين، ودبلوماسيين أجانب في البلاد، وهو أمر مؤسف تماماً أن تبدو صورة جامعاتنا وسمعتنا بهذا الواقع المؤسف. وأقول واقع لأنّها الحقيقة، وربما السؤال البدهي، الذي يصدم كلا منّا: إذن؛ ماذا يدرس هؤلاء بالجامعات؟ ومن يعزّز لديهم هذه الروح العدمية البائسة، فيخلق جيلاً من الشباب المحطّم المهزوم بدلاً من أجيال تتنافس في ميدان المعرفة والعلم والثقافة والقدرات الذاتية؟!
هل هي ظاهرة استثنائية؟ الجواب يمكن لأيّ منا الحصول عليه إذا فقط وضع كلمة جامعات أردنية على "اليوتيوب"؟ لن يجد مختبرات ولا أبحاثا ولا ندوات، بل مشاجرات وهتافات وتكسير ممتلكات الجامعة.
مثل هذه الهتافات ليست بظاهرة جديدة، ولا محدودة، بل انتشرت على نطاق واسع في ملاعب كرة القدم، وبعض الأوساط الشعبية والسياسية، بل حتى في الجامعات بصورة أكثر تحجيماً من خلال نمو الهويات الفرعية، والعنف الجامعي والاجتماعي، وأخيراً البلطجة والتهديدات، ما يلغي تماماً معنى الدولة وسيادة القانون وقيمة المواطنة.
هذه الحيثيات بمثابة شروط ضاغطة على الحوار الوطني، فنحن أمام كوارث سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، أمام نتائج وحصاد تخريب وتخبط وتلاعب غير مسؤول، امتد لسنوات طويلة، أمام حالة يرثى لها في الجامعات والمدارس والإدارة العامة وفشل إدارة الحياة السياسية، وتغول للدور الأمني على حساب الهاجس الإصلاحي والسياسي.
ما هو أخطر من ذلك أنّ مثل هذه الروح المقلقة تلتقي مع ظروف من الاحتقان الاجتماعي والعوز الاقتصادي وضغوط الحياة اليومية، والفجوة الطبقية والتنموية والخدماتية، والأزمات الناجمة عن البرنامج الاقتصادي والشعور العارم المهيمن على الرأي العام بانتشار الفساد وتجذره، وهو شعور ليس انطباعياً، كما يلمّح المسؤولون اليوم، بل واقع ملموس.
الهدف، إذن، أن نصل من خلال حوارات وطنية وتفاهمات مجتمعية إلى ترسيم الوصفة المطلوبة للمرحلة المقبلة والخروج من هذا الواقع المرعب، من خلال الوصول إلى عقد اجتماعي جديد ينهي المنطقة الرمادية في علاقة الأردنيين بعضهم ببعض، ومن ثم عقد اجتماعي في علاقتهم بالدولة وصانع القرار، لترسيخ قيمة المواطنة كأساس وحيد للعلاقة بين الدولة والناس.
"أقطاي لسه ما مات".. والإصلاح السياسي أوسع من قانوني انتخاب وأحزاب. فالحوارات الوطنية العقلانية الهادئة يجب أن تسبق وأن تتجاوز الأزمات، كما حدث في مصر عندما ألغت الثورة تلك الخلافات الجانبية والثانوية مقابل المصالح الوطنية الجامعة، حتى لا نكون جميعاً، غداً، تحت رحمة الأزمات وما تنتجه من سيناريوهات غير معروفة النتائج!
لفتت انتباه بعض المشاهدين لاعتصامات ميدان التحرير (بعد الثورة) لافتة رفعها أحد المشاركين مكتوب عليها "أقطاي لسه مامتش!". وهي عبارة تم اقتباسها من الفيلم الشهير "وا إسلاماه"، وتحديداً من مشهد يبحث فيه شيخ ضرير عن جاسوس المغول "أقطاي" ليتأكد من مقتله (وفق سيناريو الفيلم، بعيداً عن مناقشة الرواية التاريخية)، بالرغم من تأكيد الجميع له بأنّه قُتل، ليكتشف الضرير بإحساسه العميق وبصيرته الحيّة مكان أقطاي المختبئ بين الجثث، ويجهز عليه.
"الدلالة الرمزية" التي أراد إرسالها حامل اللافتة أنّ الثورة وإن أجهزت على "رأس النظام" السابق، إلاّ أنّها لم تجهز على أجزاء حيوية منه، فبقيت مستمرة تعمل لإجهاض الثورة أو الالتفاف عليها.
تذكّرت هذه اللافتة وأنا أشاهد مقطعاً مرعباً أرسله إليّ أحد قراء "الغد"، أبو قصي المغترب، لمجموعة من الطلبة في جامعة اليرموك يهتفون بلغة عنصرية، ويبشّرون بـ"حرب أهلية".
تفاجأت (لاحقاً) أنّ الفيديو متداول بصورة واسعة لدى مغتربين، ودبلوماسيين أجانب في البلاد، وهو أمر مؤسف تماماً أن تبدو صورة جامعاتنا وسمعتنا بهذا الواقع المؤسف. وأقول واقع لأنّها الحقيقة، وربما السؤال البدهي، الذي يصدم كلا منّا: إذن؛ ماذا يدرس هؤلاء بالجامعات؟ ومن يعزّز لديهم هذه الروح العدمية البائسة، فيخلق جيلاً من الشباب المحطّم المهزوم بدلاً من أجيال تتنافس في ميدان المعرفة والعلم والثقافة والقدرات الذاتية؟!
هل هي ظاهرة استثنائية؟ الجواب يمكن لأيّ منا الحصول عليه إذا فقط وضع كلمة جامعات أردنية على "اليوتيوب"؟ لن يجد مختبرات ولا أبحاثا ولا ندوات، بل مشاجرات وهتافات وتكسير ممتلكات الجامعة.
مثل هذه الهتافات ليست بظاهرة جديدة، ولا محدودة، بل انتشرت على نطاق واسع في ملاعب كرة القدم، وبعض الأوساط الشعبية والسياسية، بل حتى في الجامعات بصورة أكثر تحجيماً من خلال نمو الهويات الفرعية، والعنف الجامعي والاجتماعي، وأخيراً البلطجة والتهديدات، ما يلغي تماماً معنى الدولة وسيادة القانون وقيمة المواطنة.
هذه الحيثيات بمثابة شروط ضاغطة على الحوار الوطني، فنحن أمام كوارث سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، أمام نتائج وحصاد تخريب وتخبط وتلاعب غير مسؤول، امتد لسنوات طويلة، أمام حالة يرثى لها في الجامعات والمدارس والإدارة العامة وفشل إدارة الحياة السياسية، وتغول للدور الأمني على حساب الهاجس الإصلاحي والسياسي.
ما هو أخطر من ذلك أنّ مثل هذه الروح المقلقة تلتقي مع ظروف من الاحتقان الاجتماعي والعوز الاقتصادي وضغوط الحياة اليومية، والفجوة الطبقية والتنموية والخدماتية، والأزمات الناجمة عن البرنامج الاقتصادي والشعور العارم المهيمن على الرأي العام بانتشار الفساد وتجذره، وهو شعور ليس انطباعياً، كما يلمّح المسؤولون اليوم، بل واقع ملموس.
الهدف، إذن، أن نصل من خلال حوارات وطنية وتفاهمات مجتمعية إلى ترسيم الوصفة المطلوبة للمرحلة المقبلة والخروج من هذا الواقع المرعب، من خلال الوصول إلى عقد اجتماعي جديد ينهي المنطقة الرمادية في علاقة الأردنيين بعضهم ببعض، ومن ثم عقد اجتماعي في علاقتهم بالدولة وصانع القرار، لترسيخ قيمة المواطنة كأساس وحيد للعلاقة بين الدولة والناس.
"أقطاي لسه ما مات".. والإصلاح السياسي أوسع من قانوني انتخاب وأحزاب. فالحوارات الوطنية العقلانية الهادئة يجب أن تسبق وأن تتجاوز الأزمات، كما حدث في مصر عندما ألغت الثورة تلك الخلافات الجانبية والثانوية مقابل المصالح الوطنية الجامعة، حتى لا نكون جميعاً، غداً، تحت رحمة الأزمات وما تنتجه من سيناريوهات غير معروفة النتائج!