- الخميس مارس 24, 2011 2:32 pm
#33698
أسباب مشكلة المياه :
إن للماء والموارد المائية بغض النظر عن أشكالها أهمية بالغة حيث في الإمكان تحويلها إلى أنواع مختلفة من الثروة الزراعية والإنتاج الصناعي ، كما يكمن استغلالها كطاقة أو كمصدر وقود أو في استخداماتها في الأنشطة الأخرى ، لكل ذلك فإنها تسهم بشكل فعال في بناء اقتصادات الأقطار المختلفة ، وتعتمد درجة الاستفادة منها على عدة عوامل ، منها طبيعة هذه الموارد وحسن توزيعها والمستوى الحضاري للسكان ، ودرجة التعاون بين الأقطار لنقل الخبرات في ما يتعلق باستثمار الغلاف المائي .
ومعروف أن جميع دول العالم تحرص على تأمين مصدر مائي يسد حاجة السكان ويكفي حاجة الإنتاج الصناعي بالإضافة إلى حاجة الزراعة والري ، وتلعب هذه الموارد دورا كبيرا في قوة الدولة واستقرارها وهي ذات أهمية خاصة للدولة ، ومنذ القدم لعبت المياه الدور الفاعل في استقرار السكان وتطورهم ، فلقد كان من أسباب الهجرات البشرية الكبيرة للسكان من مكان لآخر هو تعرض مناطق سكناهم للجفاف وشظف الحياة فاضطروا للبحث عن موارد مائية جديدة في أماكن أخرى ولقد كان لهذه الهجرات آثار سياسية خطيرة ، إذ ساهمت في سقوط دول وامبراطوريات وأفول حضارات مزدهرة .
لقد كانت الصعوبات الجمة التي واجهتها البشرية عبر تاريخها في الحصول على المياه أو في تنظيم استعمالها نظرا لزيادة عدد السكان على سطح الأرض وارتفاع مستواهم المعيشي من جملة الأسباب التي حتمت تدخل الإنسان في تنظيم الموارد المائية ولتحويل المياه من جزء إلى آخر .
وفي الواقع ، الطبيعة لا تعرف نقص المياه ، ولكن الإنسان هو من يرى ويطالب بإيجاد حل هذا العجز ، ويمكننا القول إن مشكلة المياه في العالم لها عدة أسباب ، منها عوامل طبيعية مثل الجفاف وتوافر الطاقة الشمسية ، وعوامل من صنع الإنسان هي الضغط السكاني ، وعدم توافر العائدات والعملات الأجنبية وتعثر الهياكل الاقتصادية .
سنتناول في البداية العوامل الطبيعية المتسببة في مشكلة المياه العالمية وهي :
أ ـ الجفاف :
هناك عدد من التعاريف لهذا التعبير ، لكن في سياق هذه الورقة ، الجفاف يعني نسبة غير كافية من التساقط للسماح بزراعة مطرية ؛ حتى الآن لم يستطع الإنسان التصدي للجفاف ، بل على العكس تسببت نشاطاته بازدياد الجفاف في بعض المناطق .
قد يزيد استمطار الغيوم من كمية الأمطار في بعض المناطق ـ كما سنذكر لاحقا ـ ، لكن في الوقت نفسه سيحرم مناطق أخرى من هذه المياه ، وتطبيق هذه التقنية له حدود وآثار على الكمية والمناطق المتأثرة ، وبسبب كلفتها لن تطبق في معظم الأحيان .
يمكن التخفيف من الجفاف عبر نقل كميات كبيرة من المياه السطحية من المناطق الغنية بالمياه إلى المناطق الجافة ، لكن هذه الحالة أيضا ظن لها قيودها المتمثلة بتوفير الموارد الملائمة ، الكلفة والتقنيات ليس فقط للمياه المستخدمة في الري بل أيضا لأهداف الاستخدام المحلي .
ب ـ وفرة الطاقة الشمسية :
لقد أدّى توافر الطاقة الشمسية بكميات كبيرة في منطاق عديدة إلى نسبة تبخر عالية تؤدي إلى تساقط متفرق للأمطار التي تعود فتتبخر تاركة التربة محرومة من الرطوبة المطلوبة للحياة النباتية ، ويعتبر ذلك عاملا آخرا من عوامل الجفاف .
وتشكل هذه الطاقة الشمسية مصدراً محتملا للطاقة الممكن استخدامها لمواجهة الجفاف ، إذا تم تسخيرها واستعمالها في تحلية مياه البحر والمياه القليلة الملوحة .
يجب على الدول المتمتعة بالطاقة الشمسية بغزارة ، اعتبارها كثروة وتعويض حقيقي عن الكميات القليلة من الأمطار التي تتلقاها ، بالمقارنة مع المناطق الرطبة في العالم التي تتلقى أمطارا أكثر وأشعة شمسية أقل ؛ لأنه في حال تسخير هذه الثروة في التحلية ، تصبح الطاقة الشمسية نعمة للمناطق التي تتلقاها ، إلا أن التقنيات القليلة الكلفة لذلك ، غير متوافرة حتى الآن .
بعد أن درسنا العاملين الطبيعيين في مشكلة المياه سندرس العوامل التي صنعها الإنسان وهي :
أ ـ الضغط السكاني :
إن الضغط السكاني ، الطبيعي أو الناتج عن الهجرة ، هو السبب الرئيسي للنقص الغذائي والمائي .
فمثلا تشير الدلائل التاريخية إلى أن الشرق الأوسط لم يستطع في أي وقت من الأوقات توفير الغذاء للأعداد الهائلة من السكان التي تسكنه حاليا .
خلال العقود الماضية ، أبقت الأمراض والأوبئة والحروب ونقص التغذية الأرقام السكانية ضمن حدود ما يمكن للبيئة تأمينه ، لكن مؤخرا ، أدى تحسن الرعاية والعناية الصحية والتجارة في الغذاء ، إلى وضع حد لهذه العوامل التاريخية المحددة .
ولأن تنظيم السكان لا زال يثير الخلاف عقائديا ودينيا ، فإن تنظيم الولادة غير متوقع تطبيقه أو تطويره على يد الحكومات المختلفة التي تحاول المحافظة على تأييد السكان على الأقل ضمن هذا العقد ؛ لكن الأداء المختلف للحكومات ، والاعتبارات الاقتصادية لكل عائلة ، يتوقع أن يلين في العقد القادم ويؤدي إلى حل لمشكلة النمو السكاني في العقود القادمة .
حتى ذلك الوقت ، سيستمر نقص الموارد المائية بالازدياد إلى حدود خطيرة تتطلب حلا سريعا .
ب ـ عدم توافر العائدات والعملات الأجنبية وتعثر الاقتصادات :
لقد واجهت الكثير من دول العالم خلال العقود الماضية تحديات مختلفة : فأكثر دول العالم الثالث أصبحت مستقلة ، أدخلت العناية الصحية في المنطقة ، وشعرت كل دولة بالحاجة إلى بناء جيش قوي ، ظهرت الخلافات السياسية ، أقيمت المؤسسات التربوية واضطرت الحكومات والشعوب المدفوعة إلى تأمين شروط معيشية فضلى إلى التخطيط لاقتصادات عصرية .
في ظل هذه الظروف ، بدا أن القطاع الزراعي هو الأكثر إنتاجا ، فتكثفت الجهود لتطوير هذا القطاع لخدمة الأهداف المتمثلة بتأمين الغذاء وتوفير العمل وتحسين مستويات معيشة السكان .
لكن تبين سريعا ، أن التنمية الزراعية ترتبط ارتباطا مباشرا بتوافر الموارد المائية المتاحة .
وقد نما في الوقت نفسه قطاع الموارد المعدنية الذي خدم مصالح الدولة الصناعية التي جعلت من الدول الأخرى سوقا للمواد الأولية .
وكنموذج نتخذ الشرق الأوسط الذي يتعرض لمشاكل مشابهة لجميع الدول النامية ، لكن مع ثلاثة مظاهر مختلفة هي :
ـ موقع الشرق الأوسط كأحد أهم مناطق العبور .
ـ امتلاك الشرق الأوسط لكميات كبيرة من الموارد المعدنية ، خاصة النفط .
ـ الموارد المائية المحدودة للشرق الأوسط .
لكن بالرغم من ذلك فإن الدول العربية ـ دول الشرق الأوسط ـ الغنية بالموارد المعدنية والنشطة في استغلالها ، أثبتت عدم اختلافها كثيرا عن الدول الزراعية الأخرى ؛ فعائدات الموارد المعدنية ، خاصة النفط والغاز ، رفعت دخل السكان وأدت إلى زيادة في الاستهلاك ، ومن ثم نشوء مجتمعات استهلاكية من دون تنمية صناعاتها الخاصة غير المدعومة أو اقتصادات عامة .
فبقي النفط المحرك الرئيسي للاقتصاد ، وقد واجهت محاولات تصحيح هياكل هذه الاقتصادات للتحضير للوقت الذي ستتوقف به عائدات الموارد المعدنية ، نجاحا متواضعا .
النقص المائي في هذه الدول لم يتفاقم ، لأن العائدات النفطية لا زالت تعوض عن نقص المياه عبر إمداد السكان بالمياه المحلاة المدعومة .
لكن متى تراجعت هذه العائدات ، لن تستمر الأوضاع المائية على ما كانت عليه خلال العقود القليلة الماضية من الكمية والتوفر .
من جهة أخرى ، اضطرت الدول المحرومة من المورد النفطية الملائمة ، إلى تطوير زراعتها في سبيل تسيير اقتصاداتها ، لكن وكما ذكر آنفا ، هذا التوجه يتعرض لقيود توافر الموارد المائية .
وبما أن معظم دول الشرق الأوسط قد طورت مواردها المائية الخاصة إلى أقصى الحدود ، فالزيادة الوحيدة الممكنة لهذه الموارد ستأتي من محاولة تطوير الموارد المائية المشتركة ، سواء كانت أنهارا أو أحواضا جوفية ، وقد نشأ نتيجة استغلال هذه الموارد من دون التوصل إلى اتفاقات ، خلافات وأزمات تطورت إلى حروب بين الدول الحوضية .
أسباب السيطرة على الموارد المائية وأثرها على الحالة السياسية :
يمكن المقارنة بين مشكلة نقص المياه والخطر الماثل للأسلحة النووية ، في الواقع ، لقد تسبب النقص المائي في العالم سابقا بصدام مسلح ولا زال يمثل خطرا في مواجهات عسكرية رئيسية .
الماء عنصر وجودي كالهواء ، من دونه لا توجد حياة ، لذا ، فإن نقص المياه يمكن ، كالأسلحة النووية ، أن يكون له نتائج مميتة ؛ لكن بخلاف الأسلحة النووية ، مشكلة المياه لن توقف استخدام الأسلحة مرة واحدة ، لأنه فيما لن تترك الحرب النووية ناجين ، فإن في المواجهة المائية ، الرابح سيكسب المورد النادر ويعيش ، وحده الضعيف سيفنى .
لذا ، كل الدول تعمل على إيجاد مصادر دائمة للمياه تغذي أراضيها وسكانها ، وفي هذا الإطار وقعت حروب ووّقعت اتفاقيات ومعاهدات بين الدول المستفيدة من المورد نفسه .
فنلاحظ أن تأثير المياه كبير على الحالة السياسية في العالم اليوم ، فالكل يلهث وراء الحصول على مورد رئيسي للمياه لاستخدامه في عدة مجالات من الشرب إلى الزراعة والصناعة .
ونورد هنا بعض أمثلة على تأثير المياه على السياسة في قضايا المياه المشتركة بين الدول العربية وغير العربية في كل من : نهر النيل ، نهري دجلة والفرات ، ونهر الأردن ، باعتبارها أشهر مناطق النزاع حول الموارد المائية ، وأكبر أنهار الموجودة في الوطن العربي .
أ- قضايا المياه بين دول حوض النيل :
يمثل النيل بالنسبة لمصر قضية وجود، لذلك فقد عملت منذ وقت مبكر على ضمان تدفق المياه فيه، سواء عبر وسائل الإكراه، أو عبر الوسائل القانونية والسياسية، وتوصلت إلى إبرام عدد من الاتفاقيات مع الدول الواقعة في حوضه، من هذه الاتفاقيات نذكر:
أ ـ بروتوكول روما(15نيسان/ إبريل 1891) بين بريطانيا وإيطاليا.
ب ـ اتفاقيات أديس أبابا(15أيار/ مايو1902).
ج ـ معاهدة لندن بين المملكة المتحدة البريطانية وبلجيكيا نيابة عن الكونغو( 9أيار/مايو 1906)
د ـ اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا(13 نيسان/ إبريل 1906)
هـ ـ اتفاقية روما 1925 بين بريطانيا وإيطاليا.
و ـ اتفاقية 1929 بين مصر ممثلة للسودان، وبريطانيا ممثلة لأوغندا وكينيا وتنزانيا.
ز ـ اتفاقية 1932 بين مصر وبريطانيا، والإعلان المصري لعام 1948، واتفاقية عام 1952 المتعلقة بإنشاء سد الشلال الرابع.
ح ـ اتفاقية كانون الثاني، يناير لعام 1953 بين الحكومة المصرية والأوغندية.
ومن الجدير ذكره أن الاتفاقيات المذكورة سابقا قد اكتسبت صفة الاستمرارية والقوة القانونية طبقا لاتفاقية فيينا لعام1989 في شان التوارث الدولي للمعاهدات.
ط ـ اتفاقية 1959 بين مصر والسودان المتعلقة باقتسام مياه النيل مقدرة عند أسوان.
بموجب الاتفاقيات السابقة الذكر أقامت مصر نقاط تفتيش ومراقبة على امتداد نهر النيل من المنابع وحتى المصب.
ي ـ في عام 1983 أبرمت الدول الواقعة في حوض النيل اتفاقية لإدارته،وقعتها جميع دول الحوض، وتم بموجبها إنشاء منظمة دول الحوض (أندوجو)، وأنشئت منظمة (تكنونايل) لمتابعة تنفيذ المشروعات النيلية .
رغم كل هذه الاتفاقيات واللقاءات الدورية بين المعنيين بالشأن المائي في حوض نهر النيل، فلا يزال وضع نهر النيل غير مستقر خصوصا في ظل تصاعد المطالبة بتعديل الاتفاقات التي وقعت في العهد الاستعماري،وإعادة النظر في اقتسام مياه النيل من قبل أثيوبيا وتنزانيا وغيرها من دول الحوض الأعلى.
إن العلاقات السياسية غير المستقرة، بل المتوترة في أغلب الأوقات، تحول دون التوصل لاتفاقات بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية لاقتسام مياه النيل وتنميتها. ولا يخفى بطبيعة الحال أثر التدخلات الخارجية في تعكير العلاقات الأثيوبية- العربية عموماً، والعلاقات الأثيوبية –المصرية السودانية على وجه الخصوص.
لقد ذكرنا في موضع سابق أن ضعف الدول الواقعة في حوض النيل والمشكلات السياسية والاقتصادية التي تعانيها، تحول دون تنمية إيرادات النهر المائية وتنفيذ المشروعات في أعالي النيل لمصلحة مصر والسودان والدول الأخرى في الحوض. من الناحية الاستراتيجية فإن لمصر والسودان مصلحة في استقرار جميع دول الحوض ونمائها وازدهارها، مما يخلق الظروف المناسبة لتطوير مشاريع أعالي النيل وتنمية إيراداته بحيث يستجيب عرض المياه للطلب المتزايد عليها، خصوصا في مصر والسودان.
ب- قضايا المياه المشتركة بين سورية والعراق وتركيا :
لقد مرت العلاقات المائية بين سورية والعراق وتركيا المتعلقة بنهري دجلة والفرات بمراحل شديدة التوتر وصلت في بعض الأحيان إلى حشد الجيوش على طرفي الحدود سواء بين سورية والعراق أو بين سورية وتركيا. وعلى خلاف وضع نهر النيل، لا توجد اتفاقيات سابقة لاقتسام مياه النهرين، بالإضافة إلى أن تركيا وهي دولة المنبع لا تعترف بالطابع الدولي للنهرين، وتقوم بتنفيذ مشروعات مائية كبيرة في حوضيهما ضمن خطتها لتنمية جنوب شرق الأناضول، متجاهلة حقوق كل من سورية والعراق في مياه النهرين. وفي حال اكتمال تنفيذ مشروعاتها في جنوب شرق الأناضول المعروفة اختصارا بالغاب (G.A.P) سوف يتراجع تدفق نهر دجلة من حوالي 32 مليار م3 إلى نحو11 مليار م3 حسب بعض المصادر الأمريكية ، وهو ما يعني تهديدا خطيراً لأمن كل من سورية والعراق لا يمكن القبول به. أضف إلى ذلك تسعى تركيا على المدى الاستراتيجي إلى بيع المياه إلى الدول العربية، وفي هذا السياق جاء اقتراح مشروع السلام التركي لنقل المياه من نهري سيحون وجيحون التركيين إلى جميع الدول العربية في شبه الجزيرة العربية وإلى كل من سورية والأردن .
لقد مرت المفاوضات بين سورية وتركيا والعراق منذ أوائل الستينات من القرن الماضي بمراحل عديدة من التوتر والهدوء بحسب تداخل العوامل السياسية في الشان المائي، وبحسب التدخلات الأمريكية والإسرائيلية التي لم تعد خافية. ورغم أنها لم تفضي إلى نتائج حاسمة إلا أنها مع ذلك أسست لحلول ممكنة ومحتملة في المستقبل.من هذه الأسس نذكر ما يلي:
ـ إعلان تركيا أنها تزمع الاستفادة من (35) بالمائة من مياه سد الفرات و(13) بالمائة من مياه نهر دجلة .
ـ البروتوكــول الموقــع بين سوريــة وتركيـا والذي التزمت تركيا بموجبه بتمرير أكثر مــن
(500) م3/ث .
ـ الاتفاق السوري العراقي المتعلق باقتسام مياه نهر الفرات بين البلدين بنسبة (58) بالمائة للعراق و(42) بالمائة لسورية .
ـ إعلان سوريا أنها لم تطالب لا هي ولا العراق بحصة (700) م3/ث .
ـ اتفاق الدول الثلاث تركيا وسورية والعراق على تشكيل اللجنة الفنية المشتركة وتبادل المعلومات وإجراء مختلف القياسات المائية ومسح الأراضي.
ج- قضايا المياه في حوض نهر الأردن :
مع أن نهر الأردن لا يزيد إيراده السنوي على 1.3 مليار م3، فهو من أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل وبعثا على عدم الاستقرار، نظراً للأطماع الإسرائيلية في مياهه وسرقتها، ولمحاولاتها المتكررة على إرغام العرب على قبول هذا الوضع. ولقد نجحت إلى حد كبير مع الأردن فجاءت اتفاقيات وادي عربة المائية مجحفة بحق الأردن.وهي تمارس سياسة الأمر الواقع مع الفلسطينيين فتستغل اغلب موارد المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة وتحرم الفلسطينيين منها.أما مواقف كل من سورية ولبنان من قضايا المياه مع إسرائيل فإنه يقوم على المبادئ التالية:
أ- انسحاب إسرائيل من الجولان ومن المناطق المحتلة في جنوب لبنان.
ب- بعد ذلك الشروع في مفاوضات لحل قضايا المياه المشتركة.
ج- التقيد بالمرجعيات القانونية الدولية المتعلقة بالمياه، سواء التي وقعتها في السابق كل من بريطانيا وفرنسا بصفتهما الدولتان المنتدبتان إلى المنطقة، أو قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية التي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1997.
أما الموقف الإسرائيلي فإنه يقوم على العناصر التالية:
1- حل القضايا الخلافية المتعلقة بالمياه من خلال المفاوضات، كمقدمة للحل الشامل.
2- رفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران.
3- رفض أية مرجعيات قانونية دولية أو إقليمية لحل قضايا المياه.
4- التركيز على سياسة الأمر الواقع المدعومة بالقوة العسكرية الإسرائيلية، وبالنفوذ السياسي الأمريكي.
5- الاستفادة من الخلل الكبير في موازين القوى الاستراتيجية لصالح إسرائيل.
مشكلة المياه عند العرب :
لطالما أثرت وفرة المياه على الحياة والرزق وسبل العيش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، فقد عانت شعوب هذه المنطقة منذ فجر التاريخ من نقص المياه في فصل الصيف ، باستثناء المناطق الواقة على ضفاف الأنهار الرئيسية .
أما المناطق البعيدة فقد عانت شحاً في الموارد المائية على مدار السنة .
لذلك بقيت الأحواض النهرية والمناطق المحظية بمياه الأمطار الشتوية على طول شاطئ البحر المتوسط والسهول الشمالية لسوريا والعراق من أكثر المناطق جذبا للسكان للإقامة والزراعة .
كما أدت وفرة المياه إلى قيام أنظمة اقتصادية واجتماعية أدت بدورها إلى خلق سلسلة من الحضارات التي تتركز عادة في المناطق المائية ، وقد بقيت أجزاء من المنطقة مأهولة بشكل غير كثيف ومتفرق ، وبالتالي لم تتطلب اقتصاداتها سوى جزء بسيط من الموارد المائية حتى الجزء الأخير من القرن الماضي وخاصة في الثمانينيات والتسعينيات ، عندما أتاحت التقنية الحديثة لشعوب المنطقة سبل رفع المياه ونقلها .
ولكن حتى في المناطق المائية بدأت تظهر مشكلة المياه وذلك لعدة أسباب لعل أهمها سببين :
1 ـ تزايد التعداد السكاني : يستمر عدد السكان في الوطن العربي في النمو بنسبة 3% سنويا .
2 ـ وجود منابع الأنهار الرئيسية خارج الوطن العربي ، ومشاركة الدول العربية دول أخرى غير عربية في الأنهار ، مثل نهر النيل الذي تتشارك في حوضه 10 دول ونهري دجلة والفرات الذين تتشارك فيهما 4 دول ، وغيرها ...
وتتميز مشكلة المياه في الوطن العربي بعدة معالم أبرزها :
1 ـ المياه لمستخدم واحد تعني نقصا للآخرين .
2 ـ عوامل النظرية الوطنية والتحرر الوطني من الاستعمار تمنع الدول العربية من التخلي عن الإنتاج الغذائي وجعلها معتمدة على الدول المنتجة للغذاء ذات الوفرة المائية والتي هي دول مستعمرة سابقة في الغالب .
3 ـ فائض المياه عند بعض الدول ، مثل لبنان ، مضلل ومؤقت .
4 ـ الحروب الأهلية المتقطعة تعوق تطوير الموارد المائية .
أمثلة عن مشكلة المياه في الوطن العربي :
المياه في فلسطين :
يقوم الكيان الصهيوني بسرقة المياه الفلسطينية عبر ضخها من الضفة الغربية إلى المستوطنات ، كذلك تمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة ، هذا في الضفة الغربية .
كما يعاني قطاع غزة من كميات غير كافية من الأمطار ، مع النمو السكاني المتسارع في القطاع بنسبة 4.6% ، وكذلك حبس الكيان الصهيوني للجريان الطبيعي لوادي غزة المقدر
بـ 20 ـ 30 مليون متر مكعب ، وكذلك استغلاله الجائر لحوض غزة .
المياه في لبنان :
تعرض لبنان في العقود الأخيرة لحروب اقليمية استخدمت أراضيه كساحة للقتال ، فدمرت هذه الحروب بنيته التحتية المائية ، ثم قضت على خططه لتنمية الموارد المائية ، كما أخّرت تطبيق عدد كبير من المشاريع المتوجهة نحو الاستخدام المنزلي للمياه وأغراض الري .
المياه في العراق وسوريا :
يحد بنهري دجلة والفرات أربع دول حوضية هي : تركيا ، سوريا ، العراق ، إيران .
وخلال السنوات الأخيرة طوّرت تركيا مشاريع ضخمة لتطوير الأقاليم الواقعة على ضفة نهر الفرات في المناطق العليا منه ، وترى تركيا أن من حقها توزيع مياه الفرات كما يحلو لها ، فقامت بتحديد تصريف نهر الفرات إلى المجرى الأسفل .
كما قامت بإنشاء مشاريع عديدة بهدف تطوير الري على طول النهر ، لكن هذه المشاريع لم تتقدم إلى الآن كما كان متوقعا لها .
الحلول المقترحة :
يتم حاليا مناقشة حلين لمسألة المياه في الوطن العربي هما :
1 ـ توحيد الأنظمة المائية الوطنية : منها مشروع " أنابيب السلام " التركي ، ومشروع
" النيل ـ غزة ـ نجف ـ الأردن " ..
2 ـ تحويل مياه البحر : منها مشروعي البحر المتوسط أو الأحمر ـ البحر الميت .
إلا أن المشاكل التي تعترض هذه المشاريع كبيرة ، فالدول الساحلية والدول الحوضية عليها أن توافق على تحويل مياه البحر ؛ بالإضافة ، لقد أصبح واضحا عدم وجود إمكانية لتطبيق المشروع الأردني للبحر الأحمر ـ البحر الميت في الوقت نفسه مع المشروع الإسرائيلي للبحر المتوسط ـ البحر الميت ، لأن البحر الميت لن يستوعب مياهاً من البحر الأحمر والمتوسط معا .
لذا ، لا يمكن التغلب على أزمة المياه في الوطن العربي إلا ضمن إطار اقليمي .
في الواقع هناك ميل متزايد بين الأجهزة المالية الدولية لتوفير الأموال فقط للمشاريع المائية الاقليمية ، وتقول " جريس ستار " في كتاب " حروب المياه " :
" إن مصر اشتركت بالحرب ضد العراق ، من بين أسباب أخرى ، مخافة خسارة التمويل الدولي لمشروع مياه النيل ـ سيناء ".
ومن الضروري الإشارة إلى ضرورة تجنب المشاريع الكبيرة وغير الممكنة ، كما ذكر آنفا ، لايمكن وضع حد للزراعة في المنطقة وإبدالها باستيراد الغذاء من خارج الوطن العربي .
فتعبير " الاعتماد " كلمة غير مرغوبة في الوطن العربي بالرغم من أن عددا كبيرا من الدول العربية غير قادر على البقاء بدون القليل من الاستيراد الغذائي .
وقد أفشلت عوائق مماثلة مشاريع توليد الكهرباء في أفريقيا من مياه النيل وتصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي مقابل استيراد المنتجات الزراعية الأوروبية .
من جهة أخرى ، ستحمل " أنابيب السلام " التركية مياه نهري سيحون وجيحون اللذين يصبان مياههما في البحر المتوسط إلى الشرق الأوسط والخليج العربي ، يبلغ طول خطي الأنابيب الشرقي والغربي أكثر من 6,500 كيلومتر ، ومع كلفة مقدرة بأكثر من 20 مليار دولار ، على أن يستمر إنشاء هذه النابيب أكثر من خمسة عشر عاما ، دون ذكر القيود النفسية التي يصعب تجاوزها : لا يريد العرب الاعتماد على الأتراك ، الكويت لا يريد الاعتماد على المياه القادمة من العراق ... الخ .
كذلك ، يعترض الخطة الأردنية لاستيراد مياه الفرات العراقية مشاكل عديدة ، منها أن الأنبوب الممتد على طول 650 كيلو متر سيكون معرضا ومعتمدا على الفرات الذي ينبع من تركيا ، وخاصة أن تركيا تستخدم حاليا كميات كبيرة من مياه الفرات ، ولا تصرّف إلا كميات ضئيلة منه إلى دول المجرى الأسفل ، ويتسبب إنشاء عدد من السدود التركية على الفرات بأزمات كبيرة مع سوريا والعراق .
تحلية المياه :
يبقى الواقع ، أن حاجات دول الوطن العربي قد ازدادت مؤخرا ، فإعادة إعمار لبنان والعراق ، تشير إلى الحاجة لخطة للحصول على مياه جديدة .
المياه المحلاة مصدر آخر لمياه جديدة محتملة تخدم عددا محدودا من المستخدمين تعتبر تحلية المياه خيارا تقنيا للبلدان العربية كافة ، لكنه خيار اقتصادي في حال وجود نفط أو مداخيل أخرى لدعم تكاليف إقامة محطات التحلية وتشغيلها .
والواقع ، إن كلفة إقامة مشروع تحلية لـ 10,000 شخص يعادل كلفة دبابة واحدة ، ومشروع لـ 100,000 شخص يكلف كما تكلف طائرة حربية واحدة .
تجدر الإشارة إلى أن الاستثمار في تحلية المياه القليلة الملوحة ، ومياه البحر أو المياه العادمة المعالجة ، أقل كلفة من محاولة تسوية المنازعات حول الموارد المائية المتاحة والتي أكثرها يتعرض لضغط جائر ؛ كذلك ، فإن تحويل المياه من مكان إلى آخر ، يكلف أكثر من تطوير تقنيات جديدة للتحلية الأقل كلفة .
دولياً ، لقد تمّ إقامة معظم محطات التحلية في الوطن العربي ـ حوالي 70% من محطات التحلية حول العالم ـ : تملك السعودية 26.8 % من القدرة العالمية على التحلية ، الكويت 10.5% ، والإمارات 10% ، في حين تمتلك أمريكا حوالي 12% ، كذلك تأتي البلدان العربية في مقدمة لائحة إقامة محطات التحلية الرئيسية القادرة على إنتاج 4,000 متر مكعب يوميا للوحدة .
قبل عقدين ، في بداية العام 1990ف ، كان هناك 70,000 محطة تحلية حول العالم تعطي 13 مليون متر مكعب يوميا ، وأكثر من 4 مليار متر مكعب في السنة .
وتحلية المياه اليوم هي خيار قابل للتطبيق للاستخدام المنزلي الدائم وليس فقط للمنتجعات المنتشرة في الجزر أو الدول الغنية بالنفط ، كما في الإمارات العربية المتحدة ، التي تستخدم المياه المحلاة بشكل خيالي ومكلف جدا لتأمين المساحات الخضراء في المدن وعلى طول الطرقات الرئيسية .
الجدير بالذكر أن التقنيات المتطورة الخاصة المطبقة هذه الأيام في تحلية المياه قد سهلت العملية التي أصبحت أكثر احتمالا اقتصاديا وتجاريا وفي الوقت نفسه توفير الطاقة واليد العاملة ، وتحلية المياه القليلة الملوحة بدل المالحة يسمح باستخدام برك الطاقة الشمسية .
كما تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من انخفاض الكلفة المحتمل عند استخدام المحطات الضخمة يبقى من غير المنطقي التوقع بأن التحلية ستحل مشكلة تأمين المياه للزراعة في المستقبل القريب في الوقت الحاضر ، تستخدم التحلية فقط لبعض متطلبات مياه الخدمة وبعض الصناعات ؛ وقد أكد على عمق مشكلة المياه في الوطن العربي تعاقب بعض سنوات الجفاف ، وهو ما جعل تحلية المياه ، على الرغم من قصورها ، تحتل مكانة بارزة بين مشاريع التطوير المستقبلية كافة .
النهر الصناعي العظيم :
في الوقت الذي يشتد فيه الحديث عن الأمن الغذائي العربي المفقود وعن احتمالات النقص في موارد المياه ، أو زيادة استهلاك المياه لسكان الوطن العربي ؛ قدم مشروع النهر الصناعي العظيم ويقدم جوابا حاسما لهذه المسائل ، كما يعتبر استجابة فريدة لتحدي نقص المياه في الوطن العربي ، لم يسبق لها مثيل في الضخامة والتقنية .
وإذا كانت أهدافه الظاهرة للعيان هي إيجاد مصدر جديد لمياه في ليبيا ، فإن أهدافه العميقة تتمثل في إحداث تنمية فعلية في البلاد والاستغناء عن أية تبعية للخارج ، فالمياه هي سر الحياة وسر كل حاضرة سادت وازدهرت .
ومثل هذه الأهداف لم تكن ولن تكون شأنا يسيرا في بلد مثل ليبيا تطغى فيه جغرافية الصحراء ولكن الأبحاث والدراسات الجيولوجية للجماهيرية أثبتت وجود مخزون هائل من المياه الجوفية في أحواض الكفرة والسرير ووادي الشاطئ وجبل الحساونة قدر تدفقها بمثل منسوب نهر النيل لأكثر من مائتي عام .
كما أثبت العديد من الدراسات الجدوى الاقتصادية من نقل مخزون المياه هذا إلى المناطق الساحلية الخصبة ذات الكثافة السكانية ، وإلى تخصيب كل المناطق التي يمر بها النهر .
وقد استغرقت الدراسات ومراقبة سلوك آبار المياه الجوفية فترة اقتربت من خمسة عشر عاما ليبدأ في العام 1984 ف تنفيذ المشروع على خمس مراحل هي :
المرحلة الأولى :
تتضمن الجزء الأكبر من منظومة نقل المياه التي تتألف من خطوط تجميع مياه الآبار وخطين لنقل المياه يمتد أحدهما من تازربو إلى بنغازي والثاني من السرير إلى سرت ، ويبلغ طول هذين الخطين معا 1860 كيلو مترا وينقلان مليوني متر مكعب من المياه إلى الشريط الساحلي وتستغرق الرحلة حوالي تسعة أيام .
المرحلة الثانية :
تتدفق المياه في هذه المرحلة من جبل الحساونة بجنوب غرب الجماهيرية متجهة نحو الشمال حتى وصولها مدينة ترهونة لتضخ منه لخزان أبو زيان بغريان ومنه ليغذي منطقة الجبل الغربي ، ويتفرع فرع آخر من هذا المسار متجها شرقا نحو القداحية ومن ثم غربا ليغذي المدن الساحلية الغربية وسهل الجفارة .
وتبلغ كمية المياه المنقولة في هذه المرحلة 2.5 مليون متر مكعب من المياه العذبة يوميا .
المرحلة الثالثة :
تعتبر هذه المرحلة امتدادا للمرحلة الأولى من المشروع .
الغرض منها زيادة معدل تدفق المياه اليومي بمقدار 1.68 مليون متر مكعب أخرى وذلك بربط حقل الآبار الواقع شمال الكفرة بأنابيب نقل مياه المرحلة الأولى بتازربو بواسطة خط جديد لنقل المياه يتم إنشاؤه خلال هذه المرحلة .
المرحلة الرابعة :
تتكون هذه المرحلة من خط أنابيب لنقل المياه يربط خزان التجميع والموازنة باجدابيا بمدينة طبرق ، لتزويدها بحوالي 400 ألف متر مكعب من المياه يوميا .
المرحلة الخامسة :
يتم في هذه المرحلة النهائية ربط خزان سرت النهائي الذي بني خلال المرحلة الأولى مع منظومة المرحلة الثانية بمنطقة جنوب طرابلس وذلك لربط كل خطوط النهر في منظومة واحدة متصلة .
أهداف المشروع :
1 ـ إيقاف الوضع المتردي الذي وصل إليه مخزون المياه الجوفية في المناطق الساحلية ، وإتاحة الفرصة لهذا المخزون كي يستعيد جزءا من المياه التي فقدها في خلال سنوات استنزافه .
2 ـ استزراع واستصلاح مساحات شاسعة من الأرض التي كانت مهملة لعدم وجود المياه الكافية لاستغلالها .
3 ـ تجديد خصوبة الأراضي الزراعية المستغلة حاليا والتي أصبحت مشبعة بالأملاح نتيجة تسرب مياه البحر إلى مخزون الماء الجوفي في تلك المناطق .
4 ـ تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي بالمواد الغذائية الرئيسية مثل الحبوب واللحوم .
5 ـ خلق صناعات خفيفة في المناطق التي تستفيد مباشرة من مياه المشروع .
6 ـ دعم الصناعات القائمة حاليا مما يسهم في زيادة إنتاجها الصناعي لما سيوفره المشروع لها من مياه ضرورية .
7 ـ إفساح الأمل أمام بعض المدن والقرى في اطراد النمو والازدهار بعد أن كانت مهددة بالعطش والتوقف عن النمو .
8 ـ تشجيع سكان المناطق الريفية على البقاء في مناطقهم التي ستصبح مراكز زراعية توفر لهم سبل الحياة الكريمة وعدم الهجرة إلى المدن الرئيسية مثل طرابلس وبنغازي .
9 ـ خلق مجالات جديدة للعمل في المجتمع مما يؤدي إلى القضاء على البطالة أو تقليصها إلى حد كبير خصوصا عندما تغدو المواد النفطية محدودة في المستقبل .
10 ـ الإسهام في رفع مستوى معيشة الشعب العربي الليبي بصورة عامة .
حسابات الجدوى :
كانت تلك أهداف المشروع أما عن حسابات الجدوى فتكاليف المرحلة الأولى الاستثمارية بالإضافة إلى تكاليف التشغيل إذا ما قسمت على كمية المياه المنتجة لتبين أن تكلفة المتر المكعب من النهر الصناعي ستكون ما بين 70 إلى 160 درهما بينما تكلفة المتر المكعب من تحلية مياه البحر يكلف ما بين 320 إلى 620 درهما .
وقد قدر العمر الإنشائي للمشروع بخمسين عاما أما حجم المخزون المائي فقد اختلفت حوله التقديرات ، فخزان الكفرة مثلا كان أكبر تقدير له 21 ألف كيلو متر مكعب ( الكيلو متر المكعب 1000 مليون متر مكعب ) وكان أقل تقدير 3400 كيلو متر مكعب .
وهذا يعني أنه لو تم ضخ 3 ملايين متر مكعب يوميا من الماء فإن الكيلو متر المعب يكفي لمدة سنة ؛ " إذاً لو أخذنا بأكثر التقديرات تشاؤما واستغللنا 10 % فقط من الحوض فإن يكون لدينا مياه تكفينا لمدة 340 سنة وهذا أكثر مما نتمنى " على حد قول أحد المهندسين عندما سئل عن مخزون المياه .
بعد خمسين سنة ( العمر الإنشائي للمشروع ) وعندما ينزل منسوب المياه لن تكون هناك حاجة إلا إلى عمل بدايات جديدة للنهر لا تبعد عن البدايات الحالية بأكثر من عشرات الأمتار .
النتائج الاقتصادية للنهر الصناعي :
لم يكن من الممكن نتائج اقتصادية عديدة في ليبيا أن تتحقق لولا التحدي العربي الليبي الصلب لتنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم والذي يهدف في نهاية مراحله إلى زراعة واستثمار 155 ألف هكتار من الأراضي أي ما يعادل نصف مليون فدان ، بدأ العمل في استصلاح واستغلال 168 ألف فدان في سهل جنوب بنغازي ومنطقة سرت يتم زراعتها بواسطة مياه المرحلة الأولى التي تنهمر مياهها بمساحات ضخمة من القمح والشعير والبقوليات والذرة والبرسيم والعلف الحيواني لتأمين حاجيات البلاد من هذه المواد الغذائية الاستراتيجية مع تخصيص مساحات لزراعة الفواكه والخضراوات لتغطية الاستهلاك المحلي .
وقد انتهت الدراسات الاستثمارية إلى تقسيم المزارع إلى نوعين .. مزارع كبيرة مساحة كل منها ما بين 4 آلاف إلى 6 آلاف فدان ، ومزارع صغيرة مساحة كل منها 18 فدانا .
وتخصص المزارع الكبيرة لزراعة الحبوب والإنتاج الحيواني باعتبار كل مزرعة وحدة إدارية وزراعية مستقلة بذاتها تحت إشراف مركز خدمة زراعية بكل منطقة وتعتمد على الميكنة الزراعية الحديثة واستخدام المرشات العليا المركزية " المطر الصناعي " لري المزروعات بحيث تعتبر المزرعة مساحة مثلىللوحدة الاقتصادية الإنتاجية .
أما المزارع الصغيرة فتخصص لإنتاج الفواكه والخضراوات وتتم إدارتها بواسطة شاغليها من الأفراد مع إرشادهم من قبل مهندسي المشروع بمركز خدمات المنطقة مع تجهيز المزرعة ببعض المعدات الميكانيكية الضرورية .
كما تضمنت الخطة الزراعية إنشاء وحدات إدارية ووحدات يانة وورش مركزية لإصلاح المعدات والآلات الزراعية .
كما تتعاظم الأهمية الاقتصادية لمشروع النهر الصناعي في مجال الاستثمارات الصناعية وذلك باستخدام مياه المشروع في المجمعات الصناعية الكبيرة مثل مجمع رأس لانوف .. ومجمع البريقة الصناعية في الحصول على المياه اللازمة لاستعمالاتها مما يخخف العبء عن هذه المجمعات التي تجد الآن صعوبة في الحصول على المياه الصالحة في تلك المناطق وبذلك يتركز تفكير القائمين على إداراتها على أمور التصنيع وتتوفر لهم مياه أكثر اقتصادا مما لو اتجه تفكيرهم إلى توفيرها بتحلية مياه البحر ..
كما أن مياه المشروع سوف تحل العديد من المشاكل لسكان الكثير من المدن والقرى الليبية الذين يعانون من قلة وجود الماء ورداءته وذلك بتقديم أفضل الحلول الاقتصادية والفنية فيما لو كان البديل هو تحلية مياه البحر الذي يتكلف أربعة أضعاف الوحدة من مياه مشروع النهر .
ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع مساهمة جبارة في سد الاحتياجات من الغذية وحتى في التصدير ، وتؤكد الدراسات أنه في الإمكان زراعة 85 ألف هكتار من الأرض شتاء في الجنوب وهذا ما يكفي الاحتياجات ويزيد ؛ ويمكن زراعة مائة ألف هكتار من الأراضي صيفا بالحبوب والأعلاف ، كما يمكن تربية ثلاثة ملايين رأس غنم ونصف مليون رأس من الأبقار .
تنمية الموارد المائية:
إن فقر دول العالم الثالث عموما بالموارد المائية، بالإضافة إلى تزايد الضغط عليها من جراء زيادة السكان، والحاجة المتزايدة إلى الغذاء، يطرح بإلحاح مسألة التأمين المائي في المستقبل. ومع أن الخيارات المتاحة معروفة على نطاق واسع، غير أنها متفاوتة من حيث أهميتها الاستراتيجية ومن حيث متطلباتها الفنية والاقتصادية ، سوف نحاول التوقف عندها بإيجاز :
أ ـ يتفق العديد من المهتمين بالشأن المائي على أن الحل الاستراتيجي لمشكلة نقص المياه يتمثل في تحلية مياه البحر ، خصوصا وان حوالي (70) بالمائة من سكان العالم يعيشون ضمن مسافة خمسين ميلاً عن شواطئ البحار والمحيطات ؛ غير أن ما يحول دون الاستفادة من هذا المورد المائي اللامحدود نظريا هو ارتفاع تكاليف تحلية المياه. تشير بعض الدراسات إلى أن كلفة كل م3 من المياه المحلاة في المحطات العاملة حاليا في العالم تتراوح بين دولار واحد و(4.62) دولار ، وهي في قبرص (1.05) دولار، وفي استراليا(1.69) دولار،وفي بلجيكا(0.85) دولار،وفي كندا(0.43)دولار،وفي فلندا(1.02)دولار،وفي فرنسا(1.06) دولار ، وفي ألمانيا (1.4) دولار،وفي إيطاليا (1.36) دولار،وفي المملكة المتحدة (0.93) دولار، وفي الولايات المتحدة الأمريكية (0.43)دولار .
وفي دراسة أجريت مؤخرا في ولاية فلوريدا الأمريكية تبين أن كلفة إنتاج كل م3 من المياه من المصادر الجوفية تتراوح بين (0.28) دولار و(12.5) دولار بحسب طبيعة الحوض الجوفي.في حين تراوحت هذه الكلفة بين (0.25) و(0.38) دولار من المصادر السطحية، وبين (0.38) و(0.98) من المياه قليلة الملوحة، وبين (0.88) و (1.13) دولار من مياه البحر المحلاة .
بالنسبة للوطن العربي فإن البحار تحيط به من كل جانب ، وهي بلا شك المصدر الاستراتيجي الأكثر أهمية للحصول على المياه المحلاة لتامين احتياجات السكان على المدى البعيد. ويبقى كل ذلك رهن التطورات العلمية و التكنولوجية المتعلقة بتحلية المياه ،وبالأخص تطوير استخدامات الطاقة الشمسية، المتوفرة كثيراً في الوطن العربي، في عمليات التحلية مما يقلل من كلفتها.
وإذا صحت ابتكارات العالم البريطاني ستيف سالتر المتعلقة بتوليد المطر محلياً من تبخير مياه البحر بواسطة توربينات تركب على اطواف عائمة، فإن كلفة تحلية المياه سوف تنخفض بصورة حادة، بحيث تصبح دولار واحد لكل 500 م3 ، وهذا الرقم يقل بأكثر من ألف مرة عن كلفة إنتاج الماء بتقنيات تحلية مياه البحر المستخدمة حالياً .
ب- على المدى المتوسط والبعيد نسبيا، يمكن إيجاد حلول لمشكلات نقص المياه من خلال التعاون الإقليمي، ففي تركيا على سبيل المثال فائض كبير من المياه، فمن أصل نحو 180 مليار م3 من المياه المتاحة في تركيا، يستخدم منها نحو 25 مليار م3 فقط ؛ أيضا ثمة في أعالي النيل، في هضبة البحيرات العظمى وفي الهضبة الأثيوبية إمكانيات كبيرة لتنمية موارد النيل المائية. فقناة جونجلي التي توقف العمل بها نتيجة الأحداث في جنوب السودان يمكن أن تضيف نحو 18 مليار م3 إلى مجرى النيل. كما أن رفع منسوب المياه في بحيرة فكتوريا بمقدار مترين إلى ثلاثة أمتار يمكن أن يزيد كمية المياه المخزنة فيها بمقدار يزيد عن 70 مليارم3.
غير أن ما يحول دون تنمية وإدارة الموارد المائية الإقليمية بصورة جماعية والاستفادة منها على الأسس الاقتصادية، وجود الخلافات السياسية بالدرجة الأولى، إلى جانب ضعف الإمكانات الفنية والاقتصادية لدى دول المنطقة، والتدخلات الخارجية المبنية على حساباتها الاستراتيجية .
ج - المصادر السطحية للمياه محدودة كما أصبح ذلك واضحاً، وهي في مجملها مياه دولية ، وبالتالي فهي موضع خلاف بين الدول المتجاورة . وإن تنمية هذا المورد المائي الهام، على الرغم من محدوديته، تطرح في المقام الأول مسألة إيجاد اتفاقيات تحدد حقوق الأطراف المشتركة فيه ومن ثم تنظيمه وإدارته بصورة مشتركة. وفي هذا المجال من الأهمية بمكان إنشاء السدود والخزانات المائية على مجاري الأنهار وفي الأودية الفيضية والأحواض الصبابة لتجميع المياه الجارية ومياه الأمطار والاستفادة منها في تنمية الزراعة المروية من أجل إنتاج الغذاء.
د – وعلى سبيل المثال في الوطن العربي موارد مائية جوفية مهمة، كنا قد أشرنا إلى ثلاث أحواض عملاقة هي أقرب إلى البحار تحت أرضية . إلى جانب هذه الأحواض المائية الجوفية العملاقة تنتشر الأحواض المائية الجوفية الصغيرة في جميع الدول العربية وخاصة في دول المشرق العربي، وتشكل مصدرا مهما للموارد المائية فيها.
إن تنمية الموارد المائية الجوفية يطرح فيما يطرح ضرورة تنظيم الانتفاع بها في حدود السحب الأمن، وهذه مسألة في غاية الأهمية نظراً لما تتعرض له الأحواض المائية الجوفية في العديد من الدول العربية من استنزاف، أدى إلى جفاف العديد منها أو ارتفاع تكاليف الحصول على المياه منها.
من جهة أخرى لا بد من التفكير الجدي في كيفية تخزين مياه الأمطار في الأحواض الجوفية والاستفادة من بعض التجارب الرائدة في هذا المجال وخصوصا تجربة "إسرائيل".
هـ - وفي إطار التنمية الإيجابية للموارد المائية لا يمكن تجاهل موارد الصرف الصحي والصرف الزراعي إذ يمكنها في حال توفرت الإمكانيات الاقتصادية والفنية الضرورية تأمين كميات مهمة من المياه، بل يمكن نظريا،على الأقل، الوصول إلى وضعية الدوران المغلق للمياه المستخدمة في المنازل وفي الصناعة ، وتجدر الإشارة هنا إلى النموذج الأوروبي والغربي عموما في الاستفادة من مياه الصرف الصحي بتنقيتها وتكريرها حتى تعود صالحة للاستخدام .
ترشيد استعمالات المياه :
إن التنمية الإيجابية للموارد المائية لها حدودها النظرية والعملية وهي مكلفة اقتصاديا وتتطلب زمنا طويلا، غير أن التنمية السلبية للموارد المائية المتاحة ، أي ترشيد استعمالاتها فهي في متناول اليد ولا تتطلب إمكانيات اقتصادية أو فنية كبيرة . في هذا الصدد يمكن التركيز على المجالات التالية:
أ- استخدام طرق الري الحديثة :
من المعروف أن طرق الري الأكثر استخداما هي طرق الري بالغمر،وهي طرق غير مكلفة اقتصاديا ولا تتطلب إمكانيات فنية تذكر لكنها تتميز باستهلاكها الكبير للمياه ، وهي ضعيفة الكفاءة الاقتصادية وقد تتسبب في تملح التربة. لذلك من الإجراءات الملحة على صعيد ترشيد استعمالات المياه الانتقال من طرق الري بالغمر إلى طرق الري بالرش أو إلى طرق الري بالتنقيط حيثما كان ذلك ممكنا من الناحية الفنية . تشير الدراسات إلى أن الري بالرش يوفر ما بين65 بالمائة و75 بالمائة من إجمالي الكمية المطلوبة للري بالمقارنة مع الري بالغمر ؛ أما الري بالتنقيط فإنه علاوة على تأمينه المياه بحدود 75 إلى 100 بالمائة من السعة الحقلية الضرورية للنباتات، فهو يوفر أيضا بحدود 20 إلى 30 بالمائة من كمية المياه التي يستعملها بالمقارنة مع طرق الري بالرش. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الزراعة هي المستهلك الرئيسي للمياه في العالم أصبح واضحا حجم المياه التي يمكن توفيرها واستخدامها من جديد في ري مساحات إضافية من الأراضي الزراعية.
ب - منع الهدر والضياع في شبكات نقل المياه :
في معظم دول العالم الثالث ، كمية كبيرة من المياه المستعملة في المنازل(25% من الحجم الكلي) تضيع في الشبكات الناقلة نتيجة لقدمها وافتقارها إلى الصيانة اللازمة.أما بالنسبة لمياه الري فإن قسما مهما منها يضيع عن طريق البخر أو التسرب من جراء استخدام شبكات النقل المكشوفة، وخصوصا الترابية منها كما هو حال الترع في مصر . في هذا المجال من الأهمية بمكان الانتقال من الشبكات المكشوفة لنقل المياه إلى شبكات النقل بالأنابيب التحت أرضية منعا لتسرب المياه أو تبخرها،بالإضافة إلى أن النقل بالأنابيب يؤمن الضغط اللازم للري بالرش أو بالتنقيط ويحول دون إشغال الأراضي الزراعية بالمنشآت الهندسية.
ج - البحث عن تراكيب محصولية أكثر توفيراً للمياه :
من المعروف أن المحاصيل الزراعية تختلف اختلافا كبيرا من حيث حاجتها للمياه،و إن تعظيم العائد الاقتصادي من كل وحدة مائية مسألة في غاية الأهمية . فعلى سبيل المثال يحتاج إنتاج الطن الواحد من السكر إلى 1672 م3 من المياه في حال زراعة الشوندر السكري،وإلى 2413 م3 في حال زراعة قصب السكر،ويتطلب إنتاج كل طن من الحليب نحو1767 م3 من المياه،في حين يتطلب إنتاج كل طن من اللحم نحو7500م3...الخ. بالطبع لا يمكن تكييف الزراعة بالعلاقة مع عامل توفير المياه فقط ،فهناك عوامل أخرى لا تقل عن عامل المياه أهمية مثل العوامل المناخية ومدى توفر الأرض الزراعية ورأس المال ..الخ . مثلا كل هكتار مزروع شوندر سكري يمكن أن يعطي نحو 3.75 طن من السكر، وفي حال زراعة قصب السكر يمكن الحصول على 10 طن من السكر.وبالتالي بحسب عامل المياه تكون الأفضلية للشوندر السكري أما من ناحية عامل الأرض فإن الأفضلية هي لقصب السكر.في هذا الإطار يجب النظر بجدية في استيراد المنتجات الغذائية المكثفة للعامل المائي، واستبدالها بزراعات أقل تطلبا للمياه.
د - تطوير إدارة الموارد المائية :
يجري الحديث في هذا المجال ليس فقط حول تطوير بنية المؤسسات الإدارة المناط بها شؤون المياه وتطوير قاعدة البيانات وتحسين مستوى المتابعة والإشراف، بل وتطوير النظام التشريعي الناظم لقضايا المياه مما يجعل من مسألة هدر المياه أو التعامل غير المسؤول معها قضية جنائية.أضف إلى ذلك لا بد من استخدام اللوائح الاقتصادية من أسعار وضرائب وغرامات وغيرها كعناصر لا غنى عنها في مجال الإدارة المتكاملة للمياه.
هـ - تطوير العلاقات التكاملية بين البلدان في مجال التنمية الزراعية مما يحقق أفضل تخصيص للموارد المتاحة بما فيها المياه، والاستفادة من المزايا النسبية في كل بلد لتنمية الزراعات الملائمة. وللأسف الشديد لا تزال الإمكانيات التي يتيحها التعاون والتكامل في مجال التنمية الزراعية غير مستفاد منها بسبب الخلافات السياسية والتدخلات الخارجية. فهناك بلدان تتوفر لديها الأراضي الزراعية الشاسعة والمياه لكن لا تتوفر لديها الإمكانيات المالية مثل السودان وسورية،وهناك بلدان تتوفر لديها رؤوس الأموال لكن لا تتوفر لديها الأراضي الزراعية ولا المياه مثل دول الخليج العربي...الخ. فالتجارة البينية لا تزال بحدود 7 إلى 9 بالمائة من إجمالي التجارة .
و - تنمية ثقافة مائية جماهيرية : إن مسألة خلق ثقافة مائية جماهيرية لضمان سلامة التعامل مع الموارد المائية مسألة في غاية الأهمية، خصوصا وان المياه في تناقص والسكان في ازدياد. لم يعد يكفي الحديث عن مقننات استهلاك المياه في الزراعة أوفي الصناعة أو في المنازل، بل لا بد من ترسيخ الاعتقاد بها على أوسع نطاق مما يحفز على خلق سلوك مطابق.
إن مظاهر الهدر والتبذير في المياه تكاد تكون ظاهرة عامة، فليس سهلا تحويل الموقف من موضوع المياه إلى قيمة أخلاقية وسلوكية عامة. المر يتعلق بوجود إنسان ثقافي جديد يصعب تكوينه في ظروف التخلف. مع ذلك لا بد من تكثيف العمل في سبل ذلك خصوصا على الصعيد الإعلامي والثقافي وتوعية المواطنين بخطورة المشكلة، بل قد يكون من المفيد تدريس الأمن المائي في المدارس وتعميمه في الخطاب الديني والسياسي.
ز - بناء قاعدة علمية بحثية متخصصة بالشان المائي :
للأسف الشديد تفتقر أغلب دول العالم الثالث إلى المراكز الأبحاث العلمية المتخصصة بالمياه، وما هو موجود منها يفتقر إلى البنية التحتية العلمية الضرورية، وإلى الكوادر المختصة والخبيرة. أضف إلى ذلك لا بد من بناء شبكة معلومات مائية حديثة للرصد والمتابعة وإجراء القياسات لمختلفة، والكشف عن مصادر التلوث لحماية المصادر المائية منها. يجب أيضا إيلاء أهمية خاصة لموضوعة المقننات المائية، وتحديدها بدقة بحسب العوامل المؤثرة عليها.
علاج مشكلة المياه :-
تشير مصادر دولية إلى أن الاستثمارات في مجال المياه ، أخذت تتزايد بصورة كبيرة لتلبية احتياجات دول المنطقة للمياه ومعالجة مشاكلها، وتحدثت المصادر عن مبلغ 250 مليار دولار ينبغي وضعها في استثمارات المياه المنطقة ، في غضون العشر سنوات القادمة، وأن نحو نصف المبلغ، ينبغي أن يخصص لتطوير مشاريع تحلية المياه اللازمة في ظل النمو السكاني والتوسع العمراني الذي تمر فيه، كما ينبغي أن تشمل الاستثمارات في هذا المجال مشروعات معالجة المياه العادمة المكونة من مياه الصرف الصحي ومخلفات المصانع وغيرها، إضافة إلى تجديد الشبكات المائية القائمة، التي تسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، لأنه ما لم يتم القيام بذلك، فإن كوارث بيئية ستحصل من جهة، وسيكون من الصعب حل مشكلة المياه وسوف تزداد تكاليف تأمين مياه نقية في البلدان النامية .
وتطرح قيمة الاستثمارات المالية الكبيرة في موضوع المياه مشكلة المياه في العالم الثالث وما يحيط بها من تحديات متعددة الأبعاد والمستويات، لابد من معالجتها، في ظل حقيقة أن مشكلة المياه لها امتدادات وتأثيرات تتجاوز الواقع ، إذ هي عامل من عوامل الصراع والاستقرار في المستوى الإقليمي.
فالبلدان العربية مثلا تقع في منطقة جغرافية شديدة الجفاف، إضافة إلى وجود نحو نصف مساحة البلدان العربية في مناطق الصحراء الجافة التي تغطي مساحات واسعة من أغلب دول المنطقة العربية، التي يقع أكثرها خارج خط المطر الغزير. إذ لاتتجاوز معدلات سقوط الأمطار في أحسن حالاتها الـ 450 مم، وهي تمثل نحو سدس مثيلاتها الأوربية، التي يصل أعلاها إلى ثلاثة آلاف مم سنوياً، وتؤثر هذه الوقائع على تجديد المصادر المائية المحلية، مما يجعلها شديدة الضعف في اغلب البلدان العربية.
أما العامل الثاني المؤثر في موضوع المياه العربية، فهو وجود مصادر المياه الجارية في خارج تلك البلدان، والأمر في هذا لا ينطبق فقط على واقع الأنهار الرئيسية الثلاثة وهي الفرات ودجلة والنيل، إنما يتجاوزها إلى كثير من الأنهار الموجودة في العراق وسورية، والتي تنبع من إيران وتركيا.
ومنذ قيام إسرائيل في قلب المنطقة، ظهر عامل ثالث شديد التأثير في الموضوع المائي العربي، فقد أخذت الدولة العبرية تتعدى على الموارد المائية للدول العربية المجاورة ولاسيما سورية ولبنان، إضافة إلى استيلائها شبه الكامل على الموارد المائية للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة وتسخيرها في خدمة المستوطنين الإسرائيليين.
لقد جعلت تلك المعطيات الواقع المائي العربي شديد التدهور، وجعلته يترك آثاراً وبصمات ثقيلة على الإنسان العربي واحتياجاته الأساسية من المياه، الأمر الذي تبينه مؤشرات من بينها انخفاض نصيب الفرد العربي من المياه إلى أقل من ألفي متر مكعب سنوياً، وهو لا يعادل سوى أقل من سدس المعدل العالمي لنصيب الفرد من المياه والبالغ نحو ثلاثة عشر ألف متر مكعب في العام، وهذا مؤشر يعكس واقع التردي العربي في موضوع المياه.
ورغم أن ترديات الواقع المائي العربي تدفع إلى اتباع سياسات إقليمية هدفها معالجة ذلك التردي وحل مشاكل المياه، فإنه لم تُرسم وتُتابع سياسات عربية، منذ أن فشلت الدول العربية في تطبيق سياسة تمنع إسرائيل من الاستيلاء على موارد نهر الأردن طبقاً لقرارات القمة العربية الأولى على 1963، مما فتح الباب أمام سياسات مائية يتابعها كل واحد من البلدان العربية بصورة منفردة، واقتصر التشارك في السياسات المائية العربية على التشاور والتنسيق بين بلدين عربيين أو أكثر على نحو ما يجري في موضوع مياه الفرات من تنسيق سوري - عراقي، أو تنسيق سوري - أردني في موضوع روافد نهر الأردن، وتنسيق مصري -سوداني حول موضوع مياه النيل.
وكان من ثمرة السياسات المائية القطرية، أن اتجهت بلدان الخليج العربية إلى إقامة محطات تحلية مياه البحر لتوفير القسم الأساسي من احتياجاتها المائية، إضافة إلى إقامة محطات تنقية المياه وتجديدها، للتغلب على النقص المتزايد من المياه نتيجة الزيادة في أعداد السكان من جهة، ونمو احتياجات التنمية الزراعية والصناعية من المياه في تلك البلدان من جهة ثانية، فيما سعت بلدان عربية أخرى إلى حل مشاكلها المائية، إما باللجوء إلى مصادر المياه الباطنية القابلة للنفاذ، أو بالسير نحو تقنيات تحلية مياه البحر، وتجديد شبكات نقل المياه، وأغلب هذه الحلول ذات أكلاف عالية، وهي تتجاوز حقيقة الاستفادة الأفضل والأرخص من مياه الأنهار الكبرى الجارية في المنطقة، التي تتشارك فيها بلدان عربية ومجاورة مثل تركيا وإيران وبلدان منابع النيل، بحيث تعم فائدة التعاون في موضوع المياه على الجميع .
--------------------------------------------------------------------------------
إن للماء والموارد المائية بغض النظر عن أشكالها أهمية بالغة حيث في الإمكان تحويلها إلى أنواع مختلفة من الثروة الزراعية والإنتاج الصناعي ، كما يكمن استغلالها كطاقة أو كمصدر وقود أو في استخداماتها في الأنشطة الأخرى ، لكل ذلك فإنها تسهم بشكل فعال في بناء اقتصادات الأقطار المختلفة ، وتعتمد درجة الاستفادة منها على عدة عوامل ، منها طبيعة هذه الموارد وحسن توزيعها والمستوى الحضاري للسكان ، ودرجة التعاون بين الأقطار لنقل الخبرات في ما يتعلق باستثمار الغلاف المائي .
ومعروف أن جميع دول العالم تحرص على تأمين مصدر مائي يسد حاجة السكان ويكفي حاجة الإنتاج الصناعي بالإضافة إلى حاجة الزراعة والري ، وتلعب هذه الموارد دورا كبيرا في قوة الدولة واستقرارها وهي ذات أهمية خاصة للدولة ، ومنذ القدم لعبت المياه الدور الفاعل في استقرار السكان وتطورهم ، فلقد كان من أسباب الهجرات البشرية الكبيرة للسكان من مكان لآخر هو تعرض مناطق سكناهم للجفاف وشظف الحياة فاضطروا للبحث عن موارد مائية جديدة في أماكن أخرى ولقد كان لهذه الهجرات آثار سياسية خطيرة ، إذ ساهمت في سقوط دول وامبراطوريات وأفول حضارات مزدهرة .
لقد كانت الصعوبات الجمة التي واجهتها البشرية عبر تاريخها في الحصول على المياه أو في تنظيم استعمالها نظرا لزيادة عدد السكان على سطح الأرض وارتفاع مستواهم المعيشي من جملة الأسباب التي حتمت تدخل الإنسان في تنظيم الموارد المائية ولتحويل المياه من جزء إلى آخر .
وفي الواقع ، الطبيعة لا تعرف نقص المياه ، ولكن الإنسان هو من يرى ويطالب بإيجاد حل هذا العجز ، ويمكننا القول إن مشكلة المياه في العالم لها عدة أسباب ، منها عوامل طبيعية مثل الجفاف وتوافر الطاقة الشمسية ، وعوامل من صنع الإنسان هي الضغط السكاني ، وعدم توافر العائدات والعملات الأجنبية وتعثر الهياكل الاقتصادية .
سنتناول في البداية العوامل الطبيعية المتسببة في مشكلة المياه العالمية وهي :
أ ـ الجفاف :
هناك عدد من التعاريف لهذا التعبير ، لكن في سياق هذه الورقة ، الجفاف يعني نسبة غير كافية من التساقط للسماح بزراعة مطرية ؛ حتى الآن لم يستطع الإنسان التصدي للجفاف ، بل على العكس تسببت نشاطاته بازدياد الجفاف في بعض المناطق .
قد يزيد استمطار الغيوم من كمية الأمطار في بعض المناطق ـ كما سنذكر لاحقا ـ ، لكن في الوقت نفسه سيحرم مناطق أخرى من هذه المياه ، وتطبيق هذه التقنية له حدود وآثار على الكمية والمناطق المتأثرة ، وبسبب كلفتها لن تطبق في معظم الأحيان .
يمكن التخفيف من الجفاف عبر نقل كميات كبيرة من المياه السطحية من المناطق الغنية بالمياه إلى المناطق الجافة ، لكن هذه الحالة أيضا ظن لها قيودها المتمثلة بتوفير الموارد الملائمة ، الكلفة والتقنيات ليس فقط للمياه المستخدمة في الري بل أيضا لأهداف الاستخدام المحلي .
ب ـ وفرة الطاقة الشمسية :
لقد أدّى توافر الطاقة الشمسية بكميات كبيرة في منطاق عديدة إلى نسبة تبخر عالية تؤدي إلى تساقط متفرق للأمطار التي تعود فتتبخر تاركة التربة محرومة من الرطوبة المطلوبة للحياة النباتية ، ويعتبر ذلك عاملا آخرا من عوامل الجفاف .
وتشكل هذه الطاقة الشمسية مصدراً محتملا للطاقة الممكن استخدامها لمواجهة الجفاف ، إذا تم تسخيرها واستعمالها في تحلية مياه البحر والمياه القليلة الملوحة .
يجب على الدول المتمتعة بالطاقة الشمسية بغزارة ، اعتبارها كثروة وتعويض حقيقي عن الكميات القليلة من الأمطار التي تتلقاها ، بالمقارنة مع المناطق الرطبة في العالم التي تتلقى أمطارا أكثر وأشعة شمسية أقل ؛ لأنه في حال تسخير هذه الثروة في التحلية ، تصبح الطاقة الشمسية نعمة للمناطق التي تتلقاها ، إلا أن التقنيات القليلة الكلفة لذلك ، غير متوافرة حتى الآن .
بعد أن درسنا العاملين الطبيعيين في مشكلة المياه سندرس العوامل التي صنعها الإنسان وهي :
أ ـ الضغط السكاني :
إن الضغط السكاني ، الطبيعي أو الناتج عن الهجرة ، هو السبب الرئيسي للنقص الغذائي والمائي .
فمثلا تشير الدلائل التاريخية إلى أن الشرق الأوسط لم يستطع في أي وقت من الأوقات توفير الغذاء للأعداد الهائلة من السكان التي تسكنه حاليا .
خلال العقود الماضية ، أبقت الأمراض والأوبئة والحروب ونقص التغذية الأرقام السكانية ضمن حدود ما يمكن للبيئة تأمينه ، لكن مؤخرا ، أدى تحسن الرعاية والعناية الصحية والتجارة في الغذاء ، إلى وضع حد لهذه العوامل التاريخية المحددة .
ولأن تنظيم السكان لا زال يثير الخلاف عقائديا ودينيا ، فإن تنظيم الولادة غير متوقع تطبيقه أو تطويره على يد الحكومات المختلفة التي تحاول المحافظة على تأييد السكان على الأقل ضمن هذا العقد ؛ لكن الأداء المختلف للحكومات ، والاعتبارات الاقتصادية لكل عائلة ، يتوقع أن يلين في العقد القادم ويؤدي إلى حل لمشكلة النمو السكاني في العقود القادمة .
حتى ذلك الوقت ، سيستمر نقص الموارد المائية بالازدياد إلى حدود خطيرة تتطلب حلا سريعا .
ب ـ عدم توافر العائدات والعملات الأجنبية وتعثر الاقتصادات :
لقد واجهت الكثير من دول العالم خلال العقود الماضية تحديات مختلفة : فأكثر دول العالم الثالث أصبحت مستقلة ، أدخلت العناية الصحية في المنطقة ، وشعرت كل دولة بالحاجة إلى بناء جيش قوي ، ظهرت الخلافات السياسية ، أقيمت المؤسسات التربوية واضطرت الحكومات والشعوب المدفوعة إلى تأمين شروط معيشية فضلى إلى التخطيط لاقتصادات عصرية .
في ظل هذه الظروف ، بدا أن القطاع الزراعي هو الأكثر إنتاجا ، فتكثفت الجهود لتطوير هذا القطاع لخدمة الأهداف المتمثلة بتأمين الغذاء وتوفير العمل وتحسين مستويات معيشة السكان .
لكن تبين سريعا ، أن التنمية الزراعية ترتبط ارتباطا مباشرا بتوافر الموارد المائية المتاحة .
وقد نما في الوقت نفسه قطاع الموارد المعدنية الذي خدم مصالح الدولة الصناعية التي جعلت من الدول الأخرى سوقا للمواد الأولية .
وكنموذج نتخذ الشرق الأوسط الذي يتعرض لمشاكل مشابهة لجميع الدول النامية ، لكن مع ثلاثة مظاهر مختلفة هي :
ـ موقع الشرق الأوسط كأحد أهم مناطق العبور .
ـ امتلاك الشرق الأوسط لكميات كبيرة من الموارد المعدنية ، خاصة النفط .
ـ الموارد المائية المحدودة للشرق الأوسط .
لكن بالرغم من ذلك فإن الدول العربية ـ دول الشرق الأوسط ـ الغنية بالموارد المعدنية والنشطة في استغلالها ، أثبتت عدم اختلافها كثيرا عن الدول الزراعية الأخرى ؛ فعائدات الموارد المعدنية ، خاصة النفط والغاز ، رفعت دخل السكان وأدت إلى زيادة في الاستهلاك ، ومن ثم نشوء مجتمعات استهلاكية من دون تنمية صناعاتها الخاصة غير المدعومة أو اقتصادات عامة .
فبقي النفط المحرك الرئيسي للاقتصاد ، وقد واجهت محاولات تصحيح هياكل هذه الاقتصادات للتحضير للوقت الذي ستتوقف به عائدات الموارد المعدنية ، نجاحا متواضعا .
النقص المائي في هذه الدول لم يتفاقم ، لأن العائدات النفطية لا زالت تعوض عن نقص المياه عبر إمداد السكان بالمياه المحلاة المدعومة .
لكن متى تراجعت هذه العائدات ، لن تستمر الأوضاع المائية على ما كانت عليه خلال العقود القليلة الماضية من الكمية والتوفر .
من جهة أخرى ، اضطرت الدول المحرومة من المورد النفطية الملائمة ، إلى تطوير زراعتها في سبيل تسيير اقتصاداتها ، لكن وكما ذكر آنفا ، هذا التوجه يتعرض لقيود توافر الموارد المائية .
وبما أن معظم دول الشرق الأوسط قد طورت مواردها المائية الخاصة إلى أقصى الحدود ، فالزيادة الوحيدة الممكنة لهذه الموارد ستأتي من محاولة تطوير الموارد المائية المشتركة ، سواء كانت أنهارا أو أحواضا جوفية ، وقد نشأ نتيجة استغلال هذه الموارد من دون التوصل إلى اتفاقات ، خلافات وأزمات تطورت إلى حروب بين الدول الحوضية .
أسباب السيطرة على الموارد المائية وأثرها على الحالة السياسية :
يمكن المقارنة بين مشكلة نقص المياه والخطر الماثل للأسلحة النووية ، في الواقع ، لقد تسبب النقص المائي في العالم سابقا بصدام مسلح ولا زال يمثل خطرا في مواجهات عسكرية رئيسية .
الماء عنصر وجودي كالهواء ، من دونه لا توجد حياة ، لذا ، فإن نقص المياه يمكن ، كالأسلحة النووية ، أن يكون له نتائج مميتة ؛ لكن بخلاف الأسلحة النووية ، مشكلة المياه لن توقف استخدام الأسلحة مرة واحدة ، لأنه فيما لن تترك الحرب النووية ناجين ، فإن في المواجهة المائية ، الرابح سيكسب المورد النادر ويعيش ، وحده الضعيف سيفنى .
لذا ، كل الدول تعمل على إيجاد مصادر دائمة للمياه تغذي أراضيها وسكانها ، وفي هذا الإطار وقعت حروب ووّقعت اتفاقيات ومعاهدات بين الدول المستفيدة من المورد نفسه .
فنلاحظ أن تأثير المياه كبير على الحالة السياسية في العالم اليوم ، فالكل يلهث وراء الحصول على مورد رئيسي للمياه لاستخدامه في عدة مجالات من الشرب إلى الزراعة والصناعة .
ونورد هنا بعض أمثلة على تأثير المياه على السياسة في قضايا المياه المشتركة بين الدول العربية وغير العربية في كل من : نهر النيل ، نهري دجلة والفرات ، ونهر الأردن ، باعتبارها أشهر مناطق النزاع حول الموارد المائية ، وأكبر أنهار الموجودة في الوطن العربي .
أ- قضايا المياه بين دول حوض النيل :
يمثل النيل بالنسبة لمصر قضية وجود، لذلك فقد عملت منذ وقت مبكر على ضمان تدفق المياه فيه، سواء عبر وسائل الإكراه، أو عبر الوسائل القانونية والسياسية، وتوصلت إلى إبرام عدد من الاتفاقيات مع الدول الواقعة في حوضه، من هذه الاتفاقيات نذكر:
أ ـ بروتوكول روما(15نيسان/ إبريل 1891) بين بريطانيا وإيطاليا.
ب ـ اتفاقيات أديس أبابا(15أيار/ مايو1902).
ج ـ معاهدة لندن بين المملكة المتحدة البريطانية وبلجيكيا نيابة عن الكونغو( 9أيار/مايو 1906)
د ـ اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا(13 نيسان/ إبريل 1906)
هـ ـ اتفاقية روما 1925 بين بريطانيا وإيطاليا.
و ـ اتفاقية 1929 بين مصر ممثلة للسودان، وبريطانيا ممثلة لأوغندا وكينيا وتنزانيا.
ز ـ اتفاقية 1932 بين مصر وبريطانيا، والإعلان المصري لعام 1948، واتفاقية عام 1952 المتعلقة بإنشاء سد الشلال الرابع.
ح ـ اتفاقية كانون الثاني، يناير لعام 1953 بين الحكومة المصرية والأوغندية.
ومن الجدير ذكره أن الاتفاقيات المذكورة سابقا قد اكتسبت صفة الاستمرارية والقوة القانونية طبقا لاتفاقية فيينا لعام1989 في شان التوارث الدولي للمعاهدات.
ط ـ اتفاقية 1959 بين مصر والسودان المتعلقة باقتسام مياه النيل مقدرة عند أسوان.
بموجب الاتفاقيات السابقة الذكر أقامت مصر نقاط تفتيش ومراقبة على امتداد نهر النيل من المنابع وحتى المصب.
ي ـ في عام 1983 أبرمت الدول الواقعة في حوض النيل اتفاقية لإدارته،وقعتها جميع دول الحوض، وتم بموجبها إنشاء منظمة دول الحوض (أندوجو)، وأنشئت منظمة (تكنونايل) لمتابعة تنفيذ المشروعات النيلية .
رغم كل هذه الاتفاقيات واللقاءات الدورية بين المعنيين بالشأن المائي في حوض نهر النيل، فلا يزال وضع نهر النيل غير مستقر خصوصا في ظل تصاعد المطالبة بتعديل الاتفاقات التي وقعت في العهد الاستعماري،وإعادة النظر في اقتسام مياه النيل من قبل أثيوبيا وتنزانيا وغيرها من دول الحوض الأعلى.
إن العلاقات السياسية غير المستقرة، بل المتوترة في أغلب الأوقات، تحول دون التوصل لاتفاقات بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية لاقتسام مياه النيل وتنميتها. ولا يخفى بطبيعة الحال أثر التدخلات الخارجية في تعكير العلاقات الأثيوبية- العربية عموماً، والعلاقات الأثيوبية –المصرية السودانية على وجه الخصوص.
لقد ذكرنا في موضع سابق أن ضعف الدول الواقعة في حوض النيل والمشكلات السياسية والاقتصادية التي تعانيها، تحول دون تنمية إيرادات النهر المائية وتنفيذ المشروعات في أعالي النيل لمصلحة مصر والسودان والدول الأخرى في الحوض. من الناحية الاستراتيجية فإن لمصر والسودان مصلحة في استقرار جميع دول الحوض ونمائها وازدهارها، مما يخلق الظروف المناسبة لتطوير مشاريع أعالي النيل وتنمية إيراداته بحيث يستجيب عرض المياه للطلب المتزايد عليها، خصوصا في مصر والسودان.
ب- قضايا المياه المشتركة بين سورية والعراق وتركيا :
لقد مرت العلاقات المائية بين سورية والعراق وتركيا المتعلقة بنهري دجلة والفرات بمراحل شديدة التوتر وصلت في بعض الأحيان إلى حشد الجيوش على طرفي الحدود سواء بين سورية والعراق أو بين سورية وتركيا. وعلى خلاف وضع نهر النيل، لا توجد اتفاقيات سابقة لاقتسام مياه النهرين، بالإضافة إلى أن تركيا وهي دولة المنبع لا تعترف بالطابع الدولي للنهرين، وتقوم بتنفيذ مشروعات مائية كبيرة في حوضيهما ضمن خطتها لتنمية جنوب شرق الأناضول، متجاهلة حقوق كل من سورية والعراق في مياه النهرين. وفي حال اكتمال تنفيذ مشروعاتها في جنوب شرق الأناضول المعروفة اختصارا بالغاب (G.A.P) سوف يتراجع تدفق نهر دجلة من حوالي 32 مليار م3 إلى نحو11 مليار م3 حسب بعض المصادر الأمريكية ، وهو ما يعني تهديدا خطيراً لأمن كل من سورية والعراق لا يمكن القبول به. أضف إلى ذلك تسعى تركيا على المدى الاستراتيجي إلى بيع المياه إلى الدول العربية، وفي هذا السياق جاء اقتراح مشروع السلام التركي لنقل المياه من نهري سيحون وجيحون التركيين إلى جميع الدول العربية في شبه الجزيرة العربية وإلى كل من سورية والأردن .
لقد مرت المفاوضات بين سورية وتركيا والعراق منذ أوائل الستينات من القرن الماضي بمراحل عديدة من التوتر والهدوء بحسب تداخل العوامل السياسية في الشان المائي، وبحسب التدخلات الأمريكية والإسرائيلية التي لم تعد خافية. ورغم أنها لم تفضي إلى نتائج حاسمة إلا أنها مع ذلك أسست لحلول ممكنة ومحتملة في المستقبل.من هذه الأسس نذكر ما يلي:
ـ إعلان تركيا أنها تزمع الاستفادة من (35) بالمائة من مياه سد الفرات و(13) بالمائة من مياه نهر دجلة .
ـ البروتوكــول الموقــع بين سوريــة وتركيـا والذي التزمت تركيا بموجبه بتمرير أكثر مــن
(500) م3/ث .
ـ الاتفاق السوري العراقي المتعلق باقتسام مياه نهر الفرات بين البلدين بنسبة (58) بالمائة للعراق و(42) بالمائة لسورية .
ـ إعلان سوريا أنها لم تطالب لا هي ولا العراق بحصة (700) م3/ث .
ـ اتفاق الدول الثلاث تركيا وسورية والعراق على تشكيل اللجنة الفنية المشتركة وتبادل المعلومات وإجراء مختلف القياسات المائية ومسح الأراضي.
ج- قضايا المياه في حوض نهر الأردن :
مع أن نهر الأردن لا يزيد إيراده السنوي على 1.3 مليار م3، فهو من أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل وبعثا على عدم الاستقرار، نظراً للأطماع الإسرائيلية في مياهه وسرقتها، ولمحاولاتها المتكررة على إرغام العرب على قبول هذا الوضع. ولقد نجحت إلى حد كبير مع الأردن فجاءت اتفاقيات وادي عربة المائية مجحفة بحق الأردن.وهي تمارس سياسة الأمر الواقع مع الفلسطينيين فتستغل اغلب موارد المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة وتحرم الفلسطينيين منها.أما مواقف كل من سورية ولبنان من قضايا المياه مع إسرائيل فإنه يقوم على المبادئ التالية:
أ- انسحاب إسرائيل من الجولان ومن المناطق المحتلة في جنوب لبنان.
ب- بعد ذلك الشروع في مفاوضات لحل قضايا المياه المشتركة.
ج- التقيد بالمرجعيات القانونية الدولية المتعلقة بالمياه، سواء التي وقعتها في السابق كل من بريطانيا وفرنسا بصفتهما الدولتان المنتدبتان إلى المنطقة، أو قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية التي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1997.
أما الموقف الإسرائيلي فإنه يقوم على العناصر التالية:
1- حل القضايا الخلافية المتعلقة بالمياه من خلال المفاوضات، كمقدمة للحل الشامل.
2- رفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران.
3- رفض أية مرجعيات قانونية دولية أو إقليمية لحل قضايا المياه.
4- التركيز على سياسة الأمر الواقع المدعومة بالقوة العسكرية الإسرائيلية، وبالنفوذ السياسي الأمريكي.
5- الاستفادة من الخلل الكبير في موازين القوى الاستراتيجية لصالح إسرائيل.
مشكلة المياه عند العرب :
لطالما أثرت وفرة المياه على الحياة والرزق وسبل العيش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، فقد عانت شعوب هذه المنطقة منذ فجر التاريخ من نقص المياه في فصل الصيف ، باستثناء المناطق الواقة على ضفاف الأنهار الرئيسية .
أما المناطق البعيدة فقد عانت شحاً في الموارد المائية على مدار السنة .
لذلك بقيت الأحواض النهرية والمناطق المحظية بمياه الأمطار الشتوية على طول شاطئ البحر المتوسط والسهول الشمالية لسوريا والعراق من أكثر المناطق جذبا للسكان للإقامة والزراعة .
كما أدت وفرة المياه إلى قيام أنظمة اقتصادية واجتماعية أدت بدورها إلى خلق سلسلة من الحضارات التي تتركز عادة في المناطق المائية ، وقد بقيت أجزاء من المنطقة مأهولة بشكل غير كثيف ومتفرق ، وبالتالي لم تتطلب اقتصاداتها سوى جزء بسيط من الموارد المائية حتى الجزء الأخير من القرن الماضي وخاصة في الثمانينيات والتسعينيات ، عندما أتاحت التقنية الحديثة لشعوب المنطقة سبل رفع المياه ونقلها .
ولكن حتى في المناطق المائية بدأت تظهر مشكلة المياه وذلك لعدة أسباب لعل أهمها سببين :
1 ـ تزايد التعداد السكاني : يستمر عدد السكان في الوطن العربي في النمو بنسبة 3% سنويا .
2 ـ وجود منابع الأنهار الرئيسية خارج الوطن العربي ، ومشاركة الدول العربية دول أخرى غير عربية في الأنهار ، مثل نهر النيل الذي تتشارك في حوضه 10 دول ونهري دجلة والفرات الذين تتشارك فيهما 4 دول ، وغيرها ...
وتتميز مشكلة المياه في الوطن العربي بعدة معالم أبرزها :
1 ـ المياه لمستخدم واحد تعني نقصا للآخرين .
2 ـ عوامل النظرية الوطنية والتحرر الوطني من الاستعمار تمنع الدول العربية من التخلي عن الإنتاج الغذائي وجعلها معتمدة على الدول المنتجة للغذاء ذات الوفرة المائية والتي هي دول مستعمرة سابقة في الغالب .
3 ـ فائض المياه عند بعض الدول ، مثل لبنان ، مضلل ومؤقت .
4 ـ الحروب الأهلية المتقطعة تعوق تطوير الموارد المائية .
أمثلة عن مشكلة المياه في الوطن العربي :
المياه في فلسطين :
يقوم الكيان الصهيوني بسرقة المياه الفلسطينية عبر ضخها من الضفة الغربية إلى المستوطنات ، كذلك تمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة ، هذا في الضفة الغربية .
كما يعاني قطاع غزة من كميات غير كافية من الأمطار ، مع النمو السكاني المتسارع في القطاع بنسبة 4.6% ، وكذلك حبس الكيان الصهيوني للجريان الطبيعي لوادي غزة المقدر
بـ 20 ـ 30 مليون متر مكعب ، وكذلك استغلاله الجائر لحوض غزة .
المياه في لبنان :
تعرض لبنان في العقود الأخيرة لحروب اقليمية استخدمت أراضيه كساحة للقتال ، فدمرت هذه الحروب بنيته التحتية المائية ، ثم قضت على خططه لتنمية الموارد المائية ، كما أخّرت تطبيق عدد كبير من المشاريع المتوجهة نحو الاستخدام المنزلي للمياه وأغراض الري .
المياه في العراق وسوريا :
يحد بنهري دجلة والفرات أربع دول حوضية هي : تركيا ، سوريا ، العراق ، إيران .
وخلال السنوات الأخيرة طوّرت تركيا مشاريع ضخمة لتطوير الأقاليم الواقعة على ضفة نهر الفرات في المناطق العليا منه ، وترى تركيا أن من حقها توزيع مياه الفرات كما يحلو لها ، فقامت بتحديد تصريف نهر الفرات إلى المجرى الأسفل .
كما قامت بإنشاء مشاريع عديدة بهدف تطوير الري على طول النهر ، لكن هذه المشاريع لم تتقدم إلى الآن كما كان متوقعا لها .
الحلول المقترحة :
يتم حاليا مناقشة حلين لمسألة المياه في الوطن العربي هما :
1 ـ توحيد الأنظمة المائية الوطنية : منها مشروع " أنابيب السلام " التركي ، ومشروع
" النيل ـ غزة ـ نجف ـ الأردن " ..
2 ـ تحويل مياه البحر : منها مشروعي البحر المتوسط أو الأحمر ـ البحر الميت .
إلا أن المشاكل التي تعترض هذه المشاريع كبيرة ، فالدول الساحلية والدول الحوضية عليها أن توافق على تحويل مياه البحر ؛ بالإضافة ، لقد أصبح واضحا عدم وجود إمكانية لتطبيق المشروع الأردني للبحر الأحمر ـ البحر الميت في الوقت نفسه مع المشروع الإسرائيلي للبحر المتوسط ـ البحر الميت ، لأن البحر الميت لن يستوعب مياهاً من البحر الأحمر والمتوسط معا .
لذا ، لا يمكن التغلب على أزمة المياه في الوطن العربي إلا ضمن إطار اقليمي .
في الواقع هناك ميل متزايد بين الأجهزة المالية الدولية لتوفير الأموال فقط للمشاريع المائية الاقليمية ، وتقول " جريس ستار " في كتاب " حروب المياه " :
" إن مصر اشتركت بالحرب ضد العراق ، من بين أسباب أخرى ، مخافة خسارة التمويل الدولي لمشروع مياه النيل ـ سيناء ".
ومن الضروري الإشارة إلى ضرورة تجنب المشاريع الكبيرة وغير الممكنة ، كما ذكر آنفا ، لايمكن وضع حد للزراعة في المنطقة وإبدالها باستيراد الغذاء من خارج الوطن العربي .
فتعبير " الاعتماد " كلمة غير مرغوبة في الوطن العربي بالرغم من أن عددا كبيرا من الدول العربية غير قادر على البقاء بدون القليل من الاستيراد الغذائي .
وقد أفشلت عوائق مماثلة مشاريع توليد الكهرباء في أفريقيا من مياه النيل وتصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي مقابل استيراد المنتجات الزراعية الأوروبية .
من جهة أخرى ، ستحمل " أنابيب السلام " التركية مياه نهري سيحون وجيحون اللذين يصبان مياههما في البحر المتوسط إلى الشرق الأوسط والخليج العربي ، يبلغ طول خطي الأنابيب الشرقي والغربي أكثر من 6,500 كيلومتر ، ومع كلفة مقدرة بأكثر من 20 مليار دولار ، على أن يستمر إنشاء هذه النابيب أكثر من خمسة عشر عاما ، دون ذكر القيود النفسية التي يصعب تجاوزها : لا يريد العرب الاعتماد على الأتراك ، الكويت لا يريد الاعتماد على المياه القادمة من العراق ... الخ .
كذلك ، يعترض الخطة الأردنية لاستيراد مياه الفرات العراقية مشاكل عديدة ، منها أن الأنبوب الممتد على طول 650 كيلو متر سيكون معرضا ومعتمدا على الفرات الذي ينبع من تركيا ، وخاصة أن تركيا تستخدم حاليا كميات كبيرة من مياه الفرات ، ولا تصرّف إلا كميات ضئيلة منه إلى دول المجرى الأسفل ، ويتسبب إنشاء عدد من السدود التركية على الفرات بأزمات كبيرة مع سوريا والعراق .
تحلية المياه :
يبقى الواقع ، أن حاجات دول الوطن العربي قد ازدادت مؤخرا ، فإعادة إعمار لبنان والعراق ، تشير إلى الحاجة لخطة للحصول على مياه جديدة .
المياه المحلاة مصدر آخر لمياه جديدة محتملة تخدم عددا محدودا من المستخدمين تعتبر تحلية المياه خيارا تقنيا للبلدان العربية كافة ، لكنه خيار اقتصادي في حال وجود نفط أو مداخيل أخرى لدعم تكاليف إقامة محطات التحلية وتشغيلها .
والواقع ، إن كلفة إقامة مشروع تحلية لـ 10,000 شخص يعادل كلفة دبابة واحدة ، ومشروع لـ 100,000 شخص يكلف كما تكلف طائرة حربية واحدة .
تجدر الإشارة إلى أن الاستثمار في تحلية المياه القليلة الملوحة ، ومياه البحر أو المياه العادمة المعالجة ، أقل كلفة من محاولة تسوية المنازعات حول الموارد المائية المتاحة والتي أكثرها يتعرض لضغط جائر ؛ كذلك ، فإن تحويل المياه من مكان إلى آخر ، يكلف أكثر من تطوير تقنيات جديدة للتحلية الأقل كلفة .
دولياً ، لقد تمّ إقامة معظم محطات التحلية في الوطن العربي ـ حوالي 70% من محطات التحلية حول العالم ـ : تملك السعودية 26.8 % من القدرة العالمية على التحلية ، الكويت 10.5% ، والإمارات 10% ، في حين تمتلك أمريكا حوالي 12% ، كذلك تأتي البلدان العربية في مقدمة لائحة إقامة محطات التحلية الرئيسية القادرة على إنتاج 4,000 متر مكعب يوميا للوحدة .
قبل عقدين ، في بداية العام 1990ف ، كان هناك 70,000 محطة تحلية حول العالم تعطي 13 مليون متر مكعب يوميا ، وأكثر من 4 مليار متر مكعب في السنة .
وتحلية المياه اليوم هي خيار قابل للتطبيق للاستخدام المنزلي الدائم وليس فقط للمنتجعات المنتشرة في الجزر أو الدول الغنية بالنفط ، كما في الإمارات العربية المتحدة ، التي تستخدم المياه المحلاة بشكل خيالي ومكلف جدا لتأمين المساحات الخضراء في المدن وعلى طول الطرقات الرئيسية .
الجدير بالذكر أن التقنيات المتطورة الخاصة المطبقة هذه الأيام في تحلية المياه قد سهلت العملية التي أصبحت أكثر احتمالا اقتصاديا وتجاريا وفي الوقت نفسه توفير الطاقة واليد العاملة ، وتحلية المياه القليلة الملوحة بدل المالحة يسمح باستخدام برك الطاقة الشمسية .
كما تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من انخفاض الكلفة المحتمل عند استخدام المحطات الضخمة يبقى من غير المنطقي التوقع بأن التحلية ستحل مشكلة تأمين المياه للزراعة في المستقبل القريب في الوقت الحاضر ، تستخدم التحلية فقط لبعض متطلبات مياه الخدمة وبعض الصناعات ؛ وقد أكد على عمق مشكلة المياه في الوطن العربي تعاقب بعض سنوات الجفاف ، وهو ما جعل تحلية المياه ، على الرغم من قصورها ، تحتل مكانة بارزة بين مشاريع التطوير المستقبلية كافة .
النهر الصناعي العظيم :
في الوقت الذي يشتد فيه الحديث عن الأمن الغذائي العربي المفقود وعن احتمالات النقص في موارد المياه ، أو زيادة استهلاك المياه لسكان الوطن العربي ؛ قدم مشروع النهر الصناعي العظيم ويقدم جوابا حاسما لهذه المسائل ، كما يعتبر استجابة فريدة لتحدي نقص المياه في الوطن العربي ، لم يسبق لها مثيل في الضخامة والتقنية .
وإذا كانت أهدافه الظاهرة للعيان هي إيجاد مصدر جديد لمياه في ليبيا ، فإن أهدافه العميقة تتمثل في إحداث تنمية فعلية في البلاد والاستغناء عن أية تبعية للخارج ، فالمياه هي سر الحياة وسر كل حاضرة سادت وازدهرت .
ومثل هذه الأهداف لم تكن ولن تكون شأنا يسيرا في بلد مثل ليبيا تطغى فيه جغرافية الصحراء ولكن الأبحاث والدراسات الجيولوجية للجماهيرية أثبتت وجود مخزون هائل من المياه الجوفية في أحواض الكفرة والسرير ووادي الشاطئ وجبل الحساونة قدر تدفقها بمثل منسوب نهر النيل لأكثر من مائتي عام .
كما أثبت العديد من الدراسات الجدوى الاقتصادية من نقل مخزون المياه هذا إلى المناطق الساحلية الخصبة ذات الكثافة السكانية ، وإلى تخصيب كل المناطق التي يمر بها النهر .
وقد استغرقت الدراسات ومراقبة سلوك آبار المياه الجوفية فترة اقتربت من خمسة عشر عاما ليبدأ في العام 1984 ف تنفيذ المشروع على خمس مراحل هي :
المرحلة الأولى :
تتضمن الجزء الأكبر من منظومة نقل المياه التي تتألف من خطوط تجميع مياه الآبار وخطين لنقل المياه يمتد أحدهما من تازربو إلى بنغازي والثاني من السرير إلى سرت ، ويبلغ طول هذين الخطين معا 1860 كيلو مترا وينقلان مليوني متر مكعب من المياه إلى الشريط الساحلي وتستغرق الرحلة حوالي تسعة أيام .
المرحلة الثانية :
تتدفق المياه في هذه المرحلة من جبل الحساونة بجنوب غرب الجماهيرية متجهة نحو الشمال حتى وصولها مدينة ترهونة لتضخ منه لخزان أبو زيان بغريان ومنه ليغذي منطقة الجبل الغربي ، ويتفرع فرع آخر من هذا المسار متجها شرقا نحو القداحية ومن ثم غربا ليغذي المدن الساحلية الغربية وسهل الجفارة .
وتبلغ كمية المياه المنقولة في هذه المرحلة 2.5 مليون متر مكعب من المياه العذبة يوميا .
المرحلة الثالثة :
تعتبر هذه المرحلة امتدادا للمرحلة الأولى من المشروع .
الغرض منها زيادة معدل تدفق المياه اليومي بمقدار 1.68 مليون متر مكعب أخرى وذلك بربط حقل الآبار الواقع شمال الكفرة بأنابيب نقل مياه المرحلة الأولى بتازربو بواسطة خط جديد لنقل المياه يتم إنشاؤه خلال هذه المرحلة .
المرحلة الرابعة :
تتكون هذه المرحلة من خط أنابيب لنقل المياه يربط خزان التجميع والموازنة باجدابيا بمدينة طبرق ، لتزويدها بحوالي 400 ألف متر مكعب من المياه يوميا .
المرحلة الخامسة :
يتم في هذه المرحلة النهائية ربط خزان سرت النهائي الذي بني خلال المرحلة الأولى مع منظومة المرحلة الثانية بمنطقة جنوب طرابلس وذلك لربط كل خطوط النهر في منظومة واحدة متصلة .
أهداف المشروع :
1 ـ إيقاف الوضع المتردي الذي وصل إليه مخزون المياه الجوفية في المناطق الساحلية ، وإتاحة الفرصة لهذا المخزون كي يستعيد جزءا من المياه التي فقدها في خلال سنوات استنزافه .
2 ـ استزراع واستصلاح مساحات شاسعة من الأرض التي كانت مهملة لعدم وجود المياه الكافية لاستغلالها .
3 ـ تجديد خصوبة الأراضي الزراعية المستغلة حاليا والتي أصبحت مشبعة بالأملاح نتيجة تسرب مياه البحر إلى مخزون الماء الجوفي في تلك المناطق .
4 ـ تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي بالمواد الغذائية الرئيسية مثل الحبوب واللحوم .
5 ـ خلق صناعات خفيفة في المناطق التي تستفيد مباشرة من مياه المشروع .
6 ـ دعم الصناعات القائمة حاليا مما يسهم في زيادة إنتاجها الصناعي لما سيوفره المشروع لها من مياه ضرورية .
7 ـ إفساح الأمل أمام بعض المدن والقرى في اطراد النمو والازدهار بعد أن كانت مهددة بالعطش والتوقف عن النمو .
8 ـ تشجيع سكان المناطق الريفية على البقاء في مناطقهم التي ستصبح مراكز زراعية توفر لهم سبل الحياة الكريمة وعدم الهجرة إلى المدن الرئيسية مثل طرابلس وبنغازي .
9 ـ خلق مجالات جديدة للعمل في المجتمع مما يؤدي إلى القضاء على البطالة أو تقليصها إلى حد كبير خصوصا عندما تغدو المواد النفطية محدودة في المستقبل .
10 ـ الإسهام في رفع مستوى معيشة الشعب العربي الليبي بصورة عامة .
حسابات الجدوى :
كانت تلك أهداف المشروع أما عن حسابات الجدوى فتكاليف المرحلة الأولى الاستثمارية بالإضافة إلى تكاليف التشغيل إذا ما قسمت على كمية المياه المنتجة لتبين أن تكلفة المتر المكعب من النهر الصناعي ستكون ما بين 70 إلى 160 درهما بينما تكلفة المتر المكعب من تحلية مياه البحر يكلف ما بين 320 إلى 620 درهما .
وقد قدر العمر الإنشائي للمشروع بخمسين عاما أما حجم المخزون المائي فقد اختلفت حوله التقديرات ، فخزان الكفرة مثلا كان أكبر تقدير له 21 ألف كيلو متر مكعب ( الكيلو متر المكعب 1000 مليون متر مكعب ) وكان أقل تقدير 3400 كيلو متر مكعب .
وهذا يعني أنه لو تم ضخ 3 ملايين متر مكعب يوميا من الماء فإن الكيلو متر المعب يكفي لمدة سنة ؛ " إذاً لو أخذنا بأكثر التقديرات تشاؤما واستغللنا 10 % فقط من الحوض فإن يكون لدينا مياه تكفينا لمدة 340 سنة وهذا أكثر مما نتمنى " على حد قول أحد المهندسين عندما سئل عن مخزون المياه .
بعد خمسين سنة ( العمر الإنشائي للمشروع ) وعندما ينزل منسوب المياه لن تكون هناك حاجة إلا إلى عمل بدايات جديدة للنهر لا تبعد عن البدايات الحالية بأكثر من عشرات الأمتار .
النتائج الاقتصادية للنهر الصناعي :
لم يكن من الممكن نتائج اقتصادية عديدة في ليبيا أن تتحقق لولا التحدي العربي الليبي الصلب لتنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم والذي يهدف في نهاية مراحله إلى زراعة واستثمار 155 ألف هكتار من الأراضي أي ما يعادل نصف مليون فدان ، بدأ العمل في استصلاح واستغلال 168 ألف فدان في سهل جنوب بنغازي ومنطقة سرت يتم زراعتها بواسطة مياه المرحلة الأولى التي تنهمر مياهها بمساحات ضخمة من القمح والشعير والبقوليات والذرة والبرسيم والعلف الحيواني لتأمين حاجيات البلاد من هذه المواد الغذائية الاستراتيجية مع تخصيص مساحات لزراعة الفواكه والخضراوات لتغطية الاستهلاك المحلي .
وقد انتهت الدراسات الاستثمارية إلى تقسيم المزارع إلى نوعين .. مزارع كبيرة مساحة كل منها ما بين 4 آلاف إلى 6 آلاف فدان ، ومزارع صغيرة مساحة كل منها 18 فدانا .
وتخصص المزارع الكبيرة لزراعة الحبوب والإنتاج الحيواني باعتبار كل مزرعة وحدة إدارية وزراعية مستقلة بذاتها تحت إشراف مركز خدمة زراعية بكل منطقة وتعتمد على الميكنة الزراعية الحديثة واستخدام المرشات العليا المركزية " المطر الصناعي " لري المزروعات بحيث تعتبر المزرعة مساحة مثلىللوحدة الاقتصادية الإنتاجية .
أما المزارع الصغيرة فتخصص لإنتاج الفواكه والخضراوات وتتم إدارتها بواسطة شاغليها من الأفراد مع إرشادهم من قبل مهندسي المشروع بمركز خدمات المنطقة مع تجهيز المزرعة ببعض المعدات الميكانيكية الضرورية .
كما تضمنت الخطة الزراعية إنشاء وحدات إدارية ووحدات يانة وورش مركزية لإصلاح المعدات والآلات الزراعية .
كما تتعاظم الأهمية الاقتصادية لمشروع النهر الصناعي في مجال الاستثمارات الصناعية وذلك باستخدام مياه المشروع في المجمعات الصناعية الكبيرة مثل مجمع رأس لانوف .. ومجمع البريقة الصناعية في الحصول على المياه اللازمة لاستعمالاتها مما يخخف العبء عن هذه المجمعات التي تجد الآن صعوبة في الحصول على المياه الصالحة في تلك المناطق وبذلك يتركز تفكير القائمين على إداراتها على أمور التصنيع وتتوفر لهم مياه أكثر اقتصادا مما لو اتجه تفكيرهم إلى توفيرها بتحلية مياه البحر ..
كما أن مياه المشروع سوف تحل العديد من المشاكل لسكان الكثير من المدن والقرى الليبية الذين يعانون من قلة وجود الماء ورداءته وذلك بتقديم أفضل الحلول الاقتصادية والفنية فيما لو كان البديل هو تحلية مياه البحر الذي يتكلف أربعة أضعاف الوحدة من مياه مشروع النهر .
ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع مساهمة جبارة في سد الاحتياجات من الغذية وحتى في التصدير ، وتؤكد الدراسات أنه في الإمكان زراعة 85 ألف هكتار من الأرض شتاء في الجنوب وهذا ما يكفي الاحتياجات ويزيد ؛ ويمكن زراعة مائة ألف هكتار من الأراضي صيفا بالحبوب والأعلاف ، كما يمكن تربية ثلاثة ملايين رأس غنم ونصف مليون رأس من الأبقار .
تنمية الموارد المائية:
إن فقر دول العالم الثالث عموما بالموارد المائية، بالإضافة إلى تزايد الضغط عليها من جراء زيادة السكان، والحاجة المتزايدة إلى الغذاء، يطرح بإلحاح مسألة التأمين المائي في المستقبل. ومع أن الخيارات المتاحة معروفة على نطاق واسع، غير أنها متفاوتة من حيث أهميتها الاستراتيجية ومن حيث متطلباتها الفنية والاقتصادية ، سوف نحاول التوقف عندها بإيجاز :
أ ـ يتفق العديد من المهتمين بالشأن المائي على أن الحل الاستراتيجي لمشكلة نقص المياه يتمثل في تحلية مياه البحر ، خصوصا وان حوالي (70) بالمائة من سكان العالم يعيشون ضمن مسافة خمسين ميلاً عن شواطئ البحار والمحيطات ؛ غير أن ما يحول دون الاستفادة من هذا المورد المائي اللامحدود نظريا هو ارتفاع تكاليف تحلية المياه. تشير بعض الدراسات إلى أن كلفة كل م3 من المياه المحلاة في المحطات العاملة حاليا في العالم تتراوح بين دولار واحد و(4.62) دولار ، وهي في قبرص (1.05) دولار، وفي استراليا(1.69) دولار،وفي بلجيكا(0.85) دولار،وفي كندا(0.43)دولار،وفي فلندا(1.02)دولار،وفي فرنسا(1.06) دولار ، وفي ألمانيا (1.4) دولار،وفي إيطاليا (1.36) دولار،وفي المملكة المتحدة (0.93) دولار، وفي الولايات المتحدة الأمريكية (0.43)دولار .
وفي دراسة أجريت مؤخرا في ولاية فلوريدا الأمريكية تبين أن كلفة إنتاج كل م3 من المياه من المصادر الجوفية تتراوح بين (0.28) دولار و(12.5) دولار بحسب طبيعة الحوض الجوفي.في حين تراوحت هذه الكلفة بين (0.25) و(0.38) دولار من المصادر السطحية، وبين (0.38) و(0.98) من المياه قليلة الملوحة، وبين (0.88) و (1.13) دولار من مياه البحر المحلاة .
بالنسبة للوطن العربي فإن البحار تحيط به من كل جانب ، وهي بلا شك المصدر الاستراتيجي الأكثر أهمية للحصول على المياه المحلاة لتامين احتياجات السكان على المدى البعيد. ويبقى كل ذلك رهن التطورات العلمية و التكنولوجية المتعلقة بتحلية المياه ،وبالأخص تطوير استخدامات الطاقة الشمسية، المتوفرة كثيراً في الوطن العربي، في عمليات التحلية مما يقلل من كلفتها.
وإذا صحت ابتكارات العالم البريطاني ستيف سالتر المتعلقة بتوليد المطر محلياً من تبخير مياه البحر بواسطة توربينات تركب على اطواف عائمة، فإن كلفة تحلية المياه سوف تنخفض بصورة حادة، بحيث تصبح دولار واحد لكل 500 م3 ، وهذا الرقم يقل بأكثر من ألف مرة عن كلفة إنتاج الماء بتقنيات تحلية مياه البحر المستخدمة حالياً .
ب- على المدى المتوسط والبعيد نسبيا، يمكن إيجاد حلول لمشكلات نقص المياه من خلال التعاون الإقليمي، ففي تركيا على سبيل المثال فائض كبير من المياه، فمن أصل نحو 180 مليار م3 من المياه المتاحة في تركيا، يستخدم منها نحو 25 مليار م3 فقط ؛ أيضا ثمة في أعالي النيل، في هضبة البحيرات العظمى وفي الهضبة الأثيوبية إمكانيات كبيرة لتنمية موارد النيل المائية. فقناة جونجلي التي توقف العمل بها نتيجة الأحداث في جنوب السودان يمكن أن تضيف نحو 18 مليار م3 إلى مجرى النيل. كما أن رفع منسوب المياه في بحيرة فكتوريا بمقدار مترين إلى ثلاثة أمتار يمكن أن يزيد كمية المياه المخزنة فيها بمقدار يزيد عن 70 مليارم3.
غير أن ما يحول دون تنمية وإدارة الموارد المائية الإقليمية بصورة جماعية والاستفادة منها على الأسس الاقتصادية، وجود الخلافات السياسية بالدرجة الأولى، إلى جانب ضعف الإمكانات الفنية والاقتصادية لدى دول المنطقة، والتدخلات الخارجية المبنية على حساباتها الاستراتيجية .
ج - المصادر السطحية للمياه محدودة كما أصبح ذلك واضحاً، وهي في مجملها مياه دولية ، وبالتالي فهي موضع خلاف بين الدول المتجاورة . وإن تنمية هذا المورد المائي الهام، على الرغم من محدوديته، تطرح في المقام الأول مسألة إيجاد اتفاقيات تحدد حقوق الأطراف المشتركة فيه ومن ثم تنظيمه وإدارته بصورة مشتركة. وفي هذا المجال من الأهمية بمكان إنشاء السدود والخزانات المائية على مجاري الأنهار وفي الأودية الفيضية والأحواض الصبابة لتجميع المياه الجارية ومياه الأمطار والاستفادة منها في تنمية الزراعة المروية من أجل إنتاج الغذاء.
د – وعلى سبيل المثال في الوطن العربي موارد مائية جوفية مهمة، كنا قد أشرنا إلى ثلاث أحواض عملاقة هي أقرب إلى البحار تحت أرضية . إلى جانب هذه الأحواض المائية الجوفية العملاقة تنتشر الأحواض المائية الجوفية الصغيرة في جميع الدول العربية وخاصة في دول المشرق العربي، وتشكل مصدرا مهما للموارد المائية فيها.
إن تنمية الموارد المائية الجوفية يطرح فيما يطرح ضرورة تنظيم الانتفاع بها في حدود السحب الأمن، وهذه مسألة في غاية الأهمية نظراً لما تتعرض له الأحواض المائية الجوفية في العديد من الدول العربية من استنزاف، أدى إلى جفاف العديد منها أو ارتفاع تكاليف الحصول على المياه منها.
من جهة أخرى لا بد من التفكير الجدي في كيفية تخزين مياه الأمطار في الأحواض الجوفية والاستفادة من بعض التجارب الرائدة في هذا المجال وخصوصا تجربة "إسرائيل".
هـ - وفي إطار التنمية الإيجابية للموارد المائية لا يمكن تجاهل موارد الصرف الصحي والصرف الزراعي إذ يمكنها في حال توفرت الإمكانيات الاقتصادية والفنية الضرورية تأمين كميات مهمة من المياه، بل يمكن نظريا،على الأقل، الوصول إلى وضعية الدوران المغلق للمياه المستخدمة في المنازل وفي الصناعة ، وتجدر الإشارة هنا إلى النموذج الأوروبي والغربي عموما في الاستفادة من مياه الصرف الصحي بتنقيتها وتكريرها حتى تعود صالحة للاستخدام .
ترشيد استعمالات المياه :
إن التنمية الإيجابية للموارد المائية لها حدودها النظرية والعملية وهي مكلفة اقتصاديا وتتطلب زمنا طويلا، غير أن التنمية السلبية للموارد المائية المتاحة ، أي ترشيد استعمالاتها فهي في متناول اليد ولا تتطلب إمكانيات اقتصادية أو فنية كبيرة . في هذا الصدد يمكن التركيز على المجالات التالية:
أ- استخدام طرق الري الحديثة :
من المعروف أن طرق الري الأكثر استخداما هي طرق الري بالغمر،وهي طرق غير مكلفة اقتصاديا ولا تتطلب إمكانيات فنية تذكر لكنها تتميز باستهلاكها الكبير للمياه ، وهي ضعيفة الكفاءة الاقتصادية وقد تتسبب في تملح التربة. لذلك من الإجراءات الملحة على صعيد ترشيد استعمالات المياه الانتقال من طرق الري بالغمر إلى طرق الري بالرش أو إلى طرق الري بالتنقيط حيثما كان ذلك ممكنا من الناحية الفنية . تشير الدراسات إلى أن الري بالرش يوفر ما بين65 بالمائة و75 بالمائة من إجمالي الكمية المطلوبة للري بالمقارنة مع الري بالغمر ؛ أما الري بالتنقيط فإنه علاوة على تأمينه المياه بحدود 75 إلى 100 بالمائة من السعة الحقلية الضرورية للنباتات، فهو يوفر أيضا بحدود 20 إلى 30 بالمائة من كمية المياه التي يستعملها بالمقارنة مع طرق الري بالرش. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الزراعة هي المستهلك الرئيسي للمياه في العالم أصبح واضحا حجم المياه التي يمكن توفيرها واستخدامها من جديد في ري مساحات إضافية من الأراضي الزراعية.
ب - منع الهدر والضياع في شبكات نقل المياه :
في معظم دول العالم الثالث ، كمية كبيرة من المياه المستعملة في المنازل(25% من الحجم الكلي) تضيع في الشبكات الناقلة نتيجة لقدمها وافتقارها إلى الصيانة اللازمة.أما بالنسبة لمياه الري فإن قسما مهما منها يضيع عن طريق البخر أو التسرب من جراء استخدام شبكات النقل المكشوفة، وخصوصا الترابية منها كما هو حال الترع في مصر . في هذا المجال من الأهمية بمكان الانتقال من الشبكات المكشوفة لنقل المياه إلى شبكات النقل بالأنابيب التحت أرضية منعا لتسرب المياه أو تبخرها،بالإضافة إلى أن النقل بالأنابيب يؤمن الضغط اللازم للري بالرش أو بالتنقيط ويحول دون إشغال الأراضي الزراعية بالمنشآت الهندسية.
ج - البحث عن تراكيب محصولية أكثر توفيراً للمياه :
من المعروف أن المحاصيل الزراعية تختلف اختلافا كبيرا من حيث حاجتها للمياه،و إن تعظيم العائد الاقتصادي من كل وحدة مائية مسألة في غاية الأهمية . فعلى سبيل المثال يحتاج إنتاج الطن الواحد من السكر إلى 1672 م3 من المياه في حال زراعة الشوندر السكري،وإلى 2413 م3 في حال زراعة قصب السكر،ويتطلب إنتاج كل طن من الحليب نحو1767 م3 من المياه،في حين يتطلب إنتاج كل طن من اللحم نحو7500م3...الخ. بالطبع لا يمكن تكييف الزراعة بالعلاقة مع عامل توفير المياه فقط ،فهناك عوامل أخرى لا تقل عن عامل المياه أهمية مثل العوامل المناخية ومدى توفر الأرض الزراعية ورأس المال ..الخ . مثلا كل هكتار مزروع شوندر سكري يمكن أن يعطي نحو 3.75 طن من السكر، وفي حال زراعة قصب السكر يمكن الحصول على 10 طن من السكر.وبالتالي بحسب عامل المياه تكون الأفضلية للشوندر السكري أما من ناحية عامل الأرض فإن الأفضلية هي لقصب السكر.في هذا الإطار يجب النظر بجدية في استيراد المنتجات الغذائية المكثفة للعامل المائي، واستبدالها بزراعات أقل تطلبا للمياه.
د - تطوير إدارة الموارد المائية :
يجري الحديث في هذا المجال ليس فقط حول تطوير بنية المؤسسات الإدارة المناط بها شؤون المياه وتطوير قاعدة البيانات وتحسين مستوى المتابعة والإشراف، بل وتطوير النظام التشريعي الناظم لقضايا المياه مما يجعل من مسألة هدر المياه أو التعامل غير المسؤول معها قضية جنائية.أضف إلى ذلك لا بد من استخدام اللوائح الاقتصادية من أسعار وضرائب وغرامات وغيرها كعناصر لا غنى عنها في مجال الإدارة المتكاملة للمياه.
هـ - تطوير العلاقات التكاملية بين البلدان في مجال التنمية الزراعية مما يحقق أفضل تخصيص للموارد المتاحة بما فيها المياه، والاستفادة من المزايا النسبية في كل بلد لتنمية الزراعات الملائمة. وللأسف الشديد لا تزال الإمكانيات التي يتيحها التعاون والتكامل في مجال التنمية الزراعية غير مستفاد منها بسبب الخلافات السياسية والتدخلات الخارجية. فهناك بلدان تتوفر لديها الأراضي الزراعية الشاسعة والمياه لكن لا تتوفر لديها الإمكانيات المالية مثل السودان وسورية،وهناك بلدان تتوفر لديها رؤوس الأموال لكن لا تتوفر لديها الأراضي الزراعية ولا المياه مثل دول الخليج العربي...الخ. فالتجارة البينية لا تزال بحدود 7 إلى 9 بالمائة من إجمالي التجارة .
و - تنمية ثقافة مائية جماهيرية : إن مسألة خلق ثقافة مائية جماهيرية لضمان سلامة التعامل مع الموارد المائية مسألة في غاية الأهمية، خصوصا وان المياه في تناقص والسكان في ازدياد. لم يعد يكفي الحديث عن مقننات استهلاك المياه في الزراعة أوفي الصناعة أو في المنازل، بل لا بد من ترسيخ الاعتقاد بها على أوسع نطاق مما يحفز على خلق سلوك مطابق.
إن مظاهر الهدر والتبذير في المياه تكاد تكون ظاهرة عامة، فليس سهلا تحويل الموقف من موضوع المياه إلى قيمة أخلاقية وسلوكية عامة. المر يتعلق بوجود إنسان ثقافي جديد يصعب تكوينه في ظروف التخلف. مع ذلك لا بد من تكثيف العمل في سبل ذلك خصوصا على الصعيد الإعلامي والثقافي وتوعية المواطنين بخطورة المشكلة، بل قد يكون من المفيد تدريس الأمن المائي في المدارس وتعميمه في الخطاب الديني والسياسي.
ز - بناء قاعدة علمية بحثية متخصصة بالشان المائي :
للأسف الشديد تفتقر أغلب دول العالم الثالث إلى المراكز الأبحاث العلمية المتخصصة بالمياه، وما هو موجود منها يفتقر إلى البنية التحتية العلمية الضرورية، وإلى الكوادر المختصة والخبيرة. أضف إلى ذلك لا بد من بناء شبكة معلومات مائية حديثة للرصد والمتابعة وإجراء القياسات لمختلفة، والكشف عن مصادر التلوث لحماية المصادر المائية منها. يجب أيضا إيلاء أهمية خاصة لموضوعة المقننات المائية، وتحديدها بدقة بحسب العوامل المؤثرة عليها.
علاج مشكلة المياه :-
تشير مصادر دولية إلى أن الاستثمارات في مجال المياه ، أخذت تتزايد بصورة كبيرة لتلبية احتياجات دول المنطقة للمياه ومعالجة مشاكلها، وتحدثت المصادر عن مبلغ 250 مليار دولار ينبغي وضعها في استثمارات المياه المنطقة ، في غضون العشر سنوات القادمة، وأن نحو نصف المبلغ، ينبغي أن يخصص لتطوير مشاريع تحلية المياه اللازمة في ظل النمو السكاني والتوسع العمراني الذي تمر فيه، كما ينبغي أن تشمل الاستثمارات في هذا المجال مشروعات معالجة المياه العادمة المكونة من مياه الصرف الصحي ومخلفات المصانع وغيرها، إضافة إلى تجديد الشبكات المائية القائمة، التي تسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، لأنه ما لم يتم القيام بذلك، فإن كوارث بيئية ستحصل من جهة، وسيكون من الصعب حل مشكلة المياه وسوف تزداد تكاليف تأمين مياه نقية في البلدان النامية .
وتطرح قيمة الاستثمارات المالية الكبيرة في موضوع المياه مشكلة المياه في العالم الثالث وما يحيط بها من تحديات متعددة الأبعاد والمستويات، لابد من معالجتها، في ظل حقيقة أن مشكلة المياه لها امتدادات وتأثيرات تتجاوز الواقع ، إذ هي عامل من عوامل الصراع والاستقرار في المستوى الإقليمي.
فالبلدان العربية مثلا تقع في منطقة جغرافية شديدة الجفاف، إضافة إلى وجود نحو نصف مساحة البلدان العربية في مناطق الصحراء الجافة التي تغطي مساحات واسعة من أغلب دول المنطقة العربية، التي يقع أكثرها خارج خط المطر الغزير. إذ لاتتجاوز معدلات سقوط الأمطار في أحسن حالاتها الـ 450 مم، وهي تمثل نحو سدس مثيلاتها الأوربية، التي يصل أعلاها إلى ثلاثة آلاف مم سنوياً، وتؤثر هذه الوقائع على تجديد المصادر المائية المحلية، مما يجعلها شديدة الضعف في اغلب البلدان العربية.
أما العامل الثاني المؤثر في موضوع المياه العربية، فهو وجود مصادر المياه الجارية في خارج تلك البلدان، والأمر في هذا لا ينطبق فقط على واقع الأنهار الرئيسية الثلاثة وهي الفرات ودجلة والنيل، إنما يتجاوزها إلى كثير من الأنهار الموجودة في العراق وسورية، والتي تنبع من إيران وتركيا.
ومنذ قيام إسرائيل في قلب المنطقة، ظهر عامل ثالث شديد التأثير في الموضوع المائي العربي، فقد أخذت الدولة العبرية تتعدى على الموارد المائية للدول العربية المجاورة ولاسيما سورية ولبنان، إضافة إلى استيلائها شبه الكامل على الموارد المائية للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة وتسخيرها في خدمة المستوطنين الإسرائيليين.
لقد جعلت تلك المعطيات الواقع المائي العربي شديد التدهور، وجعلته يترك آثاراً وبصمات ثقيلة على الإنسان العربي واحتياجاته الأساسية من المياه، الأمر الذي تبينه مؤشرات من بينها انخفاض نصيب الفرد العربي من المياه إلى أقل من ألفي متر مكعب سنوياً، وهو لا يعادل سوى أقل من سدس المعدل العالمي لنصيب الفرد من المياه والبالغ نحو ثلاثة عشر ألف متر مكعب في العام، وهذا مؤشر يعكس واقع التردي العربي في موضوع المياه.
ورغم أن ترديات الواقع المائي العربي تدفع إلى اتباع سياسات إقليمية هدفها معالجة ذلك التردي وحل مشاكل المياه، فإنه لم تُرسم وتُتابع سياسات عربية، منذ أن فشلت الدول العربية في تطبيق سياسة تمنع إسرائيل من الاستيلاء على موارد نهر الأردن طبقاً لقرارات القمة العربية الأولى على 1963، مما فتح الباب أمام سياسات مائية يتابعها كل واحد من البلدان العربية بصورة منفردة، واقتصر التشارك في السياسات المائية العربية على التشاور والتنسيق بين بلدين عربيين أو أكثر على نحو ما يجري في موضوع مياه الفرات من تنسيق سوري - عراقي، أو تنسيق سوري - أردني في موضوع روافد نهر الأردن، وتنسيق مصري -سوداني حول موضوع مياه النيل.
وكان من ثمرة السياسات المائية القطرية، أن اتجهت بلدان الخليج العربية إلى إقامة محطات تحلية مياه البحر لتوفير القسم الأساسي من احتياجاتها المائية، إضافة إلى إقامة محطات تنقية المياه وتجديدها، للتغلب على النقص المتزايد من المياه نتيجة الزيادة في أعداد السكان من جهة، ونمو احتياجات التنمية الزراعية والصناعية من المياه في تلك البلدان من جهة ثانية، فيما سعت بلدان عربية أخرى إلى حل مشاكلها المائية، إما باللجوء إلى مصادر المياه الباطنية القابلة للنفاذ، أو بالسير نحو تقنيات تحلية مياه البحر، وتجديد شبكات نقل المياه، وأغلب هذه الحلول ذات أكلاف عالية، وهي تتجاوز حقيقة الاستفادة الأفضل والأرخص من مياه الأنهار الكبرى الجارية في المنطقة، التي تتشارك فيها بلدان عربية ومجاورة مثل تركيا وإيران وبلدان منابع النيل، بحيث تعم فائدة التعاون في موضوع المياه على الجميع .
--------------------------------------------------------------------------------