صفحة 1 من 1

اول معـاهدة سلام مكتوبة تعود لاكثر من 1278 سنة قبل الميلاد

مرسل: الخميس مارس 31, 2011 1:11 pm
بواسطة خالد البارقي 1
العلاقات الوثيقة بين مصر و سوريا لا ترجع الى العصر الاسلامي او العربي فحسب. و لكنها تسبق دلك بالاف السنين. و معاهدات الدفاع المشتركك التي ابرمت بين سوريا و مصر في السنوات السابقة. لا تكاد تختلف كثيرا عن المعاهدة التي ابرمت بين خاتوسيليس الثالث ملك الحيثيين. و هي مملكة كانت تقوم في منطقة سوريا الان. وبين رمسيس الثاني سنة 1278 قبل الميلاد.

تلك المعاهدة تعتبراقدم معاهدة مكتوبة عرفت في التاريخ بين دولتين على قدم المساواة تصلنا كاملة النصوص بفضل النسخة المصرية التي عثر عليها المنقبون الاثريون في "تل العمارنة" سنة 1886 وصورها المنقوشة على جدران معبد الكرنك و معبد الرمسيوم. و النسخة الحيثية التي وجدت في بوغاز كوى في الاناضول عام 1906.

و مما تجدر ملاحظته. انه على غير ما هو مالوف في المعاهدات المعاصرة. فان النص المصري ليس مطابقا كل المطابقة للنص الحيثي. و لكنه يختلف عنه. و من امثلة هدا الخلاف بين النصين انه جاء في النص المصري ان الملك الحيثي ارسل رسلا الى رمسيس الثاني لطلب الصلح. اما النص الحيثي فيدكر ان رمسيس الثاني هو الدي طلب الصلح من الملك الحيثي. و يظهر ان الهدف من دلك ان يحتفظ كل من الملكين بكرامته امام شعبه.

و لم يرد في المعاهدة تعيين للحدود التي تفصل بين اقاليم كل من الدولتين. بخلاف المعاهدات الحديثة التي تنص على دلكك نصا وافيا.



و تتحدث المعاهدة ايضا عن مبدا الدفاع المشترك ضد اي عدوان على احدى الدولتين من الخارج. و فيها الزام بتبادل المساعدات ادا قامت اضطرابات داخلية في احدى المملكتين. و هدا النص يشبه ما تضمنه اتفاق قيام اتحاد الجمهوريات العربية الدي تم بين مصر و ليبيا و سوريا في سنة 1971.

و مما تتناوله المعاهدة كدلك مسالة تسليم اللاجئين السياسيين لبلادهم. ووضع قواعد خاصة بحسن معاملتهم عقب ترحيلهم الى وطنهم. و هي في دلك تختلف عن المعاهدات الحديثة التي تنص على تسليم المجرمين العاديين و تمنع تسليم اللاجئين السياسيين.

و تدكر المعاهدة اسماء من شهدوا توقيعها. و لكنهم ليسوا افرادا كما هو الوضع في المعاهدات الدولية الحديثة. و انما هم الهة من معبودات الدولتين. و يبدوا ان الهدف من دلك هو ان يصبح نقض المعاهدة او الخروج على نصوصها اثما دينيا كبيرا يغضب الالهة.و اهمية تلك المعاهدة التي هي اقدم وثيقة في القانون الدولي وصلت الينا مكتوبة كاملة الصياغة و النصوص. انها تؤكد ان رغبة دول الشرق الاوسط في الترابط و التعاون و الوحدة ليست وليدة اليوم. و لكنها ضرورة لازمت هدا الشرق مند ما يزيد على ثلاثة الاف سنة.
فماذا تقول نصوص هذه المعاهدة؟

«السنة الحادية والعشرون، الشهر الأول من فصل الشتاء اليوم الواحد والعشرون فى حكم جلالة ملك الوجه القبلى والوجه البحرى رعمسيس مرى آمون معطى الحياة أبدا ومخلدا محبوب آمون رع.... فى هذا اليوم أتى رسول ملك خيتا العظيم خاتو سيل إلى الفرعون ليرجو الصلح من جلالته... وقد ابتدأ بهذا اليوم بإبرام صلح طيب وإخاء حسن بيننا أبدا... ولن يعتدى رئيس خيتا العظيم على أرض مصر أبدا بأخذ أى شىء منها، ولن يعتدى حاكم مصر العظيم على أرض خيتا لأخذ أى شىء منها أبدا... وإذا أتى عدو آخر لأراضى حاكم مصر العظيم وأرسل إلى رئيس خيتا العظيم قائلا تعال معى مساعدا عليه فإن على رئيس خيتا العظيم أن يذبح عدوه... وإذا أتى عدو آخر على أرض خيتا وأرسل ملك خيتا العظيم إلى ملك مصر العظيم قائلا تعال إلى لمساعدتى عليه فعلى الملك العظيم ملك مصر أن يرسل جنوده وعرباته...».

وتتوالى نصوص المعاهدة وموادها فى قرابة عشرين فقرة تنظم العلاقات السلمية الجديدة بين الدولتين، تكشف هذه المعاهدة التى تعتبر من أقدم المعاهدات السلمية فى تاريخ الإنسانية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، عن خصائص العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم القديم، كما تكشف جوانب من تاريخ مصر الدبلوماسى فى عصر الدولة الحديثة، فالمعاهدة جاءت بعد فترة طويلة من النزاعات بين مصر والحيثيين لترسخ سلاما دائما بين البلدين بعد أن فشلت الحروب فى حسم الصراع بينهم، وهى تعكس القدرات السياسية لرمسيس الثانى بعد أن كشفت معاركه الحربية عن قدراته العسكرية... كما أن نصوص المعاهدة تعرفنا ببعض المفاهيم الإنسانية فى هذه الفترة المبكرة، كمنح الأمان للاجئين السياسيين من الطرفين، مع التأكيد على حقهم فى العودة إلى وطنهم دون أن يتعرضوا لأذى.
إنها صفحة من التاريخ الدبلوماسى لمصر وللشرق القديم