منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#34143

تبوَّأ الخليفة عمر بن عبد العزيز مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي لم ينلها إلا الأفذاذ من القادة والفاتحين، والجهابذة من أئمة العلم، والعباقرة من الكتاب والشعراء. ويزداد عجبك حين تعلم أنه احتلّ هذه المكانة بسنتين وبضعة أشهر قضاها خليفة للمسلمين، في حين قضى غيره من الخلفاء والزعماء عشرات السنين دون أن يلتفت إليهم التاريخ؛ لأن سنوات حكمهم كانت فراغًا في تاريخ أمتهم، فلم يستشعر الناس تحولا في حياتهم، ولا نهوضًا في دولتهم، ولا تحسنا في معيشتهم، ولا إحساسًا بالأمن يعمّ بلادهم.

وهذا يجعلك تؤمن بأن القادة والزعماء يدخلون التاريخ بأعمالهم التي تغير تاريخ أمتهم لا بالسنوات التي عاشوها يحكمون؛ فالخليفة العباسي الناصر لدين الله قضى ستًا وأربعين سنة في منصب الخلافة (575هـ- 622هـ= 1179-1225م)، ومضى دون أن يحفر لنفسه مكانًا في تاريخ أمته، في الوقت الذي قضى فيه "سيف الدين قطز" سلطانًا في مصر نحو عام، نجح أثناءه في إلحاق أكبر هزيمة بالمغول في "عين جالوت"، وإعادة الثقة في نفوس المسلمين..

وكان عمر بن عبد العزيز واحدًا ممن دخلوا التاريخ بأعماله العظيمة وإدارته العادلة للدولة، حتى تجدد الأمل في النفوس أنه بالإمكان عودة حكم الخلفاء الراشدين واقعًا ملموسًا لا قصصًا تُروى ولا أماني تُطلب ولا خيالاً يُتصوَّر، بل حقيقة يشهدها الناس، وينعمون بخيرها..

واحتاج عمر بن عبد العزيز لإحداث هذا التغيير في حياة الأمة إلى ثلاثين شهرًا، لا إلى سنوات طويلة، ولهذا دلالته؛ حيث إن الأمة كانت حية نابضة بالإيمان، مليئة بالرجال الذين يجمعون -إلى جانب الصلاح- القدرة والكفاءة، ولو كانت الأمة مُجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر أن يقوم بهذا الإصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة..

الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز
هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه ليلى أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولد عمر بن عبد العزيز سنة 62هـ ،على خلاف في ذلك، وكانت ولادته في المدينة، على خلاف في ذلك أيضاً ، حيث ترى بعض الروايات أنه ولد في حلوان في مصر، ، والراجح أنه ولد في المدينة لأن والده لم يتول ولاية مصر إلا سنة 65هـ.




خلافته:
كان الخليفة سليمان بن عبد الملك بناء على مشورة من العالم الجليل رجاء بن حيوة الكندي، الذي كان مقرباً من سليمان يأتمنه ويأخذ برأيه، قد عهد بالخلافة من بعده إلى عمر بن عبد العزيز وبايع الناس على ذلك فلما أعلنت وفاته تلي الكتاب الذي حصلت البيعة عليه فإذا فيه أن الخليفة عمر بن عبد العزيز فحاول رحمه الله أن يزيحها عنه فلم ينفع وقام ا لناس فيايعوه فقال لهم إذا بايع أهل الأمصار ورضوا بي خليفة وإلا فأنا منها بريئ فما لبث أن جاءته البيعة من أهل الأمصار أيضا واتفق الناس عليه . فلما لم يجد بدا من تولي الخلافة على كره منه رحمه الله قام بها على أحسن وجه فأعاد سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وكان يتمثل الوقوف أمام الله يوم الحساب في كل شيء يفعله.





نشأته وطلبه للعلم :

عني أبوه بتربيته واستصلاحه منذ نشأته، فكتب إلى صالح بن كيسان بالمدينة أن يتعاهده ويرعاه، وكان صالح يلزمه الصلاة، فأبطأ يوماً عنها فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ بك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة! وكتب إلى أبيه بذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولاً فلم يبارحه حتى حلق شعره.
وقد استفاد عمر بن عبد العزيز كثيراً من العلماء الذين كانوا بالمدينة المنورة التي كانت في ذلك الوقت مركزاً لعلم والعلماء وقد تفقه عمر في الدين على يد أساتذة أجلاء من الصحابة. ومنهم أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومن كبار التابعين ومنهم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر كما أخذ عمر بحظه من الثقافة الأدبية وملأ سجله منها، وقد حدث عن نفسه فقال: "لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان ثم تاقت نفسي إلى العلم بالعربية والشعر فأصبت منه حاجتي". صفاته وأخلاقه: كان عمر بن عبد العزيز كريم الشمائل، حميد السجايا، رفيع الخلق فاضله، ولا نغالي إذا قلنا إنه يعد في عصره المثل الأعلى للرجل الكامل، إذ اجتمع له من مكارم الأخلاق وشريف الآداب ما لم يعرف لأحد من معاصريه، وها نحن نورد طرفاً من أخباره نتبين منه في جلاء أنه بلغ الذروة من شم الشيم، وعالي الهمم فنقول:

كان عمر لا ينكث وعده، ولا ينقض عهده، يعتقد الحق فيجاهر به ولا يتهيب فيه غضبة السلطان ونقمته، فقد أراده الوليد بن عبد الملك إبان خلافته على أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع أخاه سليمان من ولاية العهد فقال له: يا أمير المؤمنين إنا بايعنا لكما في عقدة واحدة فكيف نخلعه ونتركك!. -






أهم أعماله والأحداث في عهده:

أولاً: الناحية الاجتماعية: عندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، بدأ بنفسه وأهل بيته، فأعاد الأراضي التي وهبت له ولزوجته وأولاده من بيت مال المسلمين، وطلب من بني أمية إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه حق، كما جلس ينظر في مظالم الرعية، فأعاد إلى الناس ما اغتصبه أفراد أسرته منهم، وطلب من موظفي الدولة والعمال مراعاة الحذر في أموال الدولة، وعدم استخدامها للحاجات الشخصية، وعزل الولاة الظالمين والعمال القساة وعين بدلاً منهم ولاة جدداً، وكان يراقب تصرفاتهم، كما قضى ديون المعسرين من بيت المال، وشملت رعايته أهل السجون، فكان ينفق عليهم ويكسوهم ويتعهد مريضهم.

ثانياً: الدعوة إلى الإسلام: سلك عمر في دعوة الناس إلى الإسلام طريقين هما:
1- إسقاط الجزية عمن أسلم من أهل البلدان المفتوحة، وقد أسفر هذا العمل عن دخول كثير من سكان تلك البلدان في الإسلام، وعندما أرسل له أحد عماله أن الخراج قد نقص بسبب رفع الجزية عمن أسلم، أجابه عمر: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً".
2- مكاتبة الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام بالطرق السلمية، متبعاً في ذلك قول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وقد أسلم عدد من ملوك السند وبإسلامهم أسلم كثير من شعوبهم.
ثالثاً: الناحية الاقتصادية والمالية:-
اهتم الخليفة عمر بالمجال الاقتصادي والمالي، حيث وحد المكاييل والموازين في جميع أنحاء الدولة الأموية، واستصلح الأراضي للزراعة، وساعد الناس بإقراض المزارعين وحفر الآبار لهم، فازداد دخل الدولة كما ازداد دخل الناس حتى لم يعثر على مستحق للزكاة في عهده. رابعاً الناحية العلمية: اهتم الخليفة عمر بالناحية العلمية، فشجع الناس على حفظ القرآن الكريم كما اهتم بتدوين الحديث النبوي وجمعه، وأوكل ذلك إلى واليه على المدينة "أبو بكر بن حزم".







وفاته:

في سنة 101هـ توفي الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، بعد حكم دام سنتين وخمسة أشهر، عم الرخاء والعدل والمساواة جميع أقاليم الدولة الأموية. وكان رحمه من أفضل خلفاء بني أمية حتى قال فيه محمد بن علي بن الحسين: "أما علمت أن لكل قوم نجيباً وأن نجيب بني أمية عمر بن عبد العزيز"