منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#34188
نفط الخليج العربي بين جامعة الدول العربية والأطماع الاستعمارية

المدخل:
كانت أهمية الخليج العربي مقتصِرَة على اعتباره طريقًا مهمًّا لربط أوربا بالشرق الأقصى، إلا أنَّه مع بداية القرن (الرابع عشر الهجري) العشرين الميلادي أصبحت له أهمية تفُوق أهميته الأولى، وذلك عندما اكتُشِف النفط في جنوب فارس، وتأسست شركة النفط الأنجلوفارسية APOC التي كانت بريطانيا تمتلك أغلب أسهمها.

كان من نتائج الحرب العالمية الأولى تقرير مبدأ الانتداب الذي أقرَّ سياسة الباب المفتوح التي كانت من أسس سياسة الولايات المتَّحدة الأمريكية، وبذلك أُتِيح للشركات الأمريكية فرصَة وضع قدَمٍ لها في منطقة الخليج العربية عندما أُعِيد توزيع أسهم شركة النفط التركية في عام 1927م، فصار لشركتي ستاندارد أويل أوف نيوجرسي وسوكوني موبيل 27,75% من أسهم هذه الشركة على قدَم المساواة مع الشركة الأنجلوفارسية وشركة شل الهولندية البريطانية والشركة الفرنسية للنفط.

ورأتْ بريطانيا في الوجود الأمريكي في الخليج منافسًا خطرًا على نفوذها، خصوصًا وقد حصلت شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا (SOCAL) على امتياز النفط في البحرين، وتأسَّست شركة نفط البحرين (BAPCO) في عام 1930م على أن تسجل في كندا.

وعندما أنشئت شركة الخليج الأمريكية في أكتوبر 1927م، التي تنافست مع شركة النفط الأنجلوفارسية، تَمَّ الاتفاق بين الشركتين على اشتراكهما مناصفةً في الحصول على امتياز نفط الكويت، وتَمَّ تأسيس الشركة المشتركة في عام 1934م باسم شركة نفط الكويت (KOC).

وعندما أخفقت السياسة البريطانية في الحصول منفردة على امتيازات النفط في البحرين والكويت، قرَّرت الانفراد بالامتيازات في قطر وإمارات الساحل ومسقط وعمان.

وبالرغم من خروج بريطانيا من الحرب العالمية الثانية منتصِرة عسكريًّا، إلا أن الحرب كبَّدتها خسائر كبيرة؛ ممَّا جعلها تسعى إلى دعم اقتصادها بالسيطرة على أكبر قدر من حقول النفط التي لم تكن قد استُغِلَّت بعد في الخليج العربي، والحد من نشاط الشركات الأمريكية في هذا المجال، إلا أن الشركات البريطانية لم تستطع الصمود أمام التيار الجارف للاستثمارات الأمريكية الذي اندفع نحو استغلال نفط الرصيف القاري لإمارات الخليج العربية، كما حصلت شركة غربي المحيط الهادي الأمريكية وشركة الزيت الأمريكية المستقلة في عام 1949م على امتياز المنطقة المحايدة الواقعة بين المملكة العربية السعودية والكويت[2].

وإلى جانب المنافسة التي شهدتها بريطانيا بشأن نفط الخليج من قِبَل الشركات الأمريكية، ظهر تحدٍّ من نوع آخر، وخاصة بعد ظهور حركة مصدق في إيران عام 1951م والدعوة إلى حق الشعوب في استغلال ثرواتها، ومع إصدار الأمم المتحدة في عام 1952م لقرارها الأول بشأن حق كلِّ قطر في موارده الطبيعية، في ظل كل هذه التداعيات ظهر الوعي الشعبي والرسمي لدى عددٍ من الشعوب والحكومات في منطقة الخليج من أجل الحصول على امتيازات أفضل في استثمار ثرواتها النفطية.

وبالإضافة إلى كلِّ ما سبق ظهر تحدٍّ آخر في وجه السياسة البريطانية في المنطقة، وتمثَّل ذلك التحدي في دخول جامعة الدول العربية حلبة الصراع لا من أجل الحصول على حصة من بترول الخليج، بل من أجل الحصول على مزايا بشأن الاستفادة من هذه الثروة النفطية لصالح الدول العربية في الخليج وغيرها.

ومن هذا المنطلق نتناوَل هذا الموضوع من محاور عِدَّة منها:
• الجامعة العربية والتدخل لمنع وصول النفط إلى إسرائيل.
• الجامعة العربية ومحاولة وضع نفط الخليج في خدمة القضايا العربية.
• بعثة الجامعة العربية إلى إمارات الخليج.

لم يخفَ على أحد أن قيام جامعة الدول العربية قد جاء في ظل ظروف دولية انقسم فيها العالم إلى معسكرين، يحاول كل معسكر الوصول إلى أهدافه ومصالحه، وبطبيعة الحال كانت الدول العربية محلَّ تنافس وصراع في تلك الظروف، كما كانت مشيخات الخليج العربية ترزح تحت الاحتلال، أو قل: الحماية البريطانية؛ ممَّا جعل جامعة الدول العربية تشعر بمسؤولياتها تجاه هذه المنطقة المهمة من الوطن العربي.

وإذا كانت جامعة الدول العربية قد اهتمَّت بمنطقة الخليج العربية ومشيخاتها من أجل حصول هذه المشيخات على الاستقلال والتحرُّر من النفوذ الأجنبي (البريطاني) فقد اهتمَّت أيضًا بالمنطقة بسبب ما تنتجه هذه المنطقة من نفط، ويرجع هذا الاهتمام بالنفط الخليجي إلى دافعين:
الدافع الأول: إحكام تنفيذ خطة العالم العربي لمقاطعة إسرائيل، وبالتالي الحرص على عدم وصول بترول الخليج إلى هذه الدولة التي اغتصبت أرضًا عربية.

والدافع الثاني: هو جعل مشيخات الخليج المنتجة للنفط هي المستفيدة الأولى، وليست الشركات أو الدول الأجنبية التي تبحث عن البترول، وتقوم بإنتاجه وتسويقه.

وبالنظر إلى هذين الدافعين أو السببين اللذَيْن من أجلهما مضتْ جامعة الدول العربية في طريقها من أجل مصالح الدول العربية كافة، ودول الخليج العربية خاصة، يمكن القول: إن الجامعة حينما وضعت هذين السببين نصب عينيها كانت تضع في اعتبارها أمرًا مهمًّا وحيويًّا، وهو ربط منطقة الخليج بشقيقاتها في الجامعة العربية وإعطاؤها شعورًا بأن ما تواجهه من سيطرة استعمارية وتكالب على ثرواتها ليس ببعيدٍ عن اهتمام هذه الهيئة الإقليمية التي حملت على عاتقها العمل على تحرير بقيَّة المنطقة العربية من الاحتلال، من خلال ربط مصير هذه المنطقة بمصير القضايا العربية الكبرى.

وليس أدل على ذلك من أن دول الخليج العربية حينما حصلت على استقلالها كانت حريصة على الانضمام إلى جامعة الدول العربية؛ لتؤكِّد على أن مصير هذه المنطقة هو جزء من مصير الأمة العربية بأسرها.

الجامعة العربية والتدخُّل لمنع وصول النفط إلى إسرائيل:
من الأمور التي دعَتْ إليها جامعة الدول العربية عقب قيام دولة إسرائيل هو المقاطعة العربية لإسرائيل، وتعني المقاطعة: محاصَرَة إسرائيل اقتصاديًّا، ومنع إمدادها بالموارد الاقتصادية الحيوية، ويأتي في مقدمتها البترول، وحيث إن بترول الخليج العربي كان تحت السيطرة الأجنبية وخاصة الأمريكية والبريطانية، فكان لزامًا على الجامعة العربية أن تتحرَّك في اتجاه المنطقة حتى تَحُول بين إسرائيل وبترول الخليج، وقد جاءت أولى إشارات الاهتمام العربي بهذا الموضوع فيما أعلنَتْه بعض وكالات الأنباء العربية، حيث أشارت أن عبدالرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يبلغ الدول العربية بالتوصيات التي اتَّخذتها اللجنة السياسية في اجتماعها الأخير، وسوف يطلب منهم تنفيذها.

وكان القرار بشأن منع إمدادات النفط عن إسرائيل، وأنه سوف ينفذ بدقة من جانب الدول العربية المنتجة للنفط (ويقصد بها دول الخليج العربية)، وكذلك الأقطار الإسلامية التي تنتج البترول، فإنه سوف يطلب منها هي الأخرى أن تنضمَّ إلى الدول العربية في هذا الإجراء، وسوف تجرِي اتصالات مع إيران والبحرين لتحقيق هذا الهدف.

وكان القرار الذي أصدرته اللجنة السياسية، والذي أشارت إليه وكالة الأنباء العربية، ينصُّ على أن اللجنة السياسية توصي كل الدول الأعضاء بتطبيق إجراءات حظر نقل البترول إلى إسرائيل، على أن تطبق هذه الإجراءات على شركات البترول وناقلات البترول مع إحكام السيطرة؛ بحيث يمكن ضمان عدم وصول أي نفط إلى إسرائيل بطريق مباشر أو غير مباشر بعد مغادرة الأراضي المنتجة للبترول ومن المرور في مياهها الإقليمية، ودعوة كل الشعوب العربية لزيادة التشدد في تنفيذ مقاطعة إسرائيل.

وقد كلفت اللجنة السياسية الأمانة العامة للجامعة العربية للسعي للحصول على مساندة الدول العربية غير الأعضاء (دول الخليج)، والدول الأخرى الصديقة في تنفيذ حظر البترول، وبالإضافة إلى ذلك قرَّرت اللجنة السياسية تشكيل لجنة من الخبراء لدراسة مسألة البترول برمتها، فيما يتَّصل بالمقاطعة والسياسة الدولية بوجه عام[3].

وترجع التوصيات التي اتَّخذتها اللجنة السياسية وأعلنتها تعبيرًا عن مساندة الجامعة العربية الكاملة لموقف مصر نحو قرار مجلس الأمن الذي أدان حظر مرور السفن التي تحمل مواد إلى إسرائيل، وأعلنت اللجنة السياسية أن قرار مجلس الأمن يتعارَض مع الحق في الدفاع عن النفس، وأن تدخله في السياسة الداخلية لدولةٍ ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ولا يخدم السلام، وأعلنت اللجنة السياسية أن تغاضي إسرائيل بإصرارٍ عن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن عودة اللاجئين العرب إلى ديارهم، واستمرار الهجرة اليهودية غير المحدَّدة والتسلُّح على نطاق واسع يعتبر تهديدًا لأمن الشرق الأوسط؛ ولذلك فإن اللجنة السياسية تدعو الحكومات العربية لاتخاذ خطوات لحماية أمنها، ومن تلك الخطوات - بطبيعة الحال - ما دعت إليه الجامعة وهو المقاطعة.

وكانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية قد اتَّخذت القرار الثاني الذي ينصُّ على أن الدول الأعضاء تؤكد الاستمرار في القيود المفروضة على الشركات والناقلات والسفن، وسوف تكثِّف الإجراءات لمنع وصول البترول لإسرائيل من الأراضي العربية أو عبر المياه الإقليمية العربية[4].

كما كلَّفت اللجنة السياسية الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ببذل كلِّ الجهود لإقناع الدول العربية غير الأعضاء بمنع تدفُّق النفط إلى إسرائيل، ونظرًا لأهمية البترول في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعرب فسوف تكلف لجنة بدراسة مفصلة للموضوعات المتصلة بالنفط.

وكان محمد صلاح الدين وزير خارجية مصر قد أبلغ في وقت مبكِّر جامعة الدول العربية بقرار الحكومة المصرية بعدم تنفيذ قرار مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن الكثير من القرارات الأخرى كان يجب تنفيذها أولاً من جانب إسرائيل وهي القرارات الكثيرة الخاصة بفلسطين، وقد أشار مراسل التايمز Times بالقاهرة إلى أن مصر تحظى بالمساندة الكاملة من الدول العربية في عدم الانصياع لقرار مجلس الأمن؛ ممَّا كان له أثره في الإصرار على الحيلولة دون استخدام أو تشغيل مصافي النفط في حيفا، وقد وضعت خطط لضمان ألا يذهب أي نفط في المستقبل عن طريق خطوط البترول الجديدة على طول ساحل البحر المتوسط إلى حيفا، وفي النية تكوين لجنة فرعية للنفط تابعة للجامعة العربية حسب قول الأمين العام للجامعة العربية؛ لضمان ما إذا كان من الممكن عدم استخدام نفط الجامعة العربية يتعارَض مع الأهداف السياسية العربية، وهذا ينذر في رأي مراسل التايمز بكثير من المتاعب لشركات النفط.

وقد علَّق أحد المندوبين العرب قائلاً:
إن المسألة تتَّصل أساسًا بتأكيد أمرين: أولهما: أن العرب لن يقبلوا أن يفرض عليهم مساعدة إسرائيل التي كانوا مقتنعين أنها عدوهم، وثانيهما: أن الدول العربية سوف تحاول أن تضمن أن نفطها لن يتمَّ تكريره بعد الآن في حيفا.

وقد اهتمَّت المناقشة الرئيسة بالحصول على تعهدات من شركات النفط بأنها لن ترسل نفطًا إلى حيفا، وكانت شركة النفط العربية الأمريكية أرامكو قد سبق لها وأعطَتْ مثل هذا الوعد، وقد رُؤِي أن الاستمرار في السيطرة على شحنات النفط عبر قناة السويس ضروري لمنع البترول القادم من البحرين والكويت، وربما من إيران، ويستطرِد مندوب التايمز قائلاً: إن هناك شعورًا كبيرًا بالمرارة نحو قرار مجلس الأمن الذي صدر بإيعازٍ من بريطانيا، مع أن الدول العربية تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تورَّطت في هذا القرار، وهناك اقتناع عام بأن القيود المفروضة على الملاحة في قناة السويس ليست هي صلب الموضوع المهم في نظر الدول الراغبة في فتح مصافي النفط لمساعدة إسرائيل[5].

يتَّضح هذا الموقف من رسالة وزارة الخارجية إلى المقيم البريطاني في البحرين؛ حيث ذكرت وزارة الخارجية البريطانية بأنه استنادًا إلى دعوة الدول العربية غير الأعضاء في الجامعة العربية للتعهُّد بمنع النفط عن إسرائيل، فإن الجامعة العربية قد توجِّه دعوات مباشرة إلى حكَّام الكويت والبحرين وقطر، وبذلك فإن تصرُّف الجامعة العربية يعتبر محاولة لكسب مساندة دول الخليج للقضية العربية في حصار إسرائيل، وترى وزارة الخارجية أنه بقدر معلوماتها، فإن حكام الخليج كانوا في الماضي قليلي التأثُّر بسياسات الجامعة العربية، وأن ذلك يرجع إلى تمسُّك الشيوخ بنظام الحكم الأبوي (القبلي) وهو النظام الذي حمى دولهم من الآثار السيئة للسياسات القومية العربية، ومع ذلك فإن سياسات الجامعة العربية الحالية تؤكِّد على وجود خلاف بين الدول العربية والحكومة البريطانية بطريقة تؤثر بشكل مباشر على دول الخليج العربية، وهذه الدول قد تجد من الصعب عليها أن تقف موقف عدم الاهتمام بالكامل، ولذلك فقد طلبت الخارجية البريطانية من المقيم في البحرين إبلاغها عن أيِّ بادرة تخصُّ ردود أفعال قد تثيرها سياسة الجامعة العربية، سواء على الحكام أو على الشعب في دول الخليج بوجه عام[6].

وبناءً على خطاب الخارجية البريطانية أبلغ المقيم السياسي البريطاني في البحرين الوكالة السياسية في كلٍّ من الكويت والبحرين بقرار الجامعة العربية دعوة الأقطار العربية التي ليست أعضاء بها (أي: دول الخليج) للتعهد بمنع النفط عن إسرائيل، وأنه بناءً على ذلك فإنه من الممكن توجيه نداءات مباشرة إلى حكَّام الكويت والبحرين وقطر؛ ولذلك طلب المقيم من كل من الوكيلين إثارة هذه المسألة مع كل من حاكم الكويت وحاكم البحرين، والتأكُّد من أن هذا الاتصال من جانب الجامعة العربية سوف يحوله الحاكم إلى الوكيل السياسي، طالما أن مسؤولية بريطانيا في إدارة علاقاته الدولية تتضمَّن بوضوح المسؤولية عن علاقاته مع أيَّة منظمة دولية مثل الجامعة العربية، وقد طلب المقيم من الوكيل السياسي البريطاني في الكويت الحصول على تقرير فوري عن أيِّ ردود أفعال تثيرها هذه السياسة الجديدة للجامعة العربية، سواء على الحاكم أو على رعاياه، كما طلَب الشيء نفسه من المسؤول السياسي في قطر[7].

في الوقت نفسه أبلغ سير رالف ستيفنسون Stephenson السفير البريطاني في مصر وزارة الخارجية البريطانية بما علمه من بعض الصحف أن الجامعة العربية سوف ترسل وفدًا إلى الكويت والبحرين وإيران لعمل اتِّصالات مع السلطات المحلية المسؤولة هناك، وتشرح مسألة البترول العربي على ضوء قرار مجلس الأمن ضد مصر، وهدف الجامعة العربية، وهو منع وصول النفط إلى إسرائيل طبقًا للقرار الأخير للجنة السياسية بالجامعة العربية[8].

وبناءً على ذلك قام الوكيل السياسي بإبلاغ حاكم الكويت بأنه طالما أن العلاقات الخارجية لدولته كانتْ في أيدي الحكومة البريطانية، فإن الأخيرة ترغب في أن تبلغ عن أي اتِّصال تقوم به الجامعة العربية حول مسألة مرور النفط في قناة السويس فلم يردَّ الحاكم على الوكيل الرسمي[9].

وطلبت وزارة الخارجية البريطانية من سفارتها بالقاهرة بأنه إذا تَمَّ تعيين وفد عربي، وطلبت الجامعة العربية تأشيرات دخول للكويت والبحرين من خلال الموظفين القنصليين البريطانيين فيجب إبلاغ وزارة الخارجية البريطانية فورًا[10].

وبناءً عليه؛ فقد طلبت وزارة الخارجية من المقيم السياسي في البحرين أنه عندما تكتب الجامعة العربية مباشرةً إلى حكَّام الكويت والبحرين تطلب موافقتهم على استقبال وفد الجامعة العربية، فإن على الحكَّام أن يستشيروا الوكلاء السياسيين قبل الرد، وأضافت الخارجية البريطانية بأنها لا ترغب في تشجيع الجامعة العربية على الاهتمام بدول الخليج، ويجب إبقاء الوفد (وفد الجامعة العربية) بعيدًا إن أمكن؛ ولذلك فإنه عندما يتم تلقي طلب من الجامعة العربية فإن على المقيم البريطاني أن ينصح حكام الخليج بالرد من خلال الحكومة البريطانية بأنه ما دام الأمر يتَّصل بعلاقاتها الخارجية التي تتولاَّها الحكومة البريطانية، فإنهم يأسفون؛ لأنهم ليسوا في وضع يمكنهم من مناقشة الأمر، وأضافت الخارجية البريطانية بأنه من المحتمل أن يكون حكام الخليج غير متحمِّسين لإغضاب المشاعر العربية برفض استقبال وفد الجامعة العربية، وأنه عندما تستشار الحكومة البريطانية فقد تشعر بأنها مضطرة هي أيضًا للموافقة على استقبال الوفد، وعندئذ فإن بريطانيا ترى أنه يجب إبلاغ جامعة الدول العربية بأنه طالما أن الحكومة البريطانية هي المسؤولة عن العلاقات الخارجية لدول الخليج، فإن المقابلات أو اللقاءات بين أعضاء وفد الجامعة العربية وحكام الخليج يجب أن يتمَّ ترتيبها بواسطة الوكيل السياسي وتعقد في وجوده[11].

وصار المقيم السياسي بالبحرين يرى أنه إذا كان حاكم الكويت يرغب في استقبال وفد الجامعة العربية، فإنه يقترح عدم بذل أيَّة محاولة لثنيه، ولكن يجب أن يتأكد المسؤول البريطاني من أن الوكيل السياسي سوف يبلغ بكلِّ المناقشات، وسوف يستشار بشأن الرد الأخير من جانب الحاكم.

وهكذا نلاحظ أن بريطانيا كانت حريصة على أن تكون تحركات وفد الجامعة العربية تحت مرأى ومسمع ممثِّليها في الخليج، وهذا بدوره سيجعلها على استعداد تام للتعامل مع أي قرار قد يُتَّخذ بشأن البترول والشركات البريطانية العاملة في هذا المجال أو أي قرار قد يضرُّ بالمصالح البريطانية.

جامعة الدول العربية ومحاولة وضع نفط الخليج في خدمة القضايا العربية:
عقدتْ لجنة البترول بالجامعة العربية جلسة بتاريخ الثلاثاء من شهر شوال 1371هـ 17 يونيو (حزيران) 1951م، ووضعت توصيات، وقرَّرت أن تكون أبحاث اللجنة سرية، وكذلك توصياتها؛ من أجل ضمان تحقيق الغاية من هذه التوصيات، وقدمت لجنة البترول توصياتها لأعضاء اللجنة السياسية في اجتماعها من الأربعاء إلى الخميس من المحرم 1373هـ 2 إلى 6 سبتمبر (أيلول) 1953م؛ لبحثها واتخاذ توصية بشأنها لرفعها إلى مجلس الجامعة العربية[12].

وقد تضمَّنت توصيات لجنة البترول المرفوعة إلى اللجنة السياسية:
1- أن تحذو جميع الدول العربية حذو حكومتي المملكة العربية السعودية والمملكة العراقية في اتخاذ الإجراءات الفعالة لعدم تسرب النفط إلى إسرائيل، واتِّخاذ التعهُّدات الكافية على الشركات المنتجة والمصدرة بضرورة مراعاة ذلك.
2- تقوم حكومات الدول العربية بالاتصال بالطرق الدبلوماسية بالإمارات العربية في الخليج؛ للعمل على منع وصول البترول الناتج من أراضيها إلى إسرائيل أسوة بما هو معمول به في المملكتين السعودية والعراقية.
3- السعي لدى الشركات التي لها حقوق استغلال النفط لعدم تموين إسرائيل بالمواد البترولية من مصادرها الأخرى، بالإضافة إلى ما هو مفهوم من عدم تصدير النفط الناتج من البلاد العربية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى إسرائيل.
4- إيفاد بعثة عربية إلى بلاد الإمارات العربية للتعرف على الحالة النفطية فيها.

كما تم اتخاذ التدابير التالية:
أ- مكافحة طرق تهريب النفط المصدَّر من الدول الأعضاء بالجامعة أو المارة بها.
ب- مراقبة الناقلات ومتابعة خطوط سيرها بالاستعانة بالبعثات العربية في الخارج.
ج- الحصول على تعهُّدات من الجهات المستوردة، ومن الناقلات بإيصال الشحنات إلى المكان المصرح به في بيانات الشحنة.
د- تبادل المعلومات بين الدوائر المختصَّة في الدول الأعضاء عن حركات التهريب التي قد تضبط في أيٍّ منها.

5- اتخاذ سياسات نفطية عامة للدول العربية وذلك:
أ- بإنشاء مكتب دائم بالأمانة العامة باسم مكتب النفط تكون مهمته تنسيق الإحصاءات، ومكافحة التهريب، وتسهيل تموين الدول الأعضاء بالنفط، وتنظيم إحصاءات عن إنتاج النفط في الدول العربية وعن شركات الامتياز ومقدار الاستهلاك من النفط في كل بلد عربي.
ب- إنشاء معامل تكرير جديدة أو توسيع المعامل الحالية، وإنشاء شركات عربية قوية لتوزيع البترول.
ج- دراسة اتفاقيات النفط وعقود الامتياز المبرمة بين الدول الأعضاء وبين شركات النفط[13].

وقد قامت اللجنة السياسية ببحث توصيات لجنة النفط، وأقرَّتها وأدخلت عليها بعض التعديلات، ووافَق أعضاء اللجنة السياسية على التوصيات بعد التعديل[14].

وتَمَّ إنشاء المكتب الدائم للبترول في شهر يوليو 1954م، وكان أوَّل ما عُنِي به تنسيق السياسة للدول العربية وتوحيدها وتوجيهها وجهة واحدة.

وقد وضع المكتب مشروع خطَّة للعمل على تنسيق السياسة البترولية وذلك على النحو التالي:
أولاً: تنسيق السياسة النفطية لدى الجامعة العربية، وذلك بالوسائل التالية:
1- دراسة تراخيص البحث وعقود الاستغلال والمسائل القانونية المتعلِّقة بالموضوع في كل دولة عربية، والعمل على توحيد أسسها بقدر الإمكان مع مراعاة الظروف الخاصة بكل عضو.
2- دراسة اللوائح الخاصة بالمحافظة على الثروة النفطية وحسن استغلالها.
3- تبادل الموظفين القائمين بأعمال الرقابة في كل دولة عربية؛ بقصد تحسين الرقابة والاستفادة من تبادل الخبرات.
4- دراسة الصناعات المتعلقة بالبترول التي يمكن إنشاؤها وإنجاحها في الدول الأعضاء.
5- رسم سياسة للاكتفاء الذاتي للدول الأعضاء فيما يختصُّ بالمشتقَّات النفطية المختلفة والمنتجات التي تعتمد على النفط كمادة أوليَّة لها.

ثانيًا: دراسة وسائل الاستفادة من وجود النفط في البلاد العربية في المجال السياسي وذلك بالوسائل التالية:
1- وضع نظام محكم لرقابة تصدير هذه المادة الإستراتيجية والعمل على عدم وصولها إلى الدول المعادية.
2- وضع نظام خاص لتصاريح التصدير بهدف الحصول على الأموال الأجنبية التي تحتاج إليها الدول العربية.
3- دراسة إمكان أن يستبدل بالنفط منتجات وإمكانات صناعية تحتاجها البلاد العربية من البلاد الأخرى.

ثالثًا: تعريب الصناعات النفطية وذلك بالوسائل التالية:
1- وضع نظام لتشجيع استخدام الموظفين والعمال العرب لجميع فروع صناعة النفط.
2- وضع نظام للاستفادة من الخبراء الأجانب في تدريب وإعداد الموظفين العرب.
3- البحث عن إمكان اشتراك الدول العربية المنتجة للنفط بجزء بسيط من دخلها لإنشاء معامل أبحاث للنفط لتشجيع البحث العلمي في هذا الفرع وإعانة المعامل المهتمَّة بشؤونه.

رابعًا: حماية حقوق العمال والموظفين بصناعة النفط وذلك بواسطة:
1- دراسة وسائل الأمان والوقاية الخاصة لهذه الصناعة والتوصية بمراعاتها.
2- استصدار القوانين الخاصة بشؤون الموظفين والعمال والمستخدمين في صناعة النفط للمحافظة على حقوقهم.

خامسًا: مقترحات أخرى:
1- دعوة البلاد العربية المنتجة للنفط التي ليست عضوًا بجامعة الدول العربية (أي: دول الخليج العربية) لحضور اجتماعات لجنة خبراء النفط بصفتهم مراقبين لتبادل المعلومات النفطية للمصالح العربية المشتركة.
2- إنشاء قسم خاص بالنفط في معهد البحوث والدراسات العربية لتدريس صناعة النفط ولتنمية الثقافة النفطية في البلاد العربية[15].

وقد قام أحمد الشقيري الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية بتزويد السفارة البريطانية في القاهرة ببعض المعلومات التي مؤدَّاها: أن لجنة النفط بجامعة الدول العربية قد أُنشِئت طبقًا لقرار اتخذته اللجنة السياسية في اجتماعها بالإسكندرية في عام 1951م، وهدفها التوصية بتنسيق السياسة البترولية، ومع ذلك كانت السفارة البريطانية ترى أنها لم تبحث إلا الإجراءات لمنع وصول البترول الخام إلى إسرائيل، وأنها قد اجتمعت مرتين، وأن كل الأعضاء في الجامعة العربية ممثِّلون في اللجنة، ولكن إدارة شؤونها يقوم بها مندوبو الأقطار المنتجة للنفط[16].

وقد اجتمعت في بيروت لجنة خبراء النفط في الفترة من السبت إلى الجمعة ربيع الآخر 1374هـ 6 إلى 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1954م، ووافَق عليها المجلس الاقتصادي في دور انعقاده الثاني لجلسة 16 ديسمبر (كانون الأول) 1954م، وقد نصت هذه التوصيات على:
1- تُوالِي حكومات الدول العربية المساعي لدى الإمارات العربية والشركات العاملة فيها لمنع تموين إسرائيل بالنفط ومشتقَّاته.
2- تكليف حكومات الدول العربية ببذل جهودها الدبلوماسية لدى الدول المصدَّر إليها النفط العربي بمنع إعادة تصديره من بلادها خامًا أو مكررًا إلى إسرائيل.
3- الحصول على شهادة رسمية من الدوائر المختصَّة تثبت وصول النفط العربي إلى أراضي الدول المصدَّر إليها.
4- أخذ تعهدات من الناقلات بإيصال الشحنات إلى المكان المصرَّح به في بيانات الشحنة.
5- مصادرة النفط ومنتجاته المتَّجهة إلى إسرائيل.
6- تحديد طرق مكافحة التهريب والإجراءات التي تُتَّخذ في حالة حدوث تهريب.
7- أن تقوم حكومات الدول العربية بإبلاغ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالمعلومات والبيانات والإحصاءات عن الحالة النفطية في بلادها.

كما بحثت اللجنة أيضًا توصيات لجنة خبراء النفط بشأن تنسيق صناعة النفط بين الدول العربية والسعي مع الشركات القائمة، سواء بإنشاء معامل تكرير جديدة في مراكز الإنتاج والتصدير، أو توسيع المعامل الحالية وإنشاء شركات عربية قويَّة لتكرير وتوزيع النفط، كما أوصت اللجنة بأن تبذل حكومات الدول العربية مساعيها الدبلوماسية لدى حكومة إيران؛ للحيلولة دون بيع النفط الخام والمنتجات النفطية إلى إسرائيل[17].

وقد حصلت السفارة البريطانية في القاهرة على محاضر جلسات الدور الثاني للجنة النفط، وهي محاضر الاجتماعين الخامس بتاريخ 23 شوال 1372هـ، الموافق 4 يوليو 1953م، والاجتماع السادس بتاريخ 28 شوال 1372هـ الموافق 9 يوليو 1953م، وتوصيات اللجنة التي رفعت إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية.

وبصرف النظر عن التفاصيل التي وردت في محاضر الاجتماعين، فإننا نكتفي بالتوصيات لأهميتها بالنسبة لموضوع البحث، وكان يحضر الاجتماعات كلٌّ من:
• محمد عبدالغني النقيب مندوب العراق، والمدير العام لشؤون النفط بوزارة الاقتصاد بالعراق.
• سامي الخوري مندوب سوريا، ورئيس سكرتارية السفارة السورية بالقاهرة.
• عبدالرحمن البسام مندوب المملكة العربية السعودية، ومستشار السفارة السعودية المختص بشؤون الجامعة العربية بالقاهرة.
• د. محمد أبو زيد مندوب مصر، والمدير العام لإدارة الوقود بوزارة التجارة والصناعة في مصر.
• البريجايدر أحمد منصور نيابة عن المكتب الدائم لمقاطعة إسرائيل بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
• أحمد بكري نيابة عن الإدارة السياسية للأمانة العامة، الذي قام بمهام السكرتارية للجنة النفط.

وكانت التوصيات التي اتَّخذتها لجنة النفط كما يلي:
التوصية الأولى: يجب أن تحذو كل الدول العربية حذو حكومتي المملكة العربية السعودية والعراق؛ باتِّخاذ إجراءات فعالة تمنع وصول النفط إلى إسرائيل، وأن تجعل شركات إنتاج وتصدير النفط تقوم باحترام هذا الأمر.

التوصية الثانية: يجب على حكومات الدول العربية أن تتَّصل بالإمارات العربية (يقصد الخليج) دبلوماسيًّا؛ من أجل أن تمنع وصول البترول المنتج في بلادها إلى إسرائيل من خلال الشركات الحاصلة على حقوق الاستغلال في بلادها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مثل ما فعلته مملكتا العراق والعربية السعودية.

التوصية الثالثة: يجب على الدول العربية أن تستغلَّ (تستخدم) نفوذها لدى هذه الشركات من أجل منع إمداد أي نفط إلى إسرائيل.

التوصية الرابعة: ولما كان من الصعب مقاطعة الشركات العالمية التي تقوم بإنتاج وتوزيع النفط، فإن اللجنة تعتبر أنه يجب القيام بالمساعي أو الوساطة لدى هذه الشركات حتى لا تمد إسرائيل بمنتجات بترولية من مصادر أخرى، بالإضافة إلى ما يفهم من أنه ما من نفط ينتج في البلاد العربية سوف يصدَّر إلى إسرائيل بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، وهذا الأمر يجب أن يحدَّد أيضًا في كل التعاقدات الجديدة مع هذه الشركات.

التوصية الخامسة: إرسال لجنة عربية إلى الإمارات العربية المتحدة (ويقصد في الخليج) لدراسة الوضع النفطي فيها.

التوصية السادسة: حددت اللجنة الإجراءات التي تُتَّخَذ لمنع تهريب النفط المصدر من أو عبر الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والإجراءات التي سوف تُتَّخَذ في حالة التهريب.

التوصية السابعة: اتخاذ سياسة نفطية موحدة في كل الدول العربية بإنشاء مكتب دائم في الأمانة العامة باسم مكتب النفط، يكون من واجبه صياغة الإحصاءات ومنع التهريب وتقديم التسهيلات لتزويد الدول الأعضاء بالنفط، إلى جانب إعداد إحصاءات بشأن إنتاج النفط في الدول العربية وإنتاج الشركات صاحبة الامتيازات وكميات النفط المستهلكة في كل قطر عربي.

وإلى أنْ يحين افتتاح هذا المكتب أوصت اللجنة بتبادل الإحصاءات النفطية والمعلومات النفطية بين الدول العربية، كما أوصت اللجنة بإنشاء مصافٍ بترولية جديدة، أو التوسُّع في المصافي (القائمة) لتكوين شركات عربية قوية لتوزيع البترول؛ لضمان سدِّ حاجة كل الأقطار العربية من المنتجات البترولية، وكذلك أوصت بدراسة الاتفاقيات والامتيازات والتعاقدات النفطية التي أُبرِمت بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية وشركات النفط[18].

ومن مظاهر اهتمام الجامعة العربية بنفط الخليج أن الوكيل السياسي في البحرين علم من أحد المسؤولين في قطر بأن لجنة النفط بالجامعة العربية سوف تجتمع لبحث الاقتراح بأن الدول العربية المنتجة للنفط يجب أن تلحَّ من أجل تعديل في عقود اتفاقيات النفط بحيث يصبح العائد 75% لأقطار الخليج و25% للشركات، بدلاً من الاتفاقيات السابقة التي كانت توزع العائد مناصفة، وقد شعر الوكيل السياسي في البحرين بأن حاكم قطر قد علم بالاقتراح وأنه يؤيده[19].

بعثة الجامعة العربية إلى إمارات الخليج:
وفي إطار اهتمام مجلس جامعة الدول العربية بنفط الخليج تَمَّ إعداد مذكرة عهد فيها إلى الأمانة العامة تكليف محمد سلمان مدير مكتب النفط التابع لجامعة الدول العربية بزيارة حقول النفط في أقطار عربية عِدَّة، وتضمَّنت مذكرة الجامعة العربية طلب السماح بزيارة عدن وقطر والبحرين والكويت في شهر ذي القعدة 1375هـ يونيو (حزيران) 1956م، كما تضمَّنت أن تكلف شركات البترول في تلك الأقطار بأن تقدم له التسهيلات الضرورية، وقد ذكر السفير العراقي في القاهرة لنظيره البريطاني أن هدف الزيارة هو جمع معلومات وإحصائيات لازمة لمؤتمر النفط الذي ستعقده الجامعة العربية في ديسمبر 1956م، وأن هدف هذا المؤتمر هو بحث تنسيق السياسة النفطية وتبادل المعلومات حسب ما أوصت به لجنة خبراء البترول والمجلس الاقتصادي التابع لجامعة الدول العربية.

وألمح السفير العراقي في القاهرة للسفير البريطاني أن العراق لن يسمح لمؤتمر النفط الذي ستعقده الجامعة العربية بالخروج عن السياسة التي تريدها بريطانيا وتؤيدها العراق، وأيضًا ذكَر السفير العراقي للسفير البريطاني أن سلمان يمكن الاعتماد عليه والاطمئنان عند منحه تسهيلات في السفر[20].

وقد لفت نظر وزارة المستعمرات البريطانية أن رسالة السفير البريطاني بالقاهرة إلى الخارجية البريطانية تتضمَّن زيارة وفد الجامعة العربية لعدن بالإضافة إلى قطر والبحرين والكويت؛ لذلك فقد أبلغت وزارة المستعمرات حاكم عدن بأنه لا توجد حقول نفط في عدن، وأن مصفاة البترول في عدن مشروع تجاري عادي، ولذلك فإنه ليس لدى الجامعة العربية أيُّ سبب يدعوها لمشاهدة منشآت النفط في عدن، وعلى ذلك اقترحت رفض السماح لسلمان بزيارة عدن[21].

كما أبلغت السلطات البريطانية حاكم قطر والبحرين خبر زيارة لجنة الجامعة العربية، وعبَّر المقيم السياسي البريطاني (باروز) بأنه ليس لديهما اعتراض على الزيارة المقترحة، وبناءً عليه اعتبر المقيم السياسي أنه لا توجد عقبات أمام المسؤولين البريطانيين في القاهرة لإصدار تأشيرات الدخول الضرورية لأعضاء لجنة سلمان على أن تمهِّد الحكومات المحلية في الخليج لسلمان الاتصال مع شركات النفط[22].

وعلى ذلك فإن وزارة الخارجية البريطانية اقترحت على المقيم السياسي في الخليج السماح لسلمان وأعضاء اللجنة دخول دول الخليج، إلا أن وزارة الخارجية البريطانية أعلنت عدم موافقتها على إصدار تأشيرة للجنة البترول بدخول عدن؛ ولذلك طلبت الخارجية تصحيح هذا الخطأ بشأن تأشيرة عدن.

وصَل محمد سلمان مدير مكتب النفط التابع للأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى البحرين يوم 21 يونيو 1956م قادمًا من الظهران جوًّا، ورافَقَه أحد موظفي المقيمية البريطانية في البحرين؛ لكي يقابل سير تشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين فور وصوله.

وفي اليوم التالي قابل المقيم البريطاني، وقد استفسر سلمان من المقيم البريطاني عمَّا إذا كان يستطيع الحصول على أيَّة خرائط للبحرين، ولكن المقيم اكتفى بإطلاعه على الخريطة العادية لجزيرة البحرين والمعلقة على الحائط في مكتبه، وأبلغ سلمان بأنه يمكنه شراء واحدة من هذه الخرائط بسهولة كبيرة من سوق المدينة، وعندما طلب سلمان الاطِّلاع على امتياز شركة بترول البحرين ردَّ عليه المقيم بأن هذا الامتياز وثيقة سرية ولا يمكن السماح بالاطلاع عليها.

وفيما يختصُّ بمؤتمر النفط التابع لجامعة الدول العربية قال سلمان للمقيم: إن المؤتمر الذي سيعقد في القاهرة في مارس 1957م من المتوقع أن يصاحبه معرض للنفط وعرض أفلام تتَّصل بالنفط القصد منه إثارة اهتمام حكومات الأقطار العربية المنتجة للنفط أن تمرَّ أنابيب النفط من خلال أراضيها؛ وذلك لكي تسمح للشركات التي في بلادها بأن ترسل مندوبين إلى هذا المؤتمر.

قام محمد سلمان بمشاهدة مؤسسات شركات نفط البحرين وحصَل على المعلومات نفسها التي تعطيها الشركة عادةً للزوَّار والصحفيين، وعندما طلب سلمان خرائط جيولوجية لحقول الشركة وبعض المعلومات عن امتيازها مع حكومة البحرين، رفضت الشركة على أساس أن هذا ليس من حق الشركة، ولكنه من حق حكومة البحرين، كما استفسر سلمان عن أجور العرب من عمال الشركة وقد أعطته الشركة هذه المعلومات مع تفاصيل عن خطط الشركة لتدريب العمال العرب[23].

وكانت الحكومة البريطانية قد عبَّرت للمقيم العام عن رغبتها في ألاَّ يبدي حاكم البحرين أيَّ ميل ودي نحو محمد سلمان، بل كانت تفضل لو أن حاكم البحرين تجنب مقابلة محمد سلمان، وقد ناقش المقيم السياسي في البحرين هذه النقطة مع سير تشارلز بلجريف مستشار حاكم البحرين، وقد عبَّر الأخير عن اعتقاده بأنه قد يكون من المتعذر على حاكم البحرين رفض استقبال محمد سلمان، وبخاصة أن سلمان عربي، وأن مبدأ حاكم البحرين أن يكون بابه مفتوحًا لكل القادمين، وأنه حتى لو طلبت الحكومة البريطانية من حاكم البحرين رفض استقبال محمد سلمان، فإن حاكم البحرين قد لا يأخذ بنصيحة الحكومة البريطانية في هذه النقطة، وعبر المقيم السياسي في البحرين بأن كل ما يستطيع أن يفعله هو ضمان التزام حاكم البحرين بالخط الذي يجب أن يسير عليه مع زائره[24].

وقابَل حاكم البحرين محمد سلمان وأنصَت لحديثه، وأبلَغ المقيم البريطاني بأنه قبل أن يعطي أيَّ ردٍّ على دعوة الجامعة العربية لمساندة مؤتمر النفط في القاهرة، فإنه يجب أن يتلقَّى دعوة مكتوبة من الجامعة العربية للاشتراك في المؤتمر.

وفي ذي الحجة 1375هـ 24 يونيو 1956م غادر محمد سلمان البحرين إلى قطر جوًّا، وكان الوكيل السياسي قد مهد لزيارة سلمان لقطر بإبلاغ مندوب القائم بأعمال حاكم قطر لشؤون النفط عبدالرحمن درويش، كما أبلغه أنه من المتوقع أن يدعو سلمان حاكم قطر لإرسال مندوب إلى مؤتمر النفط في القاهرة، وأنه إذا تلقَّى الحاكم مثل هذه الدعوة، فإن الحكومة البريطانية تأمل ألا يقبلها[25].

كانت أهم نقطة في محادثات محمد سلمان مع المدير العام لشركة شل المحدودة في قطر هي الحديث عن الجامعة العربية، وقال سلمان: إنه لما كانت الأقطار المستقلة فقط هي التي تنضمُّ إلى عضوية الجامعة العربية، فإن على بريطانيا أن تخفِّف من قبضتها على دول الخليج. وقال: إن قطر والإمارات الأخرى المجاورة لها سوف تكون أعضاء في الجامعة العربية إذا لم يستمر خضوعهم لبريطانيا[26].

وعند بدء زيارة محمد سلمان لشركة بترول قطر في حقل الدخان التابع لشركة نفط قطر قدَّم مجموعة من الأسئلة تقع في أربع صفحات باللغة العربية، وكما يقول المقيم السياسي البريطاني: إنه من الواضح أن الذي وضعها شخص له إلمام فني طيب بصناعة النفط، ومهتم بأمور تتصل بالنفط؛ مثل طول الأنابيب وقطرها وسعة الخزانات، ولم تكن فيها أية أسئلة ذات صبغة سياسية أو يمكن الاعتراض عليها.

وقدم القائم بأعمال المدير العام لشركة شل في قطر بعض الإجابات عن معظم الأسئلة باستثناء أربعة أو خمسة أسئلة، ويذكر المقيم السياسي أن الأهداف الرئيسة لزيارة محمد سلمان هي جمع إحصاءات غير سرية من شركات البترول، وكذلك دعوة حكومتي البحرين وقطر لإرسال مندوبين إلى المؤتمر في العام التالي، وتوجيه النصح لشركات البترول من أجل إرسال معروضات إلى المعرض الذي سيعقد متزامنًا مع مؤتمر النفط، وقد حدث في الدوحة ما حدث في البحرين، وذلك عندما طلب محمد سلمان من الوكيل السياسي أن يطلعه على نسخة من امتياز اتفاقيات النفط، وقد رفض هذا الطلب.

وقد استنتج المقيم السياسي أن هذا الطلب من جانب محمد سلمان يكشف المعنى الحقيقي للاهتمام الزائد من جانب جامعة الدول العربية لشؤون النفط في دول الخليج[27].

وقد استطاعت المقيمية البريطانية في البحرين الحصول على نسخة من مجموعة الأسئلة التي جاءت في أربع صفحات، والتي قدَّمها محمد سلمان إلى شركة بترول قطر، وأبلغها المقيم البريطاني إلى الإدارة الشرقية بوزارة الخارجية البريطانية في لندن[28].

وكانت الموضوعات التي تدور عليها الأسئلة الواردة في هذه المذكرة تستفسر عن المساحة التي سمح فيها بالبحث عن النفط، ومناطق الاستغلال، والشركات التي تعهَّدت بالكشف، أو الاستغلال، وهويتها، وتاريخ بداية الإنتاج في كلِّ حقل، وشروط عقود الاستغلال، ونسبة العائدات التي تتلقَّاها الحكومة المحلية في الفترة من 1950م إلى 1955م، والإنتاج السنوي لكل حقل من 1950م إلى 1955م، ونسب إجمالي أجور العمال الوطنيين إلى أجور الأجانب، ونسبة الموظفين والعمال الأجانب، ورعايا الدول الأجنبية الأخرى، وما إذا كانت هناك اتحادات عمال، ونوع الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي تُقَدَّم للعمال.

وبالسبة لمصافي النفط في سوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، فقد كانت أهم الأسئلة تدور حول عدد مصافي البترول، ومواقعها، ومقدرة كل مصفاة على التكرير، والمنتجات البترولية من كل مصفاة، في الفترة من عام 1950م إلى 1955م، وما إذا كانت هناك صناعات كيميائية قائمة على صناعة تكرير النفط؟، ووسائل النقل التي تعتمد عليها كل مصفاة، وما إذا كانت هذه المصافي تمتلكها الحكومة المحلية أو الشركات، وإذا كانت الأخيرة، فما هوية تلك الشركات، ونسبة العمال الوطنيين إلى الأجانب، ونسبة العمال الأجانب والموظفين الأجانب من رعايا الدول العربية الأخرى وما إذا كانت هناك اتحادات عمالية أخرى[29]؟

وفيما يختصُّ بالاستهلاك كانت الأسئلة تدور حول الاستهلاك السنوي للمنتجات النفطية في القطر الذي ينتج البترول في السنوات الأخيرة، والشركات التي تقوم بتوزيع المنتجات البترولية وهويتها.

أمَّا عن النقل في كل الأقطار المنتجة للنفط، فقد كانت الأسئلة تدور حول خطوط الأنابيب الموجودة، وطولها، وقطرها، وقدرتها بالطن في الساعة، وما إذا كان خط الأنابيب يتبع الحكومة المحلية أم تمتلكه شركات؟ وإذا كانت تمتلكه شركات فما هي هوية تلك الشركات؟ وكذلك بالنسبة للسفن التي تنقل النفط، هل تحمل علم الدولة المحلية أم تمتلكها الشركات؟

وبالنسبة للإشراف فقد كانت الأسئلة تستفسر عمَّا إذا كان هناك إشراف حكومي على كميات النفط المنتجة، وكذلك على وسائل استغلال حقول النفط، تلك كانت أهم الأسئلة وقد قدمت إلى شركات النفط للإجابة عنها[30].

بعد قطر وصَل محمد سلمان إلى الكويت في صباح أول أيام ذي الحجة 1375هـ 27 يونيو 1956م، وفي صباح اليوم التالي زار محمد سلمان الوكيل السياسي البريطاني، كما قام بتقديم تحيَّة إلى القائم بأعمال حاكم الكويت الشيخ عبدالله الأحمد، وبعد ذلك سلمته سكرتارية حكومة الكويت إلى مكتب المدينة التابع لشركة نفط الكويت، وأرسلت شركة نفط الكويت مَن يرافقه إلى مركز تدريب الفنيين الكويتيين في نجوة، ومن ثَمَّ زيارة القائم بأعمال المدير العام لشركة البترول في الأحمدي، وفي أثناء هذه الزيارات عبَّر محمد سلمان عن سروره لما شاهده، وصرَّح بأن الدلائل تشير إلى التعاون بين الشركة والحكومة الكويتية، وأن الجهود التي تبذلها الحكومة لرعاية موظفيها قد أثَّرت فيه كثيرًا، وقال: إن مكتبه مهتمٌّ بتنفيذ الجوانب الاقتصادية أكثر من الجوانب السياسية لميثاق جامعة الدول العربية، وإن الهدف من زيارته هو الحصول على معلومات من الدوائر الحكومية المختلفة وإلقاء نظرة على عمليات شركة البترول، وترَك سلمان نسخة من الأسئلة في سكرتارية حكومة الكويت.

وقد اعترف لمسؤولين في شركة النفط بأن بعض هذه الأسئلة قد تستلزم الحصول على معلومات قد لا يكون هناك استعداد لإعطائها، وهو سوف يفهم إذا كانت تفاصيل معينة قد حجبت عنه، وقد أحالت السكرتارية هذه الأسئلة إلى شركة النفط لكي تجيب عليها أو بعضها، سواء ما يتَّصل بالحقوق النفطية أو المصافي.

وقد ذكر الوكيل السياسي أنه يدرك أن شركة النفط سوف تترك بعض الأسئلة بدون إجابات، وسوف تجيب بعبارات أخرى عن أسئلة أخرى، ولاحَظ الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أن محمد سلمان لم يلح حول السؤال الخاص بتمثيل الكويت في مؤتمر الجامعة العربية الخاص بشئون النفط، ولكنه اكتفى بالقول إن الكويت سوف تتلقى الدعوة في الوقت المناسب[31].

وضعت المقيمية البريطانية في الخليج مذكرة تشمل بعض النقاط المتَّصلة بزيارة محمد سلمان الموفد من قِبَل مكتب الجامعة العربية لشؤون النفط الذي يتولى سلمان إدارته، وأشارت هذه المذكرة إلى أن سلمان خلال زيارته عبر عن بعض وجهات النظر القومية ولكن بلباقة، ومع ذلك فليس لديه ميل سيئ نحو بريطانيا.

أمَّا عن هدف مكتب النفط التابع لجامعة الدول العربية - كما فهم المقيم السياسي - فهو التمهيد والاستعداد لمؤتمر النفط الذي ستعقده جامعة الدول العربية في القاهرة في شعبان 1376هـ مارس 1957م، وهدف زيارة سلمان هو إغراء الحكومات في الأقطار العربية المنتجة للنفط أو التي تمرُّ أنابيب النفط عبر أراضيها، لكي تسمح للشركات في بلادها بإرسال مندوبين إلى هذا المؤتمر.

وعبَّر المقيم السياسي عن شكِّه في أن مصر تنوي استخدام مؤتمرات النفط التابعة لجامعة الدول العربية كخطوة نحو إبعاد شركات النفط من الشرق الأوسط أو تحويل هذه الشركات إلى هيئات تكون مقبولة من جانب القومية العربية[32].

وإذا كانت الجامعة العربية تبدِي اهتمامًا بعدم وصول النفط من الخليج إلى إسرائيل ضمن سياسة المقاطعة العربية لإسرائيل، فإن الجامعة العربية أيضًا كانت تهتم بأن عائدات النفط الذي تنتجه دول الخليج، وهي دول عربية - ولو أنها لم تنضمَّ بعد إلى جامعة الدول العربية - يجب أن تكون لفائدة الأقطار العربية المنتجة للنفط في الخليج في المقام الأول، وليس لفائدة شركات أجنبية؛ لذلك فإن لجنة خبراء النفط التابعة للجامعة العربية كانت قد عقدت اجتماعًا لخبراء النفط العرب في ربيع الآخر 1375هـ نوفمبر (تشرين الثاني) 1955م، ثم اجتمعوا مرَّة أخرى في القاهرة في رمضان 1376هـ في أبريل (نيسان) 1957م، ثم عقدت اجتماعًا ثالثًا في جمادى الأولى 1377هـ نوفمبر (تشرين الثاني) 1957م، في بغداد، وفي الاجتماع الأخير صدر قرار بالصيغة التالية:
"إن لجنة خبراء البترول تتمسَّك بتوصيتها الثامنة التي أصدرتها في ربيع الآخر 1375هـ 16 نوفمبر 1955م، والتي أوصت فيها الدول الأعضاء بأنه في الامتيازات التي تبرم في المستقبل بين الدول العربية وشركات البترول غير العربية من أجل البحث عن البترول وإنتاجه، فإن حكومات الشركات أو أيَّة حكومة أجنبية يجب ألا يكون لها نصيب في رأس المال، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وإذا ثبت عند الفحص بأن حكومة غير عربية تمتلك جزءًا من رأس المال في شركة بترول عربية أو غير عربية قبل منح الامتياز أو بعده فإن الامتيازات الممنوحة لتلك الدولة سوف تعتبر منتهية بسبب خرق بنود الامتياز المتفق عليها"[33].

وكان اجتماع نوفمبر يهدف إلى بحث الاستعدادات للاشتراك في مؤتمر بترولي كبير تقيمه الجامعة العربية، وكان في النيَّة عقده في شعبان 1377هـ، فبراير (شباط) 1958م[34]، ولكنه تأجَّل إلى إبريل 1959م، وقد أبلغت شركة نفط الكويت الحكومة البريطانية بأن حكومة الكويت قد طلبت منها إرسال شخص إلى القاهرة، برفقة عضو من حكومة الكويت، للإعداد للمعرض الذي سوف يقام في الوقت نفسه الذي يعقد فيه مؤتمر النفط، وكانت الحكومة البريطانية تستنتج من ذلك أن الحكومة الكويتية تأخذ مسألة مؤتمر النفط بجدية؛ وعلى ذلك قرَّرت الحكومة البريطانية البحث فيما إذا كانت السلطات الكويتية قد قامت بأيَّة تحركات ذات صلة بمجموعات القرارات التي اتَّخذها مؤتمر النفط ككل.

وإذا كانت الحكومة الكويتية قد قررت الأخذ بسياسة الجامعة العربية النفطية، فإن الحكومة البريطانية كانت ترى أن عليها أن تفكر وتبحث فيما إذا كان من الحكمة أن تلفت انتباه السلطات الكويتية إلى التعقيدات والمشكلات التي تحيط بهذا القرار الخاص[35].

وقد ردَّ الوكيل السياسي البريطاني في الكويت على الإدارة الشرقية بوزارة الخارجية البريطانية بلندن بأنه جرى حديث بين أحد رجال الوكالة وبين السيد أحمد سيد عمر الذي كان يمثِّل الكويت في المؤتمر حول هذه النقطة، وقد أوضح السيد أحمد سيد عمر بأن الكويتيين اعتبروا قرار المؤتمر مجرَّد توصيات فقط ليست ملزمة لهم، وقال: إنه عندما يحين الإبرام الفعلي للامتيازات، فإن الكويت سوف تراعي مصالحها الخاصة، وقد يأخذ الكويتيون في اعتبارهم، بعد موازنة مزايا وعيوب أي عرض خاص بالبحث والتنقيب عن النفط، توصيات المؤتمر، ولكن هذا سيكون عاملاً واحدًا فقط ضمن العوامل التي تؤثِّر في قرار الكويت. وعلى ذلك فإن الوكيل السياسي البريطاني في الكويت رأى أنه ليس من الضروري ولا من الصواب تقديم أي احتجاج للسلطات الكويتية أو تناول الموضوع رسميًّا، وأضاف: إن الكويتيين على ما يبدو مستعدُّون في هذا الشأن، كما في شؤون أخرى، للقيام بدورهم المعتاد بالظهور بمظهر طيب كعرب طيبين مع حماية المصالح البريطانية في الوقت نفسه[36].

وقد ذكرتْ صحيفة الفاينانشيال تايمزFinancial Times في 5 مارس (آذار) 1959م أن الجامعة العربية تخطط لبناء خط أنابيب جديد للنفط من الخليج للبحر المتوسط؛ لنقل بترول المملكة العربية السعودية والعراق والكويت، وهو أول مشروع تقوم به شركة خطوط أنابيب البترول العربية التي كانت تبحث فكرتها في ذلك الوقت من الجوانب الفنية والاقتصادية والقانونية في اجتماع للجنة النفط التابعة لجامعة الدول العربية.

وأضافت الصحيفة أن لجنة فرعية فنية بتحديد قدرة خط الأنابيب الذي ستكون له فروع تمتد من المملكة العربية السعودية والكويت والعراق ثم تتجمع هذه الخطوط الفرعية في خط رئيس يتَّجه رأسًا لكي يصب على ساحل البحر المتوسط ربما في طرابلس أو بنياس، على أن ترفع إلى الحكومات المعنية مباشرةً سواء كأقطار منتجة أو كأقطار عبور، وعند موافقة هذه الدول سوف تتكون الشركة ويحتمل أن يكون مقرها في الدولة التي تساهم بأكبر نصيب في رأس المال.

والحجَّة العربية التي تؤيِّد مثل هذا الخط تتمثَّل في أنه سيكون ملكية عربية؛ وبالتالي فإنه سيكون آمنًا من التخريب وسوف يعطي العرب فائدة أكبر ونصيبًا أكبر في صناعة النفط[37].

مؤتمر النفط العربي الأول شوال، 1378هـ إبريل 1959م:
من بين استعدادات جامعة الدول العربية لعقد أول مؤتمر نفط عربي شكَّل الأمين العام للجامعة العربية عبدالخالق حسونة لجنة إدارية عامة للمؤتمر.

وقد وافقت حكومة المملكة العربية السعودية على البرنامج الذي أعدَّه المكتب الدائم للنفط التابع للجامعة العربية من أجل زيارة أفراد يعملون في شؤون النفط العربي، وقد أبلغت الحكومة السعودية الأمانة العامة للجامعة بأنها ترحِّب بوصول البعثة العراقية إلى السعودية، والتي تتكوَّن من إحسان رفعت المدير العام لشؤون النفط، وإبراهيم جمال العبوسي مدير النفط، وأن الحكومة السعودية قد أعدَّت برنامجًا خاصًّا لزيارة الوفد العراقي لمؤسسات البترول في المملكة العربية السعودية.

وقد تقرر قبول أعضاء فاعلين في مؤتمر البترول العربي على النحو التالي:
أ- المنظمات والمؤسسات العامة المهتمَّة بشؤون النفط.
ب- المنظمات المهتمَّة بشؤون النفط؛ مثل: اتحادات العمال والشركات وجمعيات النفط.
ج- أشخاص وأفراد متخصصون ومهتمون بشؤون النفط[38].

شكلت لجان للمؤتمر وزعت عليها مهامَّ المؤتمر على أن تختصَّ كل لجنة بموضوع من الموضوعات التالية:
أ- الوسائل الحديثة التي تتبع في عمليات الكشف عن البترول واستغلاله وعمليات الحفر والنقل والتكرير وصناعة منتجات النفط.

ب- اقتصاديات صناعة النفط من حيث أرقام الإنتاج والاستهلاك الخام ومنتجاته والاحتياطي، عدد العمال الذين يعملون في صناعة النفط وأجورهم والخدمات الاجتماعية والثقافية والتعليمية للعمال، العوامل الطبيعية والجغرافية التي تؤثِّر على نشاط صناعة النفط، استثمار رأس المال، تأثير صناعة النفط على الاقتصاد العربي، أثر التعاون بين الأقطار العربية فيما يتَّصل بإنتاج النفط واستغلاله وتسويقه.

ج- تشريعات النفط المنظمة لعمليات البحث واستغلال وتصنيع النفط، والتشريع المنظم لشروط العمل في حقول النفط مثل: ساعات العمل والأجور والخدمات الاجتماعية، والعناية الصحية، والتشريع المنظم للعلاقة بين الحكومة ومكتشفي أو مستغلي النفط.

د- سياسة الحكومة المعنيَّة من حيث رأس المال الخاص ومشاركة الحكومة في صناعة النفط، المزايا الممنوحة من الحكومة للباحثين والمستغلِّين والمستثمرين رأس المال الأجنبي والخبراء الأجانب[39].

وقد تقرَّر أن يبدأ المؤتمر في جمادى الأولى 1378هـ أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1958م على أن يستمرَّ لنحو ثلاثة أسابيع وقد يستمرُّ المعرض أكثر من ذلك، وكان الأمين العام للمؤتمر هو محمد سلمان (العراقي) الذي يشغل وظيفة مدير المكتب الدائم للنفط بالجامعة العربية.

وقد قرَّرت الدول التالية المشاركة في المؤتمر والمعرض: العراق - الكويت - مصر - المملكة العربية السعودية - البحرين وذلك من الدول العربية وفنزويلا كدولة غير عربية، أما إيران فقد كانت الدولة الوحيدة التي دعيت ولكنها رفضت الحضور بسبب توجيه الدعوة للبحرين، وكذلك بسبب ما نصَّ عليه جدول الأعمال بإطلاق اسم الخليج العربي بدلاً من الخليج الفارسي.

كما شارك في المعرض شركة بترول الكويت وشركة بترول العراق وكذلك أرامكو، وقد أعلن الأمين العام للمؤتمر أن هدف المؤتمر ليس سياسيًّا[40].

وعلى الرغم من أن النظام العراقي الملكي (أي قبل قيام ثورة يوليو 1958م) كان قد رفض الاشتراك في المؤتمر، إلا أن النظام الجديد بعد الثورة وافق وأصدر تعليماته إلى شركة بترول العراق من أجل إقامة معرض كبير، وقد صرح محمد سلمان لمستر ديكاندول من شركة بترول الكويت، أثناء لقائهما في لاهاي، أن هدف المؤتمر ليس له علاقة بالسياسة، وأن الفكرة هي تعريف الرأي العام بصناعة النفط من ناحية، وجمع الأشخاص المهتمين بصناعة النفط معًا من ناحية أخرى.

ولذلك فإن هدف المؤتمر تكنولوجي وعلاقات عامة، كما ذكر سلمان أنهم يتوقعون حضور أفراد من كافة أنحاء العالم بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وأضاف سلمان أن النظام الحالي لإنتاج وتسويق النفط بواسطة شركة بترول كبرى نظام مستقرٌّ وناجح، ولذلك فهو لا يعتقد أن الحكومات المضيفة (أي الحكومة التي بها نفط وتعمل بها شركات نفطية) سوف تميل إلى الحصول على نصيب أكبر من العائد[41].

وقد لاحظ المقيم السياسي البريطاني في البحرين أن شركة أرامكو كانت تنوي في الأصل الاكتفاء بإقامة معرض رسمي لحكومة المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فقد ضغط عليها عبدالله الطريقي المدير العام السعودي لشؤون البترول والمعادن؛ فقررت أرامكو الاشتراك في المؤتمر.

ويبدو أن أرامكو كانت منزعجة من بعض المتاعب التي قد يلقاها مندوبو الشركة من بعض الأعضاء المسؤولين في المؤتمر، ممَّن كانوا معادين للغرب أو معادين للمملكة العربية السعودية، كما أن الشركة كانت قلقة بشأن الطابع السياسي لبعض الفقرات الواردة في جدول الأعمال؛ ولذلك قرَّر مسؤولو الشركة الامتناع عن الدخول في أيَّة مناقشات سياسية، أمَّا حكومة البحرين فقد قرَّرت منذ بداية العام عدم الاشتراك في المؤتمر[42].

وعندما سأل أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني وزير الخارجية البريطاني عمَّا إذا كانت الأقطار التابعة لبريطانيا سوف تكون ممثِّلة رسميًّا في مؤتمر النفط، ردَّ الوزير بأنه فيما يختصُّ بإمارات الخليج، فإن الكويت فقط هي التي سوف تشترك.

في عددها الصادر في رجب 1379هـ يناير 1960م نشرت الصحيفة الرسمية العراقية "الوقائع" نص القانون رقم (9) بالمصادقة على البروتوكول بقيام المجلس الاقتصادي العربي، وكان هذا البروتوكول قد تَمَّ توقيعه في القاهرة في رمضان 1378هـ مارس 1959م، وقد افتتحت الدورة السادسة للمجلس الاقتصادي العربي في رمضان 1378هـ مارس 1960م، وقد حضر مندوبون عن كل الأعضاء المؤسسين باستثناء العراق كما حضره مندوبون عن السودان والكويت وغرفة التجارة والصناعة والزراعة[43].

وقد بدأت اللجان الفرعية الثلاث التي تكوَّن منها المجلس الاقتصادي العربي اجتماعها في القاهرة بداية شوال 1379هـ 6 مارس 1960م، وقد تقرر إدخال تعديلات معيَّنة على تشكيل لجان المجلس؛ فشكلت لجنة لشؤون النفط وأدمجت اللجنتان المالية والاقتصادية، أمَّا لجنة المواصلات فقد ظلت دون تغيير.

وقد انتخب المندوب السعودي عبدالله الطريقي رئيسًا للجنة شؤون النفط، وقد وافقت اللجنة على جدول أعمالها الذي كان قد أُعِدَّ على ضوء تقرير لجنة خبراء النفط العرب التي اجتمعت في جدة في ربيع الأخر 1379هـ أكتوبر (1959م)، وكان جدول الأعمال يتضمَّن ما يلي:
1- الموافقة على خطَّة لإنشاء لجنة عربية لمدِّ خط أنابيب ينقل النفط العربي من مصادره إلى موانئ سوريا ولبنان.
2- مناقشة خطة لتأسيس شركة ناقلات نفط عملاقة.
3- توحيد سياسة النفط العربية عن طريق إبرام اتفاقية بين الدول العربية على أن يتضمن الاتفاق مبادئ هذه السياسة، التي سوف تكون ملزمة لكل الدول العربية.
4- مناقشة إجراءات موحدة تتَّخذها الدول العربية لمقاطعة الشركات الأجنبية التي تستغل نفط الجزائر، وذلك طبقًا للاتفاقيات المبرمة مع السلطات الاستعمارية الفرنسية[44].

وفيما يخصُّ المؤتمرات العربية الخاصة بالبترول عقدت الدول العربية حتى عام 1963م أربعة مؤتمرات، حيث عُقِد المؤتمر الأول في القاهرة في 18 إبريل 1959م، كما عقد المؤتمر الثاني في بيروت فيما بين 17-23 أكتوبر 1960م، أمَّا المؤتمر الثالث فقد عقد في الإسكندرية في أكتوبر 1961م، والمؤتمر الرابع عقد في بيروت بتاريخ 13 نوفمبر 1963م، وقد انصبَّت تلك المؤتمرات على أمور عدة منها:
• ضرورة تحسين المشاركة في الأرباح لمصلحة الدول المنتجة للبترول وإقامتها على أسس عادلة معقولة.

• العمل على تكوين شركات وطنية متكاملة تباشر نشاطها في عمليات البحث عن البترول وإنتاجه وتكريره ونقله وتسويقه وذلك جنبًا إلى جنب مع الشركات الخاصة القائمة في هذه الدول.

• ضرورة العمل على إيجاد أجهزة في الدول المنتجة تختصُّ برسم سياسة المحافظة على مصادر الثروة البترولية وسلامة استغلالها آخِذة بعين الاعتبار مصالحها الوطنية والأوضاع السائدة فيها.

• كما أيَّد المؤتمر الثاني مطالب الحكومات العربية وجهودها التي تهدف إلى تحسين شروط الامتيازات البترولية، كما أوصى بأن تضاعف حكومات البلاد العربية جهودها الخاصة بتشجيع البحوث الفنية والاقتصادية والقانونية المتعلِّقة بشؤون البترول بمختلف الوسائل، وبتسهيل اشتراك أبناء البلاد العربية بأعمال المؤتمر البترولية.

• كما أوصى المؤتمر الثالث بأن تضاعف الحكومات العربية جهودها للمساهمة بطريقة إيجابية في المشروعات التي تقوم بها الشركات البترولية العاملة في البلاد العربية؛ وذلك بالمساهمة في رؤوس أموال هذه الشركات، وكذلك المشاركة في إدارتها باعتبار أن ذلك هو السبيل العلمي لتأمين حقوق الشعوب العربية وضمان استقرار العلاقات بين الحكومات والشركات.

• كما أيَّد المؤتمر الثالث الحكومات العربية في كلِّ ما تتَّخذه من إجراءات تستهدف المحافظة على مصالحها البترولية بصفة عامة، وعلى أسعار عادلة للبترول بصفة خاصة؛ باعتبار أن ذلك أساس المحافظة على دور رئيس لدخلها القومي.

• وفي المؤتمر الرابع الذي عقد عام 1963م أوصى المؤتمر مرة أخرى بضرورة مبادرة الشركات إلى اتِّخاذ الخطوات الإيجابية للالتقاء مع الأماني العربية بما يحقِّق حصول الأقطار العربية على نصيبها العادل من ثروتها الوطنية حتى تستطيع أن تطوِّر اقتصادياتها.

• كما أوصى المؤتمر الرابع بخلق جيل بترولي واعٍ وضرورة توفير الفنيين والاختصاصيين العرب القادرين على النهوض بهذه الصناعة وتطويرها وذلك بإنشاء المعاهد والكليات الفنية[45].

وقد استجابت حكومة المملكة العربية السعودية، وكانت أسرع من غيرها من الحكومات العربية الأخرى؛ حيث صدر المرسوم الملكي الذي أصدره الملك سعود بإنشاء كلية للبترول والمعادن وذلك بمقتضى المرسوم الملكي رقم (11) بتاريخ 11 جمادى الأولى سنة 1383هـ الموافق 8 نوفمبر 1963م.

الخـاتمة

من خلال العرض السابق نجد أن جامعة الدول العربية قد أَوْلَت اهتمامها إلى منطقة الخليج العربية من منطلق الأخوَّة والرابطة العربية التي تربط تلك المنطقة الحيوية من العالم العربي بهذه الهيئة الإقليمية، ولم يكن الهدف عند قادة الجامعة العربية من ورائه هو الحصول على البترول، أو مغانم خاصة، وأنه كان حتى تلك الفترة يُستخرَج بكميات تجارية محدودة، وإنما كان سعي الجامعة في هذه القضية ينصب حول أمور عِدَّة كما أسلفنا وهي:
• القضية العربية - حيث إن الوطن العربي قد ذاق مرارة الانكسار في جزء من الوطن العربي في فلسطين، وبدأت الجامعة العربية في محاولة تطويق دولة إسرائيل في محاصرتها اقتصاديًّا، وذلك عن طريق منع المواد الإستراتيجية عنها وخاصَّة النفط، خاصة وأن معظم الشركات التي تسيطر عليها هي شركات أمريكية وبريطانية، ولا يخفى على أحد ما كان يربط هاتين الدولتين بالدولة الإسرائيلية فكان هذا المسعى هو محاولة للحفاظ على الثروة النفطية العربية من أن تصل إلى أعداء الأمة.

• الثروة النفطية - كما أوضحنا أن الشركات الأجنبية هي التي كانت تتحكَّم في موارد الثروة والنفط في هذه المنطقة، وذلك بفرض امتيازات جائرة لشركات البترول التابعة للدول الأوربية، خاصة وأن المنطقة كانت ترزح تحت الحكم البريطاني، فطالبت الجامعة العربية بأن تكون هناك اتفاقات أخرى متوازنة تحصل من خلالها الدول المنتِجة للنفط على نصيب معقول يسمح لها بتطوير مرافقها، والصرف على تطوير وتنمية الدول العربية الخليجية.

• وأخيرًا، أوصتْ مؤتمرات البترول الأربعة إلى ضرورة توفير الكوادر العربية المتخصصة في مجال البترول، وذلك عن طريق إنشاء المعاهد والكليات المتخصِّصة مع تبادل الخبرات بين الدول العربية؛ لتحلَّ هذه الكوادر محلَّ الكوادر الأجنبية، وذلك تمهيدًا للخطوة الكبرى وهي الحصول على الاستقلال التام، وحينها لا يصبح هناك حاجة لبقاء الخبراء الأجانب وغيرهم.