أزمة الرأسمالية المتوحشة وانهيار الأساطير
مرسل: الثلاثاء إبريل 19, 2011 5:52 pm
أزمة الرأسمالية المتوحشة وانهيار الأساطير
الأزمة المالية الحالية والعنيفة التي انهارت بسببها كبريات البنوك الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية واحداً تلو الآخر، وعلى رأسها بنك "ليمان براذرز" رابع أكبر البنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية ينهار، والذي اضطرت على إثره إدارة بوش الابن إلى التدخل الضخم للحيلولة دون مزيد من التصدعات المتلاحقة التي لحقتْ وتلحق بأكبر اقتصاد في العالم، هذه الأزمة فتحت الباب واسعًا أمام التذكير بخطورة وتوحش الرأسمالية على المجتمع الإنساني ككل، وفتحت باب الأمل على مصراعيه في انتظار انهيار هذا الوحش الذي يفترس الناس خاصة في المجتمعات الفقيرة، مثلما انهارت الشيوعية التي أذلت الناس من قبل.
وإذا كنا سنتحدث عن الأمور الاقتصادية البحتة في الأزمة، وكذلك مستوى الإدارة السياسية لها، فينبغي أن نتوقف عند نقطة هامة كانت وراء هذه الأزمة المالية الأمريكية، ألا وهي الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على العالم الإسلاميّ تحت ذريعة الإرهاب تارة وتحت ذريعة نشر الديمقراطية تارة أخرى، فحمّلت الاقتصاد الأمريكيّ المتهاوي ما يزيد على 560 بليوناً من الدولارات، وهو ما خفض من السيولة المتاحة في المؤسسات المالية وقلل من قدرة الحكومة على مدّ يد العون لدافع الضرائب.
أسباب الانهيار
الأسباب متعددة ومنها المضاربات على مستوى الولايات المتحدة كلها، لأن الولايات المتحدة التي كانت تعلم أن عملتها الدولار هي عملة عالمية استثمرت هذا الواقع لمصلحتها على أسوأ ما يكون، فظلت تطبع من هذه العملة ما شاء لها دون رقابة دولية، وفي الوقت الذي فرضت فيه على بعض الدول أن تثبت سعر صرف الدولار في عملتها لم تسمح لهذه الدول بأن تتعرف على الكميات المطبوعة من عملة الدولار أو تتحكم في كمية طباعتها، ولكن هذا الواقع بدأ يتأثر بعوامل مختلفة منها أن بعض الدول مثل فنزويلا وإيران وهما دولتان نفطيتان رفضتا أن تتعاملا بعملة الدولار، وذلك ما أنزل كثيرا من قوة الدولار واعتبر نوعا من العقوبة تفرضه بعض هذه الدول على الولايات المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن ظهور عملة عالمية جديدة كاليورو لعب دورا مهما في الاستيلاء على كثير من الميادين التي كان يسرح ويمرح فيها الدولار.
وعندما وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام عجز عالمي كبير بدأت في تخفيض سعر صرف الدولار على أمل أن تستفيد من ذلك في تقليل قيمة ديونها عندما تدفعها بعملات أجنبية، وكانت تستقرئ من ذلك أن تخفيض سعر الدولار سوف يؤدي إلى ارتفاع مضطرد في أسعار النفط، وذلك ما حدث بالفعل وكان من محركات الأزمة العالمية، ومن بين الشركات التي ضربت شركات التأمين وإعادة التأمين العملاقة التي يعني انهيارها انهيار صناعة التأمين في العالم كله، وذلك ما جعل الولايات المتحدة تتدخل على غير قانون العرض والطلب لكي تنقذ صناعة التأمين في الولايات المتحدة من الانهيار، لما لذلك من تأثير على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية في البلاد.
أزمة عامة وشاملة
الأزمة المالية الحالية في الولايات المتحدة أزمة عميقة لا تقتصر على بعض الشركات والبنوك، بل هي أزمة اقتصاد شاملة نشأت عن سوء إدارة عامة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعلاقات الخارجية، أزمة تعتبر الأخطر منذ أزمة عام 1929.
وحسب بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد الأمريكي يواجه عجزا مزمنا ومتصاعدا منذ ثلاثة عقود من الزمن في الميزانين التجاري والخدمات (سلع+خدمات) مع الدول الأخرى بلغ في عام 2006 بمقدار 791 مليار دولار وأكثر من 800 مليار دولار لعام 2007، ويمكن القياس على ذلك خلال سنوات تلك العقود، كما أن ميزانية الحكومة المركزية تواجه عجزا سنويا بما لا يقل عن 700 مليار دولار سنويا، فما الذي جعل الاقتصاد الأمريكي يصمد في وجه هذا النزيف المالي الهائل منذ تخليها عن قاعدة الذهب في عام 1974 حتى وقتنا الراهن لولا لعبة مطبعة أو مصنع الدولارات.
ومما سارع في حدوث أزمة اقتصاد الأمريكي الراهنة هو ظهور عملة اليورو التي جعلت نسبة عالية جدا من التعاملات التجارية بين الدول تتحول من الدولار إلى هذه العملة، حيث تستحوذ دول الاتحاد الأوروبي بمفردها على تجارة خارجية مع دول العالم عادلت 8705 مليار دولار في عام 2006 أي ما نسبته 36% من التجارة العالمية، إضافة إلى ما يناهز ذلك من تجارة الخدمات.
مقارنة لابد منها
إن التدخل الحكومي الأمريكي هو تدخل طالما حظرت الرأسمالية المتوحشة حصوله، واعتبرته "محرّماً" ومن أشد المحرمات في مبادئها القائمة على الاكتناز واستعباد الصغار والضعفاء.
ولابد هنا من مقارنة مهمة، فما زلنا نتذكر عندما تعرضت اقتصادات النمور السبع الآسيوية إلى مؤامرة يهودية صليبية هائلة لإسقاطها ونسف تجربتها المتمردة نسبياً على الهيمنة الغربية، فخلال هذه الأزمة وحين لجأ رئيس وزراء ماليزيا حينئذٍ- محاضر محمد- إلى بعض الإجراءات لحماية نهضة بلاده من السقوط انهالت عليه شتائم الغرب واستخفافهم.
لكن الغرب المنافق كالعهد به، يكيل دائماً بمكاييله المزدوجة، فما يحق له لا يحق لغيره، فما كان حراماً على ماليزيا أصبح اليوم مباحاً إن لم يكن مستحباً لجورج بوش والابن وإدارته المتطرفة.
إن القوم في مأزق حقيقي وهم يسعون إلى طمسه، وهو ظهور بوادر نهاية سيطرتهم على البشر ظلماً وعدواناً، أي لحاقهم بإخفاق الشيوعية من قبل، ويومها طبَلوا وزمّروا لما أطلقوا عليه "نهاية التاريخ" توهماً منهم بأن ساعة انتصارهم الأبدي المفترى قد حانت، بيد أن نشوة القوم لم تدم طويلاً، ومن يعلم بواطن الأمور، يدرك أن المسألة باتت مسألة وقت ليس غير. إنهم يعكفون على كتم حقيقة تقررها أرقامهم ذاتها، وهي أن حجم الاقتصاد العالمي الفعلي لا يتجاوز48 ترليون دولار، لكنه ورقياً يربو على 144ترليون.
والأزمة ليست أزمة رهون عقارية هامشية، بل هي أزمة بنيوية، تضرب بجذورها في أعماق شجرة الجور والنهب غير المحدود لأكثر أمم الأرض، وتسخير ثرواتها ومواردها لخدمة النهب الغربي المنظم.
قد يطول الاحتضار الرأسمالي القائم على السلب والنهب والإذلال بضع سنين، مثلما استغرق انهيار شقيقتها الشيوعية عدداً من السنين، قبل أن تهوي غير مأسوف عليها. لكن سنة الله عز وجل ماضية إلى يوم الدين، فهو سبحانه يداول الأيام بين الناس.
سقوط أساطير الغطرسة
أساطين الرأسمالية الأمريكية صدعوا رءوسنا بالحديث عن أسطورة المعدة لأمريكية القوية الهاضمة، فقد كان الناصحون ـ من أمريكا وغيرها من مفكري العالم ـ ينصحون المسئولين الأمريكيين دوما بأن مخاطر جسيمة متتابعة تحيق بهذه الدولة الكبرى، وكان الرد دوما: لا يهم!! فأمريكا بلد ذو معدة قوية هاضمة لا تضعف ولا تمرض وهي قادرة على هضم الأزمات مهما كان حجمها ونوعها، لكن هذه المعدة القوية الهاضمة عجزت عن هضم الأزمات المالية والاقتصادية التي تجتاح الولايات المتحدة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن نشوة الفرح بسقوط الاتحاد السوفيتي، جعلت المفكرين والمنظرين الأمريكان يتغطرسون قائلين: إن سقوط الامبراطورية السوفيتية معناه بالضرورة الحتم الانتصار الأبدي للرأسمالية، وبناء على هذا الانتصار ختمت حركة التاريخ السياسي والاقتصادي وعنوان الختم هو: (قفل باب الاجتهاد الفكري والسياسي في مجالي: الرأسمالية والديمقراطية) لأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ.
لكن ما رأي هؤلاء الجهابذة الآن وهم يرون هذه الأسطورة يتم نسفها؟ لأن ما يجري سيجبر القوم على إعادة النظر والاجتهاد في بنية النظام الاقتصادي والمالي.
أسطورة الحرية الاقتصادية الكاملة التي قال بها آدم سميث والتي قامت عليها الرأسمالية سقطت هي الأخرى بعد أن اضطرت هذه الأزمة العاتية الدولة الأمريكية إلى التدخل الواسع والعميق والسريع في صميم الممارسات الرأسمالية، إذ مارست الحكومة الفدرالية سياسة التأميم تجاه أكثر من مؤسسة اقتصادية ومالية. وطالما عيّر رأسماليو أمريكا دولا عديدة بسياسة التدخل ابتغاء الحفاظ على التوازن الاقتصادي.
ألا يتعظ القوم؟
في الأزمة المالية الأمريكية الحالية إعجاز إسلامي كبير، فالإسلام حذر من التعامل بالربا وحرمه حرمة شديدة، وهذا الربا المحرم إسلاميًا هو الذي جعلته القوى اليهودية والصليبية أساسًا للنظام المالي العالميّ، والذي تبناه الغرب دون قيد أو شرط، والقائم على إقراض المستهلك المال بفائدة محددة ليشترى به المستهلك السلع التي يريدها أو يقيم بها مشروعًا، ويكون مديوناً للبنوك بالمال إضافة إلى فائدته، بغض النظر عن قيمة السلع التي اشتراها أو نجاح المشروع الذي أنشأه. فالعقد الربوي يقوم على مبدأ الدين لا مبدأ المشاركة.
وحين انهار الإئتمان السكنيّ، أو ما يسمى بالرهن العقاري، في الولايات المتحدة منذ عام أو أكثر نتيجة عجز المقترض عن سداد أصل القرض فضلاّ عن فوائده، حجزت البنوك والمؤسسات المالية على المساكن والمشروعات والسلع، وباعتها بأبخس الأسعار. وكان أن خسر الطرفان المعنيان في ظلّ هذا النظام الربويّ، حيث خسرت المؤسسات المالية فلم تعوَض المبيعات قيمة القروض الأصلية، ولكنّ الخاسر الأكبر كان المقترض الذي خسر دفعاته من الفائدة وما دفعة مقدماّ من قيمة القرض، فكانت خسارته مضاعفة.
الأزمة المالية الحالية والعنيفة التي انهارت بسببها كبريات البنوك الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية واحداً تلو الآخر، وعلى رأسها بنك "ليمان براذرز" رابع أكبر البنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية ينهار، والذي اضطرت على إثره إدارة بوش الابن إلى التدخل الضخم للحيلولة دون مزيد من التصدعات المتلاحقة التي لحقتْ وتلحق بأكبر اقتصاد في العالم، هذه الأزمة فتحت الباب واسعًا أمام التذكير بخطورة وتوحش الرأسمالية على المجتمع الإنساني ككل، وفتحت باب الأمل على مصراعيه في انتظار انهيار هذا الوحش الذي يفترس الناس خاصة في المجتمعات الفقيرة، مثلما انهارت الشيوعية التي أذلت الناس من قبل.
وإذا كنا سنتحدث عن الأمور الاقتصادية البحتة في الأزمة، وكذلك مستوى الإدارة السياسية لها، فينبغي أن نتوقف عند نقطة هامة كانت وراء هذه الأزمة المالية الأمريكية، ألا وهي الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على العالم الإسلاميّ تحت ذريعة الإرهاب تارة وتحت ذريعة نشر الديمقراطية تارة أخرى، فحمّلت الاقتصاد الأمريكيّ المتهاوي ما يزيد على 560 بليوناً من الدولارات، وهو ما خفض من السيولة المتاحة في المؤسسات المالية وقلل من قدرة الحكومة على مدّ يد العون لدافع الضرائب.
أسباب الانهيار
الأسباب متعددة ومنها المضاربات على مستوى الولايات المتحدة كلها، لأن الولايات المتحدة التي كانت تعلم أن عملتها الدولار هي عملة عالمية استثمرت هذا الواقع لمصلحتها على أسوأ ما يكون، فظلت تطبع من هذه العملة ما شاء لها دون رقابة دولية، وفي الوقت الذي فرضت فيه على بعض الدول أن تثبت سعر صرف الدولار في عملتها لم تسمح لهذه الدول بأن تتعرف على الكميات المطبوعة من عملة الدولار أو تتحكم في كمية طباعتها، ولكن هذا الواقع بدأ يتأثر بعوامل مختلفة منها أن بعض الدول مثل فنزويلا وإيران وهما دولتان نفطيتان رفضتا أن تتعاملا بعملة الدولار، وذلك ما أنزل كثيرا من قوة الدولار واعتبر نوعا من العقوبة تفرضه بعض هذه الدول على الولايات المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن ظهور عملة عالمية جديدة كاليورو لعب دورا مهما في الاستيلاء على كثير من الميادين التي كان يسرح ويمرح فيها الدولار.
وعندما وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام عجز عالمي كبير بدأت في تخفيض سعر صرف الدولار على أمل أن تستفيد من ذلك في تقليل قيمة ديونها عندما تدفعها بعملات أجنبية، وكانت تستقرئ من ذلك أن تخفيض سعر الدولار سوف يؤدي إلى ارتفاع مضطرد في أسعار النفط، وذلك ما حدث بالفعل وكان من محركات الأزمة العالمية، ومن بين الشركات التي ضربت شركات التأمين وإعادة التأمين العملاقة التي يعني انهيارها انهيار صناعة التأمين في العالم كله، وذلك ما جعل الولايات المتحدة تتدخل على غير قانون العرض والطلب لكي تنقذ صناعة التأمين في الولايات المتحدة من الانهيار، لما لذلك من تأثير على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية في البلاد.
أزمة عامة وشاملة
الأزمة المالية الحالية في الولايات المتحدة أزمة عميقة لا تقتصر على بعض الشركات والبنوك، بل هي أزمة اقتصاد شاملة نشأت عن سوء إدارة عامة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعلاقات الخارجية، أزمة تعتبر الأخطر منذ أزمة عام 1929.
وحسب بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد الأمريكي يواجه عجزا مزمنا ومتصاعدا منذ ثلاثة عقود من الزمن في الميزانين التجاري والخدمات (سلع+خدمات) مع الدول الأخرى بلغ في عام 2006 بمقدار 791 مليار دولار وأكثر من 800 مليار دولار لعام 2007، ويمكن القياس على ذلك خلال سنوات تلك العقود، كما أن ميزانية الحكومة المركزية تواجه عجزا سنويا بما لا يقل عن 700 مليار دولار سنويا، فما الذي جعل الاقتصاد الأمريكي يصمد في وجه هذا النزيف المالي الهائل منذ تخليها عن قاعدة الذهب في عام 1974 حتى وقتنا الراهن لولا لعبة مطبعة أو مصنع الدولارات.
ومما سارع في حدوث أزمة اقتصاد الأمريكي الراهنة هو ظهور عملة اليورو التي جعلت نسبة عالية جدا من التعاملات التجارية بين الدول تتحول من الدولار إلى هذه العملة، حيث تستحوذ دول الاتحاد الأوروبي بمفردها على تجارة خارجية مع دول العالم عادلت 8705 مليار دولار في عام 2006 أي ما نسبته 36% من التجارة العالمية، إضافة إلى ما يناهز ذلك من تجارة الخدمات.
مقارنة لابد منها
إن التدخل الحكومي الأمريكي هو تدخل طالما حظرت الرأسمالية المتوحشة حصوله، واعتبرته "محرّماً" ومن أشد المحرمات في مبادئها القائمة على الاكتناز واستعباد الصغار والضعفاء.
ولابد هنا من مقارنة مهمة، فما زلنا نتذكر عندما تعرضت اقتصادات النمور السبع الآسيوية إلى مؤامرة يهودية صليبية هائلة لإسقاطها ونسف تجربتها المتمردة نسبياً على الهيمنة الغربية، فخلال هذه الأزمة وحين لجأ رئيس وزراء ماليزيا حينئذٍ- محاضر محمد- إلى بعض الإجراءات لحماية نهضة بلاده من السقوط انهالت عليه شتائم الغرب واستخفافهم.
لكن الغرب المنافق كالعهد به، يكيل دائماً بمكاييله المزدوجة، فما يحق له لا يحق لغيره، فما كان حراماً على ماليزيا أصبح اليوم مباحاً إن لم يكن مستحباً لجورج بوش والابن وإدارته المتطرفة.
إن القوم في مأزق حقيقي وهم يسعون إلى طمسه، وهو ظهور بوادر نهاية سيطرتهم على البشر ظلماً وعدواناً، أي لحاقهم بإخفاق الشيوعية من قبل، ويومها طبَلوا وزمّروا لما أطلقوا عليه "نهاية التاريخ" توهماً منهم بأن ساعة انتصارهم الأبدي المفترى قد حانت، بيد أن نشوة القوم لم تدم طويلاً، ومن يعلم بواطن الأمور، يدرك أن المسألة باتت مسألة وقت ليس غير. إنهم يعكفون على كتم حقيقة تقررها أرقامهم ذاتها، وهي أن حجم الاقتصاد العالمي الفعلي لا يتجاوز48 ترليون دولار، لكنه ورقياً يربو على 144ترليون.
والأزمة ليست أزمة رهون عقارية هامشية، بل هي أزمة بنيوية، تضرب بجذورها في أعماق شجرة الجور والنهب غير المحدود لأكثر أمم الأرض، وتسخير ثرواتها ومواردها لخدمة النهب الغربي المنظم.
قد يطول الاحتضار الرأسمالي القائم على السلب والنهب والإذلال بضع سنين، مثلما استغرق انهيار شقيقتها الشيوعية عدداً من السنين، قبل أن تهوي غير مأسوف عليها. لكن سنة الله عز وجل ماضية إلى يوم الدين، فهو سبحانه يداول الأيام بين الناس.
سقوط أساطير الغطرسة
أساطين الرأسمالية الأمريكية صدعوا رءوسنا بالحديث عن أسطورة المعدة لأمريكية القوية الهاضمة، فقد كان الناصحون ـ من أمريكا وغيرها من مفكري العالم ـ ينصحون المسئولين الأمريكيين دوما بأن مخاطر جسيمة متتابعة تحيق بهذه الدولة الكبرى، وكان الرد دوما: لا يهم!! فأمريكا بلد ذو معدة قوية هاضمة لا تضعف ولا تمرض وهي قادرة على هضم الأزمات مهما كان حجمها ونوعها، لكن هذه المعدة القوية الهاضمة عجزت عن هضم الأزمات المالية والاقتصادية التي تجتاح الولايات المتحدة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن نشوة الفرح بسقوط الاتحاد السوفيتي، جعلت المفكرين والمنظرين الأمريكان يتغطرسون قائلين: إن سقوط الامبراطورية السوفيتية معناه بالضرورة الحتم الانتصار الأبدي للرأسمالية، وبناء على هذا الانتصار ختمت حركة التاريخ السياسي والاقتصادي وعنوان الختم هو: (قفل باب الاجتهاد الفكري والسياسي في مجالي: الرأسمالية والديمقراطية) لأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ.
لكن ما رأي هؤلاء الجهابذة الآن وهم يرون هذه الأسطورة يتم نسفها؟ لأن ما يجري سيجبر القوم على إعادة النظر والاجتهاد في بنية النظام الاقتصادي والمالي.
أسطورة الحرية الاقتصادية الكاملة التي قال بها آدم سميث والتي قامت عليها الرأسمالية سقطت هي الأخرى بعد أن اضطرت هذه الأزمة العاتية الدولة الأمريكية إلى التدخل الواسع والعميق والسريع في صميم الممارسات الرأسمالية، إذ مارست الحكومة الفدرالية سياسة التأميم تجاه أكثر من مؤسسة اقتصادية ومالية. وطالما عيّر رأسماليو أمريكا دولا عديدة بسياسة التدخل ابتغاء الحفاظ على التوازن الاقتصادي.
ألا يتعظ القوم؟
في الأزمة المالية الأمريكية الحالية إعجاز إسلامي كبير، فالإسلام حذر من التعامل بالربا وحرمه حرمة شديدة، وهذا الربا المحرم إسلاميًا هو الذي جعلته القوى اليهودية والصليبية أساسًا للنظام المالي العالميّ، والذي تبناه الغرب دون قيد أو شرط، والقائم على إقراض المستهلك المال بفائدة محددة ليشترى به المستهلك السلع التي يريدها أو يقيم بها مشروعًا، ويكون مديوناً للبنوك بالمال إضافة إلى فائدته، بغض النظر عن قيمة السلع التي اشتراها أو نجاح المشروع الذي أنشأه. فالعقد الربوي يقوم على مبدأ الدين لا مبدأ المشاركة.
وحين انهار الإئتمان السكنيّ، أو ما يسمى بالرهن العقاري، في الولايات المتحدة منذ عام أو أكثر نتيجة عجز المقترض عن سداد أصل القرض فضلاّ عن فوائده، حجزت البنوك والمؤسسات المالية على المساكن والمشروعات والسلع، وباعتها بأبخس الأسعار. وكان أن خسر الطرفان المعنيان في ظلّ هذا النظام الربويّ، حيث خسرت المؤسسات المالية فلم تعوَض المبيعات قيمة القروض الأصلية، ولكنّ الخاسر الأكبر كان المقترض الذي خسر دفعاته من الفائدة وما دفعة مقدماّ من قيمة القرض، فكانت خسارته مضاعفة.