صفحة 1 من 1

غرائب زمن الثورة العربية ...

مرسل: الأربعاء إبريل 20, 2011 12:55 am
بواسطة فرحان الشمري (9)
غرائب زمن الثورة العربية
الثلاثاء, 19 أبريل 2011 18:01 زياد ابوشاويش قضايا ومناقشات سألت ضابط الأمن في مطار العاصمة التونسية عن سبب رفضه السماح لي بالمرور باتجاه ليبيا للتضامن مع شعبها العربي الشقيق في مواجهة العدوان الأطلسي عليه فأجاب: لدينا قوانين تمنعك من دخول تونس

بدون تأشيرة أو "فيزا" على حد تعبيره. سألته مباشرة أهذا يعني أنكم في تونس رغم ثورة البوعزيزي وهروب بن علي لا زلتم على نفس الشاكلة وتمنعون أشقاءكم حتى من التضامن مع جيرانكم في الجماهيرية؟ فأجابني حرفياً: بن علي انتهى والنظام تغير لكن القوانين والتعليمات كلها لم تتغير، وأردف ليثبت أني لست على حق في الإلحاح على ضرورة السماح لي بالمرور عبر تونس للانضمام لمؤتمر التضامن مع ليبيا وشعبها هل تستطيع دخول أي دولة أوروبية بدون "فيزا"؟ فأجبته بالنفي ونبهته إلى أن تونس ليست أوروبا وأنها دولة عربية ومسلمة أيضاً فرد محتداً لن تدخل الأراضي التونسية وستعود على نفس الطائرة ونحن لسنا عرباً، وقد أجبته بأنه الجار الأقرب لليبيا وواجبه هو قبلي أن يتضامن مع شعب شقيق جار ودولة محاذية يتم قصفها وتدميرها على يد الغزاة الأطلسيين وحلف "النيتو"، والأقربون أولى بالمعروف كما يقال، فسكت وهو يرمقني شذراً وطلب أن أرافقه ليسلمني لمندوب الشركة التركية الناقلة على باب الطائرة لتقلني مرة أخرى باتجاه مطار اسطنبول الدولي وهكذا كان.

وقبل أن أعيدكم لأصل الحكاية لابد أن ألفت الانتباه إلى أن ما جرى معي في مطار تونس بكل تفاصيله يثبت أن الثورة التونسية يجري العبث بها وتتحايل ذات القوى القديمة والفاسدة على إبقاء الشقيقة تونس كما كانت تحت ولاية الرئيس المخلوع والهارب زين العابدين بن علي، وأن كل ما يقال في وسائل الإعلام الرسمية هناك هو خداع وسأقول لماذا بمثال من سياق الحكاية، كما أن ما جرى معي وسوء التصرف والسلوك من جانب ضابط المخابرات التونسي في المطار لا يمثل تونس وشعب تونس العربي الشقيق الذي خبرناه في الشدة والرخاء شعباً عربياً أبياً لا يقبل الذلة والإهانة لأشقائه ويعمل لنصرتهم وخاصة بما يخص قضية الشعب الفلسطيني.

وبالعودة للمثال على استمرار الخلل في إدارة شؤون الناس في تونس ويثبت كذب زعم أزلام النظام السابق هناك أن حديث ضابط المخابرات عن التزامه تطبيق القانون لمنعي من المرور إلى ليبيا يكذبه نفس هذا الضابط كونه ليس المعني أساساً بتنفيذ قانون منعي طالما أني لا أحمل تأشيرة دخول لتونس ذلك أن المسألة هنا تتعلق بالهجرة والجوازات والمعني بهذا هم رجال الهجرة والجوازات وليس ضابط المخابرات (واسمه محمد كما أخبرني) ومعه زميل آخر شارك في طردي من المطار، ذلك أنه في الدقائق الأولى لوصولي رحب بي هؤلاء الرسميون رجال وسيدات بزيهم الشرطي المعروف ووعد الضابط المسؤول بمنحي تأشيرة لسبعة أيام وحين رجوته أن يجعلها عشرة قال هذا غير ممكن إطلاقاً لأن التعليمات لا تعطيني الحق في منحك أكثر من أسبوع، وقد باءت مساعيه ووعده بالفشل بسبب تدخل ضباط المخابرات التونسية بالمطار.

كان الإخوة في المنظمة الوطنية للشباب الليبي قد أرسلوا لنا دعوات لحضور المؤتمر الدولي لوقف العدوان على ليبيا تحت شعار (ارفعوا أيديكم عن ليبيا) لحقن دماء الليبيين ووقف إطلاق النار وإعادة اللحمة الوطنية كما جاء في نص الدعوة المرسلة، وهذه دعوة لا يمكن لعربي أن يرفضها، كما أن الإخوة في حركة القوميين العرب بسورية تمنوا علي أن أشارك ومن أختاره بسبب عدم قدرة مندوبهم المعني على السفر في هذه الفترة.

ولما كنت لا أعرف الإجراءات المطلوبة للمشاركة فقد استفسرت من اللجنة التحضيرية التي طلبت إرسال صور الجواز لتأمين الموافقات المطلوبة للوصول إلى ليبيا في الموعد المحدد بيوم 16 و 17 و 18 من الشهر الجاري وبالطبع لم أكن معنياً أو هكذا يفترض بالشأن الإداري أو بالسعي للحصول على تأشيرة من السفارة التونسية هنا بدمشق باعتبار أن هناك من يتابع على الأراضي التونسية، وحتى ليل الخميس لم أكن أعلم إن كان هناك إمكانية للسفر أم لا، وقد رد علي الإخوة الليبيون بأن أتمهل قليلاً لمعرفة موقف السلطات التونسية في المطار وهل يسمحوا لي بالمرور أم لا، وحتى تلك الرسالة الإلكترونية لم أكن قد حجزت للسفر وقد أعلمتهم بذلك في وقت متأخر من ليلة الخميس أو بالأحرى فجر الجمعة، لكني ومن باب الاحتياط ورغم الإرباك في هذا الشأن قمت بعمل تأشيرة الخروج والعودة من سورية ظهر الجمعة الذي صادف وجود تعليمات لكل الدوائر الرسمية بالقطر العربي السوري للدوام بسبب الظروف السائدة.

ليلة الجمعة وفي الساعة الحادية عشر مساء أخبرني الإخوة الليبيون عبر البريد الالكتروني أن المسألة قد سويت مع الأشقاء التونسيين وأنه يمكنني المجيء، مرفقين ذلك بحديث طيب عن أهمية مشاركتي وبأنهم سيكونوا في انتظاري بالمطار هناك.

هنا بدأت القصة ليوم لا يمكن وصفه من زاوية الإرهاق والتوتر ودلالات مجرياته الغريبة التي يمكن أن يعيشها المواطن العربي وهو يتطلع للمشاركة في نصرة شعب شقيق في ظرف خطير ودقيق ليكون منسجماً مع قناعاته الفكرية والسياسية وواجبه القومي.

وباختصار نجحت في أن أحجز مكاناً على طائرة تركية تقلع في الخامسة من فجر السبت باتجاه مطار اسطنبول ومنها "ترانزيت" لتونس، ويجب أن أكون في مطار دمشق قبل هذا بساعتين على الأقل، وقمت بسداد قيمة التذكرة بعد منتصف ليل الجمعة لتصلني التذكرة بالبريد الإلكتروني على تمام الواحدة والنصف فجر السبت وهذا ما حدث فعلاً.

قمت بتحضير ما تيسر من حاجياتي للسفر على عجل، وأقلني أحد أولادي للمطار وبرفقته ابني الأصغر لأواجه عقبة صغيرة تتعلق بتأشيرة تونس، لكن مندوب الشركة التركية سمح لي بركوب الطائرة بعد أن أظهرت صورة الدعوة من المنظمة الوطنية الليبية للشباب.

الأتراك لم يطلبوا مني "فيزا" للمرور من بلادهم إلى تونس بينما طلب أشقاؤنا في تونس هذه الفيزا للمرور إلى دولة جارة وشقيقة، وكم كان هذا مؤلماً.

لقد رجوت ضابط المخابرات التونسي أن يسمح لي بالمرور حتى لو مخفوراً وعلى حسابي الشخصي إلى ليبيا الشقيقة وأفهمته أن ليس لي مصلحة في دخول تونس، وأنني فلسطيني أحب تونس وأقدر شعبها على مواقفه من قضيتنا، وأن هدفي من دخول ليبيا هو نصرة الشعب الليبي في مواجهة العدوان، لكن كل توسلاتي ومبرراتي لإقناعه لم تفلح، وأصر هو وضابط آخر على رحيلي من بلدهم الشقيق، ولا يمكن أن أصف شعوري في تلك اللحظة، فقد كان مزيجاً من الغضب والحزن والألم والتوتر وكدت أقع على الأرض من فرط التوتر والتعب، الذي تضاعف مرات قبل أن أعود لبيتي بعد منتصف ليلة الأحد، والذي زاد الطين بلة أنني فقدت حقيبة أمتعتي وبها كل ملابسي وحاجياتي للسفر ولهذه أيضاً حكاية بدأت من تونس حين أصريت وأنا أقف على باب الطائرة التركية قبل أن أصعد إليها على رؤية الحقيبة لتعود معي لاسطنبول كوني أعرف أن فرصة ضياعها ستكون كبيرة في هذه الحالات، لكن وعلى ضوء رد ضابط المخابرات التونسي بأنني أتذرع لخلق مشكلة حتى لا أعود من تونس اضطررت للتغاضي عن ذلك وركبت الطائرة التي أكد لي المسؤول التركي فيها أنني سأجدها في مطار دمشق وهذا لم يحدث حتى الآن. إن كل هذا التعب والمرارة حدث بسبب حظر الطيران على ليبيا الشقيقة، ولأنه لم يتوفر لي الحجز في رحلة مباشرة من دمشق إلى تونس في المدة المحددة.

إن أشد ما يؤلمني الآن وبعد أن أخذت قسطاً من الراحة عدم تمكني من المشاركة في نصرة أهلنا وشعبنا العربي بليبيا عبر تواجدي المباشر هناك، هذا الشعب الشقيق الذي يتعرض اليوم لأبشع هجوم أطلسي عليه وعلى بلده، وزاد في الألم ذلك الموقف الشاذ من ضباط المخابرات التونسية، لكنني بحكم خبرتي السابقة مع المعتقلات العربية وسلوك أنظمة الخزي والعار سأعوض هذا بإرسال خطاب للمؤتمر آملاً أن تتم قراءته أمام المؤتمرين، كما سنبقى أوفياء لقيم العروبة والانتماء التي تربينا عليها، ولنصرة الشقيق في مواجهة العدوان الغربي الهمجي كما في ليبيا والعراق وأي مكان آخر من وطننا العربي الكبير الذي نعمل من أجل عودته حراً كريماً وموحداً...المجد للشعب الليبي الشقيق ولشهدائه الأبرار، والنصر قريب.