ثمن الصعود إلى القطار
مرسل: الأربعاء إبريل 20, 2011 11:50 am
ثمن الصعود إلى القطار
الإثنين, 18 أبريل 2011
غسان شربل
Related Nodes:
لوغو الحياة
لبعض الكلمات وقع سحري اذا جاءت في وقت مناسب. تتحول قنابل شديدة الانفجار اذا نجحت في حك جروح الناس. والجروح تعني خبزاً صعباً وفرص عمل غائبة وكرامة ممتهنة وثروات مستباحة او مهدورة. تصبح الكلمات عيدان ثقاب يغتنمها الهشيم ليشتعل. وما كان يمكن ان يكون اعتراضات او احتجاجات يذهب ابعد. يتحول ثورة لا تقبل بأقل من اقتلاع الاشياء من جذورها. ليست بسيطة هذه الكلمات التي تتردد في الساحات والشوارع وعلى الشاشات وفي ازقة الانترنت. التغيير. الاصلاح. التداول السلمي للسلطة. مكافحة الفساد. احترام حقوق الانسان. القضاء المستقل. الشفافية. ليس بسيطاً ايضاً ان تطل امرأة على الشاشات وتخاطب سيد البلاد قائلة: «ارحل يا طاغية». وأن يرسم شاب كلمة «ارحل» على راحة يده ويلوح بها امام الكاميرات متحدياً من لا يزال يملك صلاحية اصدار الاوامر الى الجيش وأجهزة الامن لكنه بات يتردد في ممارسة هذه الصلاحية. قبل شهور قليلة كان من المستحيل تصور هذا النوع من المشاهد. كان زوار الفجر يطبقون على اي مواطن يشتبهون بأنه يرتكب أحلاماً من هذه القماشة. واضح ان شيئاً كبيراً قد حصل. وأن التغيير ليس عابراً. لقد انكسرت الهيبة وأُصيبت الهالة. تدحرجت حجارة جدار الخوف والآتي اعظم.
المشهد جديد تماماً. ولا غرابة في ان يجد الصحافي صعوبة في القراءة حتى ولو كان يعرف مسارح الحرائق وبعض اللاعبين المعنيين بها. وفي مثل هذه الاحوال لا بد من الاستعانة بمن يملكون قدراً استثنائياً من المعلومات والعلاقات وخبرة في لعب دور الاطفائي والمشجع والمحرض والمسهل. قال الرجل المهجوس بمستقبل الإقليم: «اننا في نهايات حقبة وبدايات اخرى شديدة الاختلاف. ان المنطقة مكشوفة امام الرياح على غرار ما عاشته اوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين. التغيير حتمي وإن اختلف من مجتمع الى آخر. من يعاند ستجرفه الموجة. يمكن ان ينجو من يبادر الى التأقلم وقيادة التغيير حتى ولو تضمن الامر مجازفة غير بسيطة. انها علامات على انطلاق قطار المرحلة الجديدة. وبطاقة الصعود الى القطار مكلفة لأنها تعني تغيير تشريعات وذهنيات وتقليم اظافر اجهزة وترشيق احزاب وتفكيك شبكات فساد. لكن كلفة الصعود الى القطار تبقى اقل من خسارة فرصة الانتماء اليه لأن الخسارة تعني انتظار الانهيار».
وأضاف: «انظر الى المنطقة كم تغيرت في اسابيع. تونس تعيش بلا زين العابدين بن علي. مصر تعيش بلا حسني مبارك الموقوف مع ولديه على ذمة التحقيق. لن يتأخر الوقت كي نرى اليمن بلا علي عبدالله صالح. وليبيا بلا معمر القذافي. وحده التغيير يمكن ان يحمي الاستقرار. ومن يضيع فرصة الصعود الى القطار الآن لن تتاح له الفرصة مرة اخرى. تعب الناس من الفقر والبطالة والتهميش والقمع. يريدون الخبز والكرامة والانتماء الى العصر».
تطرق المتحدث الى الوضع في سورية قائلاً: «الاحتجاجات في سورية تعني ان الاصلاح قد تأخر. ربما لأن سورية انشغلت في العقد الماضي بتحديات الخارج. لا مصلحة للمنطقة في ان ترى على ارض سورية مشاهد ليبية او يوغوسلافية. انفجار سورية قاتل لها وخطر على المنطقة. لم يفت الأوان. الحل في سورية ان يقود الاسد شخصياً عملية التغيير وأن يتخذ قرارات صعبة حتى ولو كانت على حساب دور الاجهزة والحزب. ان ثمن الصعود الى القطار يبقى اقل بكثير من ثمن إضاعة الفرصة».
استوقفني قول المتحدث ان اميركا حاولت تغيير المنطقة عبر العراق وفشلت. وأن ايران حاولت عبر تصدير الثورة وفشلت. وأن التغيير جاء هذه المرة من الداخل. اضاعت دول المنطقة عقوداً لم تلتفت خلالها جدياً الى هموم الاقتصاد والتحديث. لهذا صار لشعارات التغيير والاصلاح دوي القنابل. إن التردد في الصعود الى القطار مكلف. أما اعتراض القطار فمحض انتحار.
الإثنين, 18 أبريل 2011
غسان شربل
Related Nodes:
لوغو الحياة
لبعض الكلمات وقع سحري اذا جاءت في وقت مناسب. تتحول قنابل شديدة الانفجار اذا نجحت في حك جروح الناس. والجروح تعني خبزاً صعباً وفرص عمل غائبة وكرامة ممتهنة وثروات مستباحة او مهدورة. تصبح الكلمات عيدان ثقاب يغتنمها الهشيم ليشتعل. وما كان يمكن ان يكون اعتراضات او احتجاجات يذهب ابعد. يتحول ثورة لا تقبل بأقل من اقتلاع الاشياء من جذورها. ليست بسيطة هذه الكلمات التي تتردد في الساحات والشوارع وعلى الشاشات وفي ازقة الانترنت. التغيير. الاصلاح. التداول السلمي للسلطة. مكافحة الفساد. احترام حقوق الانسان. القضاء المستقل. الشفافية. ليس بسيطاً ايضاً ان تطل امرأة على الشاشات وتخاطب سيد البلاد قائلة: «ارحل يا طاغية». وأن يرسم شاب كلمة «ارحل» على راحة يده ويلوح بها امام الكاميرات متحدياً من لا يزال يملك صلاحية اصدار الاوامر الى الجيش وأجهزة الامن لكنه بات يتردد في ممارسة هذه الصلاحية. قبل شهور قليلة كان من المستحيل تصور هذا النوع من المشاهد. كان زوار الفجر يطبقون على اي مواطن يشتبهون بأنه يرتكب أحلاماً من هذه القماشة. واضح ان شيئاً كبيراً قد حصل. وأن التغيير ليس عابراً. لقد انكسرت الهيبة وأُصيبت الهالة. تدحرجت حجارة جدار الخوف والآتي اعظم.
المشهد جديد تماماً. ولا غرابة في ان يجد الصحافي صعوبة في القراءة حتى ولو كان يعرف مسارح الحرائق وبعض اللاعبين المعنيين بها. وفي مثل هذه الاحوال لا بد من الاستعانة بمن يملكون قدراً استثنائياً من المعلومات والعلاقات وخبرة في لعب دور الاطفائي والمشجع والمحرض والمسهل. قال الرجل المهجوس بمستقبل الإقليم: «اننا في نهايات حقبة وبدايات اخرى شديدة الاختلاف. ان المنطقة مكشوفة امام الرياح على غرار ما عاشته اوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين. التغيير حتمي وإن اختلف من مجتمع الى آخر. من يعاند ستجرفه الموجة. يمكن ان ينجو من يبادر الى التأقلم وقيادة التغيير حتى ولو تضمن الامر مجازفة غير بسيطة. انها علامات على انطلاق قطار المرحلة الجديدة. وبطاقة الصعود الى القطار مكلفة لأنها تعني تغيير تشريعات وذهنيات وتقليم اظافر اجهزة وترشيق احزاب وتفكيك شبكات فساد. لكن كلفة الصعود الى القطار تبقى اقل من خسارة فرصة الانتماء اليه لأن الخسارة تعني انتظار الانهيار».
وأضاف: «انظر الى المنطقة كم تغيرت في اسابيع. تونس تعيش بلا زين العابدين بن علي. مصر تعيش بلا حسني مبارك الموقوف مع ولديه على ذمة التحقيق. لن يتأخر الوقت كي نرى اليمن بلا علي عبدالله صالح. وليبيا بلا معمر القذافي. وحده التغيير يمكن ان يحمي الاستقرار. ومن يضيع فرصة الصعود الى القطار الآن لن تتاح له الفرصة مرة اخرى. تعب الناس من الفقر والبطالة والتهميش والقمع. يريدون الخبز والكرامة والانتماء الى العصر».
تطرق المتحدث الى الوضع في سورية قائلاً: «الاحتجاجات في سورية تعني ان الاصلاح قد تأخر. ربما لأن سورية انشغلت في العقد الماضي بتحديات الخارج. لا مصلحة للمنطقة في ان ترى على ارض سورية مشاهد ليبية او يوغوسلافية. انفجار سورية قاتل لها وخطر على المنطقة. لم يفت الأوان. الحل في سورية ان يقود الاسد شخصياً عملية التغيير وأن يتخذ قرارات صعبة حتى ولو كانت على حساب دور الاجهزة والحزب. ان ثمن الصعود الى القطار يبقى اقل بكثير من ثمن إضاعة الفرصة».
استوقفني قول المتحدث ان اميركا حاولت تغيير المنطقة عبر العراق وفشلت. وأن ايران حاولت عبر تصدير الثورة وفشلت. وأن التغيير جاء هذه المرة من الداخل. اضاعت دول المنطقة عقوداً لم تلتفت خلالها جدياً الى هموم الاقتصاد والتحديث. لهذا صار لشعارات التغيير والاصلاح دوي القنابل. إن التردد في الصعود الى القطار مكلف. أما اعتراض القطار فمحض انتحار.