دكتاتورية الحاكم أم دكتاتورية الجماهير؟!
مرسل: الخميس إبريل 21, 2011 11:29 pm
تمتزج ديكتاتورية الحاكم مع ديكتاتورية الجماهير، وتستقر منابعها الأولى في العمق النفسي لهذا ولأولئك؛ من خلال العلاقة الجدلية بين الفردي والجمعي، و ما ينتج عنهما من متعاليات تصنع فيما بعد الوعي العام ، وتُحدّد من خلاله سلوكيات الجميع في الواقع المتعين . ولا شك أن هذا الامتزاج يؤدي إلى تضييع معالم الفواعل الأساسية في الضمير ، ومن ثم في السلوك، ولا يبقى إلا الانحياز لهذا الطرف من أطراف الجدلية أو ذاك ؛ حسب ما تمليه مواقع ومصالح المتنازعين على البراءة من أسوأ السلوكيات: سلوكيات القهر والاستبداد .
إن الديكتاتورية ظاهرة سلبية ؛ حتى وإن كانت بعض الثقافات تحاول تبريرها من خلال ربطها بظاهرة القوة التي تستفز خيال البشر الضعفاء !. بل حتى هذه الثقافات التي بررتها ولا تزال تبررها، إنما فعلت وتفعل ذلك بعد كثير من التحوير الذي طال الطبيعة البشرية، واقترب بها إلى حالة الافتراس ، تلك الحالة التي تختصر الهوة الفاصلة بين الإنسان والحيوان .
سلبية الظاهرة الديكتاتورية جعلت كثيرا من المتلبسين بها بوعي أو بلا وعي يتبرؤون منها ، ويُدينونها ؛ لأنها ظاهرة تنتهك أجمل ما في الإنسان ، أقصد : كل إنسان . لا تجد أحدا يعترف بالظاهرة كما تتجلى في الواقع ، ويستبصر سلبياتها أو يُبصّر بها ، ثم ينسبها إلى نفسه ؛ إلا في حالة الاغتراب الكلي الذي يطبع شخصية بعض الأفراد . وهو الاغتراب الذي يمنح المتلبسين بها مستوى من السلب ، هو في جوهره أبعد من تلك السلبيات الظاهرة للعيان .
لقد تم رصد هذه الظاهرة السلبية في الحياة البشرية منذ القِدم ، وأُرهقت العقول ، وأُريقت الدماء ، وتمزقت الأشلاء ؛ في محاولات لا تهدأ لتفسيرها وفهمها من جهة ، وللتقليل من حضورها السلبي الذي ضاق به الإنسان ذرعا ؛ منذ كان وإلى الآن ، من جهة أخرى .
لقد كانت معظم هذه الجهود المنحازة إلى الإنسان تتمحور حول إدانة الظاهرة الديكتاتورية التي تطبع سلوك الفرد ، وخاصة الفرد الحاكم ، بينما كانت تتغاضى عن هذه الظاهرة ؛ عندما تطبع سلوك الجماهير ، وكأن ديكتاتورية الجماهير ظاهرة خافتة ، أو كأن أثرها في الواقع محض سلوك إيجابي في سياق مبدأ النفع العام .
إن الدكتاتورية ظاهرة مرفوضة في سياق الثقافة الإنسانية المعاصرة التي تسود العالم اليوم ، سواء أكانت هذه الدكتاتورية دكيتاتورية حاكم ، أم كانت دكتاتورية جماهير . الرفض بدأ يتحدد في الظاهرة ذاتها ، ويتتبع هوامشها القابعة في دهاليز الوعي كما في دهاليز السلوك.
منذ قرن أو أكثر بدأت القراءات النقدية تفحص الظاهرة ؛ بصرف النظر عن مصدرها، وبصرف النظر عن كل ما يترتب على نتائج هذا الفحص من إدانة لهذا الطرف أو ذاك . أي أن الرصد كان يتعمد معاينة الظواهر ؛ لمعالجتها ، وليس لمجرد الإدانة التي تكتفي بتحديد المسؤولية ، ومن ثم إيقاع العقاب .
قد نستطيع القول بأن الأطروحات الثقافية للحداثة كانت تتعمد إلى حد كبير معاينة دكتاتورية الأفراد ، وخاصة الحكام والإقطاعيين ، بينما كانت الأطروحات الثقافية لما بعد الحداثة تتعمد معاينة الظاهرة، وخاصة في ثقافة الجماهير ، وأحيانا من خلال سلوكيات الجماهير . ويعني هذا أن هناك زمنين : زمن إضاءة دكتاتورية الحكام ، وزمن إضاءة دكتاتورية الجماهير ، كما يعني هذا أيضا أن الزمن الثاني بطبيعة البعد التاريخي لم يأخذ حظه من الرصد ، بينما تمتع الأول برصيد هائل من الرؤى والنظريات والقراءات الفاحصة التي كانت ولا تزال أقوى سياج يحمي الإنسان من الإنسان .
إن كون دكتاتورية الحاكم ديكتاتورية أخذت حظها التاريخي من الرصد ، يعني أن هذا المدى التاريخي قد أنتج كثيرا من النظريات والأدبيات والرؤى ، بل وصنع كثيرا من المواقف المسبقة ( وهي مواقف مطلوبة ، ولها قيمتها في كونها تسبق الواقعة ) التي قد تردع الحاكم ، أو على الأقل تُحصّن الضمير العام ؛ كيلا يستخدم في تبرير دكتاتورية الحكام . ولهذا نجد دكتاتورية الحاكم الفرد دائما مُدانة ، ولا تجد لها تبريرا إلا من داخلها ، بينما على العكس من ذلك دكتاتورية الجماهير ، إذ هي دكتاتورية لم تحظ بقدر من الرصد الكافي ، ولم يتم التنبه لها في التاريخ إلا نادرا ، ولا تجد لها من الأدبيات الرائجة ما يعطي الوعي العام حصانة ضدها . بل على العكس من ذلك ، هي دكتاتورية تكاد أن تكون محصنة ضد النقد ، إن لم تكن مبررة ، إلى درجة تنقلب فيها السلبيات إلى محض إيجابيات ، تحظى بمباركة الجميع .
إشكالية الواقعة الجماهيرية ( ومنها دكيتاتورية الجماهير ) أنها تتخذ من الجمهرة سندا لشرعيتها في الفعل ، وأن تمددها على مساحة عريضة يجعل زوايا السلب فيها غير واضحة للعيان ، وإن اتضحت لا تبدو لافتة للانتباه، ومن ثم لا تثير القدر الكافي من التجريم والإدانة إلا في نطاق محدود ، أو بعد فوات الأوان .
إن شرعية الفعل الجماهيري هي شرعية الأكثرية . ومن هنا ، فإذا استطاع الماكرون خداع الجماهير على نحو مباشر ، أو عن طريق طرح النظريات الكليانية ، فإن أسوأ الجرائم ، وأشدها أثرا في تدمير الإنسان ( = الاستبداد ) ، تصبح فعلا طبيعيا محايثا للوجود الإنساني ذاته ، على الأقل في نطاق الشريحة الجماهيرية التي تعرضت للخداع .
ما ينتج عن تطبيع الفعل اللاطبيعي ، هو أسوأ من الفعل اللاطبيعي ذاته . إنه تشريع له ، وتوسيع لنطاقه ، وتأسيس لاستمراره . وهذا هو ما يحدث عندما يكون الفعل صادرا عن إرادة الجماهير . فالجماهير ، من حيث هي غير قادرة على أن تسمع إلا لنفسها ، ترى الصواب يتحدد فيما تراه وتفعله ، والخطأ كل الخطأ في اعتراضات الآخرين ، وأحيانا حتى في مجرد تساؤلات الآخرين .
إن دكتاتورية الحاكم يترصدها الضمير العام ، بينما دكتاتورية الجماهير يباركها هذا الضمير العام . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، وهي الأهم ، أن مستوى الاستبداد الجماهيري إذا ما تنزل في الواقع ، هو أشد شمولية من دكتاتورية الحُكّام ، إذا الحاكم معني بتفعيل مكونات السلطة فحسب ، بينما الجماهير معنية بتحديد وتلوين كل معالم السلوك . ولهذا ، كانت الأعراف والتقاليد في المجتمعات البدائية أقوى وأقسى من كل القوانين التي تصدر عن وجود الدولة كهيكلة نظام. كثيرون لا يجدون كبير ضرر في الرضوخ لأعنف القوانين ، ولكنهم يجأرون بالشكوى من القوانين التفصيلية الصادرة عن الرأي العام.
طبعا ، لا يعني هذا الكلام بأي حال التقليل من شأن دكتاتورية الحاكم الفرد مقارنة بدكتاتورية الجماهير ، ولا أن التصدي للثانية مقدم على التصدي للأولى . فالاستبداد والقهر والاضطهاد هي أفعال مدانة على كل المستويات ، وفي كل الميادين ، وبصرف النظر عن هوية الضحايا ، ولا يعني التحذير من الجريمة هنا ، أن الجريمة مبررة هناك !.
إن الإنسان العربي اليوم بدا متحسسا تجاه دكتاتورية الحاكم ، وبدأ يفهم ويعي من حقوقه ما لم يكن بالأمس يعي بعضا منه . هذا التوجه الإيجابي فكرا وسلوكا نحو اكتساب حصانة ضد دكتاتورية الحاكم الفرد ؛ لم يحدث ما يوازيه ، أو حتى يقاربه ، ضد دكتاتورية الجماهير ، وتحديد الجماهير القابلة للانخداع بالشعارات الشمولية التي تروج لها كل الأصوليات الرائجة في العالم العربي ، أقصد تلك الأصوليات التي تريد أن تمارس دكتاتوريتها ، ولكن ، بعد شرعنتها بمباركة الجماهير المخدوعة بخطاب الأصوليات .
إن ما يقف ضد استغلال الجماهير من أجل إحلال دكتاتورية مكان دكتاتورية ، هو الوعي بكيفية تكوّن دكتاتورية الجماهير أولا ، والوعي بمستوى خطورة هذه الدكتاتورية الجماهيرية ثانيا ، وتشريح خطاب النظريات الكليانية ثالثا ، وفضح الشعارات المخادعة رابعا . وبدون ذلك ؛ لا ضمان لمجتمع حر ، مجتمع ديمقراطي ، مجتمع إنساني ؛ حتى ولو رحل آخر الطغاة ، وانهارت أنعم وأرق الدكتاتوريات ، ولم يبق للاستبداد السياسي موضع قدم في عالمنا العربي الحزين .
إن الديكتاتورية ظاهرة سلبية ؛ حتى وإن كانت بعض الثقافات تحاول تبريرها من خلال ربطها بظاهرة القوة التي تستفز خيال البشر الضعفاء !. بل حتى هذه الثقافات التي بررتها ولا تزال تبررها، إنما فعلت وتفعل ذلك بعد كثير من التحوير الذي طال الطبيعة البشرية، واقترب بها إلى حالة الافتراس ، تلك الحالة التي تختصر الهوة الفاصلة بين الإنسان والحيوان .
سلبية الظاهرة الديكتاتورية جعلت كثيرا من المتلبسين بها بوعي أو بلا وعي يتبرؤون منها ، ويُدينونها ؛ لأنها ظاهرة تنتهك أجمل ما في الإنسان ، أقصد : كل إنسان . لا تجد أحدا يعترف بالظاهرة كما تتجلى في الواقع ، ويستبصر سلبياتها أو يُبصّر بها ، ثم ينسبها إلى نفسه ؛ إلا في حالة الاغتراب الكلي الذي يطبع شخصية بعض الأفراد . وهو الاغتراب الذي يمنح المتلبسين بها مستوى من السلب ، هو في جوهره أبعد من تلك السلبيات الظاهرة للعيان .
لقد تم رصد هذه الظاهرة السلبية في الحياة البشرية منذ القِدم ، وأُرهقت العقول ، وأُريقت الدماء ، وتمزقت الأشلاء ؛ في محاولات لا تهدأ لتفسيرها وفهمها من جهة ، وللتقليل من حضورها السلبي الذي ضاق به الإنسان ذرعا ؛ منذ كان وإلى الآن ، من جهة أخرى .
لقد كانت معظم هذه الجهود المنحازة إلى الإنسان تتمحور حول إدانة الظاهرة الديكتاتورية التي تطبع سلوك الفرد ، وخاصة الفرد الحاكم ، بينما كانت تتغاضى عن هذه الظاهرة ؛ عندما تطبع سلوك الجماهير ، وكأن ديكتاتورية الجماهير ظاهرة خافتة ، أو كأن أثرها في الواقع محض سلوك إيجابي في سياق مبدأ النفع العام .
إن الدكتاتورية ظاهرة مرفوضة في سياق الثقافة الإنسانية المعاصرة التي تسود العالم اليوم ، سواء أكانت هذه الدكتاتورية دكيتاتورية حاكم ، أم كانت دكتاتورية جماهير . الرفض بدأ يتحدد في الظاهرة ذاتها ، ويتتبع هوامشها القابعة في دهاليز الوعي كما في دهاليز السلوك.
منذ قرن أو أكثر بدأت القراءات النقدية تفحص الظاهرة ؛ بصرف النظر عن مصدرها، وبصرف النظر عن كل ما يترتب على نتائج هذا الفحص من إدانة لهذا الطرف أو ذاك . أي أن الرصد كان يتعمد معاينة الظواهر ؛ لمعالجتها ، وليس لمجرد الإدانة التي تكتفي بتحديد المسؤولية ، ومن ثم إيقاع العقاب .
قد نستطيع القول بأن الأطروحات الثقافية للحداثة كانت تتعمد إلى حد كبير معاينة دكتاتورية الأفراد ، وخاصة الحكام والإقطاعيين ، بينما كانت الأطروحات الثقافية لما بعد الحداثة تتعمد معاينة الظاهرة، وخاصة في ثقافة الجماهير ، وأحيانا من خلال سلوكيات الجماهير . ويعني هذا أن هناك زمنين : زمن إضاءة دكتاتورية الحكام ، وزمن إضاءة دكتاتورية الجماهير ، كما يعني هذا أيضا أن الزمن الثاني بطبيعة البعد التاريخي لم يأخذ حظه من الرصد ، بينما تمتع الأول برصيد هائل من الرؤى والنظريات والقراءات الفاحصة التي كانت ولا تزال أقوى سياج يحمي الإنسان من الإنسان .
إن كون دكتاتورية الحاكم ديكتاتورية أخذت حظها التاريخي من الرصد ، يعني أن هذا المدى التاريخي قد أنتج كثيرا من النظريات والأدبيات والرؤى ، بل وصنع كثيرا من المواقف المسبقة ( وهي مواقف مطلوبة ، ولها قيمتها في كونها تسبق الواقعة ) التي قد تردع الحاكم ، أو على الأقل تُحصّن الضمير العام ؛ كيلا يستخدم في تبرير دكتاتورية الحكام . ولهذا نجد دكتاتورية الحاكم الفرد دائما مُدانة ، ولا تجد لها تبريرا إلا من داخلها ، بينما على العكس من ذلك دكتاتورية الجماهير ، إذ هي دكتاتورية لم تحظ بقدر من الرصد الكافي ، ولم يتم التنبه لها في التاريخ إلا نادرا ، ولا تجد لها من الأدبيات الرائجة ما يعطي الوعي العام حصانة ضدها . بل على العكس من ذلك ، هي دكتاتورية تكاد أن تكون محصنة ضد النقد ، إن لم تكن مبررة ، إلى درجة تنقلب فيها السلبيات إلى محض إيجابيات ، تحظى بمباركة الجميع .
إشكالية الواقعة الجماهيرية ( ومنها دكيتاتورية الجماهير ) أنها تتخذ من الجمهرة سندا لشرعيتها في الفعل ، وأن تمددها على مساحة عريضة يجعل زوايا السلب فيها غير واضحة للعيان ، وإن اتضحت لا تبدو لافتة للانتباه، ومن ثم لا تثير القدر الكافي من التجريم والإدانة إلا في نطاق محدود ، أو بعد فوات الأوان .
إن شرعية الفعل الجماهيري هي شرعية الأكثرية . ومن هنا ، فإذا استطاع الماكرون خداع الجماهير على نحو مباشر ، أو عن طريق طرح النظريات الكليانية ، فإن أسوأ الجرائم ، وأشدها أثرا في تدمير الإنسان ( = الاستبداد ) ، تصبح فعلا طبيعيا محايثا للوجود الإنساني ذاته ، على الأقل في نطاق الشريحة الجماهيرية التي تعرضت للخداع .
ما ينتج عن تطبيع الفعل اللاطبيعي ، هو أسوأ من الفعل اللاطبيعي ذاته . إنه تشريع له ، وتوسيع لنطاقه ، وتأسيس لاستمراره . وهذا هو ما يحدث عندما يكون الفعل صادرا عن إرادة الجماهير . فالجماهير ، من حيث هي غير قادرة على أن تسمع إلا لنفسها ، ترى الصواب يتحدد فيما تراه وتفعله ، والخطأ كل الخطأ في اعتراضات الآخرين ، وأحيانا حتى في مجرد تساؤلات الآخرين .
إن دكتاتورية الحاكم يترصدها الضمير العام ، بينما دكتاتورية الجماهير يباركها هذا الضمير العام . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، وهي الأهم ، أن مستوى الاستبداد الجماهيري إذا ما تنزل في الواقع ، هو أشد شمولية من دكتاتورية الحُكّام ، إذا الحاكم معني بتفعيل مكونات السلطة فحسب ، بينما الجماهير معنية بتحديد وتلوين كل معالم السلوك . ولهذا ، كانت الأعراف والتقاليد في المجتمعات البدائية أقوى وأقسى من كل القوانين التي تصدر عن وجود الدولة كهيكلة نظام. كثيرون لا يجدون كبير ضرر في الرضوخ لأعنف القوانين ، ولكنهم يجأرون بالشكوى من القوانين التفصيلية الصادرة عن الرأي العام.
طبعا ، لا يعني هذا الكلام بأي حال التقليل من شأن دكتاتورية الحاكم الفرد مقارنة بدكتاتورية الجماهير ، ولا أن التصدي للثانية مقدم على التصدي للأولى . فالاستبداد والقهر والاضطهاد هي أفعال مدانة على كل المستويات ، وفي كل الميادين ، وبصرف النظر عن هوية الضحايا ، ولا يعني التحذير من الجريمة هنا ، أن الجريمة مبررة هناك !.
إن الإنسان العربي اليوم بدا متحسسا تجاه دكتاتورية الحاكم ، وبدأ يفهم ويعي من حقوقه ما لم يكن بالأمس يعي بعضا منه . هذا التوجه الإيجابي فكرا وسلوكا نحو اكتساب حصانة ضد دكتاتورية الحاكم الفرد ؛ لم يحدث ما يوازيه ، أو حتى يقاربه ، ضد دكتاتورية الجماهير ، وتحديد الجماهير القابلة للانخداع بالشعارات الشمولية التي تروج لها كل الأصوليات الرائجة في العالم العربي ، أقصد تلك الأصوليات التي تريد أن تمارس دكتاتوريتها ، ولكن ، بعد شرعنتها بمباركة الجماهير المخدوعة بخطاب الأصوليات .
إن ما يقف ضد استغلال الجماهير من أجل إحلال دكتاتورية مكان دكتاتورية ، هو الوعي بكيفية تكوّن دكتاتورية الجماهير أولا ، والوعي بمستوى خطورة هذه الدكتاتورية الجماهيرية ثانيا ، وتشريح خطاب النظريات الكليانية ثالثا ، وفضح الشعارات المخادعة رابعا . وبدون ذلك ؛ لا ضمان لمجتمع حر ، مجتمع ديمقراطي ، مجتمع إنساني ؛ حتى ولو رحل آخر الطغاة ، وانهارت أنعم وأرق الدكتاتوريات ، ولم يبق للاستبداد السياسي موضع قدم في عالمنا العربي الحزين .