By safaa khalifa - الخميس مايو 08, 2008 10:48 am
- الخميس مايو 08, 2008 10:48 am
#4235
الطريق إلي كامب ديفيد
- تمهيد:
- بدء المسيرة نحو السلام :
استغرقت مسيرة السلام التي سلكتها مصر حتى حققت هدفها باسترداد الأرض المصرية كاملة تسعة أعوام من 1973 إلي 1982، ويمكن تقسيم هذه السنوات وفقا لمستوي ونوعية الأحداث التي تضمنتها إلي مرحلتين:
- الأولي: وقد استغرقت عامي 1974، 1975، تضمنت عقد اتفاق النقاط الست في نوفمبر 1973، ثم اتفاقية فض الاشتباك الأولي في يناير 1974، ثم اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا في نوفمبر 1973، وأخيرا اتفاقية فض الاشتباك الثانية في سبتمبر 1975 .
- الثانية: واستغرقت أعوام 1976: 1982، وتضمنت مبادرة السلام، وزيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، ثم التوصل إلي إطار كامب ديفيد في سبتمبر 1978، ثم معاهدة السلام في مارس 1979، ثم الانسحاب النهائي في أبريل 1982 .
اتخذت مصر بعض الخطوات قبل كامب ديفيد، فما أن توقف القتال، حتى بدأت مصر ومن ورائها العرب إلي دفع قضية السلام من خلال الجهود السياسية والاقتصادية . فمع نهاية شهر أكتوبر 1973 كانت مصر قد حشدت طاقاتها السياسية للعمل في ثلاث محاور، فدخلت في مباحثات متنوعة من اجل تحقيق السلام وهي:
- الأولي: في القاهرة: بدأت مباحثات مصرية – سوفيتية: كان موضوعها الأساسي الاتفاق علي ترتيبات عقد مؤتمر السلام الدولي الذي اقترحته مصر، وأقره مجلس الأمن في قراره رقم 338 .
- الثانية: في واشنطن: بدأت مباحثات مصرية – أمريكية بين هنري كيسنجر، ومبعوث مصر إسماعيل فهمي وزير خارجيتها الجديد، وكان موضوعها الأساسي تحقيق اتفاق محدود لفض الاشتباك بين القوات المتحاربة، يتضمن ترتيبات تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة السويس إلي شرق القناة .
- الثالثة: في الكيلو متر 101 علي طريق القاهرة، بدأت مباحثات مصرية – إسرائيلية علي المستوي العسكري، كان هدفها الأساسي الاتفاق حول الإجراءات العملية اللازمة لتأكيد وقف إطلاق النار وإمداد السويس والجيش الثالث وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338، وتبادل الأسري والجرحى .
في نهاية أكتوبر وصل إلي مصر فاسيلي كزنتسوف النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتية للقيام بمشاورات حول انعقاد المؤتمر الدولي والموقف من عناصر التسوية، مع الاهتمام بعقد مؤتمر لتحقيق التسوية التي تفرضها الظروف الجديدة، ولكنه لم يهتم بموضوع عودة القوات الإسرائيلية إلي خطوط 22 أكتوبر .
ولم تترك الولايات المتحدة المبادرة تفلت من يدها، وحرصت علي تأكيد هيمنتها السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وفي واشنطن طرح إسماعيل فهمي عناصر التصور المصري في شكل خطة عامة للمفاوضات تتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية إلي خطوط 22 أكتوبر 1973، وإطلاق سراح أسري الحرب، ثم انسحاب القوات الإسرائيلية إلي خطوط داخل سيناء شرق الممرات كمرحلة تالية علي أن تبقي القوات المصرية في مواقعها مع انتشار قوات الطوارئ الدولية بين القوات المصرية والإسرائيلية بعد انسحاب إسرائيل إلي خط فض الاشتباك، علي أن تقوم مصر برفع الحصار عن باب المندب في جنوب البحر الأحمر، والبدء في تطهير قناة السويس عقب إتمام فض الاشتباك .
ولم يتحدد شئ خلال الزيارة واقتصرت نتائجها علي التمهيد لزيارة كيسنجر للقاهرة لمعالجة المسائل التي طرحت في واشنطن .
- فض الاشتباك الأول يناير 1974:
اجتمعت اللجنة العسكرية في الكيلو متر 101 يوم 18 يناير للتوقيع علي وثيقة فض الاشتباك ووضع الخطة التنفيذية . وقد رأس الفريق الجمسي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الجانب المصري، كما رأس جنرال دافيد اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي، ورأس الجنرال سلاسفيو الاجتماع ممثلا للأمم المتحدة . وقد نصت الاتفاقية علي اتفاق لفض الاشتباك والفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، مع التمسك بمراعاة وقف إطلاق النار، وإيقاف جميع الأعمال العسكرية وشبه العسكرية في البر والجو والبحر .
كما حدد الاتفاق الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية علي مسافة 30 كيلو متر شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التي سترابط فيها القوات الطوارئ الدولية، وظلت القوات المصرية محتفظة بالخطوط التي وصلت إليها بل وتجاوزتها في بعض القطاعات، وقد اختتمت الاتفاقية بالنص علي أنها لا تعد اتفاق سلام نهائي، ولكنها تشكل خطوة أولي نحو سلام نهائي عادل ودائم طبقا لقرار مجلس الأمن في إطار مؤتمر جينيف للسلام الذي لم يكتب له أن ينعقد مرة أخري سوي بعد ثمانية عشر عاما حين عقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر1991 .
وقد ظلت هذه اللجنة مجتمعة ثلاث أيام برئاسة اللواء طه المجدوب عن الجانب المصري والجنرال أبراهام أدن عن الجانب الإسرائيلي، واستمر جنرال سيلاسفيو رئيسا لجانب الأمم المتحدة . أتمت اللجنة الخطة الكاملة للانسحاب والجداول الزمنية لمراحلها، وتنظيم دخول قوات الطوارئ الدولية واستلامها للأراضي وتسليمها للقوات المصرية بعد ذلك يوم 23 يناير ووقع الاتفاق يوم 24 يناير 1974، وقد التزم الجانب الإسرائيلي بالامتناع عن تخريب أو تدمير أي منشآت مدنية واقعة غرب القناة وتسليمها سليمة، مع ضمان توفير مستلزمات استمرار الحياة الطبيعية للسكان المدنيون أي محاولات لإرباكها أو تعطيلها .
ولاشك أن التزام إسرائيل بتنفيذ هذه الاتفاقية بحرص كامل، كان نابعا عن رغبتها الملحة في التخلص من الأوضاع الحرجة لقواتها غرب القناة، وللبدء فورا في تسريح قواتها الاحتياطية التي ظلت معبأة حوالي أربعة أشهر، الأمر الذي أضر ضررا بالغا بالاقتصاد الإسرائيلي، وشكل عبئا ماليا ضخما علي إسرائيل . من ناحية أخري، تعتبر هذه الاتفاقية انعكاسا طبيعيا نتيجة الرحب وما حققته القوات المسلحة من نصر .
فقد اضطرت إسرائيل إلي سحب كل قواتها الموجودة غرب القناة، والانسحاب شرقا بعيدا عن القناة لمسافة 30 كيلو متر، وهي مسافة كافية لتأمين القناة ومدتها بدرجة مناسبة تماما، وكان ذلك دافعا للقيادة السياسية المصرية، وحرصا منها علي تأكيد توجهها الثابت نحو السلام بالبدء فورا في تعمير مدن القناة وعودة المهجرين إليها حتى تعود الحياة الطبيعية إلي المنطقة مرة أخري .
- تسعون يوما من وقف القتال:
تم توقيع اتفاقيتين بين مصر وإسرائيل في الفترة (25 أكتوبر 1973– 25 يناير 1974)، واعتبر اتفاق النقاط الست أول خطوة علي طريق السلام ولكنه لم يحقق أي نتائج عملية بشأن الأرض، إذ كان هدفه حل المشكلات العاجلة الناجمة عن وقف القتال، أما اتفاق فض الاشتباك الأول فقد حقق احتفاظ القوات المصرية بالخطوط التي وصلت إليها في سيناء أثناء الحرب، وقد انسحبت القوات الإسرائيلية من كل المناطق غرب القناة إلي خطوط جديدة في سيناء قرب المضايق الإستراتيجية، وبلغت المساحة المحررة من سيناء 2800 كيلو متر مربع . وكان هذا الانسحاب هو أول انسحاب تنفذه إسرائيل – من ارض احتلتها – تحت ضغط القوة العسكرية المصرية في حرب أكتوبر 1973 .
ورغم أن الاتفاق صبغته عسكرية إلا أن له انعكاسات سياسية هامة يصعب تجاهلها . فد مثل الاتفاق نقطة تحول هامة في علاقات القوتين بأزمة الشرق الأوسط، حيث انفردت الولايات المتحدة لأول مرة بإثبات قدرتها علي إيجاد حل سياسي لمشكلة تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، كما بدأت تتقارب العلاقات المصرية الأمريكية، في حين سارت العلاقات المصرية السوفيتية في الاتجاه المضاد .
- اتفاق فصل القوات بين سوريا وإسرائيل مايو 1974:
بعد توقيع اتفاق فض الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات الإسرائيلية إلي الشرق، اتخذت قوات الطوارئ الدولية أوضاعها في المنطقة الفاصلة أو العازلة بين القوات في الرابع من مارس 1974 . وقد بدأت القيادة السياسية المصرية فورا سعيها من اجل اتخاذ خطوة مماثلة علي الجبهة السورية . وكان قد سبق الاتفاق علي تنفيذه بين مصر والولايات المتحدة، في نفس الوقت الذي اتفق فيه علي الخطوة المصرية . وقد قام الرئيس السادات بإبلاغ الرئيس السوري حافظ الأسد بذلك أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في الجزائر في نوفمبر 1973 .
ووعد كيسنجر بان يبدأ جهود فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا بمجرد إتمام تنفيذ اتفاق فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، وفعلا قام كيسنجر بزيارة سوريا في مارس 1974 من اجل التوصل إلي اتفاق بين سوريا وإسرائيل بشأن فض الاشتباك بين قوات البلدين من منطقة المرتفعات السورية وهضبة الجولان، والتقي الوفدان في قصر الأمم المتحدة بجينيف غي الحادي والثلاثين من مايو 1974 ووقعا علي الاتفاق ثم جرت اجتماعات اللجنة العسكرية في جينيف تحت مظلة لجنة العمل المصرية الإسرائيلية المنبثقة عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جينيف في ديسمبر 1973، وكانت مصر ممثلة في اجتماعات اللجنة العسكرية التي رأسها جنرال سيلاسفيو، ومثل مصر اللواء طه المجدوب .
وقد تضمن الاتفاق وقفا لإطلاق النار فور التوقيع عليه ، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها أثناء حرب أكتوبر والواقعة شرق هضبة الجولان، مع إخلاء منطقة أخري تتجاوز خطوط يونيه 1979 علي امتداد الجبهة ، واعتبرت هذه المنطقة منطقة فصل بين القوات تحتلها قوات الطوارئ الدولية، وتخضع للإدارة المدنية السورية . وفي إطار هذه المنطقة عادت القنيطرة عاصمة الجولان إلي السيطرة السورية مرة أخري . وقد نص الاتفاق علي أنه ليس اتفاق سلام . وانه خطوة تجاه السلام العادل والدائم علي أساس قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973 .
وبانجاز هذه الخطوات علي الجبهة السورية سارت الجهود المصرية لبناء السلام في اتجاهين هما:
o الإصرار علي تحقيق الهدف والتحرك المستمر في اتجاهه .
o الدعوة إلي عقد مؤتمر جينيف لوضع أسس السلام الشامل، ومن القرارات التي دعمت ذلك قرار تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة الدولية في الخامس من يونيه 1975، والسماح بمرور البضائع الإسرائيلية علي سفن الدول الأخرى .
ففي الخامس من يونيه 1975 وبعد مرور تسع سنوات علي غلق قناة السويس افتتح الرئيس السادات الملاحة الدولية في قناة السويس بعد إتمام عمليات تطهير المجري الملاحي وإعادة تشغيل المنشآت الملاحية لهيئة القناة . وقد شارك في عملية التطهير وإزالة العوائق من مجري القناة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفيتي فضلا عن الجهود المصرية المكثفة . ولقد افتتحت القناة في نفس اليوم الذي وقعت فيه نكسة يونيه 1967 .
- اتفاقية فض الاشتباك الثانية:
كانت عملية فتح قناة السويس للملاحة الدولية في يونيه 1975 بمثابة بداية لمرحلة جديدة ومتطورة من مراحل عملية السلام، فبعد العديد من الاتصالات المبدئية بين مصر والولايات المتحدة وكذا الاتحاد السوفيتي، واستمرت جولات كيسنجر لفترة بدأت في 20 أغسطس وانتهت في أول سبتمبر 1975 بالتوصل إلي اتفاق حول فصل القوات الثاني بين مصر وإسرائيل، وقد تم توقيع الاتفاق بالأحرف الأولي في كل من إسرائيل ومصر، وقام بالتوقيع الجنرال مورد خاي رئيس الأركان الإسرائيلي والفريق محمد علي فهمي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ثم وقع بالكامل في جينيف بعد ذلك بواسطة اللواء المجدوب ممثلا عن مصر والجنرال شامير ممثلا عن إسرائيل .
إذن تمثلت انجازات الفترة السابقة في:
o اتفاق النقاط الستة في نوفمبر 1973 .
o اتفاق فض الاشتباك الأول يناير 1974 .
o اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسوريا في مايو 1974 .
o اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975 .
وكان لما سبق بالغ الأثر علي القضية الفلسطينية حيث هيأت مناخا دوليا أفضل لصالح هذه القضية، بالإضافة إلي جهود منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1967 . واتخذت الدول العربية منهجا مشتركا عام 1974 بشأن طرح القضية الفلسطينية، حين أصبحت المنظمة – باعتراف الأمم المتحدة طرفا أساسيا في إقامة السلام العادل الذي يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة
وبمقتضي اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل تقدمت قوات مصر إلي خطوط جديدة واستردت حوالي 4500 كيلو متر مربع من أرض سيناء، بلغ أقصي عمق 35 كم في المناطق الهامة مثل الممرات الجبلية الإستراتيجية، حيث أصبح الخط الأمامي للقوات الإسرائيلية ببعد مسافة 55 كيلو متر عن قناة السويس، أما في الجنوب فقد امتد الانسحاب الإسرائيلي علي الساحل الشرقي لخليج السويس لمسافة 180 كيلو متر من السويس حتى بلاعيم علي ساحل الخليج، حيث تقع منابع البترول .
ولعل أهم ما تضمنته الاتفاقية، ما أقرته من أن النزاع في الشرق الأوسط لن يحسم بالقوة العسكرية، ولكن بالوسائل السلمية، علي أن يتوصل الطرفان لتسوية سلام نهائي وعادل عن طريق المفاوضات، ويعتبر هذا الاتفاق خطوة أساسية نحو هذا الهدف، كما ألزم الاتفاق الطرفين بعدم الالتجاء إلي التهديد أو استخدام القوة أو الحصار البحري ضد الأخر، مع مراعاة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وامتناع قيام كل منهما عن القيام بعمليات عسكرية أو شبه عسكرية ضد الطرف الآخر .
وحدد الاتفاق الخطوط الجديدة للانسحاب الإسرائيلي، والتي تحدد الحد الأمامي لقوات الجانبين والمناطق المحدودة الأسلحة والقوات، وكذا المنطقة العازلة، والمنطقة الخالية من القوات العسكرية وهي المنطقة الممتدة علي ساحل خليج السويس . واتفق كذلك علي إنشاء مركز مصري للإنذار الاستراتيجي المبكر في المنطقة العازلة شرق الممرات علي مسافة 50 كيلو متر من قناة السويس وهو مركز جديد لم يكن قائما من قبل، وذلك نظير أن تحتفظ إسرائيل بمركزها للإنذار المبكر والذي كان موجودا بنفس المنطقة .
كما نتج عن هذا الاتفاق عودة حقول البترول المصرية في رأس سدر وأبو رديس وبلاعيم، وتم استلامها من خلال طرف ثالث ممثلا في شركتي البترول"موبل" الأمريكية، و "ايني" الايطالية علي أن تترك إسرائيل كل المعدات الموجودة في المواقع وكل حقول البترول كاملة وسليمة، وبلغ عدد الحقول وقتها 135 حقلا منهم 6 في رأس سدر، 14 في أبو رديس، 115 في بلاعيم بعضها بري والآخر بحري، وكان إجمالي إنتاجها في ذلك الوقت 4.5 مليون طن بترول قيمتها 300 مليون جنيه .
وقد دعم الاتفاق الموقف الاستراتيجي العسكري للقوات المصرية، كما أنه أضعف الموقف الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي بانسحابها من منطقة المضايق الإستراتيجية، وفي نفس الوقت مع ابتعاد الحد الأمامي للقوات الإسرائيلية عن قناة السويس تحسنت ظروف تامين الملاحة في قناة السويس .
وأخيرا أكد الاتفاق نجاح الإستراتيجية المصرية الشاملة والاتجاه نحو الهدف الأساسي وهو تحرير الأرض العربية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني .
- زيارة السادات للقدس نوفمبر 1977:
خاضت مصر تجربة اللجوء إلي الوسطاء في اتفاقيتي الاشتباك الأولي والثانية، وثبت أن اللجوء إلي الوسطاء لا يمثل أفضل طرق عرض ومناقشة القضية، ولذلك اقتنع السادات بأن خير من يعرض القضية هو صاحبها، فقرر أن يذهب إلي القدس ويعرضها بنفسه، ولذلك رأي أن يكون الخطاب علنا موجها إلي الشعب الإسرائيلي من خلال أعضائه في الكنيست، كما تقدم الرئيس السادات أيضا باقتراحات للسلام والخطوات الإيجابية التي تحققه . وجدير بالذكر أن الفرق كبير بين ذهاب السادات إلي القدس قبل 1973 وبعد انتصار أكتوبر والذي أكد بشدة وجود مصر علي ساحة الصراع المسلح .
في هذه المرحلة تغير دور الطرف الثالث وهو الولايات المتحدة من مجرد وسيط إلي طرف في عملية السلام يؤدي دورا مساعد لصالح الطرفين . وكان منطق مصر أن هدف الحرب التي يريد العرب شنها هو استرداد الأرض المحتلة وعودة الفلسطينيين وإقامة وطنهم . فإذا كنا نستطيع أن نحقق هذا الهدف في إطار الثمار التي طرحتها حرب أكتوبر يصبح الحديث عن حرب جديدة لا معني له .
كما أنه لم يعد من الممكن لدولة أن تخوض حربا دون أن تنتج جزءا أساسيا من سلاحها، أما الاعتماد علي شراء السلاح فهو أمر محفوف بالمحاذير . فقد علمتنا التجربة أنه في مثل هذه الظروف يصبح مصير الحرب ومسارها رهينة في يد من يعطي السلاح .
أما بالنسبة لإسرائيل، سنجد أن الزيارة أسقطت حجتها أمام العالم بأنها مطوقة بشعوب لا تفكر إلا في إبادتها . كما أن الارتياح العام الذي أبداه الرأي العام المصري للحل السلمي أكد أن الرئيس السادات كان يعبر فعلا عن ضمير الشعب المصري، فالمبادرة شكلت قوة ضاغطة علي إسرائيل، فأدت إلي دعم وتقوية التيارات الداعمة للسلام في إسرائيل وللتعايش السلمي مع العرب، كما شجعت الجناح المعتدل في الإدارة الأمريكية الذي يري ضرورة تقديم تنازلات للقادة الوطنيين من المعتدلين العرب .
أما عن الموقف العربي، فلم يكن من المنطق أن يتعارض التضامن العربي مع مسيرة مصر من اجل أرضها مع عدم التفريط في القضية الفلسطينية، ومع ذلك فإن مبادرة مصر لم تكن حلا لمشكلة مصر، ولكن كذلك تدعيما لحل المشكلة الفلسطينية ومشكلة الأرض السورية المحتلة في الجولان .
وفي ضوء ذلك، كان الاتجاه العام في الموقف العربي باستثناء جبهة الرفض تجنب العوامل التي من شأنها أن تسئ إلي شكل التضامن العربي، كما أنها أجمعت علي استنكار أو عدم تأييد ما سعت إليه دول الرفض، رغم المحاولات التي بذلها أطراف الجبهة من اجل كسب موافقة أكبر عدد من الدول العربية علي سلوك الجبهة وتصرفاتها المسيئة لمصر .
وقد كتبت مجلة النيوزويك في عدد خاص بمناسبة انتهاء عام 1977 عبرت فيه عن تقديرها لمبادرة الرئيس السادات واعتبرتها أهم حدث في عام 1977، والتي استحقت بالفعل"رحلة القرن العشرين" . ولقد تطورت تلك الرحلة بالفعل من مؤتمر القاهرة التحضيري إلي مؤتمر الإسماعيلية كختام لعام المبادرة 1977 ثم تتابع الجهود خلال النصف الأول من عام 1978 والذي شهد رحلات عديدة من اجل السلام قام بها الرئيس السادات وممثليه في أنحاء العالم والتي أدت إلي عقد قمة كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 1978 حيث تم الاتفاق علي إطار السلام وإطار الحكم الذاتي الفلسطيني، وتوجت هذه المرحلة ليختتم عقد السبعينات بتوقيع أول معاهدة للسلام بين إسرائيل وكبري الدول العربية في عام 1979 رغم كل المعوقات والمواقف التي اتسمت بالعداء لمصر من جبهة الرفض العربية، والاتحاد السوفيتي والتي أضرت بالقضية العربية ضررا بالغا وعطلت مسيرة السلام بعد توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية .
- مؤتمر القاهرة التحضيري:
أعلن يوم السادس والعشرين من نوفمبر 1977 في مجلس الأمن عن عقد هذا المؤتمر في القاهرة، وأن الدعوة موجهة لكل الأطراف المعنية علي أن يكون المؤتمر تحت إشراف الأمم المتحدة وتحضره الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وإسرائيل، ومن الدول العربية مصر الأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، علي أن يعقد المؤتمر في الرابع عشر من ديسمبر 1977 للإعداد لاستئناف مؤتمر جنيف للسلام، وتهيئة المناخ المناسب للتوصل إلي تسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي بعد أن تحقق الوضع الاستراتيجي والسياسي الملائم لخطوات جديدة علي الطريق نحو سلام عادل ودائم .
وتجدر الإشارة إلي أن الاتحاد السوفيتي قد قاطع المؤتمر وتبعته كل من سوريا والأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد حرصت مصر بشدة علي تجديد الدعوة لهذه الأطراف العربية لحضور المؤتمر، فقد كانت الفرصة تاريخية بالنسبة للفلسطينيين، فجلوس الوفد الإسرائيلي مع الوفد الفلسطيني حول مائدة المفاوضات هو اعتراف إسرائيلي ضمني بالمنظمة وبوجود الشعب الفلسطيني .
وفي السادس من ديسمبر 1977 أعلن الدكتور بطرس غالي وزير الخارجية بالنيابة أن مؤتمر القاهرة التحضيري الذي يتولي الإعداد لمؤتمر جينيف سوف ينعقد في موعده يوم الرابع عشر من ديسمبر في فندق مينا هاوس علي مستوي الخبراء الذين يمثلون كل من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة، إلا إذا قررت الأطراف الأخرى الانضمام إلي المؤتمر التحضيري .
وأكد بطرس غالي أن اجتماعات المؤتمر تمهد لمؤتمر جنيف وتزيل أي عقبات تقف أمام انعقاده، وهي خطوة هامة علي طريق تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وقبل ساعات من انقاد المؤتمر يوم الرابع من ديسمبر 1977 حدد المتحدث الرسمي موقف مصر مرة أخري من عناصر إقرار السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط معلنا أن مصر ليست بحاجة لكي تؤكد أن موقفها لا يزال علي التزامه بمقررات مؤتمر الرباط: الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وحق شعب فلسطين في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة .
كما أكد أن المؤتمر هو أول خطوة تنفيذية لعملية السلام في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فقد حرصت علي توجيه الدعوة لكل الدول العربية التي تمثل طرفا في النزاع، وأنه رغم عدم استجابة هذه الدول للدعوة فهي ما زالت قائمة لهذه الأطراف بما فيها الاتحاد السوفيتي الرئيس المناوب لمؤتمر جينيف .
وكان معني وجود الأمم المتحدة في المؤتمر هو ضمان لاستمرار الإطار الذي ارتضته الدول العربية ليتم فيه التوصل إلي الحل الشامل وإقامة السلام العادل الدائم في الشرق الأوسط، كما يؤكد وجود الولايات المتحدة احد رئيس مؤتمر جينيف البعد الدولي في جهود الحل السلمي، كما أرادت الولايات المتحدة ألا يدخل المؤتمر متاهة المناقشات الإجرائية والأمور التفصيلية .
وفي خضم هذه الأحداث عقد في الرباط – عاصمة المغرب - مؤتمرا دوريا لوزراء العدل العرب افتتحه الملك الحسن الثاني ملك المغرب بخطاب سياسي ركز فيه علي زيارة الرئيس السادات إلي القدس، وحقيقة أبعادها، وجهودها الصادقة من اجل تحقيق السلام، وتساءل الملك الحسن عن المشكلة بالنسبة للعرب في ذلك الوقت هل هي مشكلة وحدة الصف أم وحدة الهدف ، وأجاب علي التساؤل بأن وحدة الهدف وقتئذ لها الأسبقية فيما يخص مشاكل العرب مشيرا إلي انعقاد مؤتمر القاهرة للبحث عن طريق السلام، واستعرض الأسباب والتطورات التي أدت إلي انعقاد هذا المؤتمر .
وأن هذه التطورات قد دفعت العرب إلي النظر إلي مشاكلهم من زاوية مختلفة ظهرت معالمها في مؤتمر قمة الجزائر نوفمبر 1973حيث وضع مقررات وأسس للعمل السياسي العربي ثم جاء مؤتمر قمة الرباط عام 1974 ووضع مقررات محددة حول عدم عقد سلام منفرد وتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني .
وبرر سبب الزيارة المفاجئة للرئيس السادات دون أن يستشير القادة العرب بأنه لم يرد أن يحرجهم أو يحملهم التبعة والمسئولية وأنه إذا كان هناك نجاح، فهو نجاح للجميع وإن كان هناك فشل فسوف يتحمل مسئوليته الرئيس السادات وحده، وعن خطاب الرئيس السادات في الكنيست الإسرائيلي تساءل الملك الحسن الثاني: هل هناك تفريط في حق الفلسطينيين هل تنازل عن شبر من الأرض العربية المحتلة أو عن المطالبة بالقدس؟ ثم دعي ألا يبقي العرب أسري الأنانيات في هذا الوقت وفي هذا الظرف حتى تنجح كل مساعي الرئيس السادات .
وفي الواقع أن الملك الحسن أثار نقطتين علي جانب كبير من الأهمية يشكل الخلاف حولهما أسباب الخلاف بين الأمة العربية، وهما وحدة الهدف ووحدة الصف، وأكد أن التمسك بالهدف مهما تنوعت الوسيلة يؤدي في النهاية إلي تحقيق الهدف، ولكنه في الواقع لا يمثل الهدف لكل طرف عربي، والدليل علي ذلك أننا نعلن الهدف ثم نحارب من يعمل من أجله بحجة اختلاف الوسيلة، وبغض النظر عما يمكن أن تحققه هذه الوسيلة، ذلك لأننا لسنا جادين في العمل من أجل تحقيق هذا الهدف .
وبالرغم من ذلك، فقد حقق المؤتمر تقدما محسوسا في مجال المشكلات الإجرائية المتعلقة بانعقاد مؤتمر جينيف، إلا أن الخلافات بين الجانبين حول تصور كل منهما لأسس السلام استمرت في حاجة إلي جهد كبير .
وقد توقفت جلسات المؤتمر بعد أن أعلن عن عقد مؤتمر قمة مصري إسرائيلي في الإسماعيلية بناء علي اقتراح مناحم بيجن الذي اقترح ما أطلق عليه "مشروع السلام الإسرائيلي" وعرضه علي الرئيس كارتر أثناء انعقاد المؤتمر التحضيري ثم جاء به إلي الإسماعيلية ليعرضه علي الرئيس السادات في مؤتمر يعقد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر في الإسماعيلية .
تأسيسا علي ذلك، كان من المنتظر أن يدخل المؤتمر التحضيري في مرحلة جديدة إذا ما تم إعطاء دفعة قوية لنجاح أعماله في مباحثات الإسماعيلية، كذلك كان من المنتظر إذا حقق المؤتمر هذه الدفعة الجديدة أن تتولد فرصة جديدة لإعادة توجيه الدعوة إلي كل الأطراف المعنية مرة أخري مرة أخري، وأقصد سوريا والأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتحاد السوفيتي، للاشتراك في المرحلة التالية من أعمال المؤتمر والتي كان من المتوقع أن يرفع فيها مستوي التمثيل ليكون مستوي وزراء الخارجية، الأمر الذي لم يتحقق نتيجة لتطورات الموقف بعد ذلك، وما ترتب عليه اجتماعات الإسماعيلية من نتائج .
- القمة الثنائية في الإسماعيلية:
كان الرئيس السادات شديد الحرص علي أن يبرز في كل المناسبات، مدي اهتمامه بتحقيق السلام الشامل، وكثيرا ما أكد في كلماته، بل وفي مباحثاته مع قادة إسرائيل وزعماء العالم الذين التقي بهم هذا المعني، وانه لا يسعي إلي توقيع مجرد اتفاق يحتوي علي تفاصيل غير هامة، ولكنه يهتم أساسا بما سيحققه هذا الاتفاق من سلام حقيقي عادل ودائم . لذلك كان افتتاحه لمؤتمر قمة الإسماعيلية الذي عقد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1977، وقال فيه: " إن هذا اللقاء علي أرض مصر للعمل معا علي أنها معاناة شعبية، وإننا نجتمع لنقول للعالم إننا نعمل من اجل السلام حتى تحل المحبة محل الكراهية التي عشنا فيها ثلاثين عاما " .
وقد رد مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل علي كلمة الرئيس السادات بقوله: " إن الإسرائيليين قابلوه أثناء زيارة القدس بقلوبهم، لذلك أصبح تحقيق السلام مسئولية مشتركة بينهما وانه يرجو أن تنتهي الحروب إلي الأبد، واستطرد بيجن انه يحمل معه مشروعين الأول خاص بالانسحاب من سيناء، والثاني خاص بالحكم الذاتي في "يهودا وسامرة" (الاسم العبري للضفة الغربية) وقطاع غزة، وكان ذلك هو مشروع السلام الإسرائيلي .
كانت الفكرة المصرية خلال هذه المرحلة من المفاوضات أن يتفق الطرفان علي "إعلان مبادئ لتحقيق السلام، وهو الإعلان الذي سعت مصر إلي إعداده وإصداره أثناء اجتماعات مؤتمر القاهرة التحضيري في مينا هاوس، ولكن لم يتم ذلك وتوقفت اجتماعات مؤتمر القاهرة قبل الاتفاق علي عناصر البيان وإصداره وذلك بسبب انعقاد مؤتمر الإسماعيلية .
كان من المفترض بعد صدور "إعلان المبادئ" أن يساعد ذلك علي انضمام الدول العربية المعنية إلي مسيرة السلام علي أساس أن تبحث تفاصيل اتفاق السلام بعد ذلك من خلال المبادئ وفي إطارها . ولكن بيجن خرج علي المؤتمر بمشروعه الذي لم يكن في الحسبان، ولأنه لم يسبقه أي اتفاق علي المبادئ .
واقترح بيجن في الجزء الأول من مشروعه الخاص بالانسحاب من سيناء أن تبقي المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في سيناء في أماكنها وهي مستوطنات رفح "ياميت" والعريش، الأمر الذي أثار استياء أعضاء الوفد المصري، وخاصة أن الموضوع سبق مناقشته في لقاء بين الفريق الجمسي وزير الحربية وعزرا وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلي في لقاء خاص عقد بينهما في مطار جاناكليس جنوب الإسكندرية أثناء انعقاد مؤتمر القاهرة التحضيري وطرح موضوع المستوطنات، وكان رد الجمسي الرفض الكامل لأي تواجد إسرائيلي يستمر في سيناء .
وكرر وايزمان عرض الموضوع علي الرئيس السادات في لقاء معه بالإسماعيلية، وتلقي نفس الإجابة الرافضة لأي وجود إسرائيلي في سيناء . وقد تكرر نفس الأمر عندما عرض وايزمان فكرة الاحتفاظ بمطاري قامت إسرائيل ببنائهما في سيناء، وهما مطاري رأس النقب والجورة بالقرب من رفح، ولم يكن هنا داع لتكرار عرض هذه الموضوعات المرفوضة كجزء من مشروع إسرائيلي يفترض أنه "مشروع سلام" . ولكن تلك هي عادة الإسرائيليين في أسلوبهم التفاوضي .. الضغط والإلحاح المستمر ومعاودة طرح الموضوعات التي تهمهم في توقيتات وعلي مستويات وبأساليب مختلفة .
والغريب أن يستمر بيجن في طرح أفكاره علي هذا المنوال، فيقول أن المستوطنات المدنية ستكون تحت السيادة المصرية، وأن وجودها لا يشكل مساسا بسيادة مصر، ولكنه سرعان ما يهدر كل ما قاله بشأن السيادة المصرية حين أضاف انه لا يستطيع ترك هذه المستوطنات بدون وسائل للدفاع عن النفس .
ولذلك تحتفظ إسرائيل بقوات قليلة للغاية لحمايتها ويأمل أن يتفهم الرئيس السادات هذا المبدأ "الإنساني" . ولكي يبين مدي الكرم الذي يتميز به طلبه هذا اعتبر ما ذكره تنازلا وتراجعا في سياسة إسرائيل لأن قراراه هذا هو إلغاء للسياسة التي قررتها الحكومة الإسرائيلية منذ عام 1967، والتي تقضي ببقاء هذه المستوطنات في أماكنها تحت سيطرة إسرائيل وفي حماية قواتها .
كما تضمن مشروع بيجن للسلام مع مصر شروطا أخري تتعلق بمنح القوات الإسرائيلية فترة انتقالية لعدة سنوات قبل أن تعود القوات إلي خط الحدود الدولية مع ضمانات حول حرية الملاحة في الممرات بالمنطقة .
موقف الرئيس السادات من مشروع بيجن للسلام:
لم يرد الرئيس السادات علي مشروع بيجن للسلام والذي يحمل قدرا هائلا من الاستفزاز للمشاعر المصرية لا يسمح بأي رد، وكان لا يمكن أن يمر هذا الاستفزاز دون أن يثير أحدا، فلما أثار بيجن موضوع الاحتفاظ بالمستوطنات والدفاع عنها بقوات إسرائيلية، كان معني ذلك الاحتفاظ بجزء محتل من الأراضي المصرية وليس انسحابا كاملا إلي الحدود الدولية
وتدخل الدكتور عصمت عبد المجيد في الحديث قائلا أن ذلك مخالف لقرار مجلس الأمن 242 الذي ينص علي الانسحاب من الأراضي المحتلة، وأن هذا يعني بالنسبة لمصر الانسحاب الكامل إلي الحدود الدولية بينها وبين فلسطين، ولم يستسلم بيجن وفاجأ المجتمعين بتفسير آخر لقرار مجلس الأمن 242 بأنه " انسحاب إلي حدود آمنة"،بينما ينص القرار علي الانسحاب من الأراضي المحتلة، ويقدم لذلك بإدانة أي اكتساب للأراضي بالقوة في ديباجته ، ولذلك فلا توجد أي علاقة بين الانسحاب والحدود الآمنة .
وأخذ بيجن يشرح وجهة نظره بأن مصر هي التي بدأت العدوان في 1967، وأنها حشدت قواتها في سيناء وأغلقت مضايق تيران في خليج العقبة، وطلبت سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وفسر ذلك كله بأن مصر كانت تعد لشن حرب هجومية ضد إسرائيل، وبالتالي كانت إسرائيل في حرب دفاعية مشروعة تعطيها حق الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها وهي تدافع عن نفسها . وقد قال بيجن ذلك وهو يعلم تماما أن حرب يونيه 1967 بإجماع أراء الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين، كانت حربا عدوانية هجومية شنتها إسرائيل ليس ضد مصر فحسب بل ضد ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن، وأن هدفها كان التوسع واحتلال المزيد من الأراضي العربية من اجل تحقيق الحلم الصهيوني في إقامة "الدولة العبرية الكبرى" .
المناقشة بين الدكتور عصمت عبد المجيد وبيجن حول القرار 242 :
كان ما حدث هو أول خلاف صارخ ومبدئي بين مصر وإسرائيل حول تفسير القرار 242 باعتباره محور أساسي تدور حوله المفاوضات . ولاشك أن هذا الانطباع الكئيب الذي تركه بيجن علي الوفد المصري كان له أثر علي ما حدث بعد ذلك في القدس أثناء اجتماعات اللجنة السياسية وما انتهت غليه هذه الاجتماعات من فشل .
لقد نجح بيجن بعرضه الاستفزازي أن يخلق روح التحفز لدي المفاوض المصري والاستعداد الكامل لتحدي ما يقدمه من معطيات زائفة لا تستند إلي عقل أو منطق فيما عدا منطق القوة ، وهو المنطق المرفوض تماما في ظل الظروف التي خلقتها مبادرة السلام .
ولم يكتف بيجن بما أحدثه من رد فعل سيئ أثناء عرض الجزء الأول من مشروعه أو انه لم يشعر بهذا الأثر لدي الوفد المصري، فواصل حديثه ليعرض الجزء الثاني من مشروعه والخاص بالحكم الذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة، فقال أن إسرائيل تري أن تكون لها السيادة علي الضفة الغربية وغزة تحت إدعاء أن لها حقوقا فيها، وإذا كان العرب يرون خلاف ذلك يظل موضوع السيادة مفتوحا، وتحدث عن إلغاء الحكم العسكري في الضفة والقطاع ومنح السكان الحكم الذاتي (بالمفهوم الإسرائيلي) واختيار مجلس إداري يتم انتخابه ويختص بجميع الموضوعات والشئون الإدارية للسكان . أما الدفاع فهو من مسئولية الجيش الإسرائيلي .
ويقضي هذا المشروع باستمرار خضوع الضفة الغربية وقطاع غزة للحكم الإسرائيلي مع إعطاء حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية أو الأردنية للسكان العرب في هذه المناطق . وهذا يعني عدم قيام دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني مستقل، وأنه لا حق للفلسطينيين في تقرير مصيرهم ، وأن يكون للإسرائيليين الحق في شراء وتملك الأراضي . كان المشروع يعكس النوايا الإسرائيلية بضم هذه المناطق العربية إلي إسرائيل .
وعندما رد الرئيس السادات تحدث عن أن مصر عليها التزامات نحو العالم العربي، وهي الالتزامات التي تقررت في مؤتمر القمة بالرباط وتتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت عام 1967 وحل القضية الفلسطينية علي أساس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وطلب الرئيس السادات ضرورة الاتفاق علي "إعلان مبادئ السلام" أولا، وكان المشروع المصري المقترح يتعارض تماما مع مشروع السلام الإسرائيلي، ولكنه يتمشي مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية .
لذلك لم يتم الاتفاق حول إعلان مبادئ السلام، كما لم يتم الاتفاق علي إصدار بيان مشترك عن محادثات الإسماعيلية علي أن يصدر جانب بيانا بوجهة نظره، وفي تعليق للرئيس السادات حول ما حدث في الإسماعيلية قال: أنه تحدث بيجن عن أن الحدود القائمة السبع الموجودة في سيناء والمطارين القائمين في رأس النقب والجورة، ظن الرئيس أن بيجن يمزح من فرط التناقض أو أنه موقف تفاوضي يسعي من ورائه لبعض المكاسب .
وفي صباح اليوم التالي السادس والعشرين من ديسمبر 1977 عقد مؤتمر صحفي عالمي في الإسماعيلية وانتظر الصحفيون أن يستمعوا إلي ما تمخض عنه المؤتمر من قرارات حاسمة بشأن السلام، وألقي الرئيس السادات بيانا قال فيه أن الاتفاق قد تم علي تشكيل لجنتين لجنة سياسية برئاسة وزيري خارجية البلدين وتعقد اجتماعاتها في القدس ولجنة عسكرية برئاسة وزيري الحربية والدفاع الإسرائيلي وتعقد اجتماعاتها في القاهرة مع رفع مستوي التمثيل في مؤتمر القاهرة إلي المستوي الوزاري، وقال أن هاتان اللجنتان ستعملان داخل إطار مؤتمر القاهرة وسترفعان تقاريرهما إلي المؤتمر عند التوصل إلي قرارات .
أما قضية الانسحاب، فقد حققت تقدما، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تعتبر هي لب المشكلة في هذه المنطقة،فإن الوفدين المصري والإسرائيلي ناقشا المشكلة الفلسطينية، وأن موقف مصر هو انه بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تقوم دولة فلسطينية، وأن موقف إسرائيل فهو أن يتمتع العرب الفلسطينيين في "يهود أو سامرة" وقطاع غزة بالحكم الذاتي، ونظرا للاختلاف حول هذه القضية، فقد تم الاتفاق علي أن تترك مناقشتها للجنة السياسية لمؤتمر القاهرة التمهيدي .
وهكذا انتهي مؤتمر الإسماعيلية كما بدأ وكان الانجاز الوحيد الذي تحقق – وهو انجاز شكلي – وهو ما تقرر من إنشاء لجنتين احدهما سياسية والأخرى عسكرية، وقد اتضح في مؤتمر الإسماعيلية أن إسرائيل بدأت تعمل علي تمييع مبادرة السلام لكي تحقق لنفسها أهداف الحد الأقصى التي وضعتها قبل المبادرة، ولعل ما شجعها علي هذا الموقف تلك الفرصة التي لاحت لها للعودة للتشدد في مطالبها استغلالا لموقف الدول العربية وردها السلبي ضد المبادرة ثم رفضها حضور مؤتمر القاهرة التحضيري، الأمر الذي صور لبيجن إمكانية ممارسة الضغط في ظل هذه الظروف لإرغامها علي تقديم تنازلات لإسرائيل .
لقد أوضح مشروع السلام الإسرائيلي الذي قدمه بيجن في الإسماعيلية، أن إسرائيل تهدف إلي ابتلاع الضفة الغربية وقطاع غزة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية لها من خلال عقد اتفاق نهائي مع مصر .
كارتر في أسوان:
في هذه المرحلة كانت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي أشار إليها الرئيس السادات وبيجن باعتبارها نقطة الخلاف الجوهرية، فقد تمسكت مصر بضرورة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما أصر الجانب الإسرائيلي علي رفض قيام دولة فلسطينية مكتفيا بما سيتمتع به سكان "يهودا وسامرا" وقطاع غزة من حكم ذاتي .
في ظل هذه الظروف أحس الرئيس كارتر بأن الموقف أصبح في حاجة إلي جهد من أجل تقريب وجهات النظر، ورأي أن يكون محورها قضية الشرق الأوسط . وأجري محادثاته مع قادة بولندا وإيران والهند والأردن والسعودية ومصر، ووصل كارتر إلي مطار أسوان يوم الخامس من يناير 1978 حيث قضي ساعة واحدة مع الرئيس السادات في استراحة المطار تمكن من خلالها حسم بعض القضايا الحيوية المتعلقة بمشكلة الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية .
وكان الرئيس كارتر قد أنهي زيارته لسعودية قبل وصوله إلي أسوان قادما من الرياض حيث أعلن جوري باول المتحدث الرسمي للبيت الأبيض إثر انتهاء اجتماع كارتر مع الملك خالد والأمير فهد ولي العهد والنائب الأول لرئيس الوزراء . أن الرئيس كارتر تعهد للملك السعودي ببذل أقصي جهوده لإقرار السلام في الشرق الأوسط ، وعرض كارتر وجهة نظره بشان أسلوب تسوية أزمة الشرق الأوسط والذي يتلخص في الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين .
وفي القاهرة بعد الاجتماع القصير في استراحة مطار أسوان، أعلن الرئيس السادات أن وجهات النظر بينه وبين الرئيس الأمريكي كارتر كانت متطابقة حتى بالنسبة للمسألة الفلسطينية ، وان هناك اتفاق علي خطوات معينة للاحتفاظ بقوة الدفع لعملية السلام، كما أعلن كارتر أن عام 1978 سيكون عام السلام في الشرق الأوسط .
وقبل أن يغادر كارتر أسوان أدلي ببيان تحدث فيه عن ضرورة نجاح مبادرة السلام بين مصر وإسرائيل، للمحافظة علي المبادئ التاريخية والمقدسة لشعوب هذه المنطقة، وأنه لا يوجد مبرر معقول لعدم التوصل إلي تسوية، وأنه من خلال مباحثاته مع القادة العرب والإسرائيليين وجد رغبة مشتركة لدي جميع الأطراف للتوصل إلي السلام، ووجوده في أسوان هو نتيجة مباشرة للمبادرة الشجاعة للرئيس السادات برحلته الأخيرة إلي القدس . وان عملية التفاوض سوف تستمر في المستقبل واعدا بدور نشيط ومباشر للولايات المتحدة في أعمال اللجنة السياسية لمؤتمر القاهرة والتي يشارك فيها ساويرس فانس وزير الخارجية الأمريكي وستبدأ قريبا في القدس . ثم طرح الرئيس كارتر مبادئ أساسية يجب المحافظة عليها قبل التوصل إلي سلام دائم وعادل وهي:
o أن يقوم السلام الحقيقي علي أساس علاقات طبيعية عادية بين الأطراف التي سيحقق السلام فيما بينها، فالسلام يعني أكثر من مجرد إنهاء حالة حرب .
o يجب أن يكون هناك انسحاب من أراضي احتلتها إسرائيل عام 1967 مع الاتفاق علي حدود آمنة ومعترف بها لجميع الأطراف، في إطار علاقات طبيعية سلمية تتفق مع قرارات مجلس الأمن 242 ، 338 .
o يجب أن يكون حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانبها، ويجب الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتمكين الفلسطينيين من المشاركة في تقرير مصير مستقبلهم .
وبعد أن غادر الرئيس كارتر أسوان أدلي الرئيس السادات بحديث صحفي حدد فيه أهم نقاط المباحثات قائلا:
o أنه اتفق مع الرئيس الأمريكي علي ضرورة التوصل في اجتماعات اللجنة السياسية بالقدس وإلي "إعلان مبادئ"يتضمن أسس التسوية الشاملة ، ويترتب علي صدوره إنشاء لجان مشتركة إسرائيلية، مصرية–وإسرائيلية، سورية – وإسرائيلية، أردنية، وإسرائيلية – فلسطينية .
ويمكن لهذه اللجان تحديد مراحل الجلاء والضمانات ومشاكل الأمن، علي أن يقرر الفلسطينيون من يمثلهم في اللجنة الخاصة بالمشكلة الفلسطينية .
o أنه اتفق مع الرئيس كارتر بعد تصميم من جانبه علي حق تقرير المصير للفلسطينيين علي أنه لا سلام بدون حل المشكلة الفلسطينية . وأضاف أن هناك تقاربا بين تعبير مشاركة الفلسطينيين في حق تقرير المصير . وتعبيره "حق تقرير المصير الذي ينشده الفلسطينيون " .
اللجنة العسكرية - مرحلة أولي:
بعد انتهاء مؤتمر الإسماعيلية دون أن يحقق أي نتائج إيجابية، كانت الصورة التي تركها مؤتمر الإسماعيلية نزع سلاح الجزء الأكبر من سيناء، والاحتفاظ بسبع مستوطنات تبدأ من ساحل البحر المتوسط عند رفح وتمتد علي الساحل الغربي لخليج العقبة حتى شرم الشيخ .
وعندما عرض بيجن خطة السلام بالنسبة لوضع الضفة الغربية وقطاع غزة كانت في الواقع خطة لضم " يهودا أو سامرة " وقطاع غزة إلي إسرائيل .
أما فكرة "إعلان مبادئ السلام" والتي اقترحتها مصر، ورفضتها إسرائيل . فقد أوضحت نتائج مؤتمر الإسماعيلية الفجوة الواسعة بين مواقف مصر ومواقف إسرائيل . الأمر الذي جعل الرئيس السادات أن يعلن عد السماح ببقاء أي مستوطنة إسرائيلية في سيناء، وانه قدم لإسرائيل – بزيارته للقدس – أكثر مما كانت تحلم به .
في هذا المناخ السياسي غير الملائم تقرر عقد اجتماع اللجنة العسكرية بالقاهرة في النصف الأول من يناير 1978، ذلك لأن تحقيق نتائج عسكرية ايجابية في المفاوضات يؤثر علي مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، ويفتح الطريق للوصول إلي اتفاقيات سياسية . غير أن المشكلة الأساسية كانت هي القضية الفلسطينية وضرورة حلها باعتبارها مفتاح السلام الشامل والعادل لمشكلة الشرق الأوسط .
عقدت اللجنة العسكرية المصرية الإسرائيلية بالقاهرة سبع جلسات علي مرحلتين، الأولي: وشهدت أربع جلسات الفترة من 11 إلي 13 يناير 1978، وشهدت الثانية ثلاث جلسات خلال الفترة من 31 يناير إلي 2 فبراير 1978، بالإضافة لعدد من الاجتماعات الجانبية علي مستوي الوزراء والمستويات الأقل . ودارت المباحثات خلال المرحلة الأولي حول المبادئ الأساسية لموضوعين رئيسين هما الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وترتيبات الأمن المتبادل، وقد أمكن التوصل لبعض الجوانب الإيجابية ولكن بقيت الموضوعات المطروحة دون اتفاق، وقد أجلت مناقشتها للمرحلة الثانية وعلي رأسها موضوعي المستوطنات والمطارات .
وقد لخص الفريق أول الجمسي وزير الحربية الموقف في الأحاديث الصحفية التي أدلي بها بأن اللجنة العسكرية قد انتهت من مناقشة البنود المعروضة وأصبح كل طرف علي علم بموقف الطرف الآخر، غير أنه لم يتخذ أي قرار في أي شئ انتظارا لاجتماعات اللجنة السياسية ثم أكد علي عدة مبادئ أساسية توضح موقف مصر منها:
o أن مصر لن تقبل أي نقاش حول حدودها الدولية .
o أن مصر جادة في تحقيق التسوية الشاملة، وان مهمة اللجنة العسكرية هي مناقشة الموضوعات العسكرية المتعلقة بالحل الشامل مع التركيز علي المشاكل القائمة بين مصر وإسرائيل .
o أن اللجنة ما زالت في بداية أعمالها ومن السابق لأوانه التحدث عن أية نتائج .
o أن قضية المستوطنات لا تشكل أية قيمة بالنسبة لأمن إسرائيل، وأنها عقبة أساسية في سبيل التوصل إلي سلام دائم، كما أنها تتعارض مع الإعلان الإسرائيلي بالانسحاب الكامل غلي حدود مصر الدولية، كما أنها خرق للقانون الدولي، وسبق أن عارضها كل أعضاء مجلس الأمن في نوفمبر 1976 بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية .
انتهت مرحلة المباحثات العسكرية والتي كانت بمثابة استطلاع وتعرف علي مطالب الجانب المصري علي وجه التحديد ،مع استخدام موضوع المستوطنات والمطارات كعنصر ضغط لتحقيق أفضل شروط ممكنة للسلام من وجهة النظر الإسرائيلية، لذلك لم يكن من المنتظر أن تستمر المستوطنات في سيناء مشكلة مستعصية .
اللجنة السياسية:
وجهت الولايات المتحدة تحذيرا إلي إسرائيل إذا قوضت مبادرة السلام التي بدأها الرئيس السادات، وقال أنه لا يتصور أن مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل والقادة الإسرائيليين أن يلحقوا الفشل بمفاوضات السلام بسبب إصرارهم علي الإبقاء علي المستوطنات في سيناء، كما أعلن أن فانس وزير الخارجية الأمريكية سيشترك في اجتماعات اللجنة السياسية المصرية – الإسرائيلية وأنه سيشترك كعضة كامل في أعمال اللجنة وسيبدي اقتراحاته في حال الفشل في التوصل لاتفاق من الجانبين .
وتأسيسا علي ذلك أبلغت مصر الولايات المتحدة أنها عضوا كاملا في اجتماعات اللجنة السياسية باقتراحها حول جدول أعمال اللجنة الذي تقترحه مصر ويتكون من :
o الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ يونيه 1967 .
o القضية الفلسطينية ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير ، وإقامة الدولة الفلسطينية .
o ترتيبات السلام بعد إتمام الانسحاب .
واقترحت إسرائيل جدول أعمال مكون من ثلاث نقاط :
o بحث المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة .
o عقد معاهدات سلام مع الدول العربية
o قضية الفلسطينيين العرب واللاجئين .
وقد رفضت مصر اقتراح إسرائيل بشان إدراج موضوع المستوطنات في أعمال اللجنة السياسية باعتبار أن الموضوع مدرج في اجتماعات اللجنة العسكرية والتي بدأت فعلا بالقاهرة .
وسافر الوفد المصري برئاسة محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية إلي القدس لحضور اجتماعات اللجنة وعند الوصول إلي مطار بن جوريون، كان موشي ديان وزير الخارجية الإسرائيلي في استقبال الوفد المصري والترحيب به .
بدأت الأزمة تأخذ طريقها عندما عقد ديان مؤتمرا صحفيا عقب الجلسة الافتتاحية التي ألقي فيها وزير الخارجية المصري كلمته بلهجة متشددة فرد عليه بيجن بشدة وبطريقة مسيئة ، فأصدر الرئيس السادات للوفد في القدس بالعودة فورا إلي القاهرة بعد أن تأكد أن إسرائيل تهدف غلي تمييع الموقف بالمساومة وطرح الحلول الجزئية التي لا يمكن أن تؤدي إلي السلام ، وفي مساء 18 يناير 1978 أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رسميا حول قطع المحادثات الجارية في القدس مع إسرائيل . وتوالت الأحداث لتصل بالموقف إلي طريق مسدود .
- اللجنة العسكرية – المرحلة الثانية:
استأنفت اللجنة العسكرية أعمالها في القاهرة يوم 31 يناير 1978، ولم يكن هناك جديد أمام اللجنة لبحثه، بعد توقف أعمال اللجنة السياسية والتي كان من المنتظر أن تتوصل إلي بعض النتائج سواء بالنسبة لسيناء أو للقضايا العربية الأخرى . وبالتالي أصبحت اللجنة العسكرية شكلية بلا مضمون حقيقي .
انتهت الاجتماعات يوم 2 فبراير 1978 وعقد خلال هذه الفترة ثلاث جلسات خصصت لإعادة بحث الموضوعات التي توقفت بسبب مباحثات المرحلة الأولي، وتركزت علي تقديم المقترحات البديلة وما يمكن أن يقدمه كل طرف لصالح الآخر .
تناولت المباحثات مرة أخري وجهة نظر الطرفين ، فبالنسبة للجانب المصري أكد الفريق أول الجمسي علي" رفض مصر القاطع لبقاء المستوطنات أو استمرار الوجود الإسرائيلي في المطارات، والتأكيد علي أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتم علي حساب أمن وأراضي الآخرين " .
أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي ركز علي مستعمرات رفح "ياميت" باعتبارها تشكل عازلا للتجمع البشري الفلسطيني في غزة وكان ذلك معناه عزل مصر عن قطاع غزة، كما تحدث عن أهمية مطار رأس النقب أن الانسحاب منه لابد وأن يتم علي مراحل ووفقا لجدول زمني . وأخيرا رغبة إسرائيل في وجود نظام إسرائيلي للإنذار المبكر يكون داخل المنطقة المصرية المتاخمة للحدود بعد إتمام الانسحاب ولا مانع من الاستعانة بطرف ثالث لتنفيذ ذلك .
وكانت وجهة النظر المصرية الثابتة التركيز علي كل ما يمس السيادة المصرية علي أراضي مصر، وهو مبدأ لن تتنازل عنه سواء بالنسبة للمستوطنات أو المطارات أو محطات الإنذار المبكر . لان وجهة النظر الإسرائيلية بصدد تلك القضايا لم تعد مقبولة بالنسبة للعرب عموما بعد أن أصبح الاستيلاء علي الأراضي العربية الستار الذي يخفي وراءه أهداف التوسع .
وجدير بالذكر أن طابع المحادثات العسكرية اختلف كثيرا عن طابع المحادثات السياسية، ولعل الأساس في ذلك هو طبيعة الموضوعات العسكرية التي يقل فيها المساومة .
- مباحثات ليدز والطريق إلي كامب ديفيد:
سادت فترة من الهدوء في المنطقة بعد فشل أعمال اللجنة السياسية المشتركة في القدس، حيث سحبت مصر وفدها من هذه اللجنة في اليوم التالي لانعقادها بسبب الحملة التي قادها رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن ووزير خارجيته موشي ديان ضد المبادرة المصرية للسلم ووزير خارجية مصر، وما أدت إليه من قرار سحب الوفد المصري، وإيقاف المفاوضات العسكرية عند نقاط محدودة يصعب بحثها دون أن تتخذ فيها قرارات سياسية، وبالتالي تعطلت المباحثات العسكرية انتظارا لتحرك الموقف السياسي . استمرت تلك الفترة ما بين مبادرة السلام في التاسع عشر من نوفمبر 1977 حتى توقف المباحثات العسكرية في الثاني من فبراير 1978 .
وكانت مصر تدرك أن المشكلة الرئيسية ليست في عقد اتفاق بين مصر وإسرائيل وإنما في إيجاد الحل للمشكلة الأساسية التي تشكل جوهر الصراع وهي المشكلة الفلسطينية .
ولذلك ركز السادات علي هذه النقطة من البداية ومارس ضغوط ومحاولات الإقناع المتواصلة مع الجانب الإسرائيلي أو مع الجانب الأمريكي خاصة وان الموقف الأمريكي ظل بعيدا نسبيا عن نقطة الانطلاق الملائمة للتحرك الإيجابي نحو حل المشكلة الفلسطينية إلي أن نجح الرئيس السادات في إقناع الرئيس كارتر بأهمية حلها، وتم وضع الصيغة الأمريكية الملائمة في لقاء أسوان يناير 1978 ، وصدر البيان الأمريكي الذي ألقاه كارتر في مطار أسوان والذي أطلق عليه بعد ذلك "صيغة أسوان" والتي نصت علي ضرورة إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانبها . والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصير مستقبلهم
وكان مؤتمر لندن الذي عرف بمؤتمر "قلعة ليدز" هو المقدمة التي أعدتها الولايات المتحدة بمبادرة الرئيس كارتر لمحاولة جديدة للتغلب علي عقبة محاولة إصدار بيان المبادئ للحل الشامل وهي القضية الفلسطينية .
أعلن الرئيس السادات في أوائل يوليو 1978 قبوله دعوة الرئيس الأمريكي كارتر لإيفاد وزير خارجية مصر إلي لندن للاجتماع مع وزيري خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد كان السادات يعلن دائما أنه " لن ييأس من السعي إلي السلام ..... بالسلام " .
وفي الواقع فإن اجتماع لندن كان هو مفتاح الطريق إلي كامب ديفيد لأنه نابع عن مبادرة شخصية من الرئيس الأمريكي كارتر، بعد أن تحول الدور الأمريكي في قضية السلام بالشرق الأوسط من دور الوسيط إلي دور الشريك، وهذا ضاعف من مسئولية الولايات المتحدة تجاه السلم والأمن الدوليين .
وبذلك يمكننا القول أن مؤتمر لندن كان استطلاعا أمريكيا لمواقف الطرفين ، وشكلا المشروعان المصري والإسرائيلي القاعدة التي تسعي الولايات المتحدة للحصول عليها . يتكون المشروع المصري من ست نقاط تتناول أساسا مبادئ عامة لحل القضية الفلسطينية بما في ذلك ترتيبات الأمن والوضع النهائي، بينما المشروع الإسرائيلي قد وضع 26 نقطة، ولم يتعرض مطلقا للوضع النهائي .
وكان الجديد في المشروع المصري هو الحل الوسط الذي تقدمت به مصر وهو اشتراكها والأردن في الإدارة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية . ويؤكد جوهر المقترحات المصرية المعني الذي كررته مصر كثيرا في تلك المرحلة وهو : " إن السلام الدائم لابد
أن يعتمد علي حل عادل للقضية الفلسطينية بكل جوانبها " .
ويتضمن المشروع المصري اقتراحا باجتماع يجمع ممثلين عن مصر والأردن والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وممثلين الأمم المتحدة وإسرائيل للتفاوض حول النقاط الأساسية التالية:
o جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي علي مدي سنوات خمس انتقالية .
o بحث ضمانات الأمن المتبادل بين جميع الأطراف سواء الأمن المطبق خلال المرحلة الانتقالية أو المطبق فيما بعد .
o التفاوض حول الحكومة المؤقتة التي ستتولى تسيير الأمور وتتسلم المقاليد من الحكم العسكري الإسرائيلي .
يشترك المشروعان في تحديد مرحلة انتقالية محددة بخمس سنوات وإيجاد مجالس فلسطينية محلية تتسلم معظم المهام الإدارية، وأيضا اشتراك مصر والأردن وإسرائيل في التفاوض بينما أضافت مصر الأمم المتحدة أيضا .
وعلي الرغم من الرفض الإسرائيلي الرسمي للمشروع المصري، إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل اعترفت بأن المشروع كان يحتوي علي بعض العوامل الايجابية . أما عوامل التعارض فهي أن المشروع المصري يطالب بوضوح بجلاء نهائي لإسرائيل بعد مرور السنوات الانتقالية . بينما المشروع الإسرائيلي يحتفظ لإسرائيل بحق التواجد العسكري في مراكز علي طول نهر الأردن مع منح السكان حكما ذاتيا إداريا أو محليا محدودا .
إن الخلاف الرئيسي بين المشروعين هو أن إسرائيل في مشروعها لا تريد أن تلتزم بالانسحاب التام والنهائي من الضفة الغربية وغزة . بينما تصر مصر علي أن تعلن إسرائيل ذلك بوضوح تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 242 .
ولما كان المشروعان المصري والإسرائيلي المقدمان للبحث في مؤتمر لندن يشكلان القاعدة التي تسعي الولايات المتحدة للحصول عليها، فسوف نعرض باختصار هذين المشروعين:
يتكون المشروع المصري من ست نقاط تتناول أساسا مبادئ عامة لحل القضية الفلسطينية بما في ذلك ترتيبات الأمن والوضع النهائي، بينما المشروع الإسرائيلي قد وضع 26 نقطة ولم يتعرض مطلقا للوضع النهائي .
ويعكس المشروع المصري جميع المواقف المصرية المعلنة مضافا إليها مرونة كافية تتمثل في ترك التفاصيل لمراحل قادمة، وكان الجديد في المشروع المصري هو الحل الوسط الذي تقدمت به مصر، وهو اشتراكها والأردن في الإدارة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية ، ويؤكد جوهر الاقتراحات المصرية المعني الذي كررته مصر كثيرا في تلك المرحلة .
ويتضمن المشروع المصري اقتراحا باجتماع يجمع ممثلين عن مصر والأردن والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وممثلين للأمم المتحدة وإسرائيل للتفاوض حول النقاط الأساسية التالية :
o جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي المتبادل بين جميع الأطراف سواء الأمن المطبق خلال المرحلة الانتقالية أو المطبق فيما بعد .
o التفاوض حول الحكومة المؤقتة التي ستتولى تسيير الأمور وتتسلم المقاليد من الحكم العسكري الإسرائيلي .
يشترك المشروعان في تحديد مرحلة انتقالية محددة بخمس سنوات وإيجاد مجالس فلسطينية محلية تتسلم معظم المهام الإدارية . وأيضا في اشتراك مصر والأردن وإسرائيل في التفاوض بينما أضافت مصر الأمم المتحدة أيضا .
ورغم الرفض الإسرائيلي الرسمي للمشروع المصري إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل للمشروع المصري إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل اعترفت بان المشروع كان يحتوي علي بعض العوامل الإيجابية، أما عوامل التعارض فهي أن المشروع المصري يطالب بوضوح جلاء نهائي لإسرائيل بعد مرور السنوات الانتقالية، بينما المشروع الإسرائيلي يحتفظ لإسرائيل بحق التواجد العسكري في مراكز علي طول نهر الأردن مع منح السكان حكما ذاتيا إداريا أو محليا محدودا، كما أن إسرائيل في مشروعها لا تريد أن تلتزم بالانسحاب التام والنهائي من الضفة الغربية وغزة ، بينما تصر مصر علي أن تعلن إسرائيل ذلك بوضوح تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 242 .
ورأت إسرائيل أن أكثر النقاط تشددا في المشروع المصري نقطتان:
- الأولي: خاصة بالقدس الشرقية وإعادتها لأصحابها، وقد ضمتها إسرائيل إليها بعد حرب 1967 وجعلت من القدس الموحدة عاصمتها .
- الثانية: هي الخاصة بغزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة .
إن المشروع الذي تقدم به بيجن معناه انه يريد اتفاق سلام يوقع عليها العرب مقابل أن يمنح حكما ذاتيا محدودا لسكان "يهودا وسامرا" ولمدة خمس سنوات، كما خلي المشروع الإسرائيلي من أي إشارة إلي ما بعد السنوات الخمس ، وظل السؤال حول الوضع النهائي معلقا في المشروع الإسرائيلي، وكان هذا الوضع هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إلي قطع مفاوضات القدس في يناير 1978 .
ويعلق السادات علي مباحثات قلعة ليدز بقوله:
" إن مشكلة إسرائيل تريد الأرض والسلام معا، لقد وضح في ليدز أمام فانس وزير خارجية الولايات المتحدة أن موشي ديان وزير خارجية إسرائيل حينما يتحدث عن الأمن فهو يعني الأرض، وأن إجراءات الأمن الإسرائيلية لابد أن تتضمن أرضا عربية " .
- القمة الثلاثية:
عقب انتهاء مباحثات ليدز في يوليو 1978 بادرت الولايات المتحدة باستثمار ما توصلت إليه من نتائج واستنتاجات من هذه المباحثات من اجل دفع عملية السلام، ففي أوائل أغسطس 1978 قام سيروس فانس وزير الخارجية الأمريكية بزيارة مصر وإسرائيل من اجل طرح فكرة اجتماع قمة ثلاثي يتم عقده في الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة قضية السلام .
وقد تم الاتفاق في هذه الزيارة علي عقد مؤتمر كامب ديفيد، وأعلنت مصر موقفها من قضية المفاوضات المصرية الإسرائيلية، بعد توقف أعمال اللجنة السياسية في القدس منذ يناير 1978 ، ثم تعثر مباحثات ليدز التي تمت في يوليو من نفس العام علي مستوي وزراء الخارجية .
وكانت وجهة نظر مصر أن الهدف الرئيسي من استمرار المفاوضات، ينبغي أن يكون تحقيق السلام العادل والدائم، وذلك حتى لا تكون عملية استمرار المفاوضات مجرد هدف في حد ذاته .
وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد التزمت بتحقيق التسوية العادلة منذ زيارة الرئيس السادات للولايات المتحدة في فبراير 1978 علي أساس جميع مبادئ قرار مجلس الأمن 242، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي علي جميع جبهات الصراع، وأنه لا يمكن أن يتحقق السلام الدائم بدون حل المشكلة الفلسطينية في الإطار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي كارتر في بيان أسوان في يناير 1978 بضرورة حل مشكلة الشعب الفلسطيني من كافة جوانبها ومشاركة الفلسطينيين في تقرير مستقبلهم، كما أعلنت الولايات المتحدة رفضها إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة وتأييد القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة في هذا الشأن .
ومع الإعلان عن موافقة مصر وإسرائيل علي الاقتراح الأمريكي بعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد يوم الخامس من سبتمبر 1978، أعلنت الخارجية المصرية، أنها قد بدأت في إعداد دراسات شاملة ووثائق سياسية، لوضع ورقة عمل، تحدد الموقف المصري في المؤتمر الذي تري فيه مصر خطوة أخري جديدة علي طريق السلام .
في هذا الإطار بدأت الاستعدادات الدبلوماسية المصرية تسير علي ثلاث مستويات هي:
- المستوي الأول: "إعلان المبادئ" الذي لم يتحقق في مؤتمر القاهرة التحضيري أو في مؤتمر الإسماعيلية أو اللجنة السياسية، حيث تعتبره مصر هدفا أساسيا ضروريا لتحقيق الإطار الشامل للحل النهائي علي أساس القرار 242 .
- المستوي الثاني: تنفيذ وتطبيق المبادئ التي وردت في الإعلان، بحيث يكون لكل مبدأ من المبادئ شكل عملي .
- المستوي الثالث: التركيز علي كيفية تنفيذه، وذلك بالنسبة للآتي:
o الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وخطواته التنفيذية .
o المرحلة الانتقالية الخاصة بالأراضي الفلسطينية وخطوات تحقيقها .
o إعداد الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره .
o طبيعة السلام .
o ضمانات الأمن علي ضوء النقاط التي تضمنها المشروع المصري الذي قدمته مصر في مباحثات ليدز .
لقد صاحب هذه الجهود المصرية تأكيد أن مصر تعتبر كامب ديفيد الفرصة الوحيدة المتاحة لانجاز تسوية شاملة، والتركيز علي مشكلة الضفة الغربية وغزة، باعتبار القضية الفلسطينية هي لب أزمة الشرق الأوسط وجوهرها، وعقب وثيقة الخارجية الإسرائيلية التي أصدرتها بمناسبة قمة كامب ديفيد والتي أذيعت في الثامن والعشرين من أغسطس 1978 والقائمة علي إنكار حتمية الانسحاب من الضفة الغربية وغزة، أكد السادات - في اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي المصري يوم 30 أغسطس - علي أن مصر ترفض أية اتفاقيات ثنائية أو حلول جزئية وأن هدف مصر هو "الحل الشامل والدائم والعادل وليس الحل الجزئي أو الثنائي أو المؤقت" .
كما أكد أنه لا تنازل عن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وعن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وقضية القدس ووضعها في التسوية النهائية، وحق كل دولة في المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة .
ومع بدء اجتماعات كامب ديفيد، تبلور الموقف المصري في شكل مشروع متكامل اشتمل علي العناصر الأساسية التالية :
o الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة .
o إزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة طبقا لجدول زمني .
o ضمان الأمن والسيادة والسلام الإقليمي والاستقلال السياسي لكل دولة عن طريق ترتيبات تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح ومناطق محدودة التسليح ، ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة علي جانبي الحدود، وتحديد نوع الأسلحة التي تحصل عليها الدول الأطراف ونظم التسليح فيها، وانضمام جميع الأطراف إلي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتطبيق مبدأ المرور البحري علي الملاحة في مضايق تيران، وإقامة علاقات سلام وحسن جوار وتعاون بين الأطراف .
o عدم اللجوء إلي التهديد بالقوة أو استخدامها في تسوية المنازعات فيها بالوسائل السلمية .
o إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، بمجرد توقيع معاهدة السلام وانتقال السلطة غلي الجانب العربي .
o انسحاب إسرائيل من القدس إلي خط الهدنة حسب اتفاقية 1949، وطبقا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء علي الأرض بالقوة . وعودة السيادة والإدارة العربية إلي القدس العربية .
o إقامة علاقات طبيعية بين الأطراف بالتوازي الزمني مع الانسحاب الإسرائيلي .
o اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في مباحثات السلام .
o إبرام معاهدات السلام خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع علي إعلان المبادئ .
o اشتراك الولايات المتحدة في المحادثات المتعلقة بكيفية تنفيذ الاتفاقيات .
وبعد أسبوعين من الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس كارتر في كامب ديفيد، مع مساعديه وضيفيه ووفديهما تهيأ المناخ المناسب لإمكانية التوصل إلي إطار سلام في التحليل النهائي، ورغم السرية التامة للاجتماعات، إلا أن كل النتائج أعلنت، بالإضافة غلي الخطابات المتبادلة ضمن إطار السلام في الشرق الأوسط الذي تم توقيعه في واشنطن بالبيت الأبيض في 17 سبتمبر 1978 .
وقد جاء في إطار التسوية الشاملة ما يلي:
" تصر الأطراف علي التوصل إلي تسوية دائمة وشاملة وعادلة لصراع الشرق الأوسط عن طريق إبرام معاهدات سلام قائمة علي قراري مجلس الأمن رقم 242 ، 338 بكل أجزائهما " .
وكان من المفترض أن تأتي بعد ذلك معاهدات سلام مماثلة بين إسرائيل من ناحية، والفلسطينيين والأردن من ناحية أخري، بالإضافة إلي معاهدة سلام ثالثة بين إسرائيل وسوريا، عندما يقررا ذلك في الوقت المناسب لذلك . وكان إطار التسوية الشاملة يشكل أساسا للسلام بين إسرائيل وكل الدول المجاورة، وأن المبادئ التي نص عليها الإطار كي تطبق في سيناء، علي أساس الانسحاب الكامل، كان من الممكن أن يطبق علي هضبة الجولان .
- الاتفاق التكميلي للحكم الذاتي :
كانت المشكلة الأخيرة خاصة بما أطلق عليه الاتفاق التكميلي بشان الترتيبات الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة والتي ستأخذ شكل الخطابات المتبادلة المتطابقة . وذلك من اجل تحديد توقيتات تنفيذ التدابير الأزمة للوصول بالضفة الغربية وقطاع غزة إلي الحكم الذاتي، وكان المطلوب معرفة التوقيتات التي تتم فيها بشكل واضح الإجراءات التالية :
o موعد بدء المفاوضات بين الأطراف بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة .
o موعد إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني .
o قواعد إنهاء الحكم العسكري وتسليم مقاليد الحكم للسلطة المدنية الفلسطينية .
o انسحاب القوات الإسرائيلية خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديد نقاط التي ستتواجد بها قوات إسرائيلية .
o موعد بدء ممارسة السلطات الفلسطينية لسلطاتها في الضفة والقطاع .
وكانت مصر قد اقترحت إمكانية بدء عملية الحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد انطلق هذا الاقتراح المصري من اعتبارات عملية لا تمس بحال من الأحوال المبدأ الأساسي وهو ارتباط الضفة الغربية بقطاع غزة ووحدتهما الكاملة، وهذا ما رفضته إسرائيل، وقد قام فانس بزيارة للمنطقة حاول فيها تضييق هوة الخلاف بين مصر وإسرائيل، وتمكينهما من الاتفاق علي النقاط الخلافية التي عرقلت التوصل إلي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وأدت إلي توقف المفاوضات المباشرة لفترة زادت عن ثلاثة أشهر .
بدأت المرحلة الثانية من مفاوضات معاهدة السلام في واشنطن في منتصف شهر مارس 1979، واستغرقت عشرة أيام وصل خلالها السادات وبيجن إلي واشنطن حيث ظلت المباحثات بشأن ما تبقي معلقا من موضوعات سواء بشأن الحكم الذاتي أو بشان بترول سيناء حتى اليوم السابق لتوقيع المعاهدة .
وقد تم الاتفاق علي صيغة الخطابات المتبادلة والمتطابقة بشأن موضوع الحكم الذاتي، واعتبر كوثيقة ملحقة بمعاهدة السلام، وتم توقيعه بين وثائق المعاهدة يوم 26 مارس 1979، وقد تضمن الخطاب المتبادل والموقع من الرئيس السادات ومناحم بيجن ووجه إلي الرئيس الأمريكي كارتر الخطوات العملية التي ستتخذ من اجل تحقيق تسوية شاملة تتفق مع ما جاء في إطار السلام والبدء في تنفيذ النصوص الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة كالتالي:
o بدء المباحثات خلال شهر من تبادل وثائق التصديق علي معاهدة السلام .
o دعوة الأردن للمشاركة في المفاوضات مع مصر وإسرائيل .
o يتضمن وفدي مصر والأردن فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيين آخرين يتفق عليهم .
o أن الهدف من هذه المفاوضات هو إقامة سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة .
o تستكمل هذه المفاوضات خلال عام واحد بحيث تبدأ الانتخابات في موعد مناسب بعد التوصل إلي اتفاق .
المعاهدة وثمار السلام :
شكلت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منطلقا لمرحلة جديدة لمصر والعرب ولمنطقة الشرق الأوسط عامة مازالت تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا ، وبتحليل المعاهدة وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونتائجها في شتر المجالات نجد أنها حققت لمصر العديد من الأهداف المباشرة وغير المباشرة بالغة الأهمية:
o أدت المعاهدة إلي انسحاب إسرائيلي كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية علي كامل ترابها المصري، وإزالة الوجود الإسرائيلي منها، وكان من أبرزه المستوطنات الإسرائيلية وأهمها مستوطنة "ياميت" القائمة عند الحدود الشرقية لمصر مع قطاع غزة بالقرب من رفح .
o تغيرت العقيدة التي غرسها بن جوريون في المؤسسة العسكرية والقيادات الإسرائيلية حين ترك دولة إسرائيل منذ قيامها دون أن يحدد لها حدودا وأطلق كلمته الشهيرة " أن حدود إسرائيل هي حيث يقف جنود إسرائيل"، وما تحمله من معني التوسع الصهيوني، فلأول مرة بعد توقيع المعاهدة تعترف إسرائيل بأن لها حدود دولية هي الحدود المشتركة بينها وبين مصر، وتتعهد باحترامها هذه الحدود وعدم المساس بها أو بسيادة الدول المجاورة لها والتي تشاركها هذه الحدود، والحدود بين مصر وإسرائيل هو الجزء الوحيد الذي يتمتع بهذه الصفات .
أما باقي حدود إسرائيل فهي تعتبرها أمرا ما زال خاضع للمساومة والتفاوض سواء بالنسبة لحدودها مع سوريا عبر هضبة الجولان المحتلة، أو مع الضفة الغربية والأردن حيث مازالت تحتل الضفة الغربية حتى نهر الأردن، أو بالنسبة للبنان حيث تحتل شريط من الأرض اللبنانية علي امتداد حدودها معها، ولا ينتظر أن تتخلي عنهما بسهولة ما لم تضمن حصولها علي ما تريده من مياه الأنهار اللبنانية وأهمها نهري الليطاني والحيصاني .
o أتاحت المعاهدة المصرية الإسرائيلية لمصر ممارسة قدر كبير من العمل السياسي علي نطاق واسع، والعمل بفاعلية علي صعيد العلاقات الدولية ارتكزت علي العقلانية والموضوعية كمنهج سياسي أصيل، والواقعية كنمط للسلوك السياسي المصري ارتكز علي الحوار .
o لم تنتقص المعاهدة – كما ادعي الكثيرون – من حق مصر في التمسك بالتزاماتها وممارسة واجباتها القومية تجاه الدول العربية ليس فقط من خلال ميثاق جامعة الدول العربية والمعاهدة العربية للدفاع المشترك، بل ومن خلال ميثاق الأمم المتحدة ذاته .
o إن انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء أعاد إلي مصر بترول سيناء كاملا الذي أصبح يمثل أحد موارد الدخل الرئيسية لمصر، وقد أمكن تنمية حقول منطقة خليج السويس وساحله وأصبح هذا الدخل يشارك بشكل فعلا في دعم الاقتصاد المصري وعمليات التنمية .
o أدي إنهاء حالة الحرب وحلول السلام بين مصر وإسرائيل إلي خفض كبير في الإنفاق العسكري، وما كان يتطلبه استمرار حالة الحرب، مع توجيه الفائض إلي سد احتياجات التنمية، ومن ناحية أخري نشطت وتطورت الصناعات الحربية في مصر حتى أصبحت مصر تنتج وتصدر العديد من أنواع الأسلحة والذخائر .
o لقد أتاح الاستقرار والأمن فرصة طيبة لتطوير استخدام قناة السويس في الملاحة الدولية وفي خدمة وتنمية الاقتصاد العالمي، مما أدي لزيادة العائد لخل مصر القومي، وشجع الاستثمارات الأجنبية في شتي المجالات .
o لقد دعمت المعاهدة التطور الهام الذي حدث لدي الرأي العام العالمي بعد حرب أكتوبر 1973 تجاه القضية الفلسطينية ، والنظر إليها علي أنها قضية شعب له الحق في الحياة والوجود، والحصول علي وطن بعد أن كان يعتبرها قضية لاجئين يحتاجون إلي المأوي والطعام، كما أن الاتفاق التكميلي الذي ألحق بالمعاهدة والخاص بإقامة الحكم الذاتي الكامل في الضفة الغربية وقطاع غزة أصبح هو الباب المفتوح حاليا أمام المفاوض الفلسطيني والذي يحتوي علي ما التزمت به إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية من التزامات دولية .
- تمهيد:
- بدء المسيرة نحو السلام :
استغرقت مسيرة السلام التي سلكتها مصر حتى حققت هدفها باسترداد الأرض المصرية كاملة تسعة أعوام من 1973 إلي 1982، ويمكن تقسيم هذه السنوات وفقا لمستوي ونوعية الأحداث التي تضمنتها إلي مرحلتين:
- الأولي: وقد استغرقت عامي 1974، 1975، تضمنت عقد اتفاق النقاط الست في نوفمبر 1973، ثم اتفاقية فض الاشتباك الأولي في يناير 1974، ثم اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا في نوفمبر 1973، وأخيرا اتفاقية فض الاشتباك الثانية في سبتمبر 1975 .
- الثانية: واستغرقت أعوام 1976: 1982، وتضمنت مبادرة السلام، وزيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، ثم التوصل إلي إطار كامب ديفيد في سبتمبر 1978، ثم معاهدة السلام في مارس 1979، ثم الانسحاب النهائي في أبريل 1982 .
اتخذت مصر بعض الخطوات قبل كامب ديفيد، فما أن توقف القتال، حتى بدأت مصر ومن ورائها العرب إلي دفع قضية السلام من خلال الجهود السياسية والاقتصادية . فمع نهاية شهر أكتوبر 1973 كانت مصر قد حشدت طاقاتها السياسية للعمل في ثلاث محاور، فدخلت في مباحثات متنوعة من اجل تحقيق السلام وهي:
- الأولي: في القاهرة: بدأت مباحثات مصرية – سوفيتية: كان موضوعها الأساسي الاتفاق علي ترتيبات عقد مؤتمر السلام الدولي الذي اقترحته مصر، وأقره مجلس الأمن في قراره رقم 338 .
- الثانية: في واشنطن: بدأت مباحثات مصرية – أمريكية بين هنري كيسنجر، ومبعوث مصر إسماعيل فهمي وزير خارجيتها الجديد، وكان موضوعها الأساسي تحقيق اتفاق محدود لفض الاشتباك بين القوات المتحاربة، يتضمن ترتيبات تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة السويس إلي شرق القناة .
- الثالثة: في الكيلو متر 101 علي طريق القاهرة، بدأت مباحثات مصرية – إسرائيلية علي المستوي العسكري، كان هدفها الأساسي الاتفاق حول الإجراءات العملية اللازمة لتأكيد وقف إطلاق النار وإمداد السويس والجيش الثالث وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338، وتبادل الأسري والجرحى .
في نهاية أكتوبر وصل إلي مصر فاسيلي كزنتسوف النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتية للقيام بمشاورات حول انعقاد المؤتمر الدولي والموقف من عناصر التسوية، مع الاهتمام بعقد مؤتمر لتحقيق التسوية التي تفرضها الظروف الجديدة، ولكنه لم يهتم بموضوع عودة القوات الإسرائيلية إلي خطوط 22 أكتوبر .
ولم تترك الولايات المتحدة المبادرة تفلت من يدها، وحرصت علي تأكيد هيمنتها السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وفي واشنطن طرح إسماعيل فهمي عناصر التصور المصري في شكل خطة عامة للمفاوضات تتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية إلي خطوط 22 أكتوبر 1973، وإطلاق سراح أسري الحرب، ثم انسحاب القوات الإسرائيلية إلي خطوط داخل سيناء شرق الممرات كمرحلة تالية علي أن تبقي القوات المصرية في مواقعها مع انتشار قوات الطوارئ الدولية بين القوات المصرية والإسرائيلية بعد انسحاب إسرائيل إلي خط فض الاشتباك، علي أن تقوم مصر برفع الحصار عن باب المندب في جنوب البحر الأحمر، والبدء في تطهير قناة السويس عقب إتمام فض الاشتباك .
ولم يتحدد شئ خلال الزيارة واقتصرت نتائجها علي التمهيد لزيارة كيسنجر للقاهرة لمعالجة المسائل التي طرحت في واشنطن .
- فض الاشتباك الأول يناير 1974:
اجتمعت اللجنة العسكرية في الكيلو متر 101 يوم 18 يناير للتوقيع علي وثيقة فض الاشتباك ووضع الخطة التنفيذية . وقد رأس الفريق الجمسي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الجانب المصري، كما رأس جنرال دافيد اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي، ورأس الجنرال سلاسفيو الاجتماع ممثلا للأمم المتحدة . وقد نصت الاتفاقية علي اتفاق لفض الاشتباك والفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، مع التمسك بمراعاة وقف إطلاق النار، وإيقاف جميع الأعمال العسكرية وشبه العسكرية في البر والجو والبحر .
كما حدد الاتفاق الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية علي مسافة 30 كيلو متر شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التي سترابط فيها القوات الطوارئ الدولية، وظلت القوات المصرية محتفظة بالخطوط التي وصلت إليها بل وتجاوزتها في بعض القطاعات، وقد اختتمت الاتفاقية بالنص علي أنها لا تعد اتفاق سلام نهائي، ولكنها تشكل خطوة أولي نحو سلام نهائي عادل ودائم طبقا لقرار مجلس الأمن في إطار مؤتمر جينيف للسلام الذي لم يكتب له أن ينعقد مرة أخري سوي بعد ثمانية عشر عاما حين عقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر1991 .
وقد ظلت هذه اللجنة مجتمعة ثلاث أيام برئاسة اللواء طه المجدوب عن الجانب المصري والجنرال أبراهام أدن عن الجانب الإسرائيلي، واستمر جنرال سيلاسفيو رئيسا لجانب الأمم المتحدة . أتمت اللجنة الخطة الكاملة للانسحاب والجداول الزمنية لمراحلها، وتنظيم دخول قوات الطوارئ الدولية واستلامها للأراضي وتسليمها للقوات المصرية بعد ذلك يوم 23 يناير ووقع الاتفاق يوم 24 يناير 1974، وقد التزم الجانب الإسرائيلي بالامتناع عن تخريب أو تدمير أي منشآت مدنية واقعة غرب القناة وتسليمها سليمة، مع ضمان توفير مستلزمات استمرار الحياة الطبيعية للسكان المدنيون أي محاولات لإرباكها أو تعطيلها .
ولاشك أن التزام إسرائيل بتنفيذ هذه الاتفاقية بحرص كامل، كان نابعا عن رغبتها الملحة في التخلص من الأوضاع الحرجة لقواتها غرب القناة، وللبدء فورا في تسريح قواتها الاحتياطية التي ظلت معبأة حوالي أربعة أشهر، الأمر الذي أضر ضررا بالغا بالاقتصاد الإسرائيلي، وشكل عبئا ماليا ضخما علي إسرائيل . من ناحية أخري، تعتبر هذه الاتفاقية انعكاسا طبيعيا نتيجة الرحب وما حققته القوات المسلحة من نصر .
فقد اضطرت إسرائيل إلي سحب كل قواتها الموجودة غرب القناة، والانسحاب شرقا بعيدا عن القناة لمسافة 30 كيلو متر، وهي مسافة كافية لتأمين القناة ومدتها بدرجة مناسبة تماما، وكان ذلك دافعا للقيادة السياسية المصرية، وحرصا منها علي تأكيد توجهها الثابت نحو السلام بالبدء فورا في تعمير مدن القناة وعودة المهجرين إليها حتى تعود الحياة الطبيعية إلي المنطقة مرة أخري .
- تسعون يوما من وقف القتال:
تم توقيع اتفاقيتين بين مصر وإسرائيل في الفترة (25 أكتوبر 1973– 25 يناير 1974)، واعتبر اتفاق النقاط الست أول خطوة علي طريق السلام ولكنه لم يحقق أي نتائج عملية بشأن الأرض، إذ كان هدفه حل المشكلات العاجلة الناجمة عن وقف القتال، أما اتفاق فض الاشتباك الأول فقد حقق احتفاظ القوات المصرية بالخطوط التي وصلت إليها في سيناء أثناء الحرب، وقد انسحبت القوات الإسرائيلية من كل المناطق غرب القناة إلي خطوط جديدة في سيناء قرب المضايق الإستراتيجية، وبلغت المساحة المحررة من سيناء 2800 كيلو متر مربع . وكان هذا الانسحاب هو أول انسحاب تنفذه إسرائيل – من ارض احتلتها – تحت ضغط القوة العسكرية المصرية في حرب أكتوبر 1973 .
ورغم أن الاتفاق صبغته عسكرية إلا أن له انعكاسات سياسية هامة يصعب تجاهلها . فد مثل الاتفاق نقطة تحول هامة في علاقات القوتين بأزمة الشرق الأوسط، حيث انفردت الولايات المتحدة لأول مرة بإثبات قدرتها علي إيجاد حل سياسي لمشكلة تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، كما بدأت تتقارب العلاقات المصرية الأمريكية، في حين سارت العلاقات المصرية السوفيتية في الاتجاه المضاد .
- اتفاق فصل القوات بين سوريا وإسرائيل مايو 1974:
بعد توقيع اتفاق فض الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات الإسرائيلية إلي الشرق، اتخذت قوات الطوارئ الدولية أوضاعها في المنطقة الفاصلة أو العازلة بين القوات في الرابع من مارس 1974 . وقد بدأت القيادة السياسية المصرية فورا سعيها من اجل اتخاذ خطوة مماثلة علي الجبهة السورية . وكان قد سبق الاتفاق علي تنفيذه بين مصر والولايات المتحدة، في نفس الوقت الذي اتفق فيه علي الخطوة المصرية . وقد قام الرئيس السادات بإبلاغ الرئيس السوري حافظ الأسد بذلك أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في الجزائر في نوفمبر 1973 .
ووعد كيسنجر بان يبدأ جهود فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا بمجرد إتمام تنفيذ اتفاق فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، وفعلا قام كيسنجر بزيارة سوريا في مارس 1974 من اجل التوصل إلي اتفاق بين سوريا وإسرائيل بشأن فض الاشتباك بين قوات البلدين من منطقة المرتفعات السورية وهضبة الجولان، والتقي الوفدان في قصر الأمم المتحدة بجينيف غي الحادي والثلاثين من مايو 1974 ووقعا علي الاتفاق ثم جرت اجتماعات اللجنة العسكرية في جينيف تحت مظلة لجنة العمل المصرية الإسرائيلية المنبثقة عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جينيف في ديسمبر 1973، وكانت مصر ممثلة في اجتماعات اللجنة العسكرية التي رأسها جنرال سيلاسفيو، ومثل مصر اللواء طه المجدوب .
وقد تضمن الاتفاق وقفا لإطلاق النار فور التوقيع عليه ، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها أثناء حرب أكتوبر والواقعة شرق هضبة الجولان، مع إخلاء منطقة أخري تتجاوز خطوط يونيه 1979 علي امتداد الجبهة ، واعتبرت هذه المنطقة منطقة فصل بين القوات تحتلها قوات الطوارئ الدولية، وتخضع للإدارة المدنية السورية . وفي إطار هذه المنطقة عادت القنيطرة عاصمة الجولان إلي السيطرة السورية مرة أخري . وقد نص الاتفاق علي أنه ليس اتفاق سلام . وانه خطوة تجاه السلام العادل والدائم علي أساس قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973 .
وبانجاز هذه الخطوات علي الجبهة السورية سارت الجهود المصرية لبناء السلام في اتجاهين هما:
o الإصرار علي تحقيق الهدف والتحرك المستمر في اتجاهه .
o الدعوة إلي عقد مؤتمر جينيف لوضع أسس السلام الشامل، ومن القرارات التي دعمت ذلك قرار تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة الدولية في الخامس من يونيه 1975، والسماح بمرور البضائع الإسرائيلية علي سفن الدول الأخرى .
ففي الخامس من يونيه 1975 وبعد مرور تسع سنوات علي غلق قناة السويس افتتح الرئيس السادات الملاحة الدولية في قناة السويس بعد إتمام عمليات تطهير المجري الملاحي وإعادة تشغيل المنشآت الملاحية لهيئة القناة . وقد شارك في عملية التطهير وإزالة العوائق من مجري القناة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفيتي فضلا عن الجهود المصرية المكثفة . ولقد افتتحت القناة في نفس اليوم الذي وقعت فيه نكسة يونيه 1967 .
- اتفاقية فض الاشتباك الثانية:
كانت عملية فتح قناة السويس للملاحة الدولية في يونيه 1975 بمثابة بداية لمرحلة جديدة ومتطورة من مراحل عملية السلام، فبعد العديد من الاتصالات المبدئية بين مصر والولايات المتحدة وكذا الاتحاد السوفيتي، واستمرت جولات كيسنجر لفترة بدأت في 20 أغسطس وانتهت في أول سبتمبر 1975 بالتوصل إلي اتفاق حول فصل القوات الثاني بين مصر وإسرائيل، وقد تم توقيع الاتفاق بالأحرف الأولي في كل من إسرائيل ومصر، وقام بالتوقيع الجنرال مورد خاي رئيس الأركان الإسرائيلي والفريق محمد علي فهمي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ثم وقع بالكامل في جينيف بعد ذلك بواسطة اللواء المجدوب ممثلا عن مصر والجنرال شامير ممثلا عن إسرائيل .
إذن تمثلت انجازات الفترة السابقة في:
o اتفاق النقاط الستة في نوفمبر 1973 .
o اتفاق فض الاشتباك الأول يناير 1974 .
o اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسوريا في مايو 1974 .
o اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975 .
وكان لما سبق بالغ الأثر علي القضية الفلسطينية حيث هيأت مناخا دوليا أفضل لصالح هذه القضية، بالإضافة إلي جهود منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1967 . واتخذت الدول العربية منهجا مشتركا عام 1974 بشأن طرح القضية الفلسطينية، حين أصبحت المنظمة – باعتراف الأمم المتحدة طرفا أساسيا في إقامة السلام العادل الذي يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة
وبمقتضي اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل تقدمت قوات مصر إلي خطوط جديدة واستردت حوالي 4500 كيلو متر مربع من أرض سيناء، بلغ أقصي عمق 35 كم في المناطق الهامة مثل الممرات الجبلية الإستراتيجية، حيث أصبح الخط الأمامي للقوات الإسرائيلية ببعد مسافة 55 كيلو متر عن قناة السويس، أما في الجنوب فقد امتد الانسحاب الإسرائيلي علي الساحل الشرقي لخليج السويس لمسافة 180 كيلو متر من السويس حتى بلاعيم علي ساحل الخليج، حيث تقع منابع البترول .
ولعل أهم ما تضمنته الاتفاقية، ما أقرته من أن النزاع في الشرق الأوسط لن يحسم بالقوة العسكرية، ولكن بالوسائل السلمية، علي أن يتوصل الطرفان لتسوية سلام نهائي وعادل عن طريق المفاوضات، ويعتبر هذا الاتفاق خطوة أساسية نحو هذا الهدف، كما ألزم الاتفاق الطرفين بعدم الالتجاء إلي التهديد أو استخدام القوة أو الحصار البحري ضد الأخر، مع مراعاة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وامتناع قيام كل منهما عن القيام بعمليات عسكرية أو شبه عسكرية ضد الطرف الآخر .
وحدد الاتفاق الخطوط الجديدة للانسحاب الإسرائيلي، والتي تحدد الحد الأمامي لقوات الجانبين والمناطق المحدودة الأسلحة والقوات، وكذا المنطقة العازلة، والمنطقة الخالية من القوات العسكرية وهي المنطقة الممتدة علي ساحل خليج السويس . واتفق كذلك علي إنشاء مركز مصري للإنذار الاستراتيجي المبكر في المنطقة العازلة شرق الممرات علي مسافة 50 كيلو متر من قناة السويس وهو مركز جديد لم يكن قائما من قبل، وذلك نظير أن تحتفظ إسرائيل بمركزها للإنذار المبكر والذي كان موجودا بنفس المنطقة .
كما نتج عن هذا الاتفاق عودة حقول البترول المصرية في رأس سدر وأبو رديس وبلاعيم، وتم استلامها من خلال طرف ثالث ممثلا في شركتي البترول"موبل" الأمريكية، و "ايني" الايطالية علي أن تترك إسرائيل كل المعدات الموجودة في المواقع وكل حقول البترول كاملة وسليمة، وبلغ عدد الحقول وقتها 135 حقلا منهم 6 في رأس سدر، 14 في أبو رديس، 115 في بلاعيم بعضها بري والآخر بحري، وكان إجمالي إنتاجها في ذلك الوقت 4.5 مليون طن بترول قيمتها 300 مليون جنيه .
وقد دعم الاتفاق الموقف الاستراتيجي العسكري للقوات المصرية، كما أنه أضعف الموقف الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي بانسحابها من منطقة المضايق الإستراتيجية، وفي نفس الوقت مع ابتعاد الحد الأمامي للقوات الإسرائيلية عن قناة السويس تحسنت ظروف تامين الملاحة في قناة السويس .
وأخيرا أكد الاتفاق نجاح الإستراتيجية المصرية الشاملة والاتجاه نحو الهدف الأساسي وهو تحرير الأرض العربية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني .
- زيارة السادات للقدس نوفمبر 1977:
خاضت مصر تجربة اللجوء إلي الوسطاء في اتفاقيتي الاشتباك الأولي والثانية، وثبت أن اللجوء إلي الوسطاء لا يمثل أفضل طرق عرض ومناقشة القضية، ولذلك اقتنع السادات بأن خير من يعرض القضية هو صاحبها، فقرر أن يذهب إلي القدس ويعرضها بنفسه، ولذلك رأي أن يكون الخطاب علنا موجها إلي الشعب الإسرائيلي من خلال أعضائه في الكنيست، كما تقدم الرئيس السادات أيضا باقتراحات للسلام والخطوات الإيجابية التي تحققه . وجدير بالذكر أن الفرق كبير بين ذهاب السادات إلي القدس قبل 1973 وبعد انتصار أكتوبر والذي أكد بشدة وجود مصر علي ساحة الصراع المسلح .
في هذه المرحلة تغير دور الطرف الثالث وهو الولايات المتحدة من مجرد وسيط إلي طرف في عملية السلام يؤدي دورا مساعد لصالح الطرفين . وكان منطق مصر أن هدف الحرب التي يريد العرب شنها هو استرداد الأرض المحتلة وعودة الفلسطينيين وإقامة وطنهم . فإذا كنا نستطيع أن نحقق هذا الهدف في إطار الثمار التي طرحتها حرب أكتوبر يصبح الحديث عن حرب جديدة لا معني له .
كما أنه لم يعد من الممكن لدولة أن تخوض حربا دون أن تنتج جزءا أساسيا من سلاحها، أما الاعتماد علي شراء السلاح فهو أمر محفوف بالمحاذير . فقد علمتنا التجربة أنه في مثل هذه الظروف يصبح مصير الحرب ومسارها رهينة في يد من يعطي السلاح .
أما بالنسبة لإسرائيل، سنجد أن الزيارة أسقطت حجتها أمام العالم بأنها مطوقة بشعوب لا تفكر إلا في إبادتها . كما أن الارتياح العام الذي أبداه الرأي العام المصري للحل السلمي أكد أن الرئيس السادات كان يعبر فعلا عن ضمير الشعب المصري، فالمبادرة شكلت قوة ضاغطة علي إسرائيل، فأدت إلي دعم وتقوية التيارات الداعمة للسلام في إسرائيل وللتعايش السلمي مع العرب، كما شجعت الجناح المعتدل في الإدارة الأمريكية الذي يري ضرورة تقديم تنازلات للقادة الوطنيين من المعتدلين العرب .
أما عن الموقف العربي، فلم يكن من المنطق أن يتعارض التضامن العربي مع مسيرة مصر من اجل أرضها مع عدم التفريط في القضية الفلسطينية، ومع ذلك فإن مبادرة مصر لم تكن حلا لمشكلة مصر، ولكن كذلك تدعيما لحل المشكلة الفلسطينية ومشكلة الأرض السورية المحتلة في الجولان .
وفي ضوء ذلك، كان الاتجاه العام في الموقف العربي باستثناء جبهة الرفض تجنب العوامل التي من شأنها أن تسئ إلي شكل التضامن العربي، كما أنها أجمعت علي استنكار أو عدم تأييد ما سعت إليه دول الرفض، رغم المحاولات التي بذلها أطراف الجبهة من اجل كسب موافقة أكبر عدد من الدول العربية علي سلوك الجبهة وتصرفاتها المسيئة لمصر .
وقد كتبت مجلة النيوزويك في عدد خاص بمناسبة انتهاء عام 1977 عبرت فيه عن تقديرها لمبادرة الرئيس السادات واعتبرتها أهم حدث في عام 1977، والتي استحقت بالفعل"رحلة القرن العشرين" . ولقد تطورت تلك الرحلة بالفعل من مؤتمر القاهرة التحضيري إلي مؤتمر الإسماعيلية كختام لعام المبادرة 1977 ثم تتابع الجهود خلال النصف الأول من عام 1978 والذي شهد رحلات عديدة من اجل السلام قام بها الرئيس السادات وممثليه في أنحاء العالم والتي أدت إلي عقد قمة كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 1978 حيث تم الاتفاق علي إطار السلام وإطار الحكم الذاتي الفلسطيني، وتوجت هذه المرحلة ليختتم عقد السبعينات بتوقيع أول معاهدة للسلام بين إسرائيل وكبري الدول العربية في عام 1979 رغم كل المعوقات والمواقف التي اتسمت بالعداء لمصر من جبهة الرفض العربية، والاتحاد السوفيتي والتي أضرت بالقضية العربية ضررا بالغا وعطلت مسيرة السلام بعد توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية .
- مؤتمر القاهرة التحضيري:
أعلن يوم السادس والعشرين من نوفمبر 1977 في مجلس الأمن عن عقد هذا المؤتمر في القاهرة، وأن الدعوة موجهة لكل الأطراف المعنية علي أن يكون المؤتمر تحت إشراف الأمم المتحدة وتحضره الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وإسرائيل، ومن الدول العربية مصر الأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، علي أن يعقد المؤتمر في الرابع عشر من ديسمبر 1977 للإعداد لاستئناف مؤتمر جنيف للسلام، وتهيئة المناخ المناسب للتوصل إلي تسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي بعد أن تحقق الوضع الاستراتيجي والسياسي الملائم لخطوات جديدة علي الطريق نحو سلام عادل ودائم .
وتجدر الإشارة إلي أن الاتحاد السوفيتي قد قاطع المؤتمر وتبعته كل من سوريا والأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد حرصت مصر بشدة علي تجديد الدعوة لهذه الأطراف العربية لحضور المؤتمر، فقد كانت الفرصة تاريخية بالنسبة للفلسطينيين، فجلوس الوفد الإسرائيلي مع الوفد الفلسطيني حول مائدة المفاوضات هو اعتراف إسرائيلي ضمني بالمنظمة وبوجود الشعب الفلسطيني .
وفي السادس من ديسمبر 1977 أعلن الدكتور بطرس غالي وزير الخارجية بالنيابة أن مؤتمر القاهرة التحضيري الذي يتولي الإعداد لمؤتمر جينيف سوف ينعقد في موعده يوم الرابع عشر من ديسمبر في فندق مينا هاوس علي مستوي الخبراء الذين يمثلون كل من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة، إلا إذا قررت الأطراف الأخرى الانضمام إلي المؤتمر التحضيري .
وأكد بطرس غالي أن اجتماعات المؤتمر تمهد لمؤتمر جنيف وتزيل أي عقبات تقف أمام انعقاده، وهي خطوة هامة علي طريق تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وقبل ساعات من انقاد المؤتمر يوم الرابع من ديسمبر 1977 حدد المتحدث الرسمي موقف مصر مرة أخري من عناصر إقرار السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط معلنا أن مصر ليست بحاجة لكي تؤكد أن موقفها لا يزال علي التزامه بمقررات مؤتمر الرباط: الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وحق شعب فلسطين في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة .
كما أكد أن المؤتمر هو أول خطوة تنفيذية لعملية السلام في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فقد حرصت علي توجيه الدعوة لكل الدول العربية التي تمثل طرفا في النزاع، وأنه رغم عدم استجابة هذه الدول للدعوة فهي ما زالت قائمة لهذه الأطراف بما فيها الاتحاد السوفيتي الرئيس المناوب لمؤتمر جينيف .
وكان معني وجود الأمم المتحدة في المؤتمر هو ضمان لاستمرار الإطار الذي ارتضته الدول العربية ليتم فيه التوصل إلي الحل الشامل وإقامة السلام العادل الدائم في الشرق الأوسط، كما يؤكد وجود الولايات المتحدة احد رئيس مؤتمر جينيف البعد الدولي في جهود الحل السلمي، كما أرادت الولايات المتحدة ألا يدخل المؤتمر متاهة المناقشات الإجرائية والأمور التفصيلية .
وفي خضم هذه الأحداث عقد في الرباط – عاصمة المغرب - مؤتمرا دوريا لوزراء العدل العرب افتتحه الملك الحسن الثاني ملك المغرب بخطاب سياسي ركز فيه علي زيارة الرئيس السادات إلي القدس، وحقيقة أبعادها، وجهودها الصادقة من اجل تحقيق السلام، وتساءل الملك الحسن عن المشكلة بالنسبة للعرب في ذلك الوقت هل هي مشكلة وحدة الصف أم وحدة الهدف ، وأجاب علي التساؤل بأن وحدة الهدف وقتئذ لها الأسبقية فيما يخص مشاكل العرب مشيرا إلي انعقاد مؤتمر القاهرة للبحث عن طريق السلام، واستعرض الأسباب والتطورات التي أدت إلي انعقاد هذا المؤتمر .
وأن هذه التطورات قد دفعت العرب إلي النظر إلي مشاكلهم من زاوية مختلفة ظهرت معالمها في مؤتمر قمة الجزائر نوفمبر 1973حيث وضع مقررات وأسس للعمل السياسي العربي ثم جاء مؤتمر قمة الرباط عام 1974 ووضع مقررات محددة حول عدم عقد سلام منفرد وتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني .
وبرر سبب الزيارة المفاجئة للرئيس السادات دون أن يستشير القادة العرب بأنه لم يرد أن يحرجهم أو يحملهم التبعة والمسئولية وأنه إذا كان هناك نجاح، فهو نجاح للجميع وإن كان هناك فشل فسوف يتحمل مسئوليته الرئيس السادات وحده، وعن خطاب الرئيس السادات في الكنيست الإسرائيلي تساءل الملك الحسن الثاني: هل هناك تفريط في حق الفلسطينيين هل تنازل عن شبر من الأرض العربية المحتلة أو عن المطالبة بالقدس؟ ثم دعي ألا يبقي العرب أسري الأنانيات في هذا الوقت وفي هذا الظرف حتى تنجح كل مساعي الرئيس السادات .
وفي الواقع أن الملك الحسن أثار نقطتين علي جانب كبير من الأهمية يشكل الخلاف حولهما أسباب الخلاف بين الأمة العربية، وهما وحدة الهدف ووحدة الصف، وأكد أن التمسك بالهدف مهما تنوعت الوسيلة يؤدي في النهاية إلي تحقيق الهدف، ولكنه في الواقع لا يمثل الهدف لكل طرف عربي، والدليل علي ذلك أننا نعلن الهدف ثم نحارب من يعمل من أجله بحجة اختلاف الوسيلة، وبغض النظر عما يمكن أن تحققه هذه الوسيلة، ذلك لأننا لسنا جادين في العمل من أجل تحقيق هذا الهدف .
وبالرغم من ذلك، فقد حقق المؤتمر تقدما محسوسا في مجال المشكلات الإجرائية المتعلقة بانعقاد مؤتمر جينيف، إلا أن الخلافات بين الجانبين حول تصور كل منهما لأسس السلام استمرت في حاجة إلي جهد كبير .
وقد توقفت جلسات المؤتمر بعد أن أعلن عن عقد مؤتمر قمة مصري إسرائيلي في الإسماعيلية بناء علي اقتراح مناحم بيجن الذي اقترح ما أطلق عليه "مشروع السلام الإسرائيلي" وعرضه علي الرئيس كارتر أثناء انعقاد المؤتمر التحضيري ثم جاء به إلي الإسماعيلية ليعرضه علي الرئيس السادات في مؤتمر يعقد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر في الإسماعيلية .
تأسيسا علي ذلك، كان من المنتظر أن يدخل المؤتمر التحضيري في مرحلة جديدة إذا ما تم إعطاء دفعة قوية لنجاح أعماله في مباحثات الإسماعيلية، كذلك كان من المنتظر إذا حقق المؤتمر هذه الدفعة الجديدة أن تتولد فرصة جديدة لإعادة توجيه الدعوة إلي كل الأطراف المعنية مرة أخري مرة أخري، وأقصد سوريا والأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتحاد السوفيتي، للاشتراك في المرحلة التالية من أعمال المؤتمر والتي كان من المتوقع أن يرفع فيها مستوي التمثيل ليكون مستوي وزراء الخارجية، الأمر الذي لم يتحقق نتيجة لتطورات الموقف بعد ذلك، وما ترتب عليه اجتماعات الإسماعيلية من نتائج .
- القمة الثنائية في الإسماعيلية:
كان الرئيس السادات شديد الحرص علي أن يبرز في كل المناسبات، مدي اهتمامه بتحقيق السلام الشامل، وكثيرا ما أكد في كلماته، بل وفي مباحثاته مع قادة إسرائيل وزعماء العالم الذين التقي بهم هذا المعني، وانه لا يسعي إلي توقيع مجرد اتفاق يحتوي علي تفاصيل غير هامة، ولكنه يهتم أساسا بما سيحققه هذا الاتفاق من سلام حقيقي عادل ودائم . لذلك كان افتتاحه لمؤتمر قمة الإسماعيلية الذي عقد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1977، وقال فيه: " إن هذا اللقاء علي أرض مصر للعمل معا علي أنها معاناة شعبية، وإننا نجتمع لنقول للعالم إننا نعمل من اجل السلام حتى تحل المحبة محل الكراهية التي عشنا فيها ثلاثين عاما " .
وقد رد مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل علي كلمة الرئيس السادات بقوله: " إن الإسرائيليين قابلوه أثناء زيارة القدس بقلوبهم، لذلك أصبح تحقيق السلام مسئولية مشتركة بينهما وانه يرجو أن تنتهي الحروب إلي الأبد، واستطرد بيجن انه يحمل معه مشروعين الأول خاص بالانسحاب من سيناء، والثاني خاص بالحكم الذاتي في "يهودا وسامرة" (الاسم العبري للضفة الغربية) وقطاع غزة، وكان ذلك هو مشروع السلام الإسرائيلي .
كانت الفكرة المصرية خلال هذه المرحلة من المفاوضات أن يتفق الطرفان علي "إعلان مبادئ لتحقيق السلام، وهو الإعلان الذي سعت مصر إلي إعداده وإصداره أثناء اجتماعات مؤتمر القاهرة التحضيري في مينا هاوس، ولكن لم يتم ذلك وتوقفت اجتماعات مؤتمر القاهرة قبل الاتفاق علي عناصر البيان وإصداره وذلك بسبب انعقاد مؤتمر الإسماعيلية .
كان من المفترض بعد صدور "إعلان المبادئ" أن يساعد ذلك علي انضمام الدول العربية المعنية إلي مسيرة السلام علي أساس أن تبحث تفاصيل اتفاق السلام بعد ذلك من خلال المبادئ وفي إطارها . ولكن بيجن خرج علي المؤتمر بمشروعه الذي لم يكن في الحسبان، ولأنه لم يسبقه أي اتفاق علي المبادئ .
واقترح بيجن في الجزء الأول من مشروعه الخاص بالانسحاب من سيناء أن تبقي المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في سيناء في أماكنها وهي مستوطنات رفح "ياميت" والعريش، الأمر الذي أثار استياء أعضاء الوفد المصري، وخاصة أن الموضوع سبق مناقشته في لقاء بين الفريق الجمسي وزير الحربية وعزرا وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلي في لقاء خاص عقد بينهما في مطار جاناكليس جنوب الإسكندرية أثناء انعقاد مؤتمر القاهرة التحضيري وطرح موضوع المستوطنات، وكان رد الجمسي الرفض الكامل لأي تواجد إسرائيلي يستمر في سيناء .
وكرر وايزمان عرض الموضوع علي الرئيس السادات في لقاء معه بالإسماعيلية، وتلقي نفس الإجابة الرافضة لأي وجود إسرائيلي في سيناء . وقد تكرر نفس الأمر عندما عرض وايزمان فكرة الاحتفاظ بمطاري قامت إسرائيل ببنائهما في سيناء، وهما مطاري رأس النقب والجورة بالقرب من رفح، ولم يكن هنا داع لتكرار عرض هذه الموضوعات المرفوضة كجزء من مشروع إسرائيلي يفترض أنه "مشروع سلام" . ولكن تلك هي عادة الإسرائيليين في أسلوبهم التفاوضي .. الضغط والإلحاح المستمر ومعاودة طرح الموضوعات التي تهمهم في توقيتات وعلي مستويات وبأساليب مختلفة .
والغريب أن يستمر بيجن في طرح أفكاره علي هذا المنوال، فيقول أن المستوطنات المدنية ستكون تحت السيادة المصرية، وأن وجودها لا يشكل مساسا بسيادة مصر، ولكنه سرعان ما يهدر كل ما قاله بشأن السيادة المصرية حين أضاف انه لا يستطيع ترك هذه المستوطنات بدون وسائل للدفاع عن النفس .
ولذلك تحتفظ إسرائيل بقوات قليلة للغاية لحمايتها ويأمل أن يتفهم الرئيس السادات هذا المبدأ "الإنساني" . ولكي يبين مدي الكرم الذي يتميز به طلبه هذا اعتبر ما ذكره تنازلا وتراجعا في سياسة إسرائيل لأن قراراه هذا هو إلغاء للسياسة التي قررتها الحكومة الإسرائيلية منذ عام 1967، والتي تقضي ببقاء هذه المستوطنات في أماكنها تحت سيطرة إسرائيل وفي حماية قواتها .
كما تضمن مشروع بيجن للسلام مع مصر شروطا أخري تتعلق بمنح القوات الإسرائيلية فترة انتقالية لعدة سنوات قبل أن تعود القوات إلي خط الحدود الدولية مع ضمانات حول حرية الملاحة في الممرات بالمنطقة .
موقف الرئيس السادات من مشروع بيجن للسلام:
لم يرد الرئيس السادات علي مشروع بيجن للسلام والذي يحمل قدرا هائلا من الاستفزاز للمشاعر المصرية لا يسمح بأي رد، وكان لا يمكن أن يمر هذا الاستفزاز دون أن يثير أحدا، فلما أثار بيجن موضوع الاحتفاظ بالمستوطنات والدفاع عنها بقوات إسرائيلية، كان معني ذلك الاحتفاظ بجزء محتل من الأراضي المصرية وليس انسحابا كاملا إلي الحدود الدولية
وتدخل الدكتور عصمت عبد المجيد في الحديث قائلا أن ذلك مخالف لقرار مجلس الأمن 242 الذي ينص علي الانسحاب من الأراضي المحتلة، وأن هذا يعني بالنسبة لمصر الانسحاب الكامل إلي الحدود الدولية بينها وبين فلسطين، ولم يستسلم بيجن وفاجأ المجتمعين بتفسير آخر لقرار مجلس الأمن 242 بأنه " انسحاب إلي حدود آمنة"،بينما ينص القرار علي الانسحاب من الأراضي المحتلة، ويقدم لذلك بإدانة أي اكتساب للأراضي بالقوة في ديباجته ، ولذلك فلا توجد أي علاقة بين الانسحاب والحدود الآمنة .
وأخذ بيجن يشرح وجهة نظره بأن مصر هي التي بدأت العدوان في 1967، وأنها حشدت قواتها في سيناء وأغلقت مضايق تيران في خليج العقبة، وطلبت سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وفسر ذلك كله بأن مصر كانت تعد لشن حرب هجومية ضد إسرائيل، وبالتالي كانت إسرائيل في حرب دفاعية مشروعة تعطيها حق الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها وهي تدافع عن نفسها . وقد قال بيجن ذلك وهو يعلم تماما أن حرب يونيه 1967 بإجماع أراء الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين، كانت حربا عدوانية هجومية شنتها إسرائيل ليس ضد مصر فحسب بل ضد ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن، وأن هدفها كان التوسع واحتلال المزيد من الأراضي العربية من اجل تحقيق الحلم الصهيوني في إقامة "الدولة العبرية الكبرى" .
المناقشة بين الدكتور عصمت عبد المجيد وبيجن حول القرار 242 :
كان ما حدث هو أول خلاف صارخ ومبدئي بين مصر وإسرائيل حول تفسير القرار 242 باعتباره محور أساسي تدور حوله المفاوضات . ولاشك أن هذا الانطباع الكئيب الذي تركه بيجن علي الوفد المصري كان له أثر علي ما حدث بعد ذلك في القدس أثناء اجتماعات اللجنة السياسية وما انتهت غليه هذه الاجتماعات من فشل .
لقد نجح بيجن بعرضه الاستفزازي أن يخلق روح التحفز لدي المفاوض المصري والاستعداد الكامل لتحدي ما يقدمه من معطيات زائفة لا تستند إلي عقل أو منطق فيما عدا منطق القوة ، وهو المنطق المرفوض تماما في ظل الظروف التي خلقتها مبادرة السلام .
ولم يكتف بيجن بما أحدثه من رد فعل سيئ أثناء عرض الجزء الأول من مشروعه أو انه لم يشعر بهذا الأثر لدي الوفد المصري، فواصل حديثه ليعرض الجزء الثاني من مشروعه والخاص بالحكم الذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة، فقال أن إسرائيل تري أن تكون لها السيادة علي الضفة الغربية وغزة تحت إدعاء أن لها حقوقا فيها، وإذا كان العرب يرون خلاف ذلك يظل موضوع السيادة مفتوحا، وتحدث عن إلغاء الحكم العسكري في الضفة والقطاع ومنح السكان الحكم الذاتي (بالمفهوم الإسرائيلي) واختيار مجلس إداري يتم انتخابه ويختص بجميع الموضوعات والشئون الإدارية للسكان . أما الدفاع فهو من مسئولية الجيش الإسرائيلي .
ويقضي هذا المشروع باستمرار خضوع الضفة الغربية وقطاع غزة للحكم الإسرائيلي مع إعطاء حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية أو الأردنية للسكان العرب في هذه المناطق . وهذا يعني عدم قيام دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني مستقل، وأنه لا حق للفلسطينيين في تقرير مصيرهم ، وأن يكون للإسرائيليين الحق في شراء وتملك الأراضي . كان المشروع يعكس النوايا الإسرائيلية بضم هذه المناطق العربية إلي إسرائيل .
وعندما رد الرئيس السادات تحدث عن أن مصر عليها التزامات نحو العالم العربي، وهي الالتزامات التي تقررت في مؤتمر القمة بالرباط وتتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت عام 1967 وحل القضية الفلسطينية علي أساس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وطلب الرئيس السادات ضرورة الاتفاق علي "إعلان مبادئ السلام" أولا، وكان المشروع المصري المقترح يتعارض تماما مع مشروع السلام الإسرائيلي، ولكنه يتمشي مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية .
لذلك لم يتم الاتفاق حول إعلان مبادئ السلام، كما لم يتم الاتفاق علي إصدار بيان مشترك عن محادثات الإسماعيلية علي أن يصدر جانب بيانا بوجهة نظره، وفي تعليق للرئيس السادات حول ما حدث في الإسماعيلية قال: أنه تحدث بيجن عن أن الحدود القائمة السبع الموجودة في سيناء والمطارين القائمين في رأس النقب والجورة، ظن الرئيس أن بيجن يمزح من فرط التناقض أو أنه موقف تفاوضي يسعي من ورائه لبعض المكاسب .
وفي صباح اليوم التالي السادس والعشرين من ديسمبر 1977 عقد مؤتمر صحفي عالمي في الإسماعيلية وانتظر الصحفيون أن يستمعوا إلي ما تمخض عنه المؤتمر من قرارات حاسمة بشأن السلام، وألقي الرئيس السادات بيانا قال فيه أن الاتفاق قد تم علي تشكيل لجنتين لجنة سياسية برئاسة وزيري خارجية البلدين وتعقد اجتماعاتها في القدس ولجنة عسكرية برئاسة وزيري الحربية والدفاع الإسرائيلي وتعقد اجتماعاتها في القاهرة مع رفع مستوي التمثيل في مؤتمر القاهرة إلي المستوي الوزاري، وقال أن هاتان اللجنتان ستعملان داخل إطار مؤتمر القاهرة وسترفعان تقاريرهما إلي المؤتمر عند التوصل إلي قرارات .
أما قضية الانسحاب، فقد حققت تقدما، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تعتبر هي لب المشكلة في هذه المنطقة،فإن الوفدين المصري والإسرائيلي ناقشا المشكلة الفلسطينية، وأن موقف مصر هو انه بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تقوم دولة فلسطينية، وأن موقف إسرائيل فهو أن يتمتع العرب الفلسطينيين في "يهود أو سامرة" وقطاع غزة بالحكم الذاتي، ونظرا للاختلاف حول هذه القضية، فقد تم الاتفاق علي أن تترك مناقشتها للجنة السياسية لمؤتمر القاهرة التمهيدي .
وهكذا انتهي مؤتمر الإسماعيلية كما بدأ وكان الانجاز الوحيد الذي تحقق – وهو انجاز شكلي – وهو ما تقرر من إنشاء لجنتين احدهما سياسية والأخرى عسكرية، وقد اتضح في مؤتمر الإسماعيلية أن إسرائيل بدأت تعمل علي تمييع مبادرة السلام لكي تحقق لنفسها أهداف الحد الأقصى التي وضعتها قبل المبادرة، ولعل ما شجعها علي هذا الموقف تلك الفرصة التي لاحت لها للعودة للتشدد في مطالبها استغلالا لموقف الدول العربية وردها السلبي ضد المبادرة ثم رفضها حضور مؤتمر القاهرة التحضيري، الأمر الذي صور لبيجن إمكانية ممارسة الضغط في ظل هذه الظروف لإرغامها علي تقديم تنازلات لإسرائيل .
لقد أوضح مشروع السلام الإسرائيلي الذي قدمه بيجن في الإسماعيلية، أن إسرائيل تهدف إلي ابتلاع الضفة الغربية وقطاع غزة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية لها من خلال عقد اتفاق نهائي مع مصر .
كارتر في أسوان:
في هذه المرحلة كانت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي أشار إليها الرئيس السادات وبيجن باعتبارها نقطة الخلاف الجوهرية، فقد تمسكت مصر بضرورة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما أصر الجانب الإسرائيلي علي رفض قيام دولة فلسطينية مكتفيا بما سيتمتع به سكان "يهودا وسامرا" وقطاع غزة من حكم ذاتي .
في ظل هذه الظروف أحس الرئيس كارتر بأن الموقف أصبح في حاجة إلي جهد من أجل تقريب وجهات النظر، ورأي أن يكون محورها قضية الشرق الأوسط . وأجري محادثاته مع قادة بولندا وإيران والهند والأردن والسعودية ومصر، ووصل كارتر إلي مطار أسوان يوم الخامس من يناير 1978 حيث قضي ساعة واحدة مع الرئيس السادات في استراحة المطار تمكن من خلالها حسم بعض القضايا الحيوية المتعلقة بمشكلة الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية .
وكان الرئيس كارتر قد أنهي زيارته لسعودية قبل وصوله إلي أسوان قادما من الرياض حيث أعلن جوري باول المتحدث الرسمي للبيت الأبيض إثر انتهاء اجتماع كارتر مع الملك خالد والأمير فهد ولي العهد والنائب الأول لرئيس الوزراء . أن الرئيس كارتر تعهد للملك السعودي ببذل أقصي جهوده لإقرار السلام في الشرق الأوسط ، وعرض كارتر وجهة نظره بشان أسلوب تسوية أزمة الشرق الأوسط والذي يتلخص في الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين .
وفي القاهرة بعد الاجتماع القصير في استراحة مطار أسوان، أعلن الرئيس السادات أن وجهات النظر بينه وبين الرئيس الأمريكي كارتر كانت متطابقة حتى بالنسبة للمسألة الفلسطينية ، وان هناك اتفاق علي خطوات معينة للاحتفاظ بقوة الدفع لعملية السلام، كما أعلن كارتر أن عام 1978 سيكون عام السلام في الشرق الأوسط .
وقبل أن يغادر كارتر أسوان أدلي ببيان تحدث فيه عن ضرورة نجاح مبادرة السلام بين مصر وإسرائيل، للمحافظة علي المبادئ التاريخية والمقدسة لشعوب هذه المنطقة، وأنه لا يوجد مبرر معقول لعدم التوصل إلي تسوية، وأنه من خلال مباحثاته مع القادة العرب والإسرائيليين وجد رغبة مشتركة لدي جميع الأطراف للتوصل إلي السلام، ووجوده في أسوان هو نتيجة مباشرة للمبادرة الشجاعة للرئيس السادات برحلته الأخيرة إلي القدس . وان عملية التفاوض سوف تستمر في المستقبل واعدا بدور نشيط ومباشر للولايات المتحدة في أعمال اللجنة السياسية لمؤتمر القاهرة والتي يشارك فيها ساويرس فانس وزير الخارجية الأمريكي وستبدأ قريبا في القدس . ثم طرح الرئيس كارتر مبادئ أساسية يجب المحافظة عليها قبل التوصل إلي سلام دائم وعادل وهي:
o أن يقوم السلام الحقيقي علي أساس علاقات طبيعية عادية بين الأطراف التي سيحقق السلام فيما بينها، فالسلام يعني أكثر من مجرد إنهاء حالة حرب .
o يجب أن يكون هناك انسحاب من أراضي احتلتها إسرائيل عام 1967 مع الاتفاق علي حدود آمنة ومعترف بها لجميع الأطراف، في إطار علاقات طبيعية سلمية تتفق مع قرارات مجلس الأمن 242 ، 338 .
o يجب أن يكون حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانبها، ويجب الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتمكين الفلسطينيين من المشاركة في تقرير مصير مستقبلهم .
وبعد أن غادر الرئيس كارتر أسوان أدلي الرئيس السادات بحديث صحفي حدد فيه أهم نقاط المباحثات قائلا:
o أنه اتفق مع الرئيس الأمريكي علي ضرورة التوصل في اجتماعات اللجنة السياسية بالقدس وإلي "إعلان مبادئ"يتضمن أسس التسوية الشاملة ، ويترتب علي صدوره إنشاء لجان مشتركة إسرائيلية، مصرية–وإسرائيلية، سورية – وإسرائيلية، أردنية، وإسرائيلية – فلسطينية .
ويمكن لهذه اللجان تحديد مراحل الجلاء والضمانات ومشاكل الأمن، علي أن يقرر الفلسطينيون من يمثلهم في اللجنة الخاصة بالمشكلة الفلسطينية .
o أنه اتفق مع الرئيس كارتر بعد تصميم من جانبه علي حق تقرير المصير للفلسطينيين علي أنه لا سلام بدون حل المشكلة الفلسطينية . وأضاف أن هناك تقاربا بين تعبير مشاركة الفلسطينيين في حق تقرير المصير . وتعبيره "حق تقرير المصير الذي ينشده الفلسطينيون " .
اللجنة العسكرية - مرحلة أولي:
بعد انتهاء مؤتمر الإسماعيلية دون أن يحقق أي نتائج إيجابية، كانت الصورة التي تركها مؤتمر الإسماعيلية نزع سلاح الجزء الأكبر من سيناء، والاحتفاظ بسبع مستوطنات تبدأ من ساحل البحر المتوسط عند رفح وتمتد علي الساحل الغربي لخليج العقبة حتى شرم الشيخ .
وعندما عرض بيجن خطة السلام بالنسبة لوضع الضفة الغربية وقطاع غزة كانت في الواقع خطة لضم " يهودا أو سامرة " وقطاع غزة إلي إسرائيل .
أما فكرة "إعلان مبادئ السلام" والتي اقترحتها مصر، ورفضتها إسرائيل . فقد أوضحت نتائج مؤتمر الإسماعيلية الفجوة الواسعة بين مواقف مصر ومواقف إسرائيل . الأمر الذي جعل الرئيس السادات أن يعلن عد السماح ببقاء أي مستوطنة إسرائيلية في سيناء، وانه قدم لإسرائيل – بزيارته للقدس – أكثر مما كانت تحلم به .
في هذا المناخ السياسي غير الملائم تقرر عقد اجتماع اللجنة العسكرية بالقاهرة في النصف الأول من يناير 1978، ذلك لأن تحقيق نتائج عسكرية ايجابية في المفاوضات يؤثر علي مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، ويفتح الطريق للوصول إلي اتفاقيات سياسية . غير أن المشكلة الأساسية كانت هي القضية الفلسطينية وضرورة حلها باعتبارها مفتاح السلام الشامل والعادل لمشكلة الشرق الأوسط .
عقدت اللجنة العسكرية المصرية الإسرائيلية بالقاهرة سبع جلسات علي مرحلتين، الأولي: وشهدت أربع جلسات الفترة من 11 إلي 13 يناير 1978، وشهدت الثانية ثلاث جلسات خلال الفترة من 31 يناير إلي 2 فبراير 1978، بالإضافة لعدد من الاجتماعات الجانبية علي مستوي الوزراء والمستويات الأقل . ودارت المباحثات خلال المرحلة الأولي حول المبادئ الأساسية لموضوعين رئيسين هما الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وترتيبات الأمن المتبادل، وقد أمكن التوصل لبعض الجوانب الإيجابية ولكن بقيت الموضوعات المطروحة دون اتفاق، وقد أجلت مناقشتها للمرحلة الثانية وعلي رأسها موضوعي المستوطنات والمطارات .
وقد لخص الفريق أول الجمسي وزير الحربية الموقف في الأحاديث الصحفية التي أدلي بها بأن اللجنة العسكرية قد انتهت من مناقشة البنود المعروضة وأصبح كل طرف علي علم بموقف الطرف الآخر، غير أنه لم يتخذ أي قرار في أي شئ انتظارا لاجتماعات اللجنة السياسية ثم أكد علي عدة مبادئ أساسية توضح موقف مصر منها:
o أن مصر لن تقبل أي نقاش حول حدودها الدولية .
o أن مصر جادة في تحقيق التسوية الشاملة، وان مهمة اللجنة العسكرية هي مناقشة الموضوعات العسكرية المتعلقة بالحل الشامل مع التركيز علي المشاكل القائمة بين مصر وإسرائيل .
o أن اللجنة ما زالت في بداية أعمالها ومن السابق لأوانه التحدث عن أية نتائج .
o أن قضية المستوطنات لا تشكل أية قيمة بالنسبة لأمن إسرائيل، وأنها عقبة أساسية في سبيل التوصل إلي سلام دائم، كما أنها تتعارض مع الإعلان الإسرائيلي بالانسحاب الكامل غلي حدود مصر الدولية، كما أنها خرق للقانون الدولي، وسبق أن عارضها كل أعضاء مجلس الأمن في نوفمبر 1976 بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية .
انتهت مرحلة المباحثات العسكرية والتي كانت بمثابة استطلاع وتعرف علي مطالب الجانب المصري علي وجه التحديد ،مع استخدام موضوع المستوطنات والمطارات كعنصر ضغط لتحقيق أفضل شروط ممكنة للسلام من وجهة النظر الإسرائيلية، لذلك لم يكن من المنتظر أن تستمر المستوطنات في سيناء مشكلة مستعصية .
اللجنة السياسية:
وجهت الولايات المتحدة تحذيرا إلي إسرائيل إذا قوضت مبادرة السلام التي بدأها الرئيس السادات، وقال أنه لا يتصور أن مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل والقادة الإسرائيليين أن يلحقوا الفشل بمفاوضات السلام بسبب إصرارهم علي الإبقاء علي المستوطنات في سيناء، كما أعلن أن فانس وزير الخارجية الأمريكية سيشترك في اجتماعات اللجنة السياسية المصرية – الإسرائيلية وأنه سيشترك كعضة كامل في أعمال اللجنة وسيبدي اقتراحاته في حال الفشل في التوصل لاتفاق من الجانبين .
وتأسيسا علي ذلك أبلغت مصر الولايات المتحدة أنها عضوا كاملا في اجتماعات اللجنة السياسية باقتراحها حول جدول أعمال اللجنة الذي تقترحه مصر ويتكون من :
o الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ يونيه 1967 .
o القضية الفلسطينية ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير ، وإقامة الدولة الفلسطينية .
o ترتيبات السلام بعد إتمام الانسحاب .
واقترحت إسرائيل جدول أعمال مكون من ثلاث نقاط :
o بحث المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة .
o عقد معاهدات سلام مع الدول العربية
o قضية الفلسطينيين العرب واللاجئين .
وقد رفضت مصر اقتراح إسرائيل بشان إدراج موضوع المستوطنات في أعمال اللجنة السياسية باعتبار أن الموضوع مدرج في اجتماعات اللجنة العسكرية والتي بدأت فعلا بالقاهرة .
وسافر الوفد المصري برئاسة محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية إلي القدس لحضور اجتماعات اللجنة وعند الوصول إلي مطار بن جوريون، كان موشي ديان وزير الخارجية الإسرائيلي في استقبال الوفد المصري والترحيب به .
بدأت الأزمة تأخذ طريقها عندما عقد ديان مؤتمرا صحفيا عقب الجلسة الافتتاحية التي ألقي فيها وزير الخارجية المصري كلمته بلهجة متشددة فرد عليه بيجن بشدة وبطريقة مسيئة ، فأصدر الرئيس السادات للوفد في القدس بالعودة فورا إلي القاهرة بعد أن تأكد أن إسرائيل تهدف غلي تمييع الموقف بالمساومة وطرح الحلول الجزئية التي لا يمكن أن تؤدي إلي السلام ، وفي مساء 18 يناير 1978 أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رسميا حول قطع المحادثات الجارية في القدس مع إسرائيل . وتوالت الأحداث لتصل بالموقف إلي طريق مسدود .
- اللجنة العسكرية – المرحلة الثانية:
استأنفت اللجنة العسكرية أعمالها في القاهرة يوم 31 يناير 1978، ولم يكن هناك جديد أمام اللجنة لبحثه، بعد توقف أعمال اللجنة السياسية والتي كان من المنتظر أن تتوصل إلي بعض النتائج سواء بالنسبة لسيناء أو للقضايا العربية الأخرى . وبالتالي أصبحت اللجنة العسكرية شكلية بلا مضمون حقيقي .
انتهت الاجتماعات يوم 2 فبراير 1978 وعقد خلال هذه الفترة ثلاث جلسات خصصت لإعادة بحث الموضوعات التي توقفت بسبب مباحثات المرحلة الأولي، وتركزت علي تقديم المقترحات البديلة وما يمكن أن يقدمه كل طرف لصالح الآخر .
تناولت المباحثات مرة أخري وجهة نظر الطرفين ، فبالنسبة للجانب المصري أكد الفريق أول الجمسي علي" رفض مصر القاطع لبقاء المستوطنات أو استمرار الوجود الإسرائيلي في المطارات، والتأكيد علي أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتم علي حساب أمن وأراضي الآخرين " .
أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي ركز علي مستعمرات رفح "ياميت" باعتبارها تشكل عازلا للتجمع البشري الفلسطيني في غزة وكان ذلك معناه عزل مصر عن قطاع غزة، كما تحدث عن أهمية مطار رأس النقب أن الانسحاب منه لابد وأن يتم علي مراحل ووفقا لجدول زمني . وأخيرا رغبة إسرائيل في وجود نظام إسرائيلي للإنذار المبكر يكون داخل المنطقة المصرية المتاخمة للحدود بعد إتمام الانسحاب ولا مانع من الاستعانة بطرف ثالث لتنفيذ ذلك .
وكانت وجهة النظر المصرية الثابتة التركيز علي كل ما يمس السيادة المصرية علي أراضي مصر، وهو مبدأ لن تتنازل عنه سواء بالنسبة للمستوطنات أو المطارات أو محطات الإنذار المبكر . لان وجهة النظر الإسرائيلية بصدد تلك القضايا لم تعد مقبولة بالنسبة للعرب عموما بعد أن أصبح الاستيلاء علي الأراضي العربية الستار الذي يخفي وراءه أهداف التوسع .
وجدير بالذكر أن طابع المحادثات العسكرية اختلف كثيرا عن طابع المحادثات السياسية، ولعل الأساس في ذلك هو طبيعة الموضوعات العسكرية التي يقل فيها المساومة .
- مباحثات ليدز والطريق إلي كامب ديفيد:
سادت فترة من الهدوء في المنطقة بعد فشل أعمال اللجنة السياسية المشتركة في القدس، حيث سحبت مصر وفدها من هذه اللجنة في اليوم التالي لانعقادها بسبب الحملة التي قادها رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن ووزير خارجيته موشي ديان ضد المبادرة المصرية للسلم ووزير خارجية مصر، وما أدت إليه من قرار سحب الوفد المصري، وإيقاف المفاوضات العسكرية عند نقاط محدودة يصعب بحثها دون أن تتخذ فيها قرارات سياسية، وبالتالي تعطلت المباحثات العسكرية انتظارا لتحرك الموقف السياسي . استمرت تلك الفترة ما بين مبادرة السلام في التاسع عشر من نوفمبر 1977 حتى توقف المباحثات العسكرية في الثاني من فبراير 1978 .
وكانت مصر تدرك أن المشكلة الرئيسية ليست في عقد اتفاق بين مصر وإسرائيل وإنما في إيجاد الحل للمشكلة الأساسية التي تشكل جوهر الصراع وهي المشكلة الفلسطينية .
ولذلك ركز السادات علي هذه النقطة من البداية ومارس ضغوط ومحاولات الإقناع المتواصلة مع الجانب الإسرائيلي أو مع الجانب الأمريكي خاصة وان الموقف الأمريكي ظل بعيدا نسبيا عن نقطة الانطلاق الملائمة للتحرك الإيجابي نحو حل المشكلة الفلسطينية إلي أن نجح الرئيس السادات في إقناع الرئيس كارتر بأهمية حلها، وتم وضع الصيغة الأمريكية الملائمة في لقاء أسوان يناير 1978 ، وصدر البيان الأمريكي الذي ألقاه كارتر في مطار أسوان والذي أطلق عليه بعد ذلك "صيغة أسوان" والتي نصت علي ضرورة إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانبها . والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصير مستقبلهم
وكان مؤتمر لندن الذي عرف بمؤتمر "قلعة ليدز" هو المقدمة التي أعدتها الولايات المتحدة بمبادرة الرئيس كارتر لمحاولة جديدة للتغلب علي عقبة محاولة إصدار بيان المبادئ للحل الشامل وهي القضية الفلسطينية .
أعلن الرئيس السادات في أوائل يوليو 1978 قبوله دعوة الرئيس الأمريكي كارتر لإيفاد وزير خارجية مصر إلي لندن للاجتماع مع وزيري خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد كان السادات يعلن دائما أنه " لن ييأس من السعي إلي السلام ..... بالسلام " .
وفي الواقع فإن اجتماع لندن كان هو مفتاح الطريق إلي كامب ديفيد لأنه نابع عن مبادرة شخصية من الرئيس الأمريكي كارتر، بعد أن تحول الدور الأمريكي في قضية السلام بالشرق الأوسط من دور الوسيط إلي دور الشريك، وهذا ضاعف من مسئولية الولايات المتحدة تجاه السلم والأمن الدوليين .
وبذلك يمكننا القول أن مؤتمر لندن كان استطلاعا أمريكيا لمواقف الطرفين ، وشكلا المشروعان المصري والإسرائيلي القاعدة التي تسعي الولايات المتحدة للحصول عليها . يتكون المشروع المصري من ست نقاط تتناول أساسا مبادئ عامة لحل القضية الفلسطينية بما في ذلك ترتيبات الأمن والوضع النهائي، بينما المشروع الإسرائيلي قد وضع 26 نقطة، ولم يتعرض مطلقا للوضع النهائي .
وكان الجديد في المشروع المصري هو الحل الوسط الذي تقدمت به مصر وهو اشتراكها والأردن في الإدارة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية . ويؤكد جوهر المقترحات المصرية المعني الذي كررته مصر كثيرا في تلك المرحلة وهو : " إن السلام الدائم لابد
أن يعتمد علي حل عادل للقضية الفلسطينية بكل جوانبها " .
ويتضمن المشروع المصري اقتراحا باجتماع يجمع ممثلين عن مصر والأردن والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وممثلين الأمم المتحدة وإسرائيل للتفاوض حول النقاط الأساسية التالية:
o جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي علي مدي سنوات خمس انتقالية .
o بحث ضمانات الأمن المتبادل بين جميع الأطراف سواء الأمن المطبق خلال المرحلة الانتقالية أو المطبق فيما بعد .
o التفاوض حول الحكومة المؤقتة التي ستتولى تسيير الأمور وتتسلم المقاليد من الحكم العسكري الإسرائيلي .
يشترك المشروعان في تحديد مرحلة انتقالية محددة بخمس سنوات وإيجاد مجالس فلسطينية محلية تتسلم معظم المهام الإدارية، وأيضا اشتراك مصر والأردن وإسرائيل في التفاوض بينما أضافت مصر الأمم المتحدة أيضا .
وعلي الرغم من الرفض الإسرائيلي الرسمي للمشروع المصري، إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل اعترفت بأن المشروع كان يحتوي علي بعض العوامل الايجابية . أما عوامل التعارض فهي أن المشروع المصري يطالب بوضوح بجلاء نهائي لإسرائيل بعد مرور السنوات الانتقالية . بينما المشروع الإسرائيلي يحتفظ لإسرائيل بحق التواجد العسكري في مراكز علي طول نهر الأردن مع منح السكان حكما ذاتيا إداريا أو محليا محدودا .
إن الخلاف الرئيسي بين المشروعين هو أن إسرائيل في مشروعها لا تريد أن تلتزم بالانسحاب التام والنهائي من الضفة الغربية وغزة . بينما تصر مصر علي أن تعلن إسرائيل ذلك بوضوح تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 242 .
ولما كان المشروعان المصري والإسرائيلي المقدمان للبحث في مؤتمر لندن يشكلان القاعدة التي تسعي الولايات المتحدة للحصول عليها، فسوف نعرض باختصار هذين المشروعين:
يتكون المشروع المصري من ست نقاط تتناول أساسا مبادئ عامة لحل القضية الفلسطينية بما في ذلك ترتيبات الأمن والوضع النهائي، بينما المشروع الإسرائيلي قد وضع 26 نقطة ولم يتعرض مطلقا للوضع النهائي .
ويعكس المشروع المصري جميع المواقف المصرية المعلنة مضافا إليها مرونة كافية تتمثل في ترك التفاصيل لمراحل قادمة، وكان الجديد في المشروع المصري هو الحل الوسط الذي تقدمت به مصر، وهو اشتراكها والأردن في الإدارة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية ، ويؤكد جوهر الاقتراحات المصرية المعني الذي كررته مصر كثيرا في تلك المرحلة .
ويتضمن المشروع المصري اقتراحا باجتماع يجمع ممثلين عن مصر والأردن والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وممثلين للأمم المتحدة وإسرائيل للتفاوض حول النقاط الأساسية التالية :
o جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي المتبادل بين جميع الأطراف سواء الأمن المطبق خلال المرحلة الانتقالية أو المطبق فيما بعد .
o التفاوض حول الحكومة المؤقتة التي ستتولى تسيير الأمور وتتسلم المقاليد من الحكم العسكري الإسرائيلي .
يشترك المشروعان في تحديد مرحلة انتقالية محددة بخمس سنوات وإيجاد مجالس فلسطينية محلية تتسلم معظم المهام الإدارية . وأيضا في اشتراك مصر والأردن وإسرائيل في التفاوض بينما أضافت مصر الأمم المتحدة أيضا .
ورغم الرفض الإسرائيلي الرسمي للمشروع المصري إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل للمشروع المصري إلا أن دوائر عديدة في إسرائيل اعترفت بان المشروع كان يحتوي علي بعض العوامل الإيجابية، أما عوامل التعارض فهي أن المشروع المصري يطالب بوضوح جلاء نهائي لإسرائيل بعد مرور السنوات الانتقالية، بينما المشروع الإسرائيلي يحتفظ لإسرائيل بحق التواجد العسكري في مراكز علي طول نهر الأردن مع منح السكان حكما ذاتيا إداريا أو محليا محدودا، كما أن إسرائيل في مشروعها لا تريد أن تلتزم بالانسحاب التام والنهائي من الضفة الغربية وغزة ، بينما تصر مصر علي أن تعلن إسرائيل ذلك بوضوح تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 242 .
ورأت إسرائيل أن أكثر النقاط تشددا في المشروع المصري نقطتان:
- الأولي: خاصة بالقدس الشرقية وإعادتها لأصحابها، وقد ضمتها إسرائيل إليها بعد حرب 1967 وجعلت من القدس الموحدة عاصمتها .
- الثانية: هي الخاصة بغزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة .
إن المشروع الذي تقدم به بيجن معناه انه يريد اتفاق سلام يوقع عليها العرب مقابل أن يمنح حكما ذاتيا محدودا لسكان "يهودا وسامرا" ولمدة خمس سنوات، كما خلي المشروع الإسرائيلي من أي إشارة إلي ما بعد السنوات الخمس ، وظل السؤال حول الوضع النهائي معلقا في المشروع الإسرائيلي، وكان هذا الوضع هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إلي قطع مفاوضات القدس في يناير 1978 .
ويعلق السادات علي مباحثات قلعة ليدز بقوله:
" إن مشكلة إسرائيل تريد الأرض والسلام معا، لقد وضح في ليدز أمام فانس وزير خارجية الولايات المتحدة أن موشي ديان وزير خارجية إسرائيل حينما يتحدث عن الأمن فهو يعني الأرض، وأن إجراءات الأمن الإسرائيلية لابد أن تتضمن أرضا عربية " .
- القمة الثلاثية:
عقب انتهاء مباحثات ليدز في يوليو 1978 بادرت الولايات المتحدة باستثمار ما توصلت إليه من نتائج واستنتاجات من هذه المباحثات من اجل دفع عملية السلام، ففي أوائل أغسطس 1978 قام سيروس فانس وزير الخارجية الأمريكية بزيارة مصر وإسرائيل من اجل طرح فكرة اجتماع قمة ثلاثي يتم عقده في الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة قضية السلام .
وقد تم الاتفاق في هذه الزيارة علي عقد مؤتمر كامب ديفيد، وأعلنت مصر موقفها من قضية المفاوضات المصرية الإسرائيلية، بعد توقف أعمال اللجنة السياسية في القدس منذ يناير 1978 ، ثم تعثر مباحثات ليدز التي تمت في يوليو من نفس العام علي مستوي وزراء الخارجية .
وكانت وجهة نظر مصر أن الهدف الرئيسي من استمرار المفاوضات، ينبغي أن يكون تحقيق السلام العادل والدائم، وذلك حتى لا تكون عملية استمرار المفاوضات مجرد هدف في حد ذاته .
وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد التزمت بتحقيق التسوية العادلة منذ زيارة الرئيس السادات للولايات المتحدة في فبراير 1978 علي أساس جميع مبادئ قرار مجلس الأمن 242، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي علي جميع جبهات الصراع، وأنه لا يمكن أن يتحقق السلام الدائم بدون حل المشكلة الفلسطينية في الإطار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي كارتر في بيان أسوان في يناير 1978 بضرورة حل مشكلة الشعب الفلسطيني من كافة جوانبها ومشاركة الفلسطينيين في تقرير مستقبلهم، كما أعلنت الولايات المتحدة رفضها إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة وتأييد القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة في هذا الشأن .
ومع الإعلان عن موافقة مصر وإسرائيل علي الاقتراح الأمريكي بعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد يوم الخامس من سبتمبر 1978، أعلنت الخارجية المصرية، أنها قد بدأت في إعداد دراسات شاملة ووثائق سياسية، لوضع ورقة عمل، تحدد الموقف المصري في المؤتمر الذي تري فيه مصر خطوة أخري جديدة علي طريق السلام .
في هذا الإطار بدأت الاستعدادات الدبلوماسية المصرية تسير علي ثلاث مستويات هي:
- المستوي الأول: "إعلان المبادئ" الذي لم يتحقق في مؤتمر القاهرة التحضيري أو في مؤتمر الإسماعيلية أو اللجنة السياسية، حيث تعتبره مصر هدفا أساسيا ضروريا لتحقيق الإطار الشامل للحل النهائي علي أساس القرار 242 .
- المستوي الثاني: تنفيذ وتطبيق المبادئ التي وردت في الإعلان، بحيث يكون لكل مبدأ من المبادئ شكل عملي .
- المستوي الثالث: التركيز علي كيفية تنفيذه، وذلك بالنسبة للآتي:
o الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وخطواته التنفيذية .
o المرحلة الانتقالية الخاصة بالأراضي الفلسطينية وخطوات تحقيقها .
o إعداد الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره .
o طبيعة السلام .
o ضمانات الأمن علي ضوء النقاط التي تضمنها المشروع المصري الذي قدمته مصر في مباحثات ليدز .
لقد صاحب هذه الجهود المصرية تأكيد أن مصر تعتبر كامب ديفيد الفرصة الوحيدة المتاحة لانجاز تسوية شاملة، والتركيز علي مشكلة الضفة الغربية وغزة، باعتبار القضية الفلسطينية هي لب أزمة الشرق الأوسط وجوهرها، وعقب وثيقة الخارجية الإسرائيلية التي أصدرتها بمناسبة قمة كامب ديفيد والتي أذيعت في الثامن والعشرين من أغسطس 1978 والقائمة علي إنكار حتمية الانسحاب من الضفة الغربية وغزة، أكد السادات - في اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي المصري يوم 30 أغسطس - علي أن مصر ترفض أية اتفاقيات ثنائية أو حلول جزئية وأن هدف مصر هو "الحل الشامل والدائم والعادل وليس الحل الجزئي أو الثنائي أو المؤقت" .
كما أكد أنه لا تنازل عن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وعن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وقضية القدس ووضعها في التسوية النهائية، وحق كل دولة في المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة .
ومع بدء اجتماعات كامب ديفيد، تبلور الموقف المصري في شكل مشروع متكامل اشتمل علي العناصر الأساسية التالية :
o الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة .
o إزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة طبقا لجدول زمني .
o ضمان الأمن والسيادة والسلام الإقليمي والاستقلال السياسي لكل دولة عن طريق ترتيبات تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح ومناطق محدودة التسليح ، ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة علي جانبي الحدود، وتحديد نوع الأسلحة التي تحصل عليها الدول الأطراف ونظم التسليح فيها، وانضمام جميع الأطراف إلي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتطبيق مبدأ المرور البحري علي الملاحة في مضايق تيران، وإقامة علاقات سلام وحسن جوار وتعاون بين الأطراف .
o عدم اللجوء إلي التهديد بالقوة أو استخدامها في تسوية المنازعات فيها بالوسائل السلمية .
o إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، بمجرد توقيع معاهدة السلام وانتقال السلطة غلي الجانب العربي .
o انسحاب إسرائيل من القدس إلي خط الهدنة حسب اتفاقية 1949، وطبقا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء علي الأرض بالقوة . وعودة السيادة والإدارة العربية إلي القدس العربية .
o إقامة علاقات طبيعية بين الأطراف بالتوازي الزمني مع الانسحاب الإسرائيلي .
o اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في مباحثات السلام .
o إبرام معاهدات السلام خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع علي إعلان المبادئ .
o اشتراك الولايات المتحدة في المحادثات المتعلقة بكيفية تنفيذ الاتفاقيات .
وبعد أسبوعين من الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس كارتر في كامب ديفيد، مع مساعديه وضيفيه ووفديهما تهيأ المناخ المناسب لإمكانية التوصل إلي إطار سلام في التحليل النهائي، ورغم السرية التامة للاجتماعات، إلا أن كل النتائج أعلنت، بالإضافة غلي الخطابات المتبادلة ضمن إطار السلام في الشرق الأوسط الذي تم توقيعه في واشنطن بالبيت الأبيض في 17 سبتمبر 1978 .
وقد جاء في إطار التسوية الشاملة ما يلي:
" تصر الأطراف علي التوصل إلي تسوية دائمة وشاملة وعادلة لصراع الشرق الأوسط عن طريق إبرام معاهدات سلام قائمة علي قراري مجلس الأمن رقم 242 ، 338 بكل أجزائهما " .
وكان من المفترض أن تأتي بعد ذلك معاهدات سلام مماثلة بين إسرائيل من ناحية، والفلسطينيين والأردن من ناحية أخري، بالإضافة إلي معاهدة سلام ثالثة بين إسرائيل وسوريا، عندما يقررا ذلك في الوقت المناسب لذلك . وكان إطار التسوية الشاملة يشكل أساسا للسلام بين إسرائيل وكل الدول المجاورة، وأن المبادئ التي نص عليها الإطار كي تطبق في سيناء، علي أساس الانسحاب الكامل، كان من الممكن أن يطبق علي هضبة الجولان .
- الاتفاق التكميلي للحكم الذاتي :
كانت المشكلة الأخيرة خاصة بما أطلق عليه الاتفاق التكميلي بشان الترتيبات الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة والتي ستأخذ شكل الخطابات المتبادلة المتطابقة . وذلك من اجل تحديد توقيتات تنفيذ التدابير الأزمة للوصول بالضفة الغربية وقطاع غزة إلي الحكم الذاتي، وكان المطلوب معرفة التوقيتات التي تتم فيها بشكل واضح الإجراءات التالية :
o موعد بدء المفاوضات بين الأطراف بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة .
o موعد إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني .
o قواعد إنهاء الحكم العسكري وتسليم مقاليد الحكم للسلطة المدنية الفلسطينية .
o انسحاب القوات الإسرائيلية خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديد نقاط التي ستتواجد بها قوات إسرائيلية .
o موعد بدء ممارسة السلطات الفلسطينية لسلطاتها في الضفة والقطاع .
وكانت مصر قد اقترحت إمكانية بدء عملية الحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد انطلق هذا الاقتراح المصري من اعتبارات عملية لا تمس بحال من الأحوال المبدأ الأساسي وهو ارتباط الضفة الغربية بقطاع غزة ووحدتهما الكاملة، وهذا ما رفضته إسرائيل، وقد قام فانس بزيارة للمنطقة حاول فيها تضييق هوة الخلاف بين مصر وإسرائيل، وتمكينهما من الاتفاق علي النقاط الخلافية التي عرقلت التوصل إلي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وأدت إلي توقف المفاوضات المباشرة لفترة زادت عن ثلاثة أشهر .
بدأت المرحلة الثانية من مفاوضات معاهدة السلام في واشنطن في منتصف شهر مارس 1979، واستغرقت عشرة أيام وصل خلالها السادات وبيجن إلي واشنطن حيث ظلت المباحثات بشأن ما تبقي معلقا من موضوعات سواء بشأن الحكم الذاتي أو بشان بترول سيناء حتى اليوم السابق لتوقيع المعاهدة .
وقد تم الاتفاق علي صيغة الخطابات المتبادلة والمتطابقة بشأن موضوع الحكم الذاتي، واعتبر كوثيقة ملحقة بمعاهدة السلام، وتم توقيعه بين وثائق المعاهدة يوم 26 مارس 1979، وقد تضمن الخطاب المتبادل والموقع من الرئيس السادات ومناحم بيجن ووجه إلي الرئيس الأمريكي كارتر الخطوات العملية التي ستتخذ من اجل تحقيق تسوية شاملة تتفق مع ما جاء في إطار السلام والبدء في تنفيذ النصوص الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة كالتالي:
o بدء المباحثات خلال شهر من تبادل وثائق التصديق علي معاهدة السلام .
o دعوة الأردن للمشاركة في المفاوضات مع مصر وإسرائيل .
o يتضمن وفدي مصر والأردن فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيين آخرين يتفق عليهم .
o أن الهدف من هذه المفاوضات هو إقامة سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة .
o تستكمل هذه المفاوضات خلال عام واحد بحيث تبدأ الانتخابات في موعد مناسب بعد التوصل إلي اتفاق .
المعاهدة وثمار السلام :
شكلت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منطلقا لمرحلة جديدة لمصر والعرب ولمنطقة الشرق الأوسط عامة مازالت تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا ، وبتحليل المعاهدة وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونتائجها في شتر المجالات نجد أنها حققت لمصر العديد من الأهداف المباشرة وغير المباشرة بالغة الأهمية:
o أدت المعاهدة إلي انسحاب إسرائيلي كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية علي كامل ترابها المصري، وإزالة الوجود الإسرائيلي منها، وكان من أبرزه المستوطنات الإسرائيلية وأهمها مستوطنة "ياميت" القائمة عند الحدود الشرقية لمصر مع قطاع غزة بالقرب من رفح .
o تغيرت العقيدة التي غرسها بن جوريون في المؤسسة العسكرية والقيادات الإسرائيلية حين ترك دولة إسرائيل منذ قيامها دون أن يحدد لها حدودا وأطلق كلمته الشهيرة " أن حدود إسرائيل هي حيث يقف جنود إسرائيل"، وما تحمله من معني التوسع الصهيوني، فلأول مرة بعد توقيع المعاهدة تعترف إسرائيل بأن لها حدود دولية هي الحدود المشتركة بينها وبين مصر، وتتعهد باحترامها هذه الحدود وعدم المساس بها أو بسيادة الدول المجاورة لها والتي تشاركها هذه الحدود، والحدود بين مصر وإسرائيل هو الجزء الوحيد الذي يتمتع بهذه الصفات .
أما باقي حدود إسرائيل فهي تعتبرها أمرا ما زال خاضع للمساومة والتفاوض سواء بالنسبة لحدودها مع سوريا عبر هضبة الجولان المحتلة، أو مع الضفة الغربية والأردن حيث مازالت تحتل الضفة الغربية حتى نهر الأردن، أو بالنسبة للبنان حيث تحتل شريط من الأرض اللبنانية علي امتداد حدودها معها، ولا ينتظر أن تتخلي عنهما بسهولة ما لم تضمن حصولها علي ما تريده من مياه الأنهار اللبنانية وأهمها نهري الليطاني والحيصاني .
o أتاحت المعاهدة المصرية الإسرائيلية لمصر ممارسة قدر كبير من العمل السياسي علي نطاق واسع، والعمل بفاعلية علي صعيد العلاقات الدولية ارتكزت علي العقلانية والموضوعية كمنهج سياسي أصيل، والواقعية كنمط للسلوك السياسي المصري ارتكز علي الحوار .
o لم تنتقص المعاهدة – كما ادعي الكثيرون – من حق مصر في التمسك بالتزاماتها وممارسة واجباتها القومية تجاه الدول العربية ليس فقط من خلال ميثاق جامعة الدول العربية والمعاهدة العربية للدفاع المشترك، بل ومن خلال ميثاق الأمم المتحدة ذاته .
o إن انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء أعاد إلي مصر بترول سيناء كاملا الذي أصبح يمثل أحد موارد الدخل الرئيسية لمصر، وقد أمكن تنمية حقول منطقة خليج السويس وساحله وأصبح هذا الدخل يشارك بشكل فعلا في دعم الاقتصاد المصري وعمليات التنمية .
o أدي إنهاء حالة الحرب وحلول السلام بين مصر وإسرائيل إلي خفض كبير في الإنفاق العسكري، وما كان يتطلبه استمرار حالة الحرب، مع توجيه الفائض إلي سد احتياجات التنمية، ومن ناحية أخري نشطت وتطورت الصناعات الحربية في مصر حتى أصبحت مصر تنتج وتصدر العديد من أنواع الأسلحة والذخائر .
o لقد أتاح الاستقرار والأمن فرصة طيبة لتطوير استخدام قناة السويس في الملاحة الدولية وفي خدمة وتنمية الاقتصاد العالمي، مما أدي لزيادة العائد لخل مصر القومي، وشجع الاستثمارات الأجنبية في شتي المجالات .
o لقد دعمت المعاهدة التطور الهام الذي حدث لدي الرأي العام العالمي بعد حرب أكتوبر 1973 تجاه القضية الفلسطينية ، والنظر إليها علي أنها قضية شعب له الحق في الحياة والوجود، والحصول علي وطن بعد أن كان يعتبرها قضية لاجئين يحتاجون إلي المأوي والطعام، كما أن الاتفاق التكميلي الذي ألحق بالمعاهدة والخاص بإقامة الحكم الذاتي الكامل في الضفة الغربية وقطاع غزة أصبح هو الباب المفتوح حاليا أمام المفاوض الفلسطيني والذي يحتوي علي ما التزمت به إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية من التزامات دولية .
لاتبكي نفسي ..علي شىء ذهب..........ونفسي التي تملك كل شىء ذاهبه