منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عساف جزاء المطيري
#34664
الوهابية وظلم التاريخي
الكاتب خلف الحربي

في ثقافتنا المحلية لا نميل إلى استخدام مصطلح «الوهابية» لأن خصوم الدعوة الإصلاحية للإمام محمد بن عبد الوهاب يحاولون عمدا إظهارها وكأنها مذهب ديني جديد بغرض الإساءة لها، ولكن هذه الدعوة الإصلاحية أنتجت حركة سياسية غيرت وجه التاريخ فلم يجد المؤرخون العرب والأجانب اسما لهذه الحركة السياسية سوى «الوهابية»، ولو أنصف المؤرخون العرب في العصر الحديث الحركة الوهابية لجعلوها في طليعة الحركات التي دافعت بشراسة عن الهوية الإسلامية والعربية، ولا أظنني مبالغا لو قلت إنه لولا البطولات الخالدة والتضحيات الكبيرة التي قدمها الوهابيون لأصبح العالم العربي شيئا آخر تماما عما هو عليه اليوم.
وبالأمس طالب الزميل محمد ناصر الأسمري في جريدة «الوطن» بتخليد قادة المقاومة في الجزيرة العربية خلال حقبة الحملات التركية على الجزيرة العربية في مطلع القرن التاسع عشر، وأنا أحييه على هذه المطالبة المهمة، ولكنني لاحظت شيئا من (التلخيص والتقليص) خلال تسميته لقادة المقاومة خلال تلك الفترة التاريخية الطاحنة وقد يكون هذا التلخيص الشديد بسبب ضيق المساحة، وبرغم أنني لست باحثا تاريخيا إلا أنني لا أظن أن الإمام عبد الله بن سعود كان أميرا لنجد ـ كما جاء في مقال الأسمري ـ بل كان القائد العام لحركة المقاومة في جميع أنحاء الجزيرة العربية وإمام الوهابيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب، ومع احترامي لوجهة نظر الأسمري بخصوص (سياسة) الإمام عبد الله بن سعود حيث رأى أنه أقل حنكة من أبيه إلا أن سيرة نضال عبد الله بن سعود ـ كما وردت في كتابات المؤرخين ـ تثبت أنه كان واحدا من أبطال العرب المعدودين فقد قاتل حتى النهاية وأعلنت الاحتفالات في سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية يوم إعدامه في إسطنبول.
لقد اختار الزميل الأسمري ثلاث شخصيات من قادة المقاومة الذين تعرضوا للنفي والإعدام واستعرضهم بالترتيب: (طامي بن شعيب المتحمي، بخروش بن علاس، وعبد الله بن سعود) مطالبا بتخليد سير هؤلاء القادة، ولا شك أن طامي بن شعيب وبخروش بن علاس كانا من أبرز قادة المقاومة في جنوب الجزيرة العربية وقد كان كل واحد منهما شوكة في عين الغزاة، ولكن هناك أيضا العديد من القادة البارزين الذين توقف عندهم المؤرخون طويلا ومنهم مسعود بن مضيان قائد المقاومة في المدينة المنورة الذي تصدى للغزاة طويلا حتى تم القبض عليه ونقل إلى إسطنبول حيث أعدم وعلقت جثته على باب السراي السلطاني وأقيمت الولائم احتفالا بإعدامه، ومنهم أيضا القائد الشهير عثمان المضايفي الذي قاد المقاومة في نواحي الطائف وحارب بشجاعة منقطعة النظير حتى تم القبض عليه ثم أعدم في إسطنبول، وهناك بالطبع عشرات القادة والفرسان الذين لا يمكن تجاهل سيرهم البطولية (بعضهم أعدم داخل الجزيرة العربية) ولكنني أوردت هذين الاسمين لأن زميلنا الأسمري جعل مقياس الشخصيات المختارة محصورا في قادة المقاومة الذين تعرضوا للنفي والإعدام، بل إن المقاومة الشرسة لم تكن مقصورة على الرجال فقط فالدور الكبير الذي لعبته غالية البقمية في التصدي للغزاة حاضر بقوة في صفحات التاريخ.
وفي نهاية الأمر أنا لا أختلف مع الأسمري حول أهمية تخليد سير هؤلاء الأبطال بل إن فكرته تستحق التحية والتقدير ولا أرى أن الأمر يجب أن يتوقف عند المناهج الدراسية بل يجب أن يتخطاها ليشمل إنتاج أفلام وثائقية وإنشاء متاحف لإلقاء الضوء على تلك الحقبة المجيدة من التاريخ السعودي.