صفحة 1 من 1

تاريخ مصر السياسي من بعد الاستقلال

مرسل: السبت مايو 07, 2011 1:35 am
بواسطة عبدالعزيز الحربي 1
كتب اللواء نصرى جرجس نسر (*) ـ القاهرة مقالة شيقة بعنوان "الجنرال يعقوب والمحاولة الأولى لاستقلال مصر - الجزء الثاني: الأدلة التاريخية على وطنية الجنرال يعقوب " بجريدة وطنى الغراء بتاريخ 27/ 8/2006 م السنة 48 العدد 2331 قال فيها :

لقد كان من الممكن أن يظل دور الجنرال يعقوب فى محاولته للحصول على استقلال مصر مجهولا وتظل ذكراه ملطخة على اعتبار أنه خائن لوطنه ساعد الفرنسيين وهرب معهم بعد انسحابهم الى فرنسا ( ملاحظة من الموقع : الجنرال يعقوب لم يهرب ولكن شروط الصلح وأنسحاب الفرنسيين التى ذكرها المؤرخ الجبرتى تعطى الحق لأى أنسان أن يعيش فى مصر أو يغادرها بدون المساس بهذا الحق حتى ولو كانوا فرنسيين راجع شروط المعاهدة مع الفرنسيين فى هذا الموقع ) لولا عثور بعض رجال التاريخ المصريين أثناء دراساتهم بالخارج على بعض الوثائق التاريخية وقاموا بترجمتها ونشرها ضمن مؤلفاتهم جعل من الممكن لنا اعادة تقييم دورالمعلم يعقوب وما كان يهدف اليه.
وهذه الوثائق هى أربعة خاصة بهذا المشروع اكتشفت فى سجلات وزارتى الخارجية ألأنجليزية والفرنسية:
الأولى كتاب بالأنجليزية من القبطان أدموندوس للورد ألأول للبحرية ألأنجليزية مؤرخ فى4أكتوبر1801م يتضمن أحاديثه مع المعلم يعقوب فى الطريق الى فرنسا.
الثانية مذكرة مشروع أستقلال مصر مكتوبة بالفرنسية بواسطة الفارس لاسكاريس وملحقة بالكتاب السابق ذكره .
والوثيقتان موجودتان فى أوراق وزارة الخارجية الأنجليزية فى المراسلات الخاصة بالدولة العثمانية تحت رقم
F.O.78Turkey33 (Sept.-Dec.1801)
الثالثة خطاب بتاريخ23سبتمبر1801م من لاسكاريس موقع عليه من شخص يدعى نمر أفندى للقنصل ألأول لفرنسا
الرابعة بنفس التوقيع والتاريخ وموجهة الى تاليران وزير الخارجية الفرنسية.
والوثيقتان فى سجل المراسلات الخاصة بالدولة العثمانية فى وزارة الخارجية الفرنسية فى المجلد رقم 203 نقلهما المسيو أوريان فى مقالة عن لاسكاريس فى مجلة Mercure de France بتاريخ15يونيو 1924م.

د / شفيق غربال فى مقارنة بين بين المعلم يعقوب والشيخ عمر مكرم
وفى بحثه المتميز يعقد د.شفيق غربال مقارنة بين المعلم يعقوب والشيخ عمر مكرم فيقول ، وأنا هنا أنقل كلامه حرفيا:
"يعقوب يرمى الى ألأعتماد على القوة المدربة والسيد عمر يعتمد على الهياج الشعبى الذى تسهل اثارته ولا يسهل كبح جماحه والذى قد يصل سريعا لتحقيق أغراض حاسمة ولكنه لا يصلح قاعدة للعمل السياسى الدائم المثمر.
هذا الفرق بين الأداة التى أختارها يعقوب وتلك التى أختارها السيد عمر ليس فى الواقع الا مظهرا لفروق أعمق. اذ ما حاجة هذا السيد نقيب ألأشراف (يقصد عمر مكرم) الى جيش والرجل لا يتصور مصر الا خاضعة لحكم المماليك تحت سيادة السلطان العثمانى ولا يرمى الى أبعد من أن يملى أرادته على القائمين بألأمر مدافعا عن أفراد الرعية كلما زاد الفساد! وهو لهذا يكفيه قيام (يقصد ثورة) أهل القاهرة وأجتماع كلمة العلماء.
أما يعقوب فله شأن آخر اذ أنه لا يريد عودة المماليك والعثمانيين وانما يعمل على أن تكون لفئة من المصريين يد فى تقرير مصير البلاد بدلا من أن يبقى حظهم كما كان فى الحوادث الماضية مقصورا على التفرج أو ألأشتراك فى نهب المهزومين ، وعول على أن تكون القوة الحربية المصرية الجديدة مدربة على النظم الغربية وهذا ما أدركه محمد على بعد قليل " .
وهذا يقودنى الى تساؤل طالما تساءله الأستاذ الكاتب الصحفى الكبير جمال بدوى حينما يستعرض تاريخ مصر سواء فى كتاباته الصحفية أو برامجه التليفزيونية حيث يبدى دهشته من موقف السيد عمر مكرم بعد خروج الحملة الفرنسية ويتساءل " لماذا لم يحاول عمر مكرم كمصرى حكم مصر بل بالعكس عمل على أن تعود مصر للحكم العثمانى؟ " لعله يجد فى تحليل د. شفيق غربال الرد على تساؤله.
وكان فى حديثه مع أدموندس يعتقد أن حكم العثمانيين فى مصر أسوأ أنواع الحكم وأنه لم يؤيد ألأحتلال الفرنسى الا لتقليل ما حاق بمواطنيه من أذى ويرجو أن يسعى لدى الحكومات ألأوربية لتحقيق أستقلال بلاده وأن هجرته لأوربا هى السبيل الى ذلك. وقد كتب ادموندز الى اللورد سانت فنسانت وزير البحرية الانجليزية رسالة بمضمون الحديث الذى دار بينه وبين الجنرال يعقوب موضحا انه ما انضم الى الفرنسيين الا بدافع الوطنية لتخفيف آلام اخوته المصريين .
أشتد عليه المرض وتوفى على ظهر السفينة فى16أغسطس1801م وبناء على رغبة أهله لم تلق جثته فى البحر بل وضعت فى دن من الروم حتى الوصول الى مرسيليا حيث دفن.

تلخيص الوثائق
ويوجد فى بحث د. شفيق غربال المطبوع بمطبعة المعارف/ شارع الفجالة بالقاهرة سنة1932م النص الكامل للأربعة وثائق السابق ألأشارة لها لمن يريد ألأطلاع عليها كاملة، ويمكن تلخيصها كما كتب عنها ألأستاذ محمد صبرى فى كتابه"تاريخ مصر من محمد على الى العصر الحديث" الآتى:
"نشرت الجمعية الجغرافية حديثا وثائق جديدة كانت فى أوراق الخارجية البريطانية تحت عنوان"مصر المستقلة- مشروع سنة1801م" يقول مسيو جورج دوان فى المقدمة... أن هذه الوثائق تدل على أن فكرة ألأستقلال المصرى التى نشأت فى كنف حملة بونابرت قد أشرق نورها فى نفوس المصريين فى مستهل القرن التاسع عشر، فأن أحدهم وهو المعلم يعقوب القبطى قد تصدى للترجمة عما فى ضميرهم لو لم تصبه ميتة عاجلة فى أغسطس1801م حالت بينه وبين الدفاع عن قضيته أمام حكومات أوربا.

رحلة للإستقلال بمصر التى لم تتم
بارح يعقوب مصر على رأس وفد مصرى حيث كان يسمى نفسه ومن معه " الوفد المصرى " وكانت فكرته ألأساسية مخاطبة أنجلترا أولا فى ألأمر لأن هذه الدولة لها مصلحة أكثر من أى دولة أخرى فى نجاح مشروع أستقلال مصر ذلك أن أنجلترا تملك ناصية البحار وفى وسعها أن تمنع فرنسا من أخذ مصر ولكنها اذا حاولت هى نفسها أن تغزو مصر فستعترضها أول دولة عسكرية فى القارة ألأوربية وهى فرنسا، ولا ريب أن أستقلال مصر هو الوسيلة الوحيدة التى تقف فى وجه الدولتين المتنافستين".
إذن كان محور نظرية الجنرال يعقوب التى كان ينوى طرحها لو امتد به العمر كما يشرحه د . عوض هو أن استقلال مصر فى مصلحة انجلترا لانها سيدة البحار فهى تستطيع أن تمنع بأساطيلها فرنسا من الاستئثار بمصر ، ولكن ان حاولت غزو مصر فانها ستصطدم بفرنسا أكبر قوة عسكرية فى أوربا فمصر المستقلة هى الحل الوحيد الذى يوفق بين مصالح انجلترا وفرنسا.بالاضافة الى استفادة الانجليز من تجارتهم البحرية التى ستنتفع من زراعة مصر التى لا يمكن أن تزدهر الا فى ظل السلام كما ستنتفع من منتجات أفريقيا التى تعد مصر بابها الطبيعى ولكى تطرد انجلترا فرنسا من مصر يتحتم عليها طرد تركيا نظرا للعلاقات الودية التى بين تركيا وفرنسا.
وهو يرى أن طول استعباد المصريين تحت نير الترك والمماليك حرم مصر من تكوين رأى عام بصير يمكن أن ينتج عمل سياسى يغير نظام الحكم ولذا فانه يرى أن أى تغيير لابد وأن يأتى من قمة الحكم أى من الحاكم.
ويوضح الجنرال يعقوب كيف يمكن للمصريين أن يحموا هذا الاستقلال؟ بقيام حكومة وطنية يكون هدفها الأول تحسين حال الفلاحين ، و المحافظة على استقلالها فى المرحلة الأولى مبنى على موافقة الدول الأوربية واذ لم يحل ذلك دون عدوان الترك والمماليك فلا مانع من وجود قوة أجنبية مرتزقة من 12 الى 15 ألف تكون نواة للجيش المصرى.
ويظن بعض المؤرخين ومنهم جورج داون أنه لولا وفاة الجنرال يعقوب وهو الشخصية الوحيدة ذات الهيبة بين أعضاء الوفد لاستمع بونابرت الى مشروعه وربما نتج عن ذلك تغير فى النصوص الخاصة بمصر فى معاهدة اميان التى وضعت مصر نهائيا تحت سيادة الباب العالى .
هناك من يشكك فى هذا الرأى على أساس: هل كانت هذه الفكرة فرنسية لتحييد مصر وابعاد انجلترا عنها وسلخها من تركيا؟
يناقش ذلك بتفصيل الدكتور لويس عوض فى كتابه " تاريخ الفكر المصرى الحديث – الجزء الأول – الخلفية التاريخية " كتاب الهلال فبراير 1969م ، كما يناقش التباين فى موقف كل من عمر مكرم والجنرال يعقوب ويأخذ موقفا وسطا فهو لا يفترض أن كل موقف عمر مكرم نابع من العقيدة الدينية الاسلامية ولا كل موقف الجنرال يعقوب نابعا من شعور الأقلية بالاهمال والازدراء فيقول " ربما كان للشعور الدينى دخل فى تكوين هذا الموقف أو ذاك ولكن المبالغة فى تصوير أثر هذا الشعور الدينى فى تكوين القيم الوطنية لا محل له فى الأحكام التاريخية الموضوعية " .
ويستنتج د . عوض استنتاجا هاما – وان كان من وجهة نظرى يخضع للمناقشة – حيث يقول "إن كل كلمة فى مشروع الجنرال يعقوب تشير الى ضرورة محمد على (يقصد ظهور محمد على على مسرح الأحداث) فى السياسة الدولية وحتمية محمد على التاريخية بما فى ذلك الاعتماد على الانكشارية الأجنبية وعلى الخبرات الأجنبية وعلى تكوين قوة حضارية مصرية لتدعيم السيادة المصرية بما فى ذلك الانقضاض على المماليك والباب العالى ثم الانقضاض على الدول الأوربية نفسها بعد تكوين الجيش الوطنى ، فهل يمكن القول بأن محمد على كان عميلا للسياسة الفرنسية حتى يمكنا أن نقول أن الجنرال يعقوب ووفده الاستقلالى كانوا أيضا وبنفس المعنى عملاء للسياسة الفرنسية؟ "
المعلم هى التسمية الأكثر واقعية لمصرى لا غش فيه ، وعلينا أن نمعن النظر والفكر ونربط بين محاولة المعلم يعقوب لحصول مصر على أستقلالها وبين ما قام به الزعيم مصطفى كامل بعد قرن كامل و سفره الى فرنسا لشرح قضية أستقلال مصر، هل يمكننا أن نقول أن مصطفى كامل أقتفى أثر المعلم يعقوب؟.
كذلك هل هى مصادفة أن يسمى الجنرال يعقوب ومن معه " الوفد المصرى " قبل ظهور الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول بحوالى مائة عام الذى كان للأقباط فيه أيضا دورا رئيسيا وهو الذى وضع – رغم ظروف الاحتلال الانجليزى ومقاومة الملك فؤاد أفضل دستور مصرى وضع حتى الآن وكان سببا لانتعاش الفترة الليبرالية فى مصر والتى ما زلنا نتحسر عليها
أتوقع أن تثير هذه المقالة الكثير من الأختلاف فى ألآراء حيث لا يتفق قطاع كبيرمن أهل الرأى مع ما جاء بها، ولكن ياليتها تكون فرصة للحواربشرط أن يكون بناءا وعلميا يستند الى وقائع التاريخ الموثقة كخطوة لأعادة كتابة تاريخنا الوطنى كما حدث فعلا بحلوه ومره وبدون تجميل لأنى أرى أننا فى أشد الحاجة لذلك لأنه هو الطريق المضمون للتأكيد على هويتنا الحقيقية وقطع الطريق أمام المتطرفين من أى جانب.
ـــــــــــــــــــ
(*) الكاتب لواء مهندس بالمعاش