- السبت مايو 07, 2011 2:50 am
#34777
حقوق الإنسان.. إشكاليات أم معايير ؟
عبد المحسن شعبان ..الحوار المتمدن
العدد:2524 _2009
كان المؤتمر العربي الأول لحقوق الإنسان، المنعقد في الدوحة، مناسبة مهمة للتوقف عند بعض الإشكاليات والتحديات التي تواجه حركة حقوق الإنسان، لاسيما بعد مرور 60 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948. وسمّي مؤتمر الدوحة «المؤتمر الأول»، لأنه يأتي أول مؤتمر منذ دخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيّز التنفيذ يوم 15 مارس 2008، بمصادقة سبع دول عربية عليه وهي المناسبة التي تقرر الاحتفال بها سنوياً.
وكان انعقاد المؤتمر قد جاء بمبادرة من «اللجنة القطرية لحقوق الإنسان» وبرعاية جامعة الدول العربية التي دعت عدداً من المختصين: وزراء وخبراء ونشطاء من المعنيين بالعدل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، في إطار استراتيجية مقترحة من جامعة الدول العربية 2008-2013. وقد وضع المؤتمر يده على عدد من القضايا ذات الأبعاد الإشكالية، ائتلافاً واختلافاً، ومنها ما يتعلق بالكونية والمحلية، والشمولية والجزئية، والعالمية والخصوصية، إضافة إلى قضية التنمية والمساواة وعدم التمييز وحق التعبير والمشاركة، وحثّ الدول العربية على الانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإنفاذ أحكامها وتعزيز دور المجتمع المدني وتفعيل آليات الحماية، لاسيما بخصوص المرأة والطفل والعمال والمهاجرين واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتأكيد دور الشراكة بين الحكومات وجامعة الدول العربية من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى، والنظر في إمكانية تأسيس صندوق عربي للتمويل.
ولعل في كل مناسبة في العالم العربي يتضح التفاوت بين العديد من المستويات الحكومية وغير الحكومية من جهة، وكذلك التفاوت بين عدد غير قليل من الحكومات وبين منظمات حقوق الإنسان في فهم منظومة الحقوق وآليات الحماية ووسائل التمكين للوصول إلى الأهداف، الأمر الذي يكشف إلى حدود غير قليلة النقص الفادح في ميدان ثقافة حقوق الإنسان، ليس على الصعيد الحكومي فحسب، بل بما فيه من جانب النشطاء ومن يتصدى لمثل هذه الأمور، وهي مسألة بحاجة إلى تأهيل وتدريب وسبر معلومات على نحو مستمر، خصوصاً أن مسألة حقوق الإنسان مستمرة ومتطورة ولا تتوقف عند حد.
وإذا كانت مثل هذه القضية مهمة وضرورية للحكومات وللمجتمع المدني على حد سواء، فإن جامعة الدول العربية، ولكي تضطلع بمهماتها في ميدان حقوق الإنسان وفي تأمين المستلزمات الناجعة لتطبيقها، بحاجة إلى إعادة النظر بميثاقها الذي لم يتضمن أية إشارة إلى حقوق الإنسان، بما يؤكد التوجه الذي ابتدأ منذ عقد من الزمان، خصوصاً بتأسيس مفوضية المجتمع المدني.
كما يتطلب الأمر وضع موضوع التدخل لأغراض إنسانية في صلب مهماتها، خصوصاً إذا تعرض أحد الشعوب العربية لانتهاكات جسيمة وسافرة، سواءً بسبب طغيان الخارج أو استبداد الداخل، بحيث يمكّنها عند ذلك اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة والفعالة لحمايتها وفق آليات جديدة يتم اعتمادها بما يتناسب مع الآليات الدولية، وهذا يتطلب أيضاً إعادة النظر بنظام التصويت، والتفريق بين ما هو إجرائي وبين ما هو أساسي بحيث يمكّن جامعة الدول العربية من تفعيل دورها على نحو إيجابي، خصوصاً في مسائل التعليم والصحة والبيئة والتشريع والقضاء وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والنقابات والتبادل التجاري وأنظمة المرور والجمارك والنقل وغير ذلك.
ولا شك أن هذا يحتاج إلى إرادة سياسية، وهذه مسألة حاسمة بالنسبة للدول المنضوية تحت لواء جامعة الدول العربية، التي هي الأخرى بحاجة إلى إصلاح ودمقرطة ومشاركة فاعلة من جانب المجتمع المدني، بحيث يتحوّل المجتمع المدني إلى قوة اقتراح واشتراك وليس قوة احتجاج واعتراض وحسب.
وإذا كان ثمة تعارضات في فهم طبيعة العمل في ميدان حقوق الإنسان، فهي تعكس الطابع الحيوي والمتنوع لحركة حقوق الإنسان وهي تخوض غمار حقل جديد مفعم بأنواع شديدة من الصراعات على المستوى الدولي والداخلي، لا بين المبادئ فحسب، بل من خلال المصالح.
وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الشجرة التي تفرعت منها غصون كثيرة لنحو 130 معاهدة واتفاقية ووثيقة دولية، فإنه عكس في الوقت نفسه الدينامية والقدرة على الاستمرار والتواصل والتكيّف لجميع المجتمعات والأمم والحضارات على أساس مبادئ المساواة، وهو ما يطرح إمكانية تجاوز الإشكالات التي واجهته، أو التي ستواجهه، خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقيتين شارعتين أي «اشتراعيتين» وأعني بذلك العهدين الدوليين الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966 الأول الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويمكن إدراج أهم الإشكاليات على النحو الآتي:
• إشكالية أولوية الحقوق المدنية والسياسية أم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ وهي التي ظلّت تطبع الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب طيلة ما يزيد على أربعة عقود ونصف العقد من الزمان، وشهدت حرباً باردة واستقطابات حادة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لاسيما بعد عام 1947 التي كانت صيحة تشرشل إيذانا لها ضد الشيوعية الدولية ولغاية أواخر الثمانينيات، حين انحلّت الكتلة الاشتراكية، وكان أحد أبرز عناوين انهيارها هو انتهاكات حقوق الإنسان.
• إشكالية الحقوق الجماعية والحقوق الفردية. ففي حين كان الشرق يؤكد على الحقوق الجماعية، لاسيما حق تقرير المصير للأمم والشعوب، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كان الغرب يؤكد على الحقوق الفردية وكذلك على الحقوق المدنية والسياسية، خصوصاً الحق في التعبير وحق الاعتقاد وحق التنظيم الحزبي والنقابي وحق المشاركة ومنع التعذيب وحق الحصول على الجنسية وعدم جواز نزعها تعسفاً وغيرها.
• إشكالية الخصوصية والعمومية أو الكونية. ففي حين جنحت بعض التيارات، لاسيما الإسلامية إلى التركيز على الهوية الثقافية والخصوصية الدينية والقومية، لجأت بعض التيارات إلى التنكر للخصوصية بحجة كونية حقوق الإنسان وحداثية الفكرة، الأمر الذي دفع البعض إلى الاغتراب عند التعاطي مع حقوق الإنسان، لاعتقاده بأنه لا علاقة لها بالتراث الإنساني الذي سبقها، الأمر الذي يطرح أهمية المشترك الإنساني للحضارات والثقافات المختلفة وتفاعلاتها وتلاحقها.
* إشكالية السيادة والتدخل الإنساني. وإذا كانت السيادة تكاد تكون مطلقة في الماضي، فإنها بالتدريج أخذت بالتآكل أو أن أجزاءً منها تم التنازل عنها إلى المنتظم الدولي. وقد شهد مطلع التسعينيات جدلاً فقهياً بشأن موضوع «التدخل لأغراض إنسانية» لكنه للأسف الشديد تم استغلاله وتوظيفه وفقاً لاعتبارات مصلحية تخدم أهداف القوى المتنفذة في المجتمع الدولي، خصوصاً بفرض الحصار وشن الحروب، وهو ما حصل في أفغانستان عام 2002 وفي العراق عند احتلاله عام 2003.
• إشكالية الواقعية السياسية والمبدئية الأخلاقية، لاسيما في ميدان السياسة الدولية وعلى صعيد الحكم أيضاً، فغالباً ما يتم تقديم الأولى على حساب الثانية، الأمر الذي يجعل الكثير ينظرون إلى حقوق الإنسان على نحو سلبي.
• إشكالية حماية المدافعين من الدولة أو حماية الدولة للمدافعين. ولعلها ما تزال محدودة في عالمنا العربي والإسلامي، حيث يحتاج المدافعون إلى حماية الدولة ومنها في الآن ذاته.
• إشكالية سلطة الدولة وعلاقتها بالمجتمع المدني، وما يزال الأمر مطروحاً: هل نحن إزاء دولة قوية ومجتمع مدني ضعيف؟ أم دولة ضعيفة ومجتمع مدني قوي؟ أم كلاهما قوي ودرجة من التوازن والتعاون والشراكة وليس التعارض أو التضارب أو محاولة الإلغاء أو التهميش.
• إشكالية المبادئ «الإنسانية» أم «السلطوية» وعلاقة الحق بالقانون، وهو الأمر الذي يتفرع عنه إشكالية: الدولة الديمقراطية مقابل إشكالية دولة الاستبداد.
• إشكالية العلمانية مقابل إشكالية الدينية، فالديني حاول أن يسحب العلماني إلى صفّه تحت باب التقديس وإشكالية ذلك بالتدنيس لما سواه تأثيماً وتحريماً وتجريماً، أما العلماني فتحت باب الإنسان مقياس كل شيء، يرفض بعض التعاليم الدينية بزعم أنه يمثل ما هو دنيوي ووضعي، في حين أن الدين يبحث عمّا هو أخروي وما ورائي ومنزّل، وتحت هذا الباب يريد كل منهما مصادرة الآخر.
وهذا الأمر يتفرّع من عدد من الإشكاليات بشأن الخصوصية والعالمية وعلاقة العلماني بالديني والأيديولوجي بالحقوقي وإشكالية الغرفوبيا مقابل الإسلامفوبيا أو الدينفوبيا.
وأختم القول: إنني حضرت قبل 10 سنوات في قصر شايو بباريس احتفالية الذكرى الخمسين، وهو المكان الذي أعلن فيه الإعلان عام 1948 حين صدر إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ولنا أن نتصور بعد عقدين أو ثلاثة من الزمان كيف سيكون مصير الإعلان، لاسيما إذا اعتبر معياراً جمعياً للمشترك الإنساني بلا منازع ويعلو على بقية المعايير!
عبد المحسن شعبان ..الحوار المتمدن
العدد:2524 _2009
كان المؤتمر العربي الأول لحقوق الإنسان، المنعقد في الدوحة، مناسبة مهمة للتوقف عند بعض الإشكاليات والتحديات التي تواجه حركة حقوق الإنسان، لاسيما بعد مرور 60 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948. وسمّي مؤتمر الدوحة «المؤتمر الأول»، لأنه يأتي أول مؤتمر منذ دخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيّز التنفيذ يوم 15 مارس 2008، بمصادقة سبع دول عربية عليه وهي المناسبة التي تقرر الاحتفال بها سنوياً.
وكان انعقاد المؤتمر قد جاء بمبادرة من «اللجنة القطرية لحقوق الإنسان» وبرعاية جامعة الدول العربية التي دعت عدداً من المختصين: وزراء وخبراء ونشطاء من المعنيين بالعدل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، في إطار استراتيجية مقترحة من جامعة الدول العربية 2008-2013. وقد وضع المؤتمر يده على عدد من القضايا ذات الأبعاد الإشكالية، ائتلافاً واختلافاً، ومنها ما يتعلق بالكونية والمحلية، والشمولية والجزئية، والعالمية والخصوصية، إضافة إلى قضية التنمية والمساواة وعدم التمييز وحق التعبير والمشاركة، وحثّ الدول العربية على الانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإنفاذ أحكامها وتعزيز دور المجتمع المدني وتفعيل آليات الحماية، لاسيما بخصوص المرأة والطفل والعمال والمهاجرين واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتأكيد دور الشراكة بين الحكومات وجامعة الدول العربية من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى، والنظر في إمكانية تأسيس صندوق عربي للتمويل.
ولعل في كل مناسبة في العالم العربي يتضح التفاوت بين العديد من المستويات الحكومية وغير الحكومية من جهة، وكذلك التفاوت بين عدد غير قليل من الحكومات وبين منظمات حقوق الإنسان في فهم منظومة الحقوق وآليات الحماية ووسائل التمكين للوصول إلى الأهداف، الأمر الذي يكشف إلى حدود غير قليلة النقص الفادح في ميدان ثقافة حقوق الإنسان، ليس على الصعيد الحكومي فحسب، بل بما فيه من جانب النشطاء ومن يتصدى لمثل هذه الأمور، وهي مسألة بحاجة إلى تأهيل وتدريب وسبر معلومات على نحو مستمر، خصوصاً أن مسألة حقوق الإنسان مستمرة ومتطورة ولا تتوقف عند حد.
وإذا كانت مثل هذه القضية مهمة وضرورية للحكومات وللمجتمع المدني على حد سواء، فإن جامعة الدول العربية، ولكي تضطلع بمهماتها في ميدان حقوق الإنسان وفي تأمين المستلزمات الناجعة لتطبيقها، بحاجة إلى إعادة النظر بميثاقها الذي لم يتضمن أية إشارة إلى حقوق الإنسان، بما يؤكد التوجه الذي ابتدأ منذ عقد من الزمان، خصوصاً بتأسيس مفوضية المجتمع المدني.
كما يتطلب الأمر وضع موضوع التدخل لأغراض إنسانية في صلب مهماتها، خصوصاً إذا تعرض أحد الشعوب العربية لانتهاكات جسيمة وسافرة، سواءً بسبب طغيان الخارج أو استبداد الداخل، بحيث يمكّنها عند ذلك اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة والفعالة لحمايتها وفق آليات جديدة يتم اعتمادها بما يتناسب مع الآليات الدولية، وهذا يتطلب أيضاً إعادة النظر بنظام التصويت، والتفريق بين ما هو إجرائي وبين ما هو أساسي بحيث يمكّن جامعة الدول العربية من تفعيل دورها على نحو إيجابي، خصوصاً في مسائل التعليم والصحة والبيئة والتشريع والقضاء وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والنقابات والتبادل التجاري وأنظمة المرور والجمارك والنقل وغير ذلك.
ولا شك أن هذا يحتاج إلى إرادة سياسية، وهذه مسألة حاسمة بالنسبة للدول المنضوية تحت لواء جامعة الدول العربية، التي هي الأخرى بحاجة إلى إصلاح ودمقرطة ومشاركة فاعلة من جانب المجتمع المدني، بحيث يتحوّل المجتمع المدني إلى قوة اقتراح واشتراك وليس قوة احتجاج واعتراض وحسب.
وإذا كان ثمة تعارضات في فهم طبيعة العمل في ميدان حقوق الإنسان، فهي تعكس الطابع الحيوي والمتنوع لحركة حقوق الإنسان وهي تخوض غمار حقل جديد مفعم بأنواع شديدة من الصراعات على المستوى الدولي والداخلي، لا بين المبادئ فحسب، بل من خلال المصالح.
وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الشجرة التي تفرعت منها غصون كثيرة لنحو 130 معاهدة واتفاقية ووثيقة دولية، فإنه عكس في الوقت نفسه الدينامية والقدرة على الاستمرار والتواصل والتكيّف لجميع المجتمعات والأمم والحضارات على أساس مبادئ المساواة، وهو ما يطرح إمكانية تجاوز الإشكالات التي واجهته، أو التي ستواجهه، خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقيتين شارعتين أي «اشتراعيتين» وأعني بذلك العهدين الدوليين الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966 الأول الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويمكن إدراج أهم الإشكاليات على النحو الآتي:
• إشكالية أولوية الحقوق المدنية والسياسية أم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ وهي التي ظلّت تطبع الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب طيلة ما يزيد على أربعة عقود ونصف العقد من الزمان، وشهدت حرباً باردة واستقطابات حادة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لاسيما بعد عام 1947 التي كانت صيحة تشرشل إيذانا لها ضد الشيوعية الدولية ولغاية أواخر الثمانينيات، حين انحلّت الكتلة الاشتراكية، وكان أحد أبرز عناوين انهيارها هو انتهاكات حقوق الإنسان.
• إشكالية الحقوق الجماعية والحقوق الفردية. ففي حين كان الشرق يؤكد على الحقوق الجماعية، لاسيما حق تقرير المصير للأمم والشعوب، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كان الغرب يؤكد على الحقوق الفردية وكذلك على الحقوق المدنية والسياسية، خصوصاً الحق في التعبير وحق الاعتقاد وحق التنظيم الحزبي والنقابي وحق المشاركة ومنع التعذيب وحق الحصول على الجنسية وعدم جواز نزعها تعسفاً وغيرها.
• إشكالية الخصوصية والعمومية أو الكونية. ففي حين جنحت بعض التيارات، لاسيما الإسلامية إلى التركيز على الهوية الثقافية والخصوصية الدينية والقومية، لجأت بعض التيارات إلى التنكر للخصوصية بحجة كونية حقوق الإنسان وحداثية الفكرة، الأمر الذي دفع البعض إلى الاغتراب عند التعاطي مع حقوق الإنسان، لاعتقاده بأنه لا علاقة لها بالتراث الإنساني الذي سبقها، الأمر الذي يطرح أهمية المشترك الإنساني للحضارات والثقافات المختلفة وتفاعلاتها وتلاحقها.
* إشكالية السيادة والتدخل الإنساني. وإذا كانت السيادة تكاد تكون مطلقة في الماضي، فإنها بالتدريج أخذت بالتآكل أو أن أجزاءً منها تم التنازل عنها إلى المنتظم الدولي. وقد شهد مطلع التسعينيات جدلاً فقهياً بشأن موضوع «التدخل لأغراض إنسانية» لكنه للأسف الشديد تم استغلاله وتوظيفه وفقاً لاعتبارات مصلحية تخدم أهداف القوى المتنفذة في المجتمع الدولي، خصوصاً بفرض الحصار وشن الحروب، وهو ما حصل في أفغانستان عام 2002 وفي العراق عند احتلاله عام 2003.
• إشكالية الواقعية السياسية والمبدئية الأخلاقية، لاسيما في ميدان السياسة الدولية وعلى صعيد الحكم أيضاً، فغالباً ما يتم تقديم الأولى على حساب الثانية، الأمر الذي يجعل الكثير ينظرون إلى حقوق الإنسان على نحو سلبي.
• إشكالية حماية المدافعين من الدولة أو حماية الدولة للمدافعين. ولعلها ما تزال محدودة في عالمنا العربي والإسلامي، حيث يحتاج المدافعون إلى حماية الدولة ومنها في الآن ذاته.
• إشكالية سلطة الدولة وعلاقتها بالمجتمع المدني، وما يزال الأمر مطروحاً: هل نحن إزاء دولة قوية ومجتمع مدني ضعيف؟ أم دولة ضعيفة ومجتمع مدني قوي؟ أم كلاهما قوي ودرجة من التوازن والتعاون والشراكة وليس التعارض أو التضارب أو محاولة الإلغاء أو التهميش.
• إشكالية المبادئ «الإنسانية» أم «السلطوية» وعلاقة الحق بالقانون، وهو الأمر الذي يتفرع عنه إشكالية: الدولة الديمقراطية مقابل إشكالية دولة الاستبداد.
• إشكالية العلمانية مقابل إشكالية الدينية، فالديني حاول أن يسحب العلماني إلى صفّه تحت باب التقديس وإشكالية ذلك بالتدنيس لما سواه تأثيماً وتحريماً وتجريماً، أما العلماني فتحت باب الإنسان مقياس كل شيء، يرفض بعض التعاليم الدينية بزعم أنه يمثل ما هو دنيوي ووضعي، في حين أن الدين يبحث عمّا هو أخروي وما ورائي ومنزّل، وتحت هذا الباب يريد كل منهما مصادرة الآخر.
وهذا الأمر يتفرّع من عدد من الإشكاليات بشأن الخصوصية والعالمية وعلاقة العلماني بالديني والأيديولوجي بالحقوقي وإشكالية الغرفوبيا مقابل الإسلامفوبيا أو الدينفوبيا.
وأختم القول: إنني حضرت قبل 10 سنوات في قصر شايو بباريس احتفالية الذكرى الخمسين، وهو المكان الذي أعلن فيه الإعلان عام 1948 حين صدر إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ولنا أن نتصور بعد عقدين أو ثلاثة من الزمان كيف سيكون مصير الإعلان، لاسيما إذا اعتبر معياراً جمعياً للمشترك الإنساني بلا منازع ويعلو على بقية المعايير!