صفحة 1 من 1

مذكرات أدولف

مرسل: الاثنين مايو 09, 2011 4:22 pm
بواسطة انس علي العجلان 1
في مثل هذا الشهر من عام 1983 .. وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر إبريل (شهر الكذب والكذابين) مرت الأوساط الاعلامية والسياسية فى أوروبا بأكبر عملية تزوير في العصر الحديث . فقد بدأت صحيفة "شتيرن" الألمانية بنشر أولى حلقات ما دعته المذكرات الحقيقية للزعيم النازي السابق ادولف هتلر (عرفت بسرعة بمذكرات أدولف).. وقالت إنها حصلت على هذه المذكرات بعد وفاة احد الضباط الذي أنقذها من الاحتراق بعد سقوط إحدى الطائرات الرئاسية في نهاية الحرب العالمية. وقد ساعدها في تمرير هذا الادعاء استعداد الرأي العام لظهور هذه المذكرات بسبب الشائعات التي دارت طوال ثلاثين عاما حول اختفاء مذكرات هتلر الأصلية في مكان ما من ألمانيا !!

وكانت المذكرات المزورة مزيفة بطريقة متقنة تطابق مايعرفه الجميع عن هتلر؛ فالخط وأسلوب الكتابة ودقة المعلومات والملاحظات السريعة جميعها تشير الى الزعيم النازي؛ وبسبب براعة الحبكة ومهارة التقليد قبلت المجلة ادعاء الصحفي الذي قدم المذكرات واشترتها منه بتسعة ملايين مارك ألمانى .. ولأن أي مذكرات تتعلق بهتلر تشكل - بكل ماتحتويه - جزءا من تاريخ أوربا والعالم سارعت صحف ومجلات عديدة لشراء حقوق نشرها من جريدة شتيرن . وهكذا تورطت في الموضوع صحف عالمية عريقة مثل التايمز من انجلترا وبارب مانش من فرنسا والنيوزويك من أمريكا والبرافدا من روسيا .. !!

وفي المقابل تجاهلت السلطات الألمانية هذه القضية في بداية ظهورها - خصوصا في ظل عدم تدخل الدول الديمقراطية في القضايا الإعلامية - ولكنها اضطرت للتدخل لاحقا بعد ضغوط أكاديمية وسياسية مورست عليها ؛ فبعد نشر عدة حلقات أثار بعض المؤرخين تحفظات عديدة ونشرت بعض الصحف - التي لم توفق في شراء حقوق النشر - تناقضات تاريخية أجبرت السلطات على التحقيق في الموضوع .. وشيئا فشيئا بدأت خيوط اللعبة بالانكشاف واثبت مكتب التحقيقات الفيدرالي الألماني تزييف الخط المنسوب لهتلر وان الورق الذى كتبت عليه المذكرات صنع في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية (وإن لم يجد ثغرة في المعلومات التاريخية ذاتها )!!

أما الحقيقة بأكملها فلم تتضح الا بعد عامين كاملين حين أثبتت التحريات ان المحرك الاساسي لهذه الخدعة كان احد المعجبين بتاريخ هتلر والحزب النازي ، وأن عملية التزييف اقتضت منه سنوات طويلة عمل خلالها على كتابة المذكرات (حسب خط هتلر) من مصادر تاريخية عديدة . وبالصدفة اطلع على عمله هذا أحد الصحفيين العاملين في جريدة شتيرن وأقنعه بمحاولة بيعها على الصحيفة بملايين الماركات - ناهيك عن تسجيله شخصيا سبقا إعلاميا كبيرا .. وقد حكم على كليهما بالسجن لأربع سنوات - ارتفعت لاحقا الى ثماني سنوات بعد رفضهما إعادة المبلغ الذى باعا به المذكرات !!

أما الصحف التي نشرت المذكرات المزعومة فقد أصيبت في مصداقيتها وشهدت انخفاضا مفاجئا في مبيعاتها لم تتعاف منه إلا بعد فترة طويلة.. وكانت نكسة إعلامية ومهنية أثبتت أن هتلر مايزال عنصر قلق لأوربا وإن كل ما يتعلق به يسبب قلقا ومشاعر مختلطة لأوربا والعالم!!

والآن .. وبعيدا عن هتلر .. من يعرف المصطلح المناسب للفعل السابق (تزييف أم تزوير)؟

حسناً أيها السادة ؛ التزييف هو تقليد الأشياء الأصلية لمجرد الإعجاب بها او العجز عن اقتنائها .. أما التزوير فهو خطوة أكثر تقدما يتم خلالها عمل "نسخة طبق الأصل" بنية الاحتيال وكسب المال!

ويبدو أن مذكرات هتلر جمعت بين الثلاثة ؛ التزييف والتزوير .. وشهر إبريل!!