منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
By فهمي ناصر
#35145
انهيار الاتحاد السوفيتي
في الايام القليلة الماضية كانت اسعار النفط الخام تتارجح ولكن باتجاه الصعود، وذلك يعتبر امر حسنا بالنسبة للروس، حيث ان انخفاض الاسعار قد ساهم في سقوط الاتحاد السوفيتي سنة 1991. ولكن، وفي روسيا اليوم، نرى ان ارتفاع اسعار الغاز الطبيعي والى درجة كبيرة قد قاد الى تحقيق ازدهار ورخاء اقتصادي.
وفي الربع الاول من هذه السنة كان الاقتصاد الروسي قد ارتفع الى مستوى 7.9% مما كان عليه في نفس لفترة من سنة 2006، وفي السنة الفائتة كان انتاج الحاصلات الزراعية قد زاد بنسبة 7.8% وهذه المعدلات قد لاحظها جارلس موفيت الذي يعمل كمتخصص بالاقتصاد في “والتهام” في ولاية ما سوشيستس الامريكية.



ان معدلات نمو روسيا صعودا ليست بنفس الدرجات التي عليها الصين، لكنها حسب وصف “موفيت” محسودة وفق وجهة نظر غربية، حيث ان الصادرات الهائلة للغاز والنفط (ما لا يقل عن 200 مليار دولار بالسنة) تجعل لروسيا اقتصادا له نفوذه في اوروبا الغربية، وعلى سبيل المثال فان 40% من حاجة المانيا للغاز الطبيعي يتم الحصول عليه من روسيا.. والى هذا يشير مارشال كولدمان (اقتصادي لدى كلية ويلسلي) في ولاية ماسوشيستس قائلا: ان روسيا قوية جدا، بل هي اقوى مما كانت عليه طوال تاريخها.. لكن هذه وجهة نظر لا يتفق معها الكثير من الخبراء الروس على نطاق واسع.
وفي تشرين الثاني ستنشر مؤسسة “بروكنكز” الترجمة الانكليزية لـ(انهيار امبراطورية: دروس لروسيا الحديثة) وهذا الكتاب يسجل كونه الاكثر مبيعا في روسيا وان الذي كتبه هو ايغور كيدار وهو اقتصادي كان رئيسا للوزراء بالوكالة لروسيا ما بين سنة 1991 و1994 والكتاب سينقل معلومات من ارشيفات السوفيت ليروي قصة السنوات الاخيرة للاتحاد السوفيتي، فيحاول ان يكشف ما وراء الخرافة التي يتبناها الكثير من الروس، والتي تفيد بان الاتحاد السوفيتي كان قوة عالمية متطورة ديناميكيا الى ان بادر الغاصبون بشن اصلاحاتهم الكارثية!!، كما يحذر الكتاب من ان على روسيا ان تتفادى مخاطر اي انهيار جديد باسعار النفط..
ويفيد الكاتب “كيدار” بان الذي حصل هو ان انتاج السوفيت من الحنطة كان راكدا خلال الفترة من 1966 ولغاية سنة 1990 والتي خلالها تحرك ثمانون مليون مواطن من حقول الزراعة الى المدن المكتظة بالسكان، اضافة الى ان عائدات النفط والغاز لم تكن كافية لتأمين العملة الصعبة اللازمة لشراء الحنطة من الخارج. وهكذا تم اقتراض العملة الاجنبية لشرئها..فقال غورباتشوف الذي كان زعيما للاتحاد السوفيتي في اجتماع للحزب الشيوعي: “اننا نشتري الحنطة لاننا لا يمكن ان نعيش بدونها”.. وهذا ما افاد به كيدار الى المعهد العالمي الامريكي (AEI) في واشنطن الحزيف الماضي، وكان احد مساعدي غورباتشوف قد حذر في آذار 1991 من مخاطر مجاعة قد تحصل (في حزيران الذي بعدها) ما لم يتم تأمين وصول الحنطة الاجنبية!!.. وبالنتيجة فان موسكو لم يكن باستطاعتها ان تقمع الثورة في امبراطوريتها مثلما فعلت قبل ذلك في المانيا الشرقية والمجر وتشيكوسلوفاكيا وبدون ان تخسر القروض الغربية، وفي هذا الشأن يقول كيدار بانه لو قمع الجيش السوفيتي تظاهرات حزب التضامن في وارشو، فان الاتحاد السوفيتي لم يكن له ان يستلم المئة مليار دولار التي يحتاجها من الغرب، وبشكل مماثل عندما حاول السوفيت ان يستخدموا القوة لاعادة احكام السيطرة على دول البلطيق في ك 2 1991، كان رد فعل الغرب (وبضمنه الولايات المتحدة) يفيد بالقول: “نعم بامكانكم اختيار اي حل، ولكن في هذه الحالة نرجو ان تنسوا المئة مليار دولار التي تأملون اقتراضها”.
ومن باب المبالغة في تبسيط التاريخ ياتي اعتبار ان غورباتشوف كان ضعيفا لسماحه بتفكيك الامبراطورية الروسية، لتأتي الاطاحة به بانقلاب عسكري ثم يتم استبداله ببوريس يالتسين.. ان مقالة كيدار غير مقبولة بالتمام والكمال من قبل خبراء اخرين، ومنهم “ليون ايرون” الصديق لكيدار وهو من معهد AEI والذي يقول بان الكلاسنوست وجهودها لجلب الانفتاح والشفافية وتكريسها في عمل المؤسسات السوفيتية وبدون حرية الاعلام فتحت جمهوريات الاتحاد السوفيتي امام افكار سياسية وعقائدية وروحية جديدا، ويضيف ايضا بان الجانب الاقتصادي قد عجل بالانهيار..
اما كولدمان (من كلية ويلسلي/ ماسوشيستس) فانه يصور بان تفكيك مجمع التصنيع العسكري السوفيتي من قبل غورباتشوف هو السبب الرئيسي في الانهيار ، فصناعة الالمونيوم على سبيل المثال كانت تؤمن المادة النقية للطائرات العسكرية وصناعة الحديد الانتاج ستين الف دبابة التي يمكن بها مواجهة الغرب..
وبعد كل هذا وذاك كان الجيش في ذروته يمتص 30% من القدرات الكلية للسوفيت، في حين ان روسيا هذا اليوم تنفق حوالي 5% فقط على جيشها..
لكن الصورة في روسيا ليست كلها مشرقة، فالاستثمار ليس بالشكل الكافي (حسبما يقول ستيفن كوهين الخبير في الشؤون الروسية لدى جامعة برنيشتاين في ينوجرسي) وذلك لان الكثير من الاموال التي تفيد في الاستثمار قد تسربت للخارج على يد النخبة.. كما ان البنك الدولي يقول ان 14% من الروس يعيشون تحت مستوى خط الفقر بالمقارنة مع 30% التي كانت موجودة سنة 1999.
ويقول كوهين بان الكثير من الناس يرزحون تحت بنية تحتية متداعية هذا اضافة الى خصخصة ممتلكات الحكومة وتناقص منح الفقراء والعناية الصحية والتعليم، وان دخل الفرد السنوي فقط عشرة الاف وستمائة دولار والذي يقابله دخل الفرد السنوي للامريكي يصل الى 22000 دولار.
لكن لدى روسيا اليوم فائض في الميزانية 112 مليار دولار لمواجهة سقوط حاد في اسعار النفط والغاز وان بعضا من 400 مليار دولار موجودة في خزينها الاحتياطي ، وهكذا تحظى روسيا بشيء من الاحترام هذه الايام.