منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#35297
هذا العام استثنائي بكل المقاييس على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل خاص والعالم بشكل عام، فمنذ الأيام الأولى لدخول هذا العام والأحداث لا تتوقف عن التدفق المفاجىء، ابتداء بتونس ومصر ومرورا بليبيا وسوريا واليمن وتوقفا عند زلزال اليابان المدمر وليس انتهاء بمقتل زعيم القاعدة والقادم أكثر والله أعلم!
عملية مقتل أسامة بن لادن ليست بالشيء الذي يمكن أن نتجاوز فصوله وأحداثة وتداعياته، وسوف تظل التحليلات والتداعيات مستمرة إلى فترة ليست بالقصيرة، فنحن اليوم أمام أكثر من سؤال: هل كانت أمريكا تريد القبض على بن لادن أم قتل بن لادن؟ وهل كانت أمريكا جادة منذ 11 من سبتمبر في القبض عليه؟ اختراق السيادة لباكستان هل بالفعل كانت باكستان تعلم؟ وإذا كانت لا تعلم هل كانت تريد أن تعلم؟
من الواضح أن الأمريكيين كانوا يريدون تصفية رأس القاعدة، لأن القبض عليه سوف يفتح فصولا مسرحية جديدة ليس لها نهاية، أين سيحاكم بن لادن وكيف؟ لاشك أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تغيرت رئاسة الجمهوريين كانت هنالك أولويات مختلفة وأجندة مغايرة لجورج بوش الابن الذي عاصر الهجمات الإرهابية على نيويورك والذي أراد أن يكتسب منها على أكثر من صعيد وهو ما حصل بالفعل، لكن إدارة أوباما كانت تريد أن تنهي هذا الملف منذ الوهلة الأولى التي تسلم بها أوباما زمام السلطة، فأولويات البيت الأبيض تغيرت وتغيرت معها عبارات كثيرة مثل الحرب على الإرهاب والموقف من العالم الإسلامي والتواجد الأمريكي في أفغانستان والعراق!
كما أني لا أعتقد أن باكستان كانت حريصة على المشاركة في عملية قتل بن لادن، فشعبيته في باكستان موجودة، وثمة فرق بين شعبية بن لادن لدى الباكستانيين وبين شعبية القاعدة!
مقتل بن لادن منذ إعلانه أحدث تخبطا وانقساما ليس على مستوى التقبل الشعبي للخبر، وكأن بن لادن معصوم من الموت والقتل، بل على مستوى النخب الثقافية والسياسية، فالمثقفون في العالم العربي أصابتهم رعشة الزحف الجماهيري، فمع آلاف الرسائل على الإيميلات والبلاك بيري وغيرها المشككة أراد المثقف أن يكون جزءا من ردة الفعل العاطفية وليس التحليل المنطقي العقلاني المبني على رصد متابعة وتحليل، فنرى بعض الكتاب ممن كانوا في السابق ينظرون إلى بن لادن بشكل مقزز وكأنه مخلوق من كوكب آخر هم اليوم من يدافعون عنه وكأنه ملاك فارق الدنيا! حالة من التخبط في استقبال الأحداث بدت واضحة على وضع المثقف العربي. وإليكم هذه المفارقة العجيبة، في السابق كان كتابنا يطالبون المشايخ عند الحديث عن أية إدانة لا بد أن تكون خالية من عبارات التبرير المرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي الذي كانوا يتحدثون عنه بإسهاب أثناء الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية منذ أكثر من خمس سنوات، اليوم نجد أن الكتاب والمثقفين الذين كانوا يرفعون النكير على أولئك المشايخ يمارسون الشيء ذاته بعد مقتل بن لادن، فهم يتحدثون عن حقوق الإنسان والرواية الأمريكية وعدم أحقيتها بهذه العملية دون أن يقرنوا ذلك بأية إدانة لأعمال بن لادن وفكره!
من حق أي شخص أن يعترض على أي تصرف سواء كان لفرد أو دولة، لكن يجب ألا تذوب المواقف بهذا الشكل. ليس من الغريب أن أجد تعاطفا من قبل كتاب اتضحت مواقفهم الفكرية والسياسية تجاه بن لادن بشكل واضح، مثل عبدالباري عطوان، وإنما الغريب أن تجد كتابا انقلبت مواقفهم بعد الأحداث سواء كانوا عربا أو سعوديين. حال من الإرباك والفوضى أحدثتها وفاة بن لادن في العالم العربي امتدت لتصل إلى انقسامات شعبية أدت إلى اشتباك بالأيدي كما في الكويت ووقوع إصابات كما في السودان ومصر بسبب إقامة صلاة الغائب بشكل علني على بن لادن.
ترى هل كانت تحلم القاعدة بهذا الاهتزاز الكبير في المواقف تجاه زعيمها بهذا الشكل وأي مساحة يمكن أن تتحرك بها القاعدة في العالم العربي بعد هذه التداعيات التي ما زالت في نظري تصب في صالح التنظيم الذي استوعب الصدمة من أول لحظة وعمل على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة والاستثمار لهذا الحدث وهو ما يقع بالفعل!
مستقبل ربما يكون في ظل المعطيات الحالية والمساحة المتوفرة للتعبير عن الاعتزاز بهذه الشخصية وصناعة بطل من خلالها يقتفي أثره الشباب العربي الذي يعاني من فراغ نفسي في هذه الجزئية، ربما يكون أكثر إشراقا للقاعدة، إلا إذا ما تم تدارك الوضع والتفريق بين الإدانة للفكر والتنظيم والموقف العاطفي أو الإنساني من العملية.