صفحة 1 من 1

استشراء الفساد في اليمن

مرسل: الجمعة مايو 13, 2011 6:28 pm
بواسطة عبدالله المطيري(84)
ضرب الفساد الحكومي في اليمن أطنابه في أعماق المؤسسات العامة، وتسبب في التهام الكثير من الموارد العامة للدولة، وأصبحت معه قضية المعالجة أمرا صعبا وهو ما تسبب في إعاقة عمليات التنمية وانهيار الوضع الاقتصادي في اليمن إلى درجة غير مسبوقة.
وشهدت الحياة المعيشية في اليمن خلال الآونة الأخيرة تدهورا كبيرا، تعاظمت معه الأعباء الأسرية وتضاعفت بسببها القلاقل الأمنية والتي يرجع المراقبون أسبابها إلى غول الفساد الذي تجذر في كل الهيئات والمؤسسات العامة واتسعت دائرته لدرجة أصبحت عصية على الاحتواء، وانكشفت نتائجه الملموسة حاليا في الانهيار المتسارع لقيمة العملة المحلية في اليمن (الريال) أمام العملات الصعبة إلى أدنى مستوى لها منذ قيام الثورة اليمنية مطلع الستينيات ولا زالت مستمرة في الانهيار.
بالأمس فقط انهار سعر الريال اليمني إلى 258 أمام الدولار الواحد، اضطر معه الكثير من تجار الجملة إلى التوقف عن التعامل بالريال اليمني والبيع بالدولار فقط، كما أن البنك المركزي اليمني توقف أمس عن بيع العملات الأجنبية للبنوك التجارية وهو ما أثار هلعا في الوسط التجاري اليمني وأثار اضطرابا تجاريا لم يشهد له اليمن مثيلا حتى في أوقات الأزمات.
الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن أصبحت هيكلا دون مضمون، في ظل الأمواج العاتية لعمليات الفساد، التي تفوق قدرتها على مجابهة ذلك، خاصة وأنها هيئة ممولة ومعيّنة حكوميا، وفشلت كل الجهود لمحاولة احتواء الوضع والحد من الفساد بسبب وقوف العديد من كبار المسؤولين الفاسدين وراء قضايا الفساد، الذين تحصّنوا بـ(النفوذ) وبالتشريعات القانونية التي لا تجيز لأحد مساءلتهم أو أن يطالهم بأذى.
وبعد سنوات من التعثر منذ إنشائها أعلنت الهيئة قبل أيام الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للأعوام 2010 2014 ولكن تحول دون تطبيقها العديد من العوائق، وفي مقدمتها وقوف الكثير من كبار المسؤولين وراء عمليات الفساد، ما جعل الهيئة عاجزة عن المساءلة القانونية لكبار الفاسدين.
وقال رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد أحمد الآنسي لـ'القدس العربي' إن الهيئة أحالت 24 قضية فساد إلى النيابة العامة لإجراء المحاكمة للضالعين فيها، وهناك قائمة بأكثر من 100 شخص من كبار الفاسدين تتضمن وزراء ووكلاء وزارات ورؤساء هيئات حكومية ومديرين عامين ومسؤولين من مختلف المستويات الإدارية.
وأوضح أن الهيئة ستتعامل مع قضاياهم وفقا للقانون، غير أنه ذكر أن القانون الحالي يقف حجر عثرة أمام مساءلة الفاسدين من كبار المسؤولين، وكابح لعمل الهيئة ولكنه إجراء ضروري، لأن المتهم يظل بريئا حتى تثبت إدانته. وامتنع عن إماطة اللثام عن أسماء كبار المسؤولين الضالعين في الفساد، وقال 'إن القانون الحالي لا يجيز لنا الإعلان عن أسماء الفاسدين إلا بعد صدور أحكام قضائية باتّة'.واضاف 'لا نستطيع أن نقول ما ذا نعمل، ولا نريد الكشف عن أسماء الضالعين في الفساد حتى يصدر القضاء كلمته الفصل في ذلك وهو إجراء ضروري للحفاظ على سمعة الناس حتى صدور أحكام قضائية إما بإدانتهم أو ببراءتهم'.
الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في اليمن، أعلنتها الهيئة العليا الحكومية قبل أيام لكنها تظل في نظر العديد من المراقبين مجرد حبر على ورق إذا لم تجد طريقها للتنفيذ الفعلي، كما أنه لا يرتجى أن تقوم هيئة حكومية التمويل والتعيين بتنفيذ قضايا فساد ضد مسؤولين حكوميين.
وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي لـ'القدس العربي' 'لا أعتقد أن هيئة حكومية يمكن أن تقوم بواجبها في مكافحة الفساد، لأنه لا يمكن لأي هيئة في أي دولة في العالم أن تقوم بمفردها بمكافحة الفساد، لأن هذا العمل يجب أن يكون استراتيجي للدولة وهذه الهيئة هي أداة تنفيذية للسياسات الحكومية وهيئة فنية لذلك'.
وأضاف 'أنا من ضمن الذين ساهموا في إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وقلت هذا الكلام عندما كنا نقوم بالإعداد لذلك، بأنه يجب ألا يعطوا مبرر للهيئة بأن تكون هي المسؤول الأول والأخير عن مكافحة الفساد، هي أداة فنية بيد الحكومة، وبيد القيادة السياسية، ومن ثم يجب أن يكون نهج الحكومة في كل الوزارات والمصالح نهجا يتضمن في إجراءاته مكافحة الفساد'.
وكشف الصلاحي أن الهيئة اليمنية لمكافحة الفساد ضعيفة لأن القوانين المنظمة لها لا تمنحها قوة في التعامل مع الشخصيات المسؤولة الكبيرة الضالعة في قضايا فساد، ولا تستطيع الهيئة ـ وفقا للقانون الحالي ـ محاكمة وزير أو نائب وزير، ولا تستطيع إحالته للقضاء إلا بموافقة رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة هي عبارة عن أداة لجمع البيانات والمعلومات عن قضايا الفساد والفاسدين'.
إلى ذلك أوضحت نائبة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الدكتور بلقيس أبو اصبع أن الاعداد للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد استغرق عاما كاملا وأنها جاءت لتعبر عن توجهات اليمن لمكافحة الفساد الذي وصفته بأنه 'آفة كبيرة، معيق لتوجهات التنمية في اليمن'.
وذكرت أن الهدف الرئيس من الاستراتيجية الوطنية 'إعادة وتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية' بالإضافة إلى إيجاد منظومة تشريعية وتنفيذية تنطلق من رسالة مبدأ الشفافية.
مشيرة إلى أن الاستراتيجية تتكون من الوقاية والمنع لعمليات الفساد وكذا التوعية بحالات الفساد التي يمكن ارتكابها، تنفيذا للقانون والملاحقة للفاسدين.
القدس العربي