صفحة 1 من 1

إثيوبيا وإريتريا.. هدوء ما قبل العاصفة

مرسل: السبت مايو 14, 2011 8:36 pm
بواسطة عبدالله المطيري(84)
جاءت أنباء الحشود العسكرية على الحدود بين إثيوبيا وإريتريا لتعيد إلى الأذهان صور الحرب بين البلدين ولتدخل المجتمع الدولي في قلق ولتحبس أنفاس الشعبين ولتكرس صورة نمطية للعلاقة بين البلدين يسودها الصراع ولا مكان فيها للعوامل التي جمعت الشعبين عبر التاريخ. هذا المقال يسلط الأضواء على خلفية الصراع بين البلدين ويستشرف سيناريوهات تطور الأحداث المقبلة.


صراع الدولة والاستقلال
"
انضمت إريتريا إلى إثيوبيا بقرار أممي ضمن ترتيبات فدرالية عام 1952، إلا أن الإمبراطور هيلاسيلاسي ألغى تلك الترتيبات عام 1962 وضمها إلى إثيوبيا مما أدى إلى تفجر الوضع وقيام الحركات الاستقلالية
"
تكونت إثيوبيا الحديثة عام 1886م على يد الإمبراطور منيليك الثاني (1844-1913 م) بعد القضاء على الممالك الإسلامية في المناطق التي يقطنها المسلمون اليوم وسط وجنوب وشرق إثيوبيا والمجاورة للموطن الأصلي للأحباش في منطقتي تغراي وأمهرا شمال إثيوبيا.

أما إريتريا فقد ضمت إلى إثيوبيا بقرار أممي ضمن ترتيبات فدرالية عام 1952م، إلا أن الإمبراطور هيلاسيلاسي ألغى تلك الترتيبات عام 1962م وضمها إلى إثيوبيا مما أدى إلى تفجر الوضع وقيام الحركات الاستقلالية حتى انتهى الأمر بسقوط النظام الشيوعي في إثيوبيا عام 1991م تحت ضربات الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا -الحزب الوحيد والحاكم في إريتريا منذ استقلالها عام 1993م- وضربات الجبهة الشعبية لتحرير تغراي التي تأسست للحصول على حكم ذاتي لإقليم تغراي الواقع شمال إثيوبيا والمتاخم لإريتريا ثم كونت جبهة من شعوب إثيوبيا لتملأ الفراغ الذي حدث في السلطة مع انهيار نظام منغستو هيلا ماريام ولتكون الحزب الحاكم لإثيوبيا منذ عام 1991م.


أصدقاء الأمس وأعداء اليوم
مع استقلال إريتريا سادت بين البلدين علاقات خاصة قل أن نشهد لها مثيلا في العلاقات الدولية والتي بنيت على أسس العلاقة بين الجبهتين حيث توحدتا في ثمانينيات القرن الماضي لمواجهة جيش منغستو، وما أن بدأت فلوله تتجرع الهزيمة حتى دخل الطرفان في عقد فرضته الظروف.

فالإريتريون أرادوا أن يوقع الحكام الجدد في إثيوبيا قرار استقلالهم دون تحفظ، والحكام الجدد في إثيوبيا بحاجة لمن يعينهم على ضبط الأمن وترسيخ الحكم ومواجهة الحركات الانفصالية في الجنوب والشرق.

وهكذا دعمت أديس أبابا استقلال إريتريا، ومنحتها امتيازات اقتصادية رغم اعتراض داخلي على الصفقة، وهكذا اعتبرت أن قضيتها مع إريتريا انتهت، فتفرغت لترتيب وضعها الداخلي وأقرت الدستور الذي أقر لشعوب وقوميات إثيوبيا حق تقرير المصير حتى الاستقلال، وقسم البلاد لولايات عرقية تتمتع بحكم ذاتي، فترسخ النظام وانخفضت الأصوات الاستقلالية، وتحول الجميع للمناداة بالديمقراطية ودمج الجميع في النظام السياسي الجديد.

"
في لحظة من لحظات نقد الذات وجد النظام الحاكم في إثيوبيا نفسه واقفا على رجليه ولا حاجة له للجبهة الحاكمة في أسمرا, مما أدى إلى اندلاع حرب حدودية بين عامي 1998 و2000
"
أدى ذلك مع الوقت إلى زيادة الأصوات المطالبة بالتعامل مع إريتريا على قدم المساواة مع الدول الأخرى وإلغاء الامتيازات التي باتت عبئا على الاقتصاد الإثيوبي.

وفي لحظة من لحظات نقد الذات وجد النظام الحاكم في إثيوبيا نفسه واقفا على رجليه ولا حاجة له للجبهة الحاكمة في أسمرا. وعليه كان لا بد من إعادة فتح ملفات أغلقت وتصفية حسابات أجلت، مما أدى إلى اندلاع حرب حدودية بين عامي 1998 م و 2000 م ذهب ضحيتها أكثر من 70 ألف شخص وأنفق عليها المليارات، حتى جاء وقف إطلاق النار واتفاقية الجزائر التي علقت عليها شعوب البلدين والأطراف الدولية آمالا كبيرة، لكنها لم تكن للطرفين أكثر من استراحة محارب.



الحكم الدولي والطريق المسدود
كان وقف إطلاق النار واتفاقية الجزائر إنجازا دبلوماسيا كبيرا تحقق بفضل جهود دولية حثيثة، وساهمت في ذلك ظروف الطرفين اللذين أنهكتهما الحرب فتحققت الاتفاقية بسرعة، رغم شراسة الحرب وميل ميزانها لصالح إثيوبيا.

نصت بنود الاتفاق بين أشياء أخرى على وقف إطلاق النار، وتأسيس منطقة منزوعة السلاح ونشر قوات دولية للمراقبة على الحدود، وتشكيل لجنة دولية للتحكيم يكون حكمها نهائيا وإلزاميا. ورغم خطورة ذلك على كل من الطرفين فيما لو جاء الحكم ضده فقد قبلها الطرفان تحت ضغط المجتمع الدولي الذي لا يرى جدوى من حكم غير ملزم.

جاء الحكم النهائي في أبريل/نيسان 2003م ليكون محل جدل وخلاف بين الطرفين رغم مهنيته وقانونيته. وكأي حكم دولي لحدود رسمها الاستعمار وتقاتل عليها الأشقاء فقد جاء حكم اللجنة لصالح هذا الطرف في جيب حدودي ما، ولصالح الطرف الثاني في جيب آخر اعتمادا على الأدلة والوثائق المعتمدة في القانون الدولي، إلا أن الحكم بخصوص بلدة بادمي التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحرب والواقعة تحت الإدارة الإثيوبية جاء لصالح إريتريا ليضع حكومة أديس ابابا بقيادة ملس زيناوي بين سندان الضغوط الدولية التي تطالبه بقبول الحكم الدولي وبين الضغط الشعبي الذي يطالبه بعدم التنازل عن شبر من أرض إثيوبيا وخاصة تلك التي تمثل رمزا للحرب الضروس مما دفع الحكومة الإثيوبية إلى رفض الحكم في بداية الأمر.

"
ترى إريتريا أنه لا حاجة للتفاوض وأن على إثيوبيا تنفيذ القرار بإخلاء بلدة بادمي، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ضدها حسب بنود اتفاقية الجزائر والميثاق الأممي
"
لكن الضغوط وتهديد الدول المانحة بقطع مساعداتها عن إثيوبيا ما لم تقبل بالحكم أرغمت رئيس الوزراء الإثيوبي على التعامل مع الواقع الذي أفرزه الحكم والخروج على العالم بخطابه المشهور أمام البرلمان في نوفمبر/تشرين الأول 2004م ليعلن عن قبول بلاده المبدئي بالقرار واصفا ذلك القبول بالسم الذي لا بد منه معبرا عن المرارة التي يشعر بها وشعبه حيال المنحى الذي تطورت إليه الأمور.

ترى إثيوبيا أنها ملتزمة بالقرار ومستعدة لتنفيذه، ولكن نظرا لأنه خلق وضعا جديدا، ولأن ترسيم الحدود لا يتم بوضع حجر هنا وحجر هناك فلا بد من مفاوضات بين الطرفين للتفاهم على تنفيذ القرار وتطبيع العلاقات والقضاء على جميع عناصر الصراع.

بينما ترى إريتريا أنه لا حاجة للتفاوض وأن على إثيوبيا تنفيذ القرار بإخلاء بلدة بادمي، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ضدها حسب بنود اتفاقية الجزائر والميثاق الأممي.


بين التصعيد والتهدئة
بالنظر إلى هشاشة الوضع على الحدود واستمرار عوامل الصراع لم يكن التصعيد الحالي مفاجئا. فمنذ وقف إطلاق النار لم يدخل الطرفان أية مفاوضات للتطبيع أو لتنفيذ قرار التحكيم، بل استمرا في استغلال كل المناسبات لتبادل الاتهامات والدفع بالحشود بين الحين والآخر، ودعم كل طرف للمعارضة المسلحة للطرف الآخر، والبحث عن الذرائع لإبقاء فتيل الأزمة مشتعلا.

يعاني الطرفان أوضاعا داخلية صعبة، فالانتخابات التشريعية الإثيوبية التي أجريت في مايو/آيار الماضي أفرزت واقعا سياسيا معقدا حيث فقد ملس زيناوي دعم الأمهريين في الشمال، واهتز موقع حزبه في الجنوب مما دفعه إلى مد يد التفاوض للمعارضة المسلحة لقطع الطريق أمام المعارضة الشمالية في الداخل والتي لم تقتنع بحصولها على ثلث مقاعد البرلمان تقريبا فلجأت إلى اتهام حزبه بالتلاعب في النتائج, وخرجت في مواجهات عنيفة كان آخرها ما حصل في 1-2 من نوفمبر/تشرين الأول الماضي مع استمرار الاختناق السياسي. هذا الوضع قد يغري إريتريا بالدخول في جولة جديدة من الحرب قد تكسب فيها هذه المرة مالم تكسبه في سابقتيها.

وتعاني إريتريا أوضاعا اقتصادية وإنسانية شاقة، ومعارضة متصاعدة لنظام شمولي لا يحظى بدعم دولي، إضافة إلى جيش ضخم لا يتناسب ومعطيات البلد و يمثل عبئا اقتصاديا واجتماعيا على دولة وليدة لم تكتمل دعائم أركانها بعد.

وهذا ما يدفع إثيوبيا إلى حشد قواتها لمواجهة أي خطأ في حسابات نظام أسمرا كما صرح بذلك ملس زيناوي مما يمهد لإثيوبيا استدراك ما فاتها في الجولة السابقة للخلاص من نظام أسياس حسب بعض المراقبين.


بين ضبط النفس والضغط على الزناد
هذا الواقع دفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بأن البلدين قاب قوسين من الحرب ما لم يتدخل المجتمع الدولي بقوة لوقفها، أو تحدث تغييرات في العوامل الداخلية في البلدين أو أحدهما تدفعه لإعادة حساباته.

التصريحات الأخيرة للطرفين لم تساهم في نزع فتيل الأزمة بقدر ما زادت من القلق. فإريتريا تصر على فرض قيود تحد من فعالية البعثة الدولية على مراقبة الحدود بنسبة كبيرة دون مبرر مقنع غير الإعداد للحرب بأخذ المواقع الأمامية على طول خط المواجهة، بينما تحاول تصريحات مسؤوليها تطمين المجتمع الدولي.

"
يعتقد المراقبون أن كلا من إثيوبيا وإريتريا قاب قوسين من الحرب ما لم يتدخل المجتمع الدولي بقوة لوقفها، أو تحدث تغييرات في العوامل الداخلية في البلدين أو أحدهما تدفعه لإعادة حساباته
"
بينما أعلنت إثيوبيا أن حشد قواتها لردع إريتريا من اتخاذ خطوات غير محسوبة، وتؤكد في ذات الوقت أنها لن تكون البادئة ولكنها ستحسم الموقف إذا هوجمت، وكأنها تنتظر بفارغ الصبر لحظة جنون الجانب الآخر لتطلق رصاصة الرحمة على سلام لم يكن موجودا ليستمر.

القيود الإريترية المتزايدة على البعثة الدولية حتى انتهى بها المطاف إلى طرد مجموعة كبيرة من عناصرها، وما تلى ذلك من إرسال مبعوثين دوليين رفضت إريتريا استقبالهما دليل على خطورة الموقف وعجز المنظمة الدولية عن فعل شيء حياله سوى التنديد والدعوات المتكررة لضبط النفس.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة للاتحاد الأفريقي لتحاشي الحرب فإن خبرته في إيقاف الصراعات داخل القارة لا توفر للمراقبين كثيرا من الأمل. كما أن وجود مقره في أديس أبابا، والدور التاريخي لإثيوبيا على مستوى القارة، إضافة إلى علاقات إريتريا المتأزمة مع دول الجوار من العوامل التي لا تعطي لقادة القارة هامشا كبيرا للخروج بمقترح يرضي الطرفين.


لعل الرجاء الوحيد الآن هو وضع إدارة بوش التي لا تريد مايشغل بالها في هذه المنطقة ولا في غيرها من العالم في وقت تكالبت عليها الأحداث خارجيا وداخليا.

هذا الوضع لا يتحمل أي صراعات سياسية في المنطقة فضلا عن حرب شعواء قد تخل بموازين القوى في منطقة طالما اعتبرتها الولايات المتحدة إحدى جبهات الحرب على ما تسميه الإرهاب مما يدفعها إلى ممارسة ضغوطها على الطرفين. ولكن ليس كل من يجيد صناعة الحرب يقدرعلى صناعة السلام.


بين البقاء والفناء
"
إذا اندلعت الحرب بين إثيوبيا وإريتريا لن تكون كسابقتيها دون نتائج جذرية على النظامين أو أحدهما, وما آلت إليه الأمور يؤكد أن النظامين وصلا إلى قناعة بأن زوال أحدهما ضروري لبقاء الآخر
"
الوضع الداخلي للطرفين لا يتحمل إلا الحسم إن اندلعت الحرب. فإريتريا ستستميت في استعادة بلدة بادمي. وإن كتب للجيش الإريتري ذلك فسيكون لأسياس أفورقي كلام آخر مع معارضيه، وإلا فإن العد التنازلي لنظامه –إن استمر- سيبدأ ما إن تضع الحرب أوزارها.

وإثيوبيا لا تتحمل أية حرب بدون نتائج ملموسة حيث تستغلها المعارضة ضد الحزب الحاكم الذي يذهب إلى الحرب دون هدف كلما ضاق ذرعا بالوضع الداخلي حسب رأيها.

والشعور بالإحباط بين الجيش والشارع الإثيوبي من الطريقة التي أديرت بها الأزمة منذ نشوبها ليس سرا، إذ السائد في إثيوبيا هو أنه كان بإمكانها إيقاف النظام في أسمرا عند حده لولا أمر الجيش بالتراجع تحت الضغوط الدولية رغم توغله في العمق الإريتري.

لذا فإن جولة الحرب التالية إن اندلعت لن تكون كسابقتيها دون نتائج جذرية على النظامين أو أحدهما. فالوضع الداخلي للطرفين، وتطور العلاقات بينهما، والمراحل التي مر بها الصراع، وما آلت إليه الأمور يؤكد أن النظامين وصلا إلى قناعة بأن زوال أحدهما ضروري لبقاء الآخر.

هذه حرب ستتعدى آثارها التخريب المعهود للحروب لتغير الواقع السياسي في البلدين أو أحدهما، ولتخلق واقعا سياسيا وأمنيا أكثر هشاشة في القرن الأفريقي.

المصدر / موقع الجزيرة