نظرة إلى اغتيال بن لادن بين العدل والعاطفة
أمير سعيد
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
كثيرون استفزتهم الطريقة التي اغتيل بها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن- رحمه الله - ، وكأي مسلم لا يمكنه أن يفرح بقتل مسلم مهما كانت أخطاؤه، لاسيما لو جاءت بهذه الطريقة وعلى يد القوات الأمريكية سيئة السمعة، والتاريخ، والعلاقات معنا كمسلمين .
ولايسع أي مسلم إلا أن يترحم عليه كرجل مسلم له حسناته وسيئاته، وله إيجابياته وسلبياته , فما سمعناه عن الرجل يظهر زهده في الدنيا وحسن أخلاقه مع من حوله من أتباعه وغيرهم , لكن طلب الرحمة لأموات المسلمين وذكر حسناتهم لا يعني السباحة في نهر العاطفة والاندفاع في إطلاق عبارات من شأنها أن تمنح بعض أفعال التنظيم، والتي بلغت حدا من التجاوز الشرعي والتهور العسكري والسياسي، قدراً من المشروعية على الأقل بالإيحاء والاندفاع في فضاء التقدير العالي الذي لمسته من معظم قيادات العمل "الإسلامي" في أكثر من بلد عربي.
ثمة فارق لا ينبغي أن يغيب في زحمة الاستنكار للطريقة البشعة التي قتلت وشيعت بها الولايات المتحدة زعيم التنظيم، بين الترحم على مسلم بين يدي ربه، والدعاء له بالمغفرة والرحمة، واستهجان الطريقة المافياوية التي قتل وشيع بها، واستغلال ذلك في إدانة أسلوب الولايات المتحدة غير القانوني، والتنويه إلى تحديها لكل الأعراف والمثل، وقلة اكتراثها بشعائر ديننا، وبين أن نترك أثراً سلبياً لدى الشباب الغر نوحي له به أننا لا نرى بأسأ بما كانت تفعله القاعدة في بلاد المسلمين ، واستئثارها وانفرادها بالحديث نيابة عن الأمة كلها دون تفويض من المسلمين أو حيثية متفهمة..
ولو كنت شاباً صغيراً متحمساً لظننت من فرط ما قرأته من تصريحات انسابت من أفواه بعض من "الدعاة" من مختلف الاتجاهات أن ما يفعله هذا التنظيم الذي كان يقوده بن لادن ـ رحمه الله ـ ومعظمه لا يصب الماء في أنهارنا نحن كمسلمين، مشروع ومقبول ، وأنه ـ بالكيفية التي يبدو بها في بلاد المسلمين ـ يجسد "الجهاد" الذي هو ذروة سنام هذا الدين! لن أسترسل فالفاتورة باهظة جداً، ولكن من المهم أن يقال اليوم لمن يسوقون لأفكار التنظيم في بلادنا دون أن يدروا ومن خلال تغليب العاطفة على حسن التوصيف، وإعمال العقل بعد الشرع، والتعاطي بحكمة مع الحدث، تبييناً وتوضيحاً، بأن هذا التعاطف ينبغي ألا يوظف للإيهام بأن هذه الأخطاء التي تحصل من هذا التنظيم هي عمل جهادي..
إن مسؤولية بعض الدعاة، ومن يتصدرون للدعوة والتوقيع عن رب العالمين، كبيرة، وتستأهل منهم قدراً من الروية والأناة والحكمة والدراسة والتعمق .