منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فيصل العمري 1
#35567
دخل الربيع العربي حيّز التنفيذ في المنطقة التي تقبع فوق صفيح مُشتعل بنسب متفاوتة وكُلٌ على شاكلة ثواره وثورته، فــمنها من اقتلعت الأنظمة من جذورها ووضعت الوطن على سكة جـديـدة نـحو الربيـع المـنتظر. ومـنها من تهز عروش الأنظمة في أقطارها هزاً عنـيـفاً وعـميقاً لامس حدود الترنح والسقوط. ومنها من يسير بكفنه هاتفاً لحريته وكرامته وعزته متحدياً غدر الرصاص وهول الموت، مواجهاً بصدره العاري قدراً لا محالة من وقوعه، فإما رغد العيـش وهناؤه وإما سكون الموت وسلامه. ومنها أيضاً وأيضاً من يجلس في بيته كاظم الغيظ متسمرّاً أمام تلفاز ما عاد يطيق صوت الماضى وصورته فراح يبدل صور الأحرار تباعاً من المضيق إلى المضيق ودماؤهم تسيل وأصواتهم تصدح وقلوبهم تخفق للحرية.

إن مجرد المطالبة بالحقوق السياسية أوالمعـيشية في عالمنا العربي مرفوض بالـمـطلق تـحت ذرائـع متـعددة ومتنوعة ومنها ما يُسمى «قدســية الأولويـات» الـتي عكفت الأنظمة الديكتاتورية على استعمالها كـواجهة شرعية لعمليات القمع الوحشي وربـما الإبـادة الجـماعية، من واجهة الممانعة والمقاومة مـروراً بواجـهة الاعتدال ومحاربة الإرهاب والتطـرف وصولاً إلى حياكة الأساطير التي تتحدث عن مؤامرات مزعومة. بيد أن كل تلك الأولويات يجب أن تنطلق من قاعدة سـليـمة وطـبيعية حيث إن العلاج يبدأ من أصل المشكلة لا من نتائجها وبالتالي فإن علاج النتائج يأتي كمن يضع العربة أمام الحصان، فهذه المنطقة التي غابت طويلاً عن مسار الحضارة والتقدم، حضرت دائماً في صلب الحروب العبثية والخلافات الـشـخصية والنزاعات العرقية والطائفية فـأضـحـت بيــئـة حاضنة ومصدرة للأفكار المسمومة والعـقـائـد المـغـلوطة والقاتلة ناهيك عن تـغـذية القـوميـات الـمـزيـفـة ونشـر الـشـعارات الفارغة التي أمـعـنت فـي تـضـليل المـجـتمع والأمـة وسارعت إلى عـسـكرتـهـا تـحـت عناوين براقة تمهيداً لإحكام الـسيـطرة عليها بيد من حديد عبر قمع الأفكار والآراء ودوس الكرامات والحريات.

حينما تدخل الأساسات الطبيعية للعمل السياسي المتنوع في عالمنا العربي حيّز التنفيذ بدءاً من القاعدة وصولاً إلى رأس الهرم عبر نظام ديموقراطي حر يعتمد الحد الأدنى من الشفافية والتجرد يُصـبـح بإمكاننا الحديث عن حلول جذرية لمشكلات أسـاسـية عصـفت بالمنـطـقة والعالم ولم تزل منذ نـصـف قـرن ونيـف، فـالـحرب والسلام، الاعتدال والتطرف، المقاومة والممانعة... إلخ، عبارات كانت وستبقى فارغة المضمون ما لم تُقرن بحلول جذرية تبدأ بالحرية والديموقراطية ولا تنتهي بالمحاسبة الشعبية عند كل استحقاق، وهنا لا بد من استعادة بعض الشواهد التي جثمت طويلاً على صدر التاريخ العربي، ففي عام 1986 رفض وزير الدفاع الإسرائيلي إسحق رابين إجراء إنتخابات ديموقراطية في الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 متذرعاً بقضية «السلام» التي قد تتأثر سلباً مع أي إجراء من هذا النوع، ويضيف مستغرباً، كيف يحق للعالم أن يُطالب بانتخابات ديموقراطية في الأراضي المحتلة بينما لا يوجد في العالم العـربي برمته رئيس بلدية واحد منتخب بحرية. وفي حادثة مُشابهة وأثناء عملية التفاوض بين سورية وإسرائيل قال بنيامين نتانياهو للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد: أنا لا يمكنني أن أتنازل عن أي شيء لأنني مُنتخب بنسبة 51 في المئة أما أنت فيمكنك أن تتنازل عن كل شيء لأنك منتخب بنسبة 99 في المئة!

ليسلك العالم العربي طريقه نحو الخلاص لا بد من تغيير جذري لقواعد اللعبة وإعادة خلط الأوراق في المنطقة لتقول الشعوب كلمتها وتنعم الـمـجـتـمعات بهامش واسع من حرية التعبير والتفكير والاختيار. أمـا نحـن في لبنان، فعلينا أن ننـحـاز ونـدعـم ثـورات الشعوب فلا مجال اليوم لمناورات سـياسية تحت عناوين مختلفة ولا إمكانية للحياد في معركة المصير المشترك. حان الوقت لنسمي الأشياء بأسمائها ونضع اليد على الجرح الذي طال نـزفـه. لـم يـعد هـناك مـكـان للـصمت والاختباء، الحرية وحدها تصنع المجد وتبني الأوطان لم يعد هناك مكان للزعيم الواحد والقائد الخالد والعقول الرجعية البائـدة في مـنطـقتـنا، فـهـا هـو التغـيـير يـدق أبـوابنا وها هو التاريخ يكتب في صفحاته المجيدة عن شعوب ضاقت عليها الأرض بما رحبت فنفضت عنها الغبار وثارت لتتـنـشق (ونـحن معها) عبق الحرية وعبير الحياة