صفحة 1 من 1

الاتفاق الألماني السوفييتي

مرسل: الثلاثاء مايو 17, 2011 1:02 am
بواسطة رسام القحطاني 8

الاتفاق الألماني السوفييتي (أو اتفاق مولوتوف-ريبونتروب) هو الاسم الذي عرفت به معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي الموقعة في 23 أوت 1939. بالإضافة إلى عدم الاعتداء، تنظم هذه الاتفاقية اقتسام مناطق النفوذ لكل من الطرفين على الدول الواقعة بينهما. كسرت المعاهدة في 22 جوان 1941 عند غزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفييتي.

الإطار التاريخي

كانت القوى الغربية (على رأسها فرنسا و بريطانيا) و الاتحاد السوفييتي شديدي القلق أمام تزايد التهديد الذي تمثله ألمانيا النازية تحت هتلر. احتلت ألمانيا النازية الرور و أعادت الخدمة العسكرية و طورت بشدة ترسانتها العسكرية منتهكتا بذلك معاهدة فرساي الموقعة عقب الحرب العالمية الأولى.


كاريكاتير بولندية تمثل ريبونتروب يقبل يد ستالين أمام مولوتوف الذي يبتسم و يصفقمنذ أفريل 1938، بدأ الاتحاد السوفييتي مفاوضات دبلوماسية مع فنلندا في محاولة لتحسين قدراتهم على الدفاع المشترك ضد ألمانيا. ادعى السوفيات خوفهم من هجوم ألماني قد يستهدف لينينغراد و يصلها عبر فنلندا. بقيت هذه المفاوضات متوقفة (إلى أن عادت في الخريف ثم قاد فشلها إلى حرب الشتاء).

وقعت فرنسا و بريطانيا (ممثلة من طرف دلادييه و تشاميرلين) معاهدة ميونخ مع ألمانيا النازية و إيطاليا (ممثلة من طرف هتلر و موسوليني) في 30 سبتمبر 1938 و التي تفسح المجال أمام ألمانيا النازية لضم تشيكوسلوفاكيا التي تقطنها أقلية عرقية ألمانية إلى أراضيها. و حال الرفض البولندي من قبل الكولونيل بيك لعبور أراضيه دون اقتراح ستالين إرسال الجيش الأحمر لمساعدة تشيكوسلوفاكيا (خوفا من خسارة الأراضي السوفياتية التي حازتها بولندا بمقتضى معاهدة ريغا).

وقعت الحكومة الفرنسية التي يمثلها جورج بونيه معاهدة عدم اعتداء مع ريبونتروب في 6 ديسمبر 1938 و يتعاهد بمقتضاها البلدين على التشاور المتبادل في ما يخص المسائل المتعلقة بهما في حال أزمات دولية و تعتبر حدودهما الجغرافية نهائية[1].

قلقا من البرامج التوسعية لألمانيا النازية في الشرق (بحثا عن «مجالها الحياتي» و بتشجيع الخطاب العدائي لذي ألقاه هتلر ضد السلاف و الذي يقترح إبادتهم أو استعبادهم)، حاول الاتحاد السوفياتي مرارا إقناع فرنسا و بريطانيا بتكوين حلف بينهم، ينص على المساعدة العسكرية المتبادلة في حال حاولت ألمانيا غزو أحد هذه البلدان، من دون جدوى.

نفور فرنسا و بريطانيا من فكرة «التحالف الكبير» ضد ألمانيا النازية و التنازلات التي قدمتاها لهتلر و الدلائل المشيرة إلى أمل هاذين البلدين في نشوب حرب بين ألمانيا و الاتحاد السوفياتي[2]، قد يفسر ابتعاد الاتحاد السوفياتي عن الديمقراطيات الغربية الغير مبالية بها إن لم تكن معادية لها، و ابرامها معاهدة مع ألمانيا[3]. يذكر تشرشل في كتابه أن فرنسا كانت بدراية منذ 7 ماي 1939، أن الاتحاد السوفياتي كان يميل أكثر إلى اتفاقية تهدف إلى اقتسام بولندا أكثر منها إلى حمايته[4].

في 23 أوت 1939، وقعة في موسكو معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفياتية المعروفة أكثر تحت اسم الاتفاق الألماني السوفييتي، و وقعها الاتحاد السوفييتي و ألمانيا النازية عن طريق ممثليهما مولوتوف و ريبونتروب، و لذلك يعرف أيضا باسم اتفاقية مولوتوف-ريبونتروب.

[عدل] محتوى المعاهدة[عدل] بند عدم العدوانأعلن الاتفاق انتهاء الصراع بين البلدين، مع اقتراح الحيادية في حال هجوم طرف ثالث على أحدهما. يتعهد كل من البلدين عدم تعبئة قوات قد تكون «موجهة بصفة مباشرة أو غير مباشرة ضد الطرف الآخر».

[عدل] البروتوكولات السريةتحتوي المعاهدة أيضا على العديد من البروتوكولات التي ضلت لمدة طويلة سرية[5]. هذه البروتوكولات تحدد مناطق نفوذ كل من ألمانيا النازية و الاتحاد السوفياتي على البلدان الواقعة بينهما (إسكندنافيا، دول البلطيق، بولندا، رومانيا، ...). حدد أيضا خط اقتسام بولندا في حال إعادة تنظيم الأراضي. و وقع هذا الاقتسام فعلا بعد غزو ألمانيا النازية لبولندا في 1 سبتمبر 1939 تبعه غزو سوفياتي في 17 سبتمبر. يتبع خط الاقتسام تقريبا خط كورزن الذي كان ليفصل بولندا عن روسيا بعد حرب 1920 الروسية البولندية.


اقتسام الأراضي المزعم حسب البروتوكولات السرية للمعاهدة، و التغييرات الميدانية للحدود سنة 1940وفق المعاهدة، تتعهد الجيستابو بتسليم الآن كي في دي اللاجئين الروس الموجودين على التراب الألماني و المطلوبين لدى الاتحاد السوفياتي، مقابل ذلك يسلم الاتحاد السوفياتي لألمانيا العديد من اللاجئين الألمان و النمساويين المعادين للفاشية بالاتحاد السوفياتي (مثل مرغريت بوبر-نيومان و مؤسس الحزب الشيوعي النمساوي، فرانز كوريتشونر).

[عدل] اقتسام بولنداأحد بروتوكولات المعاهدة ينص على أنه في حال اقتسام بولندا، يجب على الطرفين أخذ الإجراءات اللازمة لمنع أية حركة مقاومة بولندية. تم إقرار التشاور المتبادل في خصوص كل قرارات و أساليب القمع الواجب توخيها أيضا :

«لا يسمح كل من الطرفين بأي نوع من أنواع الشغب، التي قد تهدد الطرف الآخر، من قبل البولنديين على أراضيه. كل من الطرفين يقمع على أرضه كل نواة لذلك النوع من أعمال الشغب، و يتبادلان بينهما كل المعلومات و الوسائل اللازمة في هذا الصدد»

هذه الوسائل كانت محل تعاون مستمر بين الجيستابو و الآن كاي في دي خلال شتاء 1939-1949. بعد ذلك اهتم كل من الطرفين بالتخلص من النخبة الفكرية البولندية. استخدم الألمان معايير عرقية بينما السوفيات استعملوا معايير فئوية. تم اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية، التي تعتبر أحد أعمدة الهوية الوطنية البولندية، من قبل الطرفين. بقية هذه الأحداث سرية حينها و لم يتم الكتابة عنها في الصحف الوطنية.

[عدل] غزو فنلنداأعاد الاتحاد السوفياتي في 9 أكتوبر 1939 تجديد المحادثات التي بدأها في أفريل 1938 مع فنلندا، لكن من دون جدوى. اقترحت موسكو، في 14 أكتوبر، استئجار ميناء هانكو الذي يعتبر مفتاح خليج فنلندا لمدة 30 سنة و الذي سيمكن الاتحاد السوفياتي من بسط نفوذه على الخليج مما يجعل حصاره من قبل ألمانيا النازية مستحيلا. كما اقترحت مقايضة 2750 كم² من الأراضي الفنلندية مقابل 5527 كم² من الأراضي السوفياتية في محاولة لحماية مدينة لينينغراد التي لا تبعد سوى 32 كم فقط عن منطقة برزخ كاريليا من الحدود السوفياتية-الفنلندية. أمام الرفض الفنلندي، ألغى الاتحاد السوفياتي في 28 نوفمبر معاهدة 1932 لعدم الاعتداء بين البلدين و تخطى الحدود في 30 نوفمبر، بادئة بذلك حرب الشتاء من دون القيام بالتحضيرات العسكرية اللازمة[6].

[عدل] الدور الإستراتيجي للاتفاق
ستالين و ريبونتروب خلال توقيع المعاهدة
ريبونتروب و مولوتوف في برلين سنة 1940لمدة سنتين، خدم الاتفاق مصالح كل من الطرفين.

من ناحية، سمح الاتفاق لألمانيا النازية بإرسال وحداته العسكرية، و لاسيما الوحدات المدرعة، نحو الغرب، من دون الخوف من هجوم سوفياتي في الشرق. استطاعت ألمانيا غزو فرنسا بفضل حرب خاطفة قبل أن تستدير من جديد نحو الاتحاد السوفياتي و تكسر بواسطة عملية بارباروسا اتفاقية عدم الاعتداء بينهما في 22 جوان 1941.

من ناحية أخرى و حسب مولوتوف، الذي لم يندم أبدا على توقيعه، مكن الاتفاق الاتحاد السوفياتي من الاستعداد لحرب لا مناص منها بعد فشل الحلف مع فرنسا و بريطانيا، و من الفوز في نهاية الأمر. دور المعاهدة كان تأخير الصراع قدر الإمكان لتتيح للاتحاد السوفياتي فرصة تدارك تأخرها التكنولوجي (كان مولوتوف في أول الأمر آملا في هدنة لمدة عام لدى توقيعه المعاهدة و يطمح في تمديدها إلى أن تندلع الحرب مع ألمانيا) و لخلق منطقة عازلة إلى الغرب لحماية المراكز السياسية و الاقتصادية للبلاد[7]. بناء و تحويل المصانع نحو سيبيريا على امتداد السنتين التي دامها الاتفاق سمح بتوفر قاعدة خلفية بعيدة عن جبهة الصراع، بينما كانت المفاوضات مع فنلندا لتوفر الأراضي القريبة من لينينغراد لحمايتها نظرا لقربها من الحدود.

[عدل] مراجع1.^ جون بابتيست دوروسال، السياسة الخارجية لفرنسا -- التدهور (1932-1939)، المطبعة الوطنية، باريس، 1979
2.^ ينقل السفير الفينلاندي في لندن غريبنبيرغ لحكومته، في 25 نوفمبر 1938، أن فرنسا و بريطانيا لن تتعرض للتوسع الألماني في الغرب و أن الموقف البريطاني حيال هذه المسألة كان الانتظار «إلى أن يندلع صراع كبير بين ألمانيا و الاتحاد السوفياتي. ريا نوفوستي، 30 سبتمبر 2008
3.^ على سبيل المثال، كانت تلك وجهة نظر المؤرخ الأمريكي ميخائيل كارلي، التي طرحها في كتابه السنوات المخذلة : فشل الحلف البريطاني-فرنسي-سوفياتي في 1939
4.^ وينستون تشرشل، الحرب العالمية الثانية، الجزء الأول، شركة إعادة الاصدار، 1950، الصفحة 302
5.^ وثائق نورنبيرغ، الجزء العاشر، الصفحة 210
6.^ بول-ماري دي لا غورس،39-45، حرب مجهولة، الفصل الرابع
7.^ مولوتوف لم يندم أبدا على توقيعه الاتفاق مع النازيين، مقابلة مع المحلل السياسي الروسي فياتشيسلاف نيكونوف حفيد مولوتولف، 24 أوت 2009