- الثلاثاء مايو 17, 2011 7:25 am
#35628
بين الشيطان والبحر
تاريخ النشر: الأربعاء 11 مايو 2011 تم التحديث: الأربعاء 11 مايو 2011
على رغم ما يمكن أن يقوله منتقدوه، فإن كريستوفر هتشنز، هو كاتب متحرر من "الكليشيهات" ينظر إلى المفارقة كفضيلة يجب الاعتزاز بها. وفي مذكراته «هتش 22» يعالج هتشنز موضوعاته المفضلة من الإلحاد وأزمات سياسات اليسار، والأدب الإنجليزي وكراهيته للفاشية. وفي داخل تلك المعالجة، تحدث حول صراعاته وأصدقائه المقربين من "الشخصيات العظيمة" - من سلمان رشدي إلى إدوارد سعيد - وهو ما عمل، بالتضافر مع عناصر أخرى على إلقاء الضوء على التهديد الواضح للآيديولوجيات الأصولية. ويبرر التكرار الدائم للأنماط الرئيسة والمبادئ القوية لهتشنز السبب والكيفية اللذين جعلا هتشنز يتعلق بفكرة «هتش 22».
«هتش 22»: مذكرات
كريستوفر هتشنز
أتلانتيك بوكس 2010
20 جنيها إسترلينيا
كيف يمكن لكاتب يكره الكليشيهات أن يتعامل مع ذلك الشكل المكرر من الأشكال الأدبية..، المذكرات؟ فهو وسيط يتمحور أساسا حول الذات، ومحمل بقرون من التقاليد العريقة التي يمكن أن تشعر المرء بخوف أصيل من السقوط في شرك سرد الأحداث من دون مفارقة. كريستوفر هتشنز، على رغم ما يمكن أن يقوله منتقدوه عنه، هو كاتب يكره الكليشيهات ويعتبر المفارقة فضيلة يجب الاعتزاز بها. ولذلك كتب مذكراته «هتش 22» بالطريقة الوحيدة التي بقيت أمامه، حيث ربط الأحداث المهمة في حياته بطريقة تبتعد عن الكليشيهات وتعتمد بشكل أساسي على المفارقة والحس الفكاهي الحي. ومن خلال تلك التقنية، عالج هتشنز موضوعاته المفضلة من الإلحاد، ونزوات السياسات اليسارية، والأدب الإنجليزي، وكراهية الفاشية. وعبر تلك المعالجة، تحدث حول خصومه وأصدقائه المقربين من الشخصيات العظيمة - من سلمان رشدي إلى إدوارد سعيد - والتي عبرها، وبالتضافر مع عناصر أخرى، ألقى الضوء على التهديد الموضوعي لما قال إنه الإسلام الأصولي.
ويشير العنوان بوضوح إلى «كاتش 22»، وهي الرواية المرجع للكتابة الفكاهية والتي تكشف بجرأة عن جنون الحرب من بين أشياء أخرى. ربما تفكر ما هذه الجرأة والوقاحة، قبل أن تدرك أن الأمر لا يتعلق فقط بالتلاعب اللفظي بعنوان رواية جوزيف هيلر الإبداعية. بل لقد تم بناء المذكرات بأسرها إلى حد ما بأسلوب يحاكي بنية كتاب هيلر التي تشبه الدوامة. وفي مركز تلك الدوامة، يوجد جزء سيكون أكثر الأجزاء التي يتم تذكرها، ربما للأسف، وهو الجزء المتعلق بتأييده لغزو العراق في 2003. وفي الغالب فإن قارئ تلك المذكرات، وذلك ما يدركه هتشنز بوضوح ولكنه لا يقر به أبدا، يرغب في قراءتها لكي يطلع على الجزء الخاص بتخلي الكاتب عن معتقداته «الاتجاه لليمين». ويماثل ذلك الحدث غير المصرح به إشارة بطل هيلر، يوساريان، المستمرة لمقتل سنودون في «كاتش 22». وعلى غرار مقتل سنودون، فإن إغضاب هتشنز لليسار له إرهاصاته في الازدواجية التي اشتهر بها أثناء الطفولة - الاحتفاظ بمجموعتين من الكتب - ثم اتهامه لاحقا بالاشتراكية ثم تبنيه لاحقا لجنسية جديدة - الحصول على الجنسية الأميركية في 2007 - وبالتالي فإن هتشنز يعد يوساريان، في إشارة إلى الطيار الذي يكره الطيران، وقاذف القنابل الذي لا يرغب في إلقاء القنابل.
تعج السيرة الذاتية بالازدواجية والسخرية والتناقض، وحتى الجزء الأساسي المتعلق بطفولته وسنوات طفولته الأولى لم يربط فيه ببساطة بين عدد من ذكريات الطفولة ولكنه جاء ليوضح على نحو مفارق المكان الذي كون فيه المؤلف كراهيته للفاشية - نظام التعليم الإنجليزي الأساسي - وهو «العالم الذي كان سكانه يخضعون طوال الوقت لقواعد لم يكن من الممكن دائما فهمها، ناهيك عن الالتزام بها». ومنذ ذلك الوقت أصبح من الواضح أن سخف طغيان القرن العشرين سوف يصبح هو الوحش الذي يحتشد الشاب في مواجهته.
ولا يسعنا إلا تصديق رواية المؤلف بأنه عندما كان في أكسفورد، كان طالبا راديكاليا مدركا بوضوح وعلى نحو ساخر الانقسامات التي يعاني منها اليسار على رغم أنه لم يكن يستطيع التمييز بين قناعته التروتسكية وغيرها من الفرق الاشتراكية. ومن الصعب أن نتخيل شابا أكثر جدية وإقناعا مما تم تصويره هنا ولكن السيرة الذاتية تسمح بلا شك بقدر من الزهو.
وفي كتابه «هتش 22» لم تكن الدعابة - وبعض الدفء المفاجئ - على مبعدة أكثر من صفحات عدة. وستجد أن قراءة افتخاره المتواضع بلقائه نيلسون مانديلا والتوازن الذي طمأنه عبره رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بأن رسالة أرسلها نادي هتشنز للعمال المبتدئين إلى جزيرة روبن أيلاند قد أسعدت يومه. وعادة تكمن متعة قراءة المذكرات في الإثارة التي تخلفها تلك الحكايات والروايات المتعلقة بالمشاهير. وكان هتشنز محظوظا ليس فقط لأنه كان على مقربة من المشاهير ولكن لأنه تمتع بصحبة مشاهير عظماء وموقرين. وإقرارا بذلك، سميت بعض الفصول بأسماء الأفراد. وعلى نحو غير مفاجئ، يتكرر ظهور أثر مارتن أميس طوال الكتاب، حيث يعمل كمعادل شعري للمزاج الأدبي العملي لهتشنز - وهنا تبرز الازدواجية رأسها مرة أخرى - حينما يظهر أميس كتوأم الروح. كما أن المغامرة الغريبة التي قام بها الصديقان المقربان مثيرة بما يكفي، ولكن الفصول المخصصة لإدوارد سعيد وسلمان رشدي تكشف الكثير حول صراع هتشنز من أجل التوصل إلى مواءمة مع سخف العالم.
إن براعة رشدي ومهارته البالغة في معالجة الكلمات تتناقض مع رغباته الصبيانية، وهو المزيج الذي أهّله بامتياز للانتماء إلى زمرة هتشنز اللندنية. فقد كان الجدل القاسي الذي أحاط بالفتوى التي أصدرها آية الله الخميني هو ما أجبر هتشنز على إظهار مخالبه في مواجهة الشمولية الرجعية. وفي أول حادثة يخوض فيها معركة مع زملائه السابقين، كان هتشنز مرتعبا من عدم وجود استجابة لما اعتبره هجوما مباشرا على المبادئ الأساسية للمجتمع الحر.
وقد عملت محنة رشدي كقاطرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وقد أثار ذلك الهجوم العنيف على الولايات المتحدة من قبل قوى التطرف الإسلامي أسى حقيقيا وغضبا في قلب هتشنز - لم يكن التروتسكي المتحمس يرى أي شيء راديكالي في ذلك الهجوم الإرهابي - ولم يكن لديه وقت لسلسلة المبررين لجرائم ذلك اليوم، الأشخاص الذين يفترض أنهم كانوا من المقربين له فكريا.
وربما يمثل إدوارد سعيد عاشق الأدب الإنجليزي الذي كان هتشنز معجبا به كصديق، نوع المبررين الذين اعتبرهم هتشنز استثناء. وربما يمكن التعامل مع الفصل المخصص لسعيد على غرار كل الفصول المخصصة لرفاق هتشنز السابقين من اليسار. صداقة قوية، واحترام متبادل يتراجع تدريجيا لكي يتحول إلى عداء مهني، نظرا لما يعتبره هتشنز تخليا عن المسؤوليات وإخفاقا في تقديم أحقية واضحة من جانب هؤلاء المدافعين عن الحرية الشخصية، من دون تردد يعتمد على الملابسات.
وتدور حكايات هتشنز واستدعاؤه للأحداث حول الفصل الرئيس (على نحو استعاري) من الكتاب. وتهيمن حرب العراق 2003 على المذكرات إلى حد أن كل شيء قبل أو بعد هو من قبيل الإطار. وقد أثار تأييد هتشنز لتغيير النظام في عراق صدام حسين غضب بعض أصدقائه وجمهوره. ولكن على غرار الانتباه للتفاصيل في مذكراته، فإن التكرار المستمر للأنماط الرئيسة ومبادئه الصارمة، والتي تتضح في النهاية - حتى بالنسبة لنقاده الصرحاء - هو السبب الذي جعل هتشنز يعلق بـ«هتش 22».
ولم يكن اعتباره نفسه يوساريان الكتاب أكثر ملاءمة من الوقت الذي علم فيه بمصير جندي أميركي شاب مات في ملابسات درامية في العراق. ويبدو على نحو ما أن دفاع هتشنز عن الحرب هو ما أقنع الشاب بالمشاركة في الخدمة. وفي مسار مؤثر، تمكن عبره من امتداح الروح الأميركية بطريقة خالية من المحاباة، كان واضحا أن هتشنز يدرك الجنون اللانهائي الذي واجهه في حياته وهو واثق تماما، مثلما كان يوساريان، من أننا جميعا عالقون بين الشيطان والبحر داكن الزرقة.
تاريخ النشر: الأربعاء 11 مايو 2011 تم التحديث: الأربعاء 11 مايو 2011
على رغم ما يمكن أن يقوله منتقدوه، فإن كريستوفر هتشنز، هو كاتب متحرر من "الكليشيهات" ينظر إلى المفارقة كفضيلة يجب الاعتزاز بها. وفي مذكراته «هتش 22» يعالج هتشنز موضوعاته المفضلة من الإلحاد وأزمات سياسات اليسار، والأدب الإنجليزي وكراهيته للفاشية. وفي داخل تلك المعالجة، تحدث حول صراعاته وأصدقائه المقربين من "الشخصيات العظيمة" - من سلمان رشدي إلى إدوارد سعيد - وهو ما عمل، بالتضافر مع عناصر أخرى على إلقاء الضوء على التهديد الواضح للآيديولوجيات الأصولية. ويبرر التكرار الدائم للأنماط الرئيسة والمبادئ القوية لهتشنز السبب والكيفية اللذين جعلا هتشنز يتعلق بفكرة «هتش 22».
«هتش 22»: مذكرات
كريستوفر هتشنز
أتلانتيك بوكس 2010
20 جنيها إسترلينيا
كيف يمكن لكاتب يكره الكليشيهات أن يتعامل مع ذلك الشكل المكرر من الأشكال الأدبية..، المذكرات؟ فهو وسيط يتمحور أساسا حول الذات، ومحمل بقرون من التقاليد العريقة التي يمكن أن تشعر المرء بخوف أصيل من السقوط في شرك سرد الأحداث من دون مفارقة. كريستوفر هتشنز، على رغم ما يمكن أن يقوله منتقدوه عنه، هو كاتب يكره الكليشيهات ويعتبر المفارقة فضيلة يجب الاعتزاز بها. ولذلك كتب مذكراته «هتش 22» بالطريقة الوحيدة التي بقيت أمامه، حيث ربط الأحداث المهمة في حياته بطريقة تبتعد عن الكليشيهات وتعتمد بشكل أساسي على المفارقة والحس الفكاهي الحي. ومن خلال تلك التقنية، عالج هتشنز موضوعاته المفضلة من الإلحاد، ونزوات السياسات اليسارية، والأدب الإنجليزي، وكراهية الفاشية. وعبر تلك المعالجة، تحدث حول خصومه وأصدقائه المقربين من الشخصيات العظيمة - من سلمان رشدي إلى إدوارد سعيد - والتي عبرها، وبالتضافر مع عناصر أخرى، ألقى الضوء على التهديد الموضوعي لما قال إنه الإسلام الأصولي.
ويشير العنوان بوضوح إلى «كاتش 22»، وهي الرواية المرجع للكتابة الفكاهية والتي تكشف بجرأة عن جنون الحرب من بين أشياء أخرى. ربما تفكر ما هذه الجرأة والوقاحة، قبل أن تدرك أن الأمر لا يتعلق فقط بالتلاعب اللفظي بعنوان رواية جوزيف هيلر الإبداعية. بل لقد تم بناء المذكرات بأسرها إلى حد ما بأسلوب يحاكي بنية كتاب هيلر التي تشبه الدوامة. وفي مركز تلك الدوامة، يوجد جزء سيكون أكثر الأجزاء التي يتم تذكرها، ربما للأسف، وهو الجزء المتعلق بتأييده لغزو العراق في 2003. وفي الغالب فإن قارئ تلك المذكرات، وذلك ما يدركه هتشنز بوضوح ولكنه لا يقر به أبدا، يرغب في قراءتها لكي يطلع على الجزء الخاص بتخلي الكاتب عن معتقداته «الاتجاه لليمين». ويماثل ذلك الحدث غير المصرح به إشارة بطل هيلر، يوساريان، المستمرة لمقتل سنودون في «كاتش 22». وعلى غرار مقتل سنودون، فإن إغضاب هتشنز لليسار له إرهاصاته في الازدواجية التي اشتهر بها أثناء الطفولة - الاحتفاظ بمجموعتين من الكتب - ثم اتهامه لاحقا بالاشتراكية ثم تبنيه لاحقا لجنسية جديدة - الحصول على الجنسية الأميركية في 2007 - وبالتالي فإن هتشنز يعد يوساريان، في إشارة إلى الطيار الذي يكره الطيران، وقاذف القنابل الذي لا يرغب في إلقاء القنابل.
تعج السيرة الذاتية بالازدواجية والسخرية والتناقض، وحتى الجزء الأساسي المتعلق بطفولته وسنوات طفولته الأولى لم يربط فيه ببساطة بين عدد من ذكريات الطفولة ولكنه جاء ليوضح على نحو مفارق المكان الذي كون فيه المؤلف كراهيته للفاشية - نظام التعليم الإنجليزي الأساسي - وهو «العالم الذي كان سكانه يخضعون طوال الوقت لقواعد لم يكن من الممكن دائما فهمها، ناهيك عن الالتزام بها». ومنذ ذلك الوقت أصبح من الواضح أن سخف طغيان القرن العشرين سوف يصبح هو الوحش الذي يحتشد الشاب في مواجهته.
ولا يسعنا إلا تصديق رواية المؤلف بأنه عندما كان في أكسفورد، كان طالبا راديكاليا مدركا بوضوح وعلى نحو ساخر الانقسامات التي يعاني منها اليسار على رغم أنه لم يكن يستطيع التمييز بين قناعته التروتسكية وغيرها من الفرق الاشتراكية. ومن الصعب أن نتخيل شابا أكثر جدية وإقناعا مما تم تصويره هنا ولكن السيرة الذاتية تسمح بلا شك بقدر من الزهو.
وفي كتابه «هتش 22» لم تكن الدعابة - وبعض الدفء المفاجئ - على مبعدة أكثر من صفحات عدة. وستجد أن قراءة افتخاره المتواضع بلقائه نيلسون مانديلا والتوازن الذي طمأنه عبره رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بأن رسالة أرسلها نادي هتشنز للعمال المبتدئين إلى جزيرة روبن أيلاند قد أسعدت يومه. وعادة تكمن متعة قراءة المذكرات في الإثارة التي تخلفها تلك الحكايات والروايات المتعلقة بالمشاهير. وكان هتشنز محظوظا ليس فقط لأنه كان على مقربة من المشاهير ولكن لأنه تمتع بصحبة مشاهير عظماء وموقرين. وإقرارا بذلك، سميت بعض الفصول بأسماء الأفراد. وعلى نحو غير مفاجئ، يتكرر ظهور أثر مارتن أميس طوال الكتاب، حيث يعمل كمعادل شعري للمزاج الأدبي العملي لهتشنز - وهنا تبرز الازدواجية رأسها مرة أخرى - حينما يظهر أميس كتوأم الروح. كما أن المغامرة الغريبة التي قام بها الصديقان المقربان مثيرة بما يكفي، ولكن الفصول المخصصة لإدوارد سعيد وسلمان رشدي تكشف الكثير حول صراع هتشنز من أجل التوصل إلى مواءمة مع سخف العالم.
إن براعة رشدي ومهارته البالغة في معالجة الكلمات تتناقض مع رغباته الصبيانية، وهو المزيج الذي أهّله بامتياز للانتماء إلى زمرة هتشنز اللندنية. فقد كان الجدل القاسي الذي أحاط بالفتوى التي أصدرها آية الله الخميني هو ما أجبر هتشنز على إظهار مخالبه في مواجهة الشمولية الرجعية. وفي أول حادثة يخوض فيها معركة مع زملائه السابقين، كان هتشنز مرتعبا من عدم وجود استجابة لما اعتبره هجوما مباشرا على المبادئ الأساسية للمجتمع الحر.
وقد عملت محنة رشدي كقاطرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وقد أثار ذلك الهجوم العنيف على الولايات المتحدة من قبل قوى التطرف الإسلامي أسى حقيقيا وغضبا في قلب هتشنز - لم يكن التروتسكي المتحمس يرى أي شيء راديكالي في ذلك الهجوم الإرهابي - ولم يكن لديه وقت لسلسلة المبررين لجرائم ذلك اليوم، الأشخاص الذين يفترض أنهم كانوا من المقربين له فكريا.
وربما يمثل إدوارد سعيد عاشق الأدب الإنجليزي الذي كان هتشنز معجبا به كصديق، نوع المبررين الذين اعتبرهم هتشنز استثناء. وربما يمكن التعامل مع الفصل المخصص لسعيد على غرار كل الفصول المخصصة لرفاق هتشنز السابقين من اليسار. صداقة قوية، واحترام متبادل يتراجع تدريجيا لكي يتحول إلى عداء مهني، نظرا لما يعتبره هتشنز تخليا عن المسؤوليات وإخفاقا في تقديم أحقية واضحة من جانب هؤلاء المدافعين عن الحرية الشخصية، من دون تردد يعتمد على الملابسات.
وتدور حكايات هتشنز واستدعاؤه للأحداث حول الفصل الرئيس (على نحو استعاري) من الكتاب. وتهيمن حرب العراق 2003 على المذكرات إلى حد أن كل شيء قبل أو بعد هو من قبيل الإطار. وقد أثار تأييد هتشنز لتغيير النظام في عراق صدام حسين غضب بعض أصدقائه وجمهوره. ولكن على غرار الانتباه للتفاصيل في مذكراته، فإن التكرار المستمر للأنماط الرئيسة ومبادئه الصارمة، والتي تتضح في النهاية - حتى بالنسبة لنقاده الصرحاء - هو السبب الذي جعل هتشنز يعلق بـ«هتش 22».
ولم يكن اعتباره نفسه يوساريان الكتاب أكثر ملاءمة من الوقت الذي علم فيه بمصير جندي أميركي شاب مات في ملابسات درامية في العراق. ويبدو على نحو ما أن دفاع هتشنز عن الحرب هو ما أقنع الشاب بالمشاركة في الخدمة. وفي مسار مؤثر، تمكن عبره من امتداح الروح الأميركية بطريقة خالية من المحاباة، كان واضحا أن هتشنز يدرك الجنون اللانهائي الذي واجهه في حياته وهو واثق تماما، مثلما كان يوساريان، من أننا جميعا عالقون بين الشيطان والبحر داكن الزرقة.