منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#4808
إن موضوع مؤتمرنا هو ( دور الناتو في أمن الخليج ) وإنني أقدر الفرصة التي أتيحت لي في بداية برنامجنا لتوضيح الأمور المتعلقة بأمن المنطقة بالنسبة للحلف ، وما هي مصلحة الناتو ودول الخليج في العمل معاً وكيف يمكننا تعزيز التعاون بيننا. يشكل هذا المؤتمر جزءاً كبيراً من الحوار السياسي المتزايد الذي أؤيده ضمن إطار الحلف ، ومنتدى عبر الأطلسي لقضايا الأمن الاستراتيجي وبين الحلفاء وشركائهم مثل دول الخليج. إن الحوار السياسي الذي ينساب بشكل طبيعي عن دور الناتو الذي تغير وما زال يتغير بما يهدف إلى تحقيق الاستقرار من خلال عملياته ومهامه ومن خلال نطاقه العريض من الشراكات وعبر إمكانياته العسكرية المتغيرة. لماذا يتوجب على الناتو ودول الخليج مناقشة الأمور الأمنية ؟ دعوني أقدم لكم ثلاثة أسباب رئيسية : السبب الأول هو البيئة الأمنية المتغيرة . إن التهديدات التي نواجهها اليوم لا تقتصر على أي منا بمفرده ، بل هي تهديدات مشتركة عبر العالم ولا توجد دولة من دولنا ذات حصانة ضد هذه التهديدات وبمنأى عنها. منذ نهاية الحرب الباردة ظهر المزيد من التهديدات الأمنية بشكل حقيقي في أجزاء من العالم ، بدءاً من الإرهاب وإضعافه للدول ، مروراً بانتشار أسلحة الدمار الشامل والمتاجرة في البشر والأسلحة والمخدرات .

هذه التهديدات التي غالباً ما تنتشر بشكل طبيعي لا يمكن احتوائها بسهولة ، ويجب التصدي لها متى وأينما ظهرت ، وإلا فإنها ستصل إلى أبواب بيوتنا . إن هذا القناعة هي التي تشكل أساس الحاجة إلى أن نجلس وجهاً لوجه مع شركائنا بشأن هذه الأمور. وهذا ينقلنا إلى السبب الآخر ، وهو لماذا يرغب الناتو في مناقشة النواحي الأمنية مع دول الخليج ، إنها الطبيعة المتغيرة لحلف الناتو نفسه ، فخلال فترة الحرب الباردة ركزنا على منع نشوب حرب كبيرة في أوروبا ، واليوم فإنكم ترون حلفاً مختلفاً . إن عضويتنا قد زادت إلى ستة وعشرين دولة ، كما إننا مرتبطون بمجموعة كبيرة من المهام تتفاوت من حفظ السلام في البلقان وأفغانستان إلى جهود المساعدات الإنسانية في باكستان ومساندة الاتحاد الأفريقي في دارفور ، وإجراء عمليات بحرية مضادة للإرهاب في البحر الأبيض المتوسط وتنفيذ مهمة تدريبية في العراق. لقد ساهم العديد من الشركاء بشكل كبير في معظم هذه المهام ، حيث استجابوا لرغبة الناتو في العمل سوياً مع الآخرين . وحقيقةً فإن الحلف قد كان يبني شراكات منذ نهاية الحرب الباردة ، واليوم فإن لدى الناتو علاقات وثيقة مع الدول في أنحاء أوروبا ، في القوقاز وآسيا الوسطى . وخلال العشر سنوات الماضية ارتبط الحلف أيضاً بدول من شمال أفريقيا والشرق الأوسط في حواره المتوسطي. والآن نقوم ببناء روابط جديدة مع أستراليا ، نيوزيلندا ، اليابان ، كوريا الجنوبية ودول أخرى . لماذا ؟ لأننا نعلم جميعاً بأنه لأجل تحقيق المزيد من الأمن يتوجب علينا العمل معاً وأن نفهم ما نقوم به جيداً. وبواسطة التعاون من خلال الناتو فإننا نستطيع توليد أقوى زخم سياسي وفاعلية عسكرية .

مرة أخرى فإن حقيقة أن دول شريكة عديدة تشارك في العمليات التي يقودها الناتو تثبت هذا المنطق. وكمنظمة كانت تتعامل في التعاون الأمني مع جنسيات متعددة لأكثر من نصف قرن ، فإن الناتو يمتلك ثروة من الخبرة يقدمها للدول غير المنضمة للناتو . والشيء الأهم – خلال العقد الماضي – قمنا بتطوير الروابط السياسية والعسكرية الضرورية مع دول من غير الناتو لجعل تعاوننا أكثر فاعلية . وهذا هو السبب في أن الناتو الجديد في موقع أفضل بكثير الآن لتقديم مساهمة محسوسة في مجال الأمن بشكل أوسع ، بما في ذلك لأمن الخليج. هذا يقودني للسبب الثالث ، للنظر في اهتمام الناتو بأمن الخليج : الديناميكية الجديدة في منطقة الخليج نفسها التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية. بمصطلح السياسة الخارجية ، فإن دول الخليج مفردة أو مجتمعة عبر دول مجلس التعاون الخليجي ، قد ظهرت كلاعبين مهمين بحكم حقوقهم الذاتية . بالمصطلح الداخلي ، فقد أبدت دول الخليج رغبة في مواجهة تحديات التغيير . وحقيقة فإن العديد من دول الخليج قد أظهرت تصميماً قوياً لتضمين تراثها الإسلامي والعربي الغني مع التحديات والفرص التي تفرضها العولمة في عالم اليوم . إن قطر وهي الدولة المضيفة تمثل نموذجاً مثالياً لهذا النوع من التصميم والرؤية . في هذا الوقت فإنه من الواضح أن هذه المنطقة تواجه تحديات أمنية هائلة . كما أن العديد من الدول في هذه المنطقة قد كانت مستهدفة بهجمات إرهابية ، وتظل المنطقة المجاورة الحالية هي النقطة المتوهجة لقضايا إقليمية لم تحل ، من أخطار لانتشار الأسلحة وللتطرف السياسي والديني . إن بيئة أمنية جديدة ، وحلف ناتو جديد ، وديناميكية جديدة في منطقة الخليج ، تعتبر العوامل الرئيسية التي دفعت حلف الناتو في شهر يونيو من العام الماضي لإطلاق مبادرة إسطنبول للتعاون أو ICI ، وبشكل أساسي فإن مبادرة إسطنبول للتعاون تمثل دعوة لدول المنطقة لمساعدتها للارتقاء بالوضع الأمني والاستقرار الإقليمي من خلال التعاون الثنائي مع الناتو في المجالات التي يتمتع الحلف فيها بمهارات وخبرات محددة. إنني مسرور أنه منذ عام ونصف كان هناك اهتماماً كبيراً بمبادرة إسطنبول للتعاون وإرتباطاً قوياً ، الأمر الذي يوضح أن هذه المبادرة تلبي احتياجاً حقيقياً ، وفي هذه اللحظة فليست دولة قطر لوحدها هي التي انضمت لمبادرة اسطنبول للتعاون، ولكن أيضاً دولة الكويت ، مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ، إننا حققنا تقدماً طيباً في تطوير برامج عمل فردية مع كل دولة من هذه الدول ، وهناك اهتماماً بمبادرة إسطنبول للتعاون من جانب المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وعليه فإن كل ذلك يوضح بأن مبادرة إسطنبول للتعاون قد انطلقت بشكل جيد منذ البداية ، ولكنني أعتقد بأنه بوسعنا تحقيق المزيد . وخلال تحركنا إلى الأمام في تطوير هذه المبادرة وتعزيز العلاقة بين الناتو والدول بشكل مفرد هنا في منطقة الخليج ، فإن هناك مجموعة من المبادئ الرئيسية التي أعتقد أنه من الواجب علينا أن نبقيها قيد الاعتبار. المبدأ الأول هو التعاون العملي ، ومن الواضح أن الفائدة النسبية من حلف الناتو تكمن حقيقة في هذا الأمر إن حلف الناتو يعطينا قائمة غنية من الإمكانيات للعمل معاً ، وتشمل هذه المجالات مثلاً التعاون في مكافحة الإرهاب أو في أمن الحدود، كما أنها تشتمل أيضاً على التعاون في الدفاع عن الإصلاحات ، إدارة الأزمات والتخطيط في حالات الطوارئ المدنية ، وكذلك الاتصالات العسكرية - العسكرية ، وإجراء التمارين والتدريب. أسمحوا لي أن أوضح بعض الأشياء في هذا الصدد. وكما أسلفت منذ قليل فإن الناتو يمتلك خبرة ضخمة في التعاون الأمني ، ولكن ذلك لا يتضمن أن الناتو سوف يحاول إستخدام برنامج محددة للتعاون مع الدول الأخرى مثلاً حتى بين دولنا الأعضاء وعددها (26) دولة لا يوجد نموذج إصلاح دفاعي موحد فردي وما يمكن أن ترونه بدلاً عن ذلك فهي نماذج متعددة تم تطويرها على ضوء الخبرات الوطنية المحددة والثقافات السياسية والعسكرية المتميّزة . والقرار يعود لكل دولة مشاركة في المبادرة أن تحدد ما هي الجوانب التي ستناسبها بشكل أفضل من خبرة التعاون مع حلف الناتو . إننا متأكدون تماماً من أن حجماً واحداً لن يناسب جميع المقاسات . ولكننا قادرون بشكل تام على تكييف تعاوننا مع الظروف والإحتياجات الوطنية والإقليمية المحددة. هذا ينقلني مباشرةً إلى المبدأ الثاني من التعاون ، وهو الملكية المشتركة . إن تعاوننا يحترم بوضوح بل ويأخذ في إعتباره السياق الإقليمي ، الثقافي، والسياسي المحدد لشركائنا المعنيين ، ويجب على دول مبادرة إسطنبول للتعاون أن ترى نفسها كمساهمين في المجهود التعاوني وبإيجاز فإن تعاوننا في مبادرة إسطنبول للتعاون يجب أن يأخذ مسارين بالنسبة للقيمة المضافة للطرفين لأن الشراكة الأمنية القوية تفيدنا جميعاً. والمبدأ الثالث هو عملية التكامل . يوجد عمل هام تتولاه دول الخليج ضمن نطاق العمل لمجلس التعاون الخليجي، فهم يشجعون التعاون في عدد من المجالات بما في ذلك المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية وفي هذا المجال الأخير تستطيع جهود حلف الناتو أن تساعد كل دولة من الدول من خلال المساندة والبناء على الجهود الحالية. كما إننا نقـّر أيضاً بوجود عدد من المبادرات الأخرى الموجّهة إلى المنطقة مثلاً بواسطة الإتحاد الأوروبي أو مجموعة دول الثمانية فإننا نرغب في إكمال وتعزيز هذه الجهود. وهذه هي المبادئ الرئيسية التي يجب أن تقود التطور المستقبلي لمبادرة إسطنبول للتعاون فهي مبادئ حساسة وواقعية وتعطينا الإطار الفكري المتين للتقدم إلى الأمام وتدعيم الحوار السياسي والتعاون العملي الذي إرتبطنا به سلفاً. إن الإحتياج الرئيسي في أعمالنا سيكون هو تعزيز ما نقوم به مع المجهودات الدبلوماسية العامة الواضحة حيث أن دول حلف الناتو ودول مبادرة إسطنبول للتعاون بحاجة إلى تركيز ذلك التعاون بما يخدم مصالحنا المشتركة ومصالح شعوبنا. إذا أردنا لجهودنا التعاونية أن تصل إلى مداها فإنه يجب علينا العمل بشكل أفضل لتصحيح التصورات الخاطئة وتجاوز الأضرار وتقاسم الخبرات وبناء الثقة. وإننا نعتقد بأن مؤتمرنا المنعقد اليوم هنا يشكل خطوة هامة في هذا الإتجاه. أصحاب السعادة ، السيدات والسادة ، اليوم وفي عصر العولمة أصبح أمننا أمراً متداخلاً. إن عدم الإستقرار في مكان ما يمكن أن يقوض الأمن في مكان أبعد. وينطبق نفس المنطق أيضاً عندما يرتبط بمزايا السلام والإستقرار. إن هذه المزايا أيضاً سوف يشعر بها الناس في ذلك المكان البعيد خارج المنطقة، وهذا السبب في إحتياجنا إلى تعاون أوثق بيننا. إن مبادرة إسطنبول للتعاون تفتح فصلاً جديداً في هذا التعاون .

إنها تتيح لنا قناة جديدة للحوار السياسي ومجموعة من الأدوات للتعاون العملي في مجال الدفاع والأمن وبإيجاز فإن مبادرة إسطنبول للتعاون تقدم فرصاً جديدة مبشّرة لدول الخليج وكذلك لحلف الناتو. إنه يتوجب علينا إقتناص هذه الفرص