By صالح أباحسين 1 - الثلاثاء مايو 17, 2011 12:56 pm
- الثلاثاء مايو 17, 2011 12:56 pm
#35656
الدولة الرخوة… حاضنة الثوار
خلال الأشهر الماضية، كنتُ مثل غيري أتتبع باندهاش سرّ سقوط تلك الأنظمة المتتالي، من تونس إلى مصر، واليوم تئن ليبيا وسورية واليمن تحت وطأة ظروف مشابهة. تعددت التفاسير، الكل يحلل ويناقش، منهم من يعزو كل هذا السقوط المدوّي إلى الاستبداد المتنامي وتغييب التنمية، ورؤىً أخرى تعتبر السقوط العربي نتج عن استبدادٍ سياسي، وبعض المنطلقين من آرائهم الثقافية والفكرية يعتبرون التغيير الجليّ والكبير في العالم العربي أحد القوانين التي عرفت من خلال السياسة والقوانين الطبيعية في الدول، ويستدلون بآراء عالم الاجتماع الكبير: «ابن خلدون»، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان للدولة بمعناها السياسي كجهاز يحرك المجتمع أي دورٍ في ذلك السقوط؟!
من الذين أجابوا عن هذا السؤال –حتى قبل الثورات- الباحث المصري:» جلال أمين» في كتابه: «مصر في عهد مبارك… على مشارف ثورة» الذي طبعته «دار ميريت» سنة 2009، فقد أكد أمين على نظرية «الدولة الرخوة»، وهو اصطلاح من ابتكار عالم الاقتصاد السويدي الشهير «جنار ميردال»، ويعني بـ«الدولة الرخوة» أنها:» الدولةُ التي تُصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا يوجد في الدولة الرخوة من يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشى لغضّ البصر عنه، وفي هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح، ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة».
وهي نظريةٌ ليست جديدة، بل يقول جلال أمين: «عندما قرأنا ما كتبه الأستاذ ميردال في نهاية الستينيات عن الدولة الرخوة، لم يطرأ ببالنا قط أن كلامه يمكن أن ينطبق على مصر، فقد كانت مصر في ذلك الوقت أبعد ما تكون عن وصف الدولة الرخوة، ثم جاء عهد الرئيس مبارك، وكان كل يوم يمر منه يأتينا بدليل جديد على رخاوة الدولة المصرية»!
قلتُ: لاحظ أن هذا الكلام نشر سنة 2009 قبل أكثر من عامين على السنة العاصفة 2011 هذه السنة المقلقة للعالم.
من الواضح أن النظرية الرخوة لها علامات، والحقيقة أن فكرة الدولة الرخوة التي تنتج القوانين ولا تطبقها، ويتشكل إثر ذلك فيها طبقتان، إحداهما قوية تستمتع بخرق القوانين، وثانية تسكت عن هذه الخروقات مقابل إتاوات لتسهيل هذه الخروقات والسكوت عنها، ليست حكراً على الحالة المصرية، وإن كانت واضحة بينة فيها، بل هي حالة عامة لا تكاد دولة عربية تستثنى منها، مع الفارق بين دولة وأخرى، لجهة الارتخاء أكثر.
أتمنى من الزعماء العرب قراءة هذا الكتاب، واكتشاف مضمونه حتى لا يصل إليهم الدور. إن أي مواطنٍ حصيف يغلّب جانب الإصلاح السلمي على جوانب التغيير الدموي الثوري، لكن حينما تكون الشعوب مقهورةً مستباحة، تعيش تحت ضغوطات جمة فـ’الدولة الرخوة’ لن تتمكن من حماية نفسها أو حراسة نظامها، والإمعان في حالة هذا الارتخاء يعزز أجواء الثورات، ويكون بيئة حاضنة للثوار، لا يمكن قمعهم بالدبابات فكيف بالرصاص الحي!
من كان يتوقع أن أنظمة بوليسية تتنفس القمع تكون بمثل هذا الإحراج السياسي والاجتماعي الذي تعيشه اليوم؟! إن نظرية ‘الدولة الرخوة’ نبعت من دراسةٍ حصيفة جمعت بين الوعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فهلّا قرئ هذا الاقتصادي؟ هلّا قرئ على الأقل كتاب جلال أمين؟ أتمنى أن لا يصح علينا قول دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى …… فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد!
كتبه تركي الدخيل
بتاريخ / ١٧ مايو
خلال الأشهر الماضية، كنتُ مثل غيري أتتبع باندهاش سرّ سقوط تلك الأنظمة المتتالي، من تونس إلى مصر، واليوم تئن ليبيا وسورية واليمن تحت وطأة ظروف مشابهة. تعددت التفاسير، الكل يحلل ويناقش، منهم من يعزو كل هذا السقوط المدوّي إلى الاستبداد المتنامي وتغييب التنمية، ورؤىً أخرى تعتبر السقوط العربي نتج عن استبدادٍ سياسي، وبعض المنطلقين من آرائهم الثقافية والفكرية يعتبرون التغيير الجليّ والكبير في العالم العربي أحد القوانين التي عرفت من خلال السياسة والقوانين الطبيعية في الدول، ويستدلون بآراء عالم الاجتماع الكبير: «ابن خلدون»، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان للدولة بمعناها السياسي كجهاز يحرك المجتمع أي دورٍ في ذلك السقوط؟!
من الذين أجابوا عن هذا السؤال –حتى قبل الثورات- الباحث المصري:» جلال أمين» في كتابه: «مصر في عهد مبارك… على مشارف ثورة» الذي طبعته «دار ميريت» سنة 2009، فقد أكد أمين على نظرية «الدولة الرخوة»، وهو اصطلاح من ابتكار عالم الاقتصاد السويدي الشهير «جنار ميردال»، ويعني بـ«الدولة الرخوة» أنها:» الدولةُ التي تُصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا يوجد في الدولة الرخوة من يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشى لغضّ البصر عنه، وفي هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح، ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة».
وهي نظريةٌ ليست جديدة، بل يقول جلال أمين: «عندما قرأنا ما كتبه الأستاذ ميردال في نهاية الستينيات عن الدولة الرخوة، لم يطرأ ببالنا قط أن كلامه يمكن أن ينطبق على مصر، فقد كانت مصر في ذلك الوقت أبعد ما تكون عن وصف الدولة الرخوة، ثم جاء عهد الرئيس مبارك، وكان كل يوم يمر منه يأتينا بدليل جديد على رخاوة الدولة المصرية»!
قلتُ: لاحظ أن هذا الكلام نشر سنة 2009 قبل أكثر من عامين على السنة العاصفة 2011 هذه السنة المقلقة للعالم.
من الواضح أن النظرية الرخوة لها علامات، والحقيقة أن فكرة الدولة الرخوة التي تنتج القوانين ولا تطبقها، ويتشكل إثر ذلك فيها طبقتان، إحداهما قوية تستمتع بخرق القوانين، وثانية تسكت عن هذه الخروقات مقابل إتاوات لتسهيل هذه الخروقات والسكوت عنها، ليست حكراً على الحالة المصرية، وإن كانت واضحة بينة فيها، بل هي حالة عامة لا تكاد دولة عربية تستثنى منها، مع الفارق بين دولة وأخرى، لجهة الارتخاء أكثر.
أتمنى من الزعماء العرب قراءة هذا الكتاب، واكتشاف مضمونه حتى لا يصل إليهم الدور. إن أي مواطنٍ حصيف يغلّب جانب الإصلاح السلمي على جوانب التغيير الدموي الثوري، لكن حينما تكون الشعوب مقهورةً مستباحة، تعيش تحت ضغوطات جمة فـ’الدولة الرخوة’ لن تتمكن من حماية نفسها أو حراسة نظامها، والإمعان في حالة هذا الارتخاء يعزز أجواء الثورات، ويكون بيئة حاضنة للثوار، لا يمكن قمعهم بالدبابات فكيف بالرصاص الحي!
من كان يتوقع أن أنظمة بوليسية تتنفس القمع تكون بمثل هذا الإحراج السياسي والاجتماعي الذي تعيشه اليوم؟! إن نظرية ‘الدولة الرخوة’ نبعت من دراسةٍ حصيفة جمعت بين الوعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فهلّا قرئ هذا الاقتصادي؟ هلّا قرئ على الأقل كتاب جلال أمين؟ أتمنى أن لا يصح علينا قول دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى …… فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد!
كتبه تركي الدخيل
بتاريخ / ١٧ مايو