الحرب الأهلية الروسية
مرسل: الثلاثاء مايو 17, 2011 6:32 pm
الحرب الأهلية ال تعتبر الفصل الأخير من الثورة الروسية، والتي استمرت تقليديا في كتابة التاريخ السوفياتي فترة 1918-1921، ولكن الحرب كمناوشات امتدت فعلا بين 1917-1923م. لم تكن بين البلاشفة والروس البيض فقط بل كانت فرصه لتدخل العديد من القوي الداخلية والخارجية مثل اليابان، بريطانيا، كندا،فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، ألمانيا، أستراليا، اليونان، وتشيكوسلوفاكيا.[1]
الأسباب/
طرح زعيم البلاشفة فلاديمير لينين عام 1914 شعار تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب اهلية. وبعد صعود البلاشفة إلى السلطة في روسيا في أكتوبر عام 1917 ما زال هذا الشعار ملحا، إذ ان غالبية المسؤولين البلاشفة ظلوا يعولون على ان الثورة في روسيا تتحول فيما بعد إلى ثورة عالمية ورأوا في اشعال الحرب الاهلية وسيلة فعالة لذلك[2] والى جانب ذلك فان المؤرخين يشيرون إلى أسباب أخرى لاندلاع الحرب الاهلية في روسيا وبينها:
1- مقاومة الطبقات الحاكمة التي فقدت السلطة والممتلكات،
2- حل الجمعية التأسيسية (البرلمان) من قبل البلاشفة الذين شكلوا اقلية فيها،
3- توقيع معاهدة بريست-ليتوفسك الانفصالية المهينة مع ألمانيا،
4 – اجراءات البلاشفة القمعية في الريف التي استهدفت الاغنياء من الفلاحين بغية مصادرة ما تبقى لديهم من الحبوب،
5- دور الاسرى العسكريين النمساويين والمجريين والتشيك الذين حاولوا حل مشاكلهم باستخدام القوة في روسيا
6 - تدخل دول التحالف الرباعي (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في الشؤون الداخلية لروسيا
المراحل/
ينقسم تاريخ الحرب الاهلية في روسيا إلى 3 مراحل رئيسية وهي:
آ - المرحلة الأولى (أكتوبر عام 1917 – نوفمبر عام 1918) التي تتصف بقيام الجيشين لدى القوتين المتعارضتين وتدخل دول التحالف الرباعي في شؤون روسيا والانتقال التدريجي من اشتباكات محدودة إلى معارك واسعة النطاق.[3]
ب – المرحلة الثانية (نوفمبر عام 1918 – مارس عام 1920) التي وقعت فيها المعارك الرئيسية بين الحرسين الأبيض والاحمر وتقلص التدخل الاجنبي الناتج عن انتهاء الحرب العالمية الأولى وفرضت قوات الجيش الاحمر سيطرتها على الجزء الأكبر لاراضي البلاد.
ج – المرحلة الثالثة (مارس 1920 عام – أكتوبر عام 1922) التي دار الصراع المسلح الاساسي بين المعسكرين الأبيض والاحمر فيها بالمناطق البعيدة عن العاصمتين ووسط البلاد.
الأحداث/
الجمعية التأسيسية وإطلاق النار على المتظاهرين
وقد اعتبر حل الجمعية التأسيسية وإطلاق النار على المتظاهرين دافعا قويا لتلاحم القوى المعادية للبلاشفة. ويعتقد بعض المؤرخين ان 6 ينايرالأول عام 1918 هو تاريخ بدء الحرب الاهلية في روسيا. تحولت منطقة نهر الدون في جنوب روسيا إلى قبلة للقوى المعادية للسلطة البلشفية. واعلن القائد القوزاقي كاليدين بعدم اعترافه بشرعية الانقلاب البلشفي وبدأ في تشكيل جيش القوزاق ليدافع عن منطقة نهر الدون الحرة والاستيلاء على مدينة تساريسين (ستالينغراد فيما بعد). اما منطقة كوبان وشمال القوقاز فشهدت تشكيل وحدات متطوعين انضم إليها كل من لم يكن راض عن الحكم البلشفي من الضباط وصف الضباط. وترأس تشكيلات هذا الجيش كل من الجنرالات الروس المعروفين كورنيلوف وميخائيل ألكسييف وانطون دينيكين [4]
انفصال الأقاليم القومية عن روسيا
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 اعلنت الرادا المركزية في اوكرانيا (البرلمان الأوكراني) انفصال اوكرانيا عن روسيا. كما اعلنت انفاصلها عن روسيا الرادا البيلاروسية والمفوضية لمنطقة ما وراء القوقاز التي ضمت كلا من جورجيا وأذربيجان وارمينيا
معاهدة بريست الانفصالية
وقعت الحكومة البلشفية في 3 مارس عام 1918 معاهدة السلام الانفصالية مع ألمانيا التي اطلق عليها معاهدة بريست. وبموجب تلك المعاهدة التزمت روسيا بالاعتراف باستقلال كل من اوكرانيا وبيلاروسيا ولتوانيا ولاتفيا واستونيا وفنلندا وتسريح الجيش والاسطول ودفع تعويض بمقدار 6 مليارات مارك ألماني وتسليم ألمانيا سفن اسطول البحر الاسود. وبعد إبرام معاهدة بريست احتل الجيش الألماني كلا من اوكرانيا وبيلاروسيا ومنطقة البلطيق.[6]
لم تعترف دول التحالف الرباعي بمعاهدة بريست وانزلت سريتين من مشاة البحرية البريطانيين في مدينة مورمانسك في شمال روسيا محاولة استعادة الامدادات التي ارسلها التحالف إلى روسيا للحيلولة دون وقوعها في ايدى الالمان
الحرب في سيبيريا/
تم تشكيل الفيلق من الاسرى التشيكوسلوفاكيين الذين ابدوا رغبتهم في مواصلة الحرب إلى جانب السلطات الروسية ضد ألمانيا. وبلغ تعداد الفيلق 40 الف جندي كان من المقرر ارسالهم إلى الجبهة الغربية عبر سيبيريا والشرق الأقصى الروسي. لكن توقيع البلاشفة على معاهدة بريست وخروج روسيا من الحرب وايقاف جلاء الفيلق حمل الجنود التشيكوسلوفاكيين على التمرد ضد السلطات على طول السكة الحديد الممتدة من نهر الفولغا إلى مدينة فلاديفوستوك في الشرق الأقصى. الامر الذي أدى إلى الاطاحة بالسلطة البلشفية في كل من سيبيريا وفي منطقة نهر الفولغا وتشكيل الحكومة السيبيرية المؤقتة التي ترأسها الحزب الثوري الاشتراكي يوم 23 يونيو عام 1918. وتشكلت في تلك المناطق الوحدات الروسية من المتطوعين الذين ترأسها اللواء فلاديمير كابيل. وشن كابيل الهجوم على المدن التي ظلت تحت سيطرة البلاشفة[7].
في 7 أغسطس عام 1918حررت قواته مدينة قازان حيث استولت على مستودعات الأسلحة والامدادات واحتياطيات الذهب للامبراطورية الروسية. اما القوات التشيكوسلوفاكية فاحتلت بحلول شهر اغسطس عام 1918المدن الروسية الكبرى مثل سامارا وسيزران وسيمبيرسك.
شكلت القيادة البلشفية في يونيو عام 1918 الجبهة الشرقية التي ضمت 6 جيوش، وذلك بغية ايقاف تقدم قوات البيض نحو موسكو التي انتقلت إليها آنذاك الحكومة البلشفية من(بطرسبورغ). لكن تمرد قائدها الثوري الاشتراكي مورافيوف على السلطة البلشسفية خفض من فاعلية الهجوم المضاد.
في 30 اغسطس 1918 وقعت محاولة اغتيال الزعيم البلشفي فلاديمير لينين. وقامت بهذه المحاولة فانيا كابلان اليهودية العضوة في الحزب الثوري الاشتراكي الذي شارك البلاشفة في توليهم للسلطة والذي تمرد عليه بعد أن خيب آماله بسياسته القمعية في الريف وتوقيع معاهدة بريست. وردا على ذلك شنت التشكيلات التابعة للجان الاستثنائية الارهاب على شتى فئات المجتمع الروسي وتم اعدام الكثير بمن فيهم رجال الدين بدون التحقيق والمحاكمة. كما اصدرت السلطات البلشفية قرارا باعدام الامبراطور الروسي الأخير نيكولاس الثاني واسرته في مدينة يكاترينبورغ بمنطقة اورال
في سبتمبرعام 1918 انتقلت قوات الجبهة الشرقية البلشفية إلى الهجوم المضاد واستعادت كلا من قازان وسيمبيرسك وسامارا. الامر الذي حمل الاميرال كولتشاك الذي وصل إلى مدينة اومسك بغرب سيبيريا في نوفمبر عام 1918 على حل الحكومة السيبيرية المؤقتة واعلان نفسه حاكما لروسيا. واثار انقلاب كولتشاك استياء الثوار الاشتراكيين الذين اعلنوه عدوا اسوأ من لينين. ولعبت مقاومة الحزب الثوري الاشتراكي للاميرال كولتشاك دورا كبيرا في هزيمة الحركة البيضاء في منطقتي اورال وسيبيريا. وبالرغم من أن قوات كولتشاك استطاعت شن الهجوم الجديد على قوات الحمر في ربيع عام 1919 واحتلت منطقة الاورال واقتربت من نهر الفولغا ومنيت حركته بالهزيمة لان قواته لم تلق تأييدا بين الفلاحين في سيبيريا والاورال والفولغا لاجرائها حملات قمعية ردا على الارهاب البلشفي. اما كولتشاك نفسه فقد خانته قواته وقوات الفيلق التشيكوسلوفاكي مما أدى إلى اعدامه على ايدي البلاشفة في مدينة إيركوتسك بسيبيريا الشرقية في مطلع عام 1920.
المعارك في جنوب روسيا/
في اغسطس – سبتمر عام 1918 انتقل جيش الدون القوزاقي[9] بقيادة كراسنوف إلى الهجوم ضد القوات الحمراء وتقدت نحو مدينتي تساريسين (ستالينغراد فيما بعد)وفورونيج. اما الجيش المتطوع بقيادة الجنرال كورنيلوف والجنرال دينيكين فقد قام بتحرير القوقاز الشمالي من البلاشفة.
في 8 يناير عام 1919 تولى الجنرال انطون دينيكين قيادة جيش المتطوعين وقمع مقاومة البلاشفة في القوقاز الشمالي واخضع جيش الجنرال كراسنوف الموالي للالمان للجيش المتطوع. وتمكن دينيكين من تلقي معونات كبيرة من دول التحالف الرباعي. واعترف دينيكين بكون الاميرال كولتشاك حاكما لدولة روسيا وقائدا عاما للقوات المسلحة الروسية[10]
في صيف عام 1919 انتقل مركز الصراع المسلح إلى جنوب روسيا حيث دحر جيش المتطوعين قوات الحرس الاحمر وحررت من البلاشفة مدن تساريتسين وخاركوف ويكاترينوسلافل ومنطقة القرم. وشهدت بعض المناطق الريفية في مؤخرة الجيش الاحمر انتفاضات شعبية. وبلغ تعداد جيش دينيكين 100 الف فرد. فاصدر دينيكين في جيشه إرشادات مفادها التوجه نحو موسكو والاطاحة بالحكم البلشفي في اسرع وقت.
لكن البلاشفة اعلنوا التعبيئة العامة وتمكنوا من تجنيد 180 الف جندي في في الجبهة الجنوبية، مما أدى إلى تباطؤ وتائر هجوم قوات دينيكين. وشهد شهر سبتمبر نجاحات كبرى للجيش الأبيض الذي استولى على كييف وفورونيج واوريول وكورسك وصار يهدد مدينة تولا بصفتها ترسانة رئيسية للبلاشفة. وبلغ الصراع المسلح بين الحمر والبيض ذروته في منتصف أكتوبر عام 1919 حين انتقل الجيش الاحمر إلى الهجوم المضاد على طول الجبهة الجنوبية بعد دعمه بقوات قادمة من الجبهة الشرقية المحاربة لكولتشاك. ولعب جيش الخيالة الأول بقيادة سيميون بوديونيه دورا كبير في حسم هذه المعارك.[11]
وفي شتاء عام 1920 تمكن الجيش الاحمر من الاستيلاء على مدينتي كييف وخاركوف ومنطقة دونباس الصناعية في اوكرانيا، الامر الذي ساعد في انتقال المبادرة الاستراتيجية بالحرب من ايدي البيض إلى الحمر.
في أبريل مني الجيش الأبيض بهزيمة في منطقة كوبان واضطرت قواته إلى الجلاء إلى شبه جزيرة القرم. اما الجنرال انطون دينيكين الذي كان عليه بعد اعدام كولتشاك على ايدي البلاشفة ان يتولى قيادة القوات البيضاء في روسيا فسلم القيادة إلى الجنرال فرانغل وغادر روسيا متوجها إلى بريطانيا عن طريق القسطنطية (اسطنبول).[11]
هجوم يودينيش على سانت بطرسبورغ/
شهدت فنلندا قبل منتصف عام 1919 تشكيل وحدات معادية للبلاشفة. وقام الجنرال الروسي نيقولاي يودينيش بتنسيق هذه الجهود بغية تشكيل الجبهة الشمالية الغربية في شمال غرب روسيا. اما حكومات استونيا ولاتفيا ولتوانيا التي لم تسيطر قبل ذلك الا على اراضي قليلة فقامت باعادة تنظيم جيوشها وانتقلت إلى العمليات الهجومية بدعم من القوات والروسية والالمانية.
في 10 يونيو اعلن الكسندر كولتشاك يودينيش قائدا للقوات الروسية البرية والبحرية في الجبهة الشمالية الغربية.
في 11 اغسطس تم تشكيل حكومة الإقليم الغربي الشمالي الروسي التي اعترفت باستقلال استونيا وذلك بالضغط من بريطانيا وبدأت المباحثات في هذا الشأن مع فنلندا. حاول يودينيش الاستيلاء على سانت بطرسبرج مرتين.
وحلت المحاولة الأولى في ربيع عام 1919 حين اجبرت قواته الجيش الاحمر على الانسحاب ووصلت إلى مشارف بطرسبورج. لكن قيادة الجيش الاحمر نقلت احتياطيات إلى ضواحي بطرسبورج بحيث يبلغ تعداد قواتهم 40 الف جندي ودفعت وحدات الجيش الشمالي الغربي إلى ما وراء نهر لوغا واستعادت مدينة بسكوف.
في خريف عام 1919 جرى الهجوم الثاني لجيش يودينيش الذي تمكن من اختراق دفاعات الجيش الاحمر والوصول إلى ضواحي بطرسبورج. لكن خيانة قيادة القوات الاستونية التي باشرت بالمباحثات الانفصالية مع البلاشفة حول الاعتراف باستقلال استونيا حالت دون تحرير بطرسبورج من البلاشفة.
يجدر الذكر ان معظم القادة البيض اتخذوا موقفا حاسما لا يتزعزع من انقسام روسيا والحركات الانفصالية، الامر الذي قطعهم عن دعم الحركات القومية ووحداتها المسلحة.
الحرب السوفيتية البولونية/
في 25 أبريل عام 1920 اجتاز الجيش البولوني المزود بالأسلحة الفرنسية والمدعوم من قبل فرنسا سياسيا حدود اوكرانيا السوفيتية واحتلت بحلول 6 مايو/آيار عاصمتها مدينة كييف. وكان رئيس بولندا المارشال بيلسودسكي يخطط لإنشاء دولة بولونية كبرى من بحر البلطيق حتى البحر الاسود تضم كلا من بولندا واوكرانيا وبيلاروسيا ولتوانيا. لكن الهجوم المضاد الناجح للجيش الاحمر تحت قيادة الكسندر يغوروف حال دون وقوع ذلك. واجبرت قوات الجبهة الغربية الجنوبية السوفيتية في 26 مايو القوات البولونية على الانسحاب فوصلت إلى حدود بولندا.
تحمست القيادة البلشفية ومن ضمنهم لينين بهذه الانتصارات وقرروا توجيه الجيش الاحمر إلى قلب بولندا معولين على اشعال انتفاضة العمال البولنديين واعلان الجمهورية البولونية السوفيتية.
وقال لينين حينذاك ان "مصير الثورة العالمية يقرر في الغرب وان الطريق إلى الحريق العالمي يمر عبر بولندا. حذر تروتسكي رئيس المجلس العسكري الثوري (وزير الحربية) آنذاك لينين من خطورة احتلال بولندا. إلا أن لينين اصدر امرا باحتلال وارسو. لكن الخيالة السوفيتية المستنزف قواها لم تتحمل مسيرا طوله 650 كيلومتر. وانتهت الحملة البولونية بكارثة اسفرت عن أسر 120 الف جندي سوفيتي. وتعتبر هذه الهزيمة من أكثر الهزائم المأساوية التي مني بها الجيش الاحمر في الحرب الاهلية.
فيالأول من أكتوبر وقع الجانبان اتفاقية الهدنة. وعقدا وفي مارس عام 1921 معاهدة السلام التي ضمت بولندا بموجبها قسما من اراضياوكرانيا وبيلاروسيا يقطنها 10 ملايين من السكان.
وبالرغم من توقيع معاهدة السلام فان العلاقات بين الجانبين ما زالت متوترة على امتداد العقدين، الامر الذي أدى في نهاية المطاف إلى توقيعاتفاقية مولوتوف - ريبينتروب عام 1939 وتقسيم بولندا [13][14]
شبه جزيرة القرم آخر جيب للمقاومة البيضاء في أوروبا الروسية/
انتقل البارون بيوتر فرانغل إلى خوض العمليات الحربية النشيطة ضد البلاشفة ابان الحرب مع بولندا. وتمكن الجنرال من تحويل وحدات دينيكين المتفرقة إلى جيش منظم وذلك باتخاذه اجراءات صارمة بما فيها الاعدام ازاء الضباط والجنود المتهمين بالخيانة.
في 14 اغسطس عام 1920 قامت وحدات بقيادة الجنرال اولاغاي بالانزال على ساحل منطقة كوبان بهدف الانضمام إلى وحدات القوزاق المتمردين على الحكم البلشفي، لكن محاولة تحرير مدينة يكاتريندار من القوات البلشفية باءت بالفشل واضطرت وحدات الجيش الأبيض والقوزاق إلى العودة إلى القرم.[15]
عول فرانغل الذي حاصرت القوات البلسشفية جيشه في القرم على الالتحاق بالجيش البولوني المهاجم. لذلك اخترق جيشه طوق الحصار وتوجه نحو الشمال وتمكن من الاسيلاء على بعض المناطق في إقليم دونباس الصناعي في اوكرانيا الشرقية. لكن البولونديين وقعوا اتفاقية الهدنة مع البلاشفة، ووجد الجيش الأبيض نفسه محكوما بالفشل. فانسحبت قوات فرانغل إلى داخل شبه جزيرة القرم.[16]
قام الجيش الاحمر بقيادة ميخائيل فرونزيه بحشد 190 الف جندي على حدود جزيرة القرم. واقترح فرونزيه على البارون فرانغل بالاستسلام وضمان الحياة لكل من يسلم نفسه إلى الجيش الاحمر للحيلولة دون اسالة الدماء الروسية، لكن فرانغل رفض هذا الاقتراح.
بالرغم من التفوق العددي الكبير لم يستطع الجيش الاحمر اختراق دفاعات الجيش الأبيض الا في 11 نوفمبر عام 1920 بمساعدة من جيش نيستور ماخنو الفلاحي (الجيش الاسود)وانسحب الجيش الأبيض إلى ساحل القرم الجنوبي حيث بدأ جلاء قوات البيض الذي استمر 3 ايام، وذلك بواسطة 126 باخرة توجهت نحو القسطنطية (اسطنبول) التركية وعلى ظهرها 150 الف مهاجر روسي[1
انتفاضات في روسيا/
انتهت المقاومة المنظمة لسلطة البلاشفة في جنوب روسيا بسقوط القرم. وبدأت ديكتاتورية البروليتاريا منذ ذلك الحين في قمع انتفاضات الفلاحين التي عمت روسيا كلها احتجاجا على مصادرة حبوب وممتلكات الفلاحين. ومن اعظم تلك الانتفاضات انتفاضة الفلاحين في مقاطعة تامبوف بقيادة انتونوف التي استخدمت القوات البلشفية لقمعها شتى الوسائل بما فيها الغازات السامة. كما يجدر ذكر انتفاضة البحارة العسكريين في مدينة كرونشتادت الواقعة في ضاحية بتروغراد في مارس عام 1921 وطرح البحارة المتمردون شعار "مجالس سوفيت دون البلاشفة". وقمع المفوضون البلاشفة ووحدات اللجان الاستثنائية" تلك الانتفاضة بقسوة بالغة مغرقين البحارة بدمائهم
جيوب أخيرة للمقاومة في الشرق الأقصى الروسي/
اوقف البلاشفة تقدم قواتهم نحو الشرق في مطلع عام 1920 خشية نشاط القوات اليابانية وقرروا إنشاء جمهورية موالية لهم في الشرق الأقصى اطلق عليها جمهورية الشرق الأقصى. وامتدت اراضي تلك الجمهورية من جزيرة بايكال حتى مدينة فلاديفوستوك الواقعة على ساحل المحيط الهادي.
في 26 مايو عام 1921 انتقل الحكم في الجمهورية إلى ايدي الحركة البيضاء التي قامت بالانقلاب على الحكومة الموالية للبلاشفة بدعم من القوات اليابانية المرابطة في فلاديفوستوك. وانتقل الجيش الأبيض إلى الهجوم في اتجاه الغرب وتحرر في 22 ديسمبر مدينةخاباروفسك من البلاشفة.
في 5 فبراير عام 1922 انتقل الجيش الاحمر بقيادة فاسيلي بلوخير إلى هجوم مضاد واستولت على خاباروفسك في 14 فبراير.
واستمرت الحرب في الشرق الأقصى حتى يوم 25 أكتوبر عام 1921 حين دخل الجيش الاحمر وقوات الأنصار مدينة فلاديفوستوك وتم توقيع اتفاقية انسحاب القوات اليابانية من روسيا. ويعتبر يوم 25 أكتوبر عام 1922 يوم انتهاء الحرب الاهلية في روسيا
النتائج/
كانت نتائج الحرب الأهلية خطيرة. حيث كانت روسيا في حالة حرب لمدة سبع سنوات، وخلال ذلك فقد حوالي 2،000،000 من شعبها حياتهم. وكانت الحرب الأهلية التي توفي فيها 1،500،000، بما في ذلك ما لا يقل عن 1،000،000 جنود في الجيش الاحمر الروسي وأكثر من 500،000 جندي الأبيض الذين لقوا حتفهم في المعركة. وحده سيميونوف قتل حوالي 100000 من الرجال والنساء والأطفال في المناطق التي كان له فيها السلطة. وتم خلال الارهاب الاحمر ،ومن خلال قوات الشيكا تم تنفيذ ما يقدر بحوالي 250،000 من الإعدام بلا محاكمة ل " أعداء الشعب ".[14][18]
حوالي 300،000 إلى 500،000 من القوزاق قتلوا أو رحلوا من موطنهم، التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين.
ما يقدر بحوالي 100،000 يهودي قتلوا في أوكرانيا، ومعظمها من قبل الجيش الأبيض. الأجهزة العقابية في حكومة كلوتشاك قتلت 25،000 شخص في مقاطعة ايكاترينبرغ وحدها[19].[20][21]
في نهاية الحرب الأهلية، وكانت كل قوي روسيا السوفيتية قد استنفدت وظهرت سحب الخراب القريب. كان الجفاف منتشرا عام 1920 و 1921، فضلا عن المجاعة 1921 تجعل الأمور أكثر من كارثية.
بالأضافة الي ذلك المرض الذي وصل الي أبعاد الوباء ،حيث كان حوالي 3،000،000 شخص يموتون من التيفود وحده في عام 1920.
قتل الملايين من المجاعة، والمذابح التي وقعت بالجملة من كلا الجانبين، والمذابح ضد اليهود في أوكرانيا وجنوب روسيا. قبل 1922 كان هناك ما لا يقل عن 7،000،000 أطفال الشوارع في روسيا نتيجة لعقد من الزمن تقريبا من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية.[22]
كان حوالي 2000000 من الروس البيض مهاجرين ،حيث فر من روسيا مع فارغنل، من خلال بعض دول الشرق الأقصى، والبعض الآخر فر إلى الغرب حيث دول البلطيق المستقلة حديثا. وشملت هذه الهجرة جزءا كبيرا من السكان المتعلمين والمهرة من روسيا.
دمر الاقتصاد الروسي تماما خلال الحرب ،حيث دمرت المصانع والجسور، ونهبتالماشيه والمواد الخام، والمناجم اجتاحتها الفيضانات، وتلفت الآلات. ووصلت قيمة الإنتاج الصناعي إلى 7/ 1 من قيمة 1913، والزراعة، إلى الثلث. ووفقا ل برافدا "ان العاملين في المدن وبعض القرى المكتظة بالسكان يعانون من الجوع، والسكك الحديدية بالكاد تزحف، والبيوت متداعية. والبلدات منهكة بالكامل نتيجة الموت والصناعة الميتة والأوبئة المدمرة انتشار".
تشير التقديرات إلى أن مجموع الناتج من المناجم والمصانع في عام 1921 قد انخفضت إلى 20 % من مستوى ما قبل الحرب العالمية، والعديد من العناصر الأساسية، قد شهدت انخفاضا بشكل جذري. على سبيل المثال، انخفض إنتاج القطن إلى 5 %، والحديد إلى 2% من مستويات ما قبل الحرب.
سياسة الشيوعية الحربية أنقذت الحكومة السوفياتية خلال الحرب الأهلية، ولكن جزءا كبيرا من الاقتصاد الروسي قد وصل إلى طريق مسدود. الفلاحين وردت على طلبات الشراء بالرفض. قبل عام 1921، تقلصت مساحة الأراضي المزروعة إلى 62 % من مساحة ما قبل الحرب، وكان حصاد المحصول فقط حوالي 37 %. وانخفض عدد الخيول من 35 مليون في 1916الي 24000000 في عام 1920، والماشية من 58الي37 مليون. انخفض سعر الصرف للعملة مقابل الدولار من 2 روبل = 1 دولار أمريكي في عام 1914 إلى 1،200 روبل = دولار أمريكي في عام 1920.
مع نهاية الحرب، الحزب الشيوعي لم يعد يواجه تهديدا حادا, ومع ذلك، فإن التهديد من تدخل آخر من القوي الاجنبية، بالإضافة إلى فشل الثورات الاشتراكية في البلدان الأخرى، وأبرزها الثورة الألمانية، ساهمت في استمرار عسكرة المجتمع السوفياتي مما اعتبر كقوة دافعة لتقدم البلاد التي شهدت طفرة اقتصادية كبيرة خلال ثلاثنيات القرن العشربنروسية
الأسباب/
طرح زعيم البلاشفة فلاديمير لينين عام 1914 شعار تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب اهلية. وبعد صعود البلاشفة إلى السلطة في روسيا في أكتوبر عام 1917 ما زال هذا الشعار ملحا، إذ ان غالبية المسؤولين البلاشفة ظلوا يعولون على ان الثورة في روسيا تتحول فيما بعد إلى ثورة عالمية ورأوا في اشعال الحرب الاهلية وسيلة فعالة لذلك[2] والى جانب ذلك فان المؤرخين يشيرون إلى أسباب أخرى لاندلاع الحرب الاهلية في روسيا وبينها:
1- مقاومة الطبقات الحاكمة التي فقدت السلطة والممتلكات،
2- حل الجمعية التأسيسية (البرلمان) من قبل البلاشفة الذين شكلوا اقلية فيها،
3- توقيع معاهدة بريست-ليتوفسك الانفصالية المهينة مع ألمانيا،
4 – اجراءات البلاشفة القمعية في الريف التي استهدفت الاغنياء من الفلاحين بغية مصادرة ما تبقى لديهم من الحبوب،
5- دور الاسرى العسكريين النمساويين والمجريين والتشيك الذين حاولوا حل مشاكلهم باستخدام القوة في روسيا
6 - تدخل دول التحالف الرباعي (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في الشؤون الداخلية لروسيا
المراحل/
ينقسم تاريخ الحرب الاهلية في روسيا إلى 3 مراحل رئيسية وهي:
آ - المرحلة الأولى (أكتوبر عام 1917 – نوفمبر عام 1918) التي تتصف بقيام الجيشين لدى القوتين المتعارضتين وتدخل دول التحالف الرباعي في شؤون روسيا والانتقال التدريجي من اشتباكات محدودة إلى معارك واسعة النطاق.[3]
ب – المرحلة الثانية (نوفمبر عام 1918 – مارس عام 1920) التي وقعت فيها المعارك الرئيسية بين الحرسين الأبيض والاحمر وتقلص التدخل الاجنبي الناتج عن انتهاء الحرب العالمية الأولى وفرضت قوات الجيش الاحمر سيطرتها على الجزء الأكبر لاراضي البلاد.
ج – المرحلة الثالثة (مارس 1920 عام – أكتوبر عام 1922) التي دار الصراع المسلح الاساسي بين المعسكرين الأبيض والاحمر فيها بالمناطق البعيدة عن العاصمتين ووسط البلاد.
الأحداث/
الجمعية التأسيسية وإطلاق النار على المتظاهرين
وقد اعتبر حل الجمعية التأسيسية وإطلاق النار على المتظاهرين دافعا قويا لتلاحم القوى المعادية للبلاشفة. ويعتقد بعض المؤرخين ان 6 ينايرالأول عام 1918 هو تاريخ بدء الحرب الاهلية في روسيا. تحولت منطقة نهر الدون في جنوب روسيا إلى قبلة للقوى المعادية للسلطة البلشفية. واعلن القائد القوزاقي كاليدين بعدم اعترافه بشرعية الانقلاب البلشفي وبدأ في تشكيل جيش القوزاق ليدافع عن منطقة نهر الدون الحرة والاستيلاء على مدينة تساريسين (ستالينغراد فيما بعد). اما منطقة كوبان وشمال القوقاز فشهدت تشكيل وحدات متطوعين انضم إليها كل من لم يكن راض عن الحكم البلشفي من الضباط وصف الضباط. وترأس تشكيلات هذا الجيش كل من الجنرالات الروس المعروفين كورنيلوف وميخائيل ألكسييف وانطون دينيكين [4]
انفصال الأقاليم القومية عن روسيا
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 اعلنت الرادا المركزية في اوكرانيا (البرلمان الأوكراني) انفصال اوكرانيا عن روسيا. كما اعلنت انفاصلها عن روسيا الرادا البيلاروسية والمفوضية لمنطقة ما وراء القوقاز التي ضمت كلا من جورجيا وأذربيجان وارمينيا
معاهدة بريست الانفصالية
وقعت الحكومة البلشفية في 3 مارس عام 1918 معاهدة السلام الانفصالية مع ألمانيا التي اطلق عليها معاهدة بريست. وبموجب تلك المعاهدة التزمت روسيا بالاعتراف باستقلال كل من اوكرانيا وبيلاروسيا ولتوانيا ولاتفيا واستونيا وفنلندا وتسريح الجيش والاسطول ودفع تعويض بمقدار 6 مليارات مارك ألماني وتسليم ألمانيا سفن اسطول البحر الاسود. وبعد إبرام معاهدة بريست احتل الجيش الألماني كلا من اوكرانيا وبيلاروسيا ومنطقة البلطيق.[6]
لم تعترف دول التحالف الرباعي بمعاهدة بريست وانزلت سريتين من مشاة البحرية البريطانيين في مدينة مورمانسك في شمال روسيا محاولة استعادة الامدادات التي ارسلها التحالف إلى روسيا للحيلولة دون وقوعها في ايدى الالمان
الحرب في سيبيريا/
تم تشكيل الفيلق من الاسرى التشيكوسلوفاكيين الذين ابدوا رغبتهم في مواصلة الحرب إلى جانب السلطات الروسية ضد ألمانيا. وبلغ تعداد الفيلق 40 الف جندي كان من المقرر ارسالهم إلى الجبهة الغربية عبر سيبيريا والشرق الأقصى الروسي. لكن توقيع البلاشفة على معاهدة بريست وخروج روسيا من الحرب وايقاف جلاء الفيلق حمل الجنود التشيكوسلوفاكيين على التمرد ضد السلطات على طول السكة الحديد الممتدة من نهر الفولغا إلى مدينة فلاديفوستوك في الشرق الأقصى. الامر الذي أدى إلى الاطاحة بالسلطة البلشفية في كل من سيبيريا وفي منطقة نهر الفولغا وتشكيل الحكومة السيبيرية المؤقتة التي ترأسها الحزب الثوري الاشتراكي يوم 23 يونيو عام 1918. وتشكلت في تلك المناطق الوحدات الروسية من المتطوعين الذين ترأسها اللواء فلاديمير كابيل. وشن كابيل الهجوم على المدن التي ظلت تحت سيطرة البلاشفة[7].
في 7 أغسطس عام 1918حررت قواته مدينة قازان حيث استولت على مستودعات الأسلحة والامدادات واحتياطيات الذهب للامبراطورية الروسية. اما القوات التشيكوسلوفاكية فاحتلت بحلول شهر اغسطس عام 1918المدن الروسية الكبرى مثل سامارا وسيزران وسيمبيرسك.
شكلت القيادة البلشفية في يونيو عام 1918 الجبهة الشرقية التي ضمت 6 جيوش، وذلك بغية ايقاف تقدم قوات البيض نحو موسكو التي انتقلت إليها آنذاك الحكومة البلشفية من(بطرسبورغ). لكن تمرد قائدها الثوري الاشتراكي مورافيوف على السلطة البلشسفية خفض من فاعلية الهجوم المضاد.
في 30 اغسطس 1918 وقعت محاولة اغتيال الزعيم البلشفي فلاديمير لينين. وقامت بهذه المحاولة فانيا كابلان اليهودية العضوة في الحزب الثوري الاشتراكي الذي شارك البلاشفة في توليهم للسلطة والذي تمرد عليه بعد أن خيب آماله بسياسته القمعية في الريف وتوقيع معاهدة بريست. وردا على ذلك شنت التشكيلات التابعة للجان الاستثنائية الارهاب على شتى فئات المجتمع الروسي وتم اعدام الكثير بمن فيهم رجال الدين بدون التحقيق والمحاكمة. كما اصدرت السلطات البلشفية قرارا باعدام الامبراطور الروسي الأخير نيكولاس الثاني واسرته في مدينة يكاترينبورغ بمنطقة اورال
في سبتمبرعام 1918 انتقلت قوات الجبهة الشرقية البلشفية إلى الهجوم المضاد واستعادت كلا من قازان وسيمبيرسك وسامارا. الامر الذي حمل الاميرال كولتشاك الذي وصل إلى مدينة اومسك بغرب سيبيريا في نوفمبر عام 1918 على حل الحكومة السيبيرية المؤقتة واعلان نفسه حاكما لروسيا. واثار انقلاب كولتشاك استياء الثوار الاشتراكيين الذين اعلنوه عدوا اسوأ من لينين. ولعبت مقاومة الحزب الثوري الاشتراكي للاميرال كولتشاك دورا كبيرا في هزيمة الحركة البيضاء في منطقتي اورال وسيبيريا. وبالرغم من أن قوات كولتشاك استطاعت شن الهجوم الجديد على قوات الحمر في ربيع عام 1919 واحتلت منطقة الاورال واقتربت من نهر الفولغا ومنيت حركته بالهزيمة لان قواته لم تلق تأييدا بين الفلاحين في سيبيريا والاورال والفولغا لاجرائها حملات قمعية ردا على الارهاب البلشفي. اما كولتشاك نفسه فقد خانته قواته وقوات الفيلق التشيكوسلوفاكي مما أدى إلى اعدامه على ايدي البلاشفة في مدينة إيركوتسك بسيبيريا الشرقية في مطلع عام 1920.
المعارك في جنوب روسيا/
في اغسطس – سبتمر عام 1918 انتقل جيش الدون القوزاقي[9] بقيادة كراسنوف إلى الهجوم ضد القوات الحمراء وتقدت نحو مدينتي تساريسين (ستالينغراد فيما بعد)وفورونيج. اما الجيش المتطوع بقيادة الجنرال كورنيلوف والجنرال دينيكين فقد قام بتحرير القوقاز الشمالي من البلاشفة.
في 8 يناير عام 1919 تولى الجنرال انطون دينيكين قيادة جيش المتطوعين وقمع مقاومة البلاشفة في القوقاز الشمالي واخضع جيش الجنرال كراسنوف الموالي للالمان للجيش المتطوع. وتمكن دينيكين من تلقي معونات كبيرة من دول التحالف الرباعي. واعترف دينيكين بكون الاميرال كولتشاك حاكما لدولة روسيا وقائدا عاما للقوات المسلحة الروسية[10]
في صيف عام 1919 انتقل مركز الصراع المسلح إلى جنوب روسيا حيث دحر جيش المتطوعين قوات الحرس الاحمر وحررت من البلاشفة مدن تساريتسين وخاركوف ويكاترينوسلافل ومنطقة القرم. وشهدت بعض المناطق الريفية في مؤخرة الجيش الاحمر انتفاضات شعبية. وبلغ تعداد جيش دينيكين 100 الف فرد. فاصدر دينيكين في جيشه إرشادات مفادها التوجه نحو موسكو والاطاحة بالحكم البلشفي في اسرع وقت.
لكن البلاشفة اعلنوا التعبيئة العامة وتمكنوا من تجنيد 180 الف جندي في في الجبهة الجنوبية، مما أدى إلى تباطؤ وتائر هجوم قوات دينيكين. وشهد شهر سبتمبر نجاحات كبرى للجيش الأبيض الذي استولى على كييف وفورونيج واوريول وكورسك وصار يهدد مدينة تولا بصفتها ترسانة رئيسية للبلاشفة. وبلغ الصراع المسلح بين الحمر والبيض ذروته في منتصف أكتوبر عام 1919 حين انتقل الجيش الاحمر إلى الهجوم المضاد على طول الجبهة الجنوبية بعد دعمه بقوات قادمة من الجبهة الشرقية المحاربة لكولتشاك. ولعب جيش الخيالة الأول بقيادة سيميون بوديونيه دورا كبير في حسم هذه المعارك.[11]
وفي شتاء عام 1920 تمكن الجيش الاحمر من الاستيلاء على مدينتي كييف وخاركوف ومنطقة دونباس الصناعية في اوكرانيا، الامر الذي ساعد في انتقال المبادرة الاستراتيجية بالحرب من ايدي البيض إلى الحمر.
في أبريل مني الجيش الأبيض بهزيمة في منطقة كوبان واضطرت قواته إلى الجلاء إلى شبه جزيرة القرم. اما الجنرال انطون دينيكين الذي كان عليه بعد اعدام كولتشاك على ايدي البلاشفة ان يتولى قيادة القوات البيضاء في روسيا فسلم القيادة إلى الجنرال فرانغل وغادر روسيا متوجها إلى بريطانيا عن طريق القسطنطية (اسطنبول).[11]
هجوم يودينيش على سانت بطرسبورغ/
شهدت فنلندا قبل منتصف عام 1919 تشكيل وحدات معادية للبلاشفة. وقام الجنرال الروسي نيقولاي يودينيش بتنسيق هذه الجهود بغية تشكيل الجبهة الشمالية الغربية في شمال غرب روسيا. اما حكومات استونيا ولاتفيا ولتوانيا التي لم تسيطر قبل ذلك الا على اراضي قليلة فقامت باعادة تنظيم جيوشها وانتقلت إلى العمليات الهجومية بدعم من القوات والروسية والالمانية.
في 10 يونيو اعلن الكسندر كولتشاك يودينيش قائدا للقوات الروسية البرية والبحرية في الجبهة الشمالية الغربية.
في 11 اغسطس تم تشكيل حكومة الإقليم الغربي الشمالي الروسي التي اعترفت باستقلال استونيا وذلك بالضغط من بريطانيا وبدأت المباحثات في هذا الشأن مع فنلندا. حاول يودينيش الاستيلاء على سانت بطرسبرج مرتين.
وحلت المحاولة الأولى في ربيع عام 1919 حين اجبرت قواته الجيش الاحمر على الانسحاب ووصلت إلى مشارف بطرسبورج. لكن قيادة الجيش الاحمر نقلت احتياطيات إلى ضواحي بطرسبورج بحيث يبلغ تعداد قواتهم 40 الف جندي ودفعت وحدات الجيش الشمالي الغربي إلى ما وراء نهر لوغا واستعادت مدينة بسكوف.
في خريف عام 1919 جرى الهجوم الثاني لجيش يودينيش الذي تمكن من اختراق دفاعات الجيش الاحمر والوصول إلى ضواحي بطرسبورج. لكن خيانة قيادة القوات الاستونية التي باشرت بالمباحثات الانفصالية مع البلاشفة حول الاعتراف باستقلال استونيا حالت دون تحرير بطرسبورج من البلاشفة.
يجدر الذكر ان معظم القادة البيض اتخذوا موقفا حاسما لا يتزعزع من انقسام روسيا والحركات الانفصالية، الامر الذي قطعهم عن دعم الحركات القومية ووحداتها المسلحة.
الحرب السوفيتية البولونية/
في 25 أبريل عام 1920 اجتاز الجيش البولوني المزود بالأسلحة الفرنسية والمدعوم من قبل فرنسا سياسيا حدود اوكرانيا السوفيتية واحتلت بحلول 6 مايو/آيار عاصمتها مدينة كييف. وكان رئيس بولندا المارشال بيلسودسكي يخطط لإنشاء دولة بولونية كبرى من بحر البلطيق حتى البحر الاسود تضم كلا من بولندا واوكرانيا وبيلاروسيا ولتوانيا. لكن الهجوم المضاد الناجح للجيش الاحمر تحت قيادة الكسندر يغوروف حال دون وقوع ذلك. واجبرت قوات الجبهة الغربية الجنوبية السوفيتية في 26 مايو القوات البولونية على الانسحاب فوصلت إلى حدود بولندا.
تحمست القيادة البلشفية ومن ضمنهم لينين بهذه الانتصارات وقرروا توجيه الجيش الاحمر إلى قلب بولندا معولين على اشعال انتفاضة العمال البولنديين واعلان الجمهورية البولونية السوفيتية.
وقال لينين حينذاك ان "مصير الثورة العالمية يقرر في الغرب وان الطريق إلى الحريق العالمي يمر عبر بولندا. حذر تروتسكي رئيس المجلس العسكري الثوري (وزير الحربية) آنذاك لينين من خطورة احتلال بولندا. إلا أن لينين اصدر امرا باحتلال وارسو. لكن الخيالة السوفيتية المستنزف قواها لم تتحمل مسيرا طوله 650 كيلومتر. وانتهت الحملة البولونية بكارثة اسفرت عن أسر 120 الف جندي سوفيتي. وتعتبر هذه الهزيمة من أكثر الهزائم المأساوية التي مني بها الجيش الاحمر في الحرب الاهلية.
فيالأول من أكتوبر وقع الجانبان اتفاقية الهدنة. وعقدا وفي مارس عام 1921 معاهدة السلام التي ضمت بولندا بموجبها قسما من اراضياوكرانيا وبيلاروسيا يقطنها 10 ملايين من السكان.
وبالرغم من توقيع معاهدة السلام فان العلاقات بين الجانبين ما زالت متوترة على امتداد العقدين، الامر الذي أدى في نهاية المطاف إلى توقيعاتفاقية مولوتوف - ريبينتروب عام 1939 وتقسيم بولندا [13][14]
شبه جزيرة القرم آخر جيب للمقاومة البيضاء في أوروبا الروسية/
انتقل البارون بيوتر فرانغل إلى خوض العمليات الحربية النشيطة ضد البلاشفة ابان الحرب مع بولندا. وتمكن الجنرال من تحويل وحدات دينيكين المتفرقة إلى جيش منظم وذلك باتخاذه اجراءات صارمة بما فيها الاعدام ازاء الضباط والجنود المتهمين بالخيانة.
في 14 اغسطس عام 1920 قامت وحدات بقيادة الجنرال اولاغاي بالانزال على ساحل منطقة كوبان بهدف الانضمام إلى وحدات القوزاق المتمردين على الحكم البلشفي، لكن محاولة تحرير مدينة يكاتريندار من القوات البلشفية باءت بالفشل واضطرت وحدات الجيش الأبيض والقوزاق إلى العودة إلى القرم.[15]
عول فرانغل الذي حاصرت القوات البلسشفية جيشه في القرم على الالتحاق بالجيش البولوني المهاجم. لذلك اخترق جيشه طوق الحصار وتوجه نحو الشمال وتمكن من الاسيلاء على بعض المناطق في إقليم دونباس الصناعي في اوكرانيا الشرقية. لكن البولونديين وقعوا اتفاقية الهدنة مع البلاشفة، ووجد الجيش الأبيض نفسه محكوما بالفشل. فانسحبت قوات فرانغل إلى داخل شبه جزيرة القرم.[16]
قام الجيش الاحمر بقيادة ميخائيل فرونزيه بحشد 190 الف جندي على حدود جزيرة القرم. واقترح فرونزيه على البارون فرانغل بالاستسلام وضمان الحياة لكل من يسلم نفسه إلى الجيش الاحمر للحيلولة دون اسالة الدماء الروسية، لكن فرانغل رفض هذا الاقتراح.
بالرغم من التفوق العددي الكبير لم يستطع الجيش الاحمر اختراق دفاعات الجيش الأبيض الا في 11 نوفمبر عام 1920 بمساعدة من جيش نيستور ماخنو الفلاحي (الجيش الاسود)وانسحب الجيش الأبيض إلى ساحل القرم الجنوبي حيث بدأ جلاء قوات البيض الذي استمر 3 ايام، وذلك بواسطة 126 باخرة توجهت نحو القسطنطية (اسطنبول) التركية وعلى ظهرها 150 الف مهاجر روسي[1
انتفاضات في روسيا/
انتهت المقاومة المنظمة لسلطة البلاشفة في جنوب روسيا بسقوط القرم. وبدأت ديكتاتورية البروليتاريا منذ ذلك الحين في قمع انتفاضات الفلاحين التي عمت روسيا كلها احتجاجا على مصادرة حبوب وممتلكات الفلاحين. ومن اعظم تلك الانتفاضات انتفاضة الفلاحين في مقاطعة تامبوف بقيادة انتونوف التي استخدمت القوات البلشفية لقمعها شتى الوسائل بما فيها الغازات السامة. كما يجدر ذكر انتفاضة البحارة العسكريين في مدينة كرونشتادت الواقعة في ضاحية بتروغراد في مارس عام 1921 وطرح البحارة المتمردون شعار "مجالس سوفيت دون البلاشفة". وقمع المفوضون البلاشفة ووحدات اللجان الاستثنائية" تلك الانتفاضة بقسوة بالغة مغرقين البحارة بدمائهم
جيوب أخيرة للمقاومة في الشرق الأقصى الروسي/
اوقف البلاشفة تقدم قواتهم نحو الشرق في مطلع عام 1920 خشية نشاط القوات اليابانية وقرروا إنشاء جمهورية موالية لهم في الشرق الأقصى اطلق عليها جمهورية الشرق الأقصى. وامتدت اراضي تلك الجمهورية من جزيرة بايكال حتى مدينة فلاديفوستوك الواقعة على ساحل المحيط الهادي.
في 26 مايو عام 1921 انتقل الحكم في الجمهورية إلى ايدي الحركة البيضاء التي قامت بالانقلاب على الحكومة الموالية للبلاشفة بدعم من القوات اليابانية المرابطة في فلاديفوستوك. وانتقل الجيش الأبيض إلى الهجوم في اتجاه الغرب وتحرر في 22 ديسمبر مدينةخاباروفسك من البلاشفة.
في 5 فبراير عام 1922 انتقل الجيش الاحمر بقيادة فاسيلي بلوخير إلى هجوم مضاد واستولت على خاباروفسك في 14 فبراير.
واستمرت الحرب في الشرق الأقصى حتى يوم 25 أكتوبر عام 1921 حين دخل الجيش الاحمر وقوات الأنصار مدينة فلاديفوستوك وتم توقيع اتفاقية انسحاب القوات اليابانية من روسيا. ويعتبر يوم 25 أكتوبر عام 1922 يوم انتهاء الحرب الاهلية في روسيا
النتائج/
كانت نتائج الحرب الأهلية خطيرة. حيث كانت روسيا في حالة حرب لمدة سبع سنوات، وخلال ذلك فقد حوالي 2،000،000 من شعبها حياتهم. وكانت الحرب الأهلية التي توفي فيها 1،500،000، بما في ذلك ما لا يقل عن 1،000،000 جنود في الجيش الاحمر الروسي وأكثر من 500،000 جندي الأبيض الذين لقوا حتفهم في المعركة. وحده سيميونوف قتل حوالي 100000 من الرجال والنساء والأطفال في المناطق التي كان له فيها السلطة. وتم خلال الارهاب الاحمر ،ومن خلال قوات الشيكا تم تنفيذ ما يقدر بحوالي 250،000 من الإعدام بلا محاكمة ل " أعداء الشعب ".[14][18]
حوالي 300،000 إلى 500،000 من القوزاق قتلوا أو رحلوا من موطنهم، التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين.
ما يقدر بحوالي 100،000 يهودي قتلوا في أوكرانيا، ومعظمها من قبل الجيش الأبيض. الأجهزة العقابية في حكومة كلوتشاك قتلت 25،000 شخص في مقاطعة ايكاترينبرغ وحدها[19].[20][21]
في نهاية الحرب الأهلية، وكانت كل قوي روسيا السوفيتية قد استنفدت وظهرت سحب الخراب القريب. كان الجفاف منتشرا عام 1920 و 1921، فضلا عن المجاعة 1921 تجعل الأمور أكثر من كارثية.
بالأضافة الي ذلك المرض الذي وصل الي أبعاد الوباء ،حيث كان حوالي 3،000،000 شخص يموتون من التيفود وحده في عام 1920.
قتل الملايين من المجاعة، والمذابح التي وقعت بالجملة من كلا الجانبين، والمذابح ضد اليهود في أوكرانيا وجنوب روسيا. قبل 1922 كان هناك ما لا يقل عن 7،000،000 أطفال الشوارع في روسيا نتيجة لعقد من الزمن تقريبا من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية.[22]
كان حوالي 2000000 من الروس البيض مهاجرين ،حيث فر من روسيا مع فارغنل، من خلال بعض دول الشرق الأقصى، والبعض الآخر فر إلى الغرب حيث دول البلطيق المستقلة حديثا. وشملت هذه الهجرة جزءا كبيرا من السكان المتعلمين والمهرة من روسيا.
دمر الاقتصاد الروسي تماما خلال الحرب ،حيث دمرت المصانع والجسور، ونهبتالماشيه والمواد الخام، والمناجم اجتاحتها الفيضانات، وتلفت الآلات. ووصلت قيمة الإنتاج الصناعي إلى 7/ 1 من قيمة 1913، والزراعة، إلى الثلث. ووفقا ل برافدا "ان العاملين في المدن وبعض القرى المكتظة بالسكان يعانون من الجوع، والسكك الحديدية بالكاد تزحف، والبيوت متداعية. والبلدات منهكة بالكامل نتيجة الموت والصناعة الميتة والأوبئة المدمرة انتشار".
تشير التقديرات إلى أن مجموع الناتج من المناجم والمصانع في عام 1921 قد انخفضت إلى 20 % من مستوى ما قبل الحرب العالمية، والعديد من العناصر الأساسية، قد شهدت انخفاضا بشكل جذري. على سبيل المثال، انخفض إنتاج القطن إلى 5 %، والحديد إلى 2% من مستويات ما قبل الحرب.
سياسة الشيوعية الحربية أنقذت الحكومة السوفياتية خلال الحرب الأهلية، ولكن جزءا كبيرا من الاقتصاد الروسي قد وصل إلى طريق مسدود. الفلاحين وردت على طلبات الشراء بالرفض. قبل عام 1921، تقلصت مساحة الأراضي المزروعة إلى 62 % من مساحة ما قبل الحرب، وكان حصاد المحصول فقط حوالي 37 %. وانخفض عدد الخيول من 35 مليون في 1916الي 24000000 في عام 1920، والماشية من 58الي37 مليون. انخفض سعر الصرف للعملة مقابل الدولار من 2 روبل = 1 دولار أمريكي في عام 1914 إلى 1،200 روبل = دولار أمريكي في عام 1920.
مع نهاية الحرب، الحزب الشيوعي لم يعد يواجه تهديدا حادا, ومع ذلك، فإن التهديد من تدخل آخر من القوي الاجنبية، بالإضافة إلى فشل الثورات الاشتراكية في البلدان الأخرى، وأبرزها الثورة الألمانية، ساهمت في استمرار عسكرة المجتمع السوفياتي مما اعتبر كقوة دافعة لتقدم البلاد التي شهدت طفرة اقتصادية كبيرة خلال ثلاثنيات القرن العشربنروسية