By طلال العطوي(380و245ساس) - الاثنين مايو 19, 2008 5:31 pm
- الاثنين مايو 19, 2008 5:31 pm
#4817
العلاقات الباكستانية الاسرائيلية
يظل لقاء اسطنبول بين وزيري خارجية باكستان وإسرائيل المنعقد في 1/9/2005م نقطة فارقة ولحظة تاريخية في مسار التقارب الثنائي لما حمله من دلالات وأبعاد وأيا كانت تبريرات إسلام آباد واشتراطاتها لمصير هذه العلاقة إلا أن ذلك سيظل محكوما بمشروع الأوسط الكبير المشترط في مفرداته حتمية التعايش السلمي ووجوبية مسارعة دول الأوسط للاعتراف بإسرائيل بعد صيرورتها واقعا لا نقاش حوله إذا ما أراد قادتها السلامة .
العلاقات الباكستانية الصهيونية بما يكتنفها من غموض وبغض النظر عن الكم و الكيف ظلت مرتبطة صعودا وهبوطا بمسارات التقارب والتنافر بين إسلام آباد وواشنطن عبر الخمسة العقود المنصرمة فيما كانت كلمة السر حكرا على المنظمات اليهودية الامريكية منه فاللقاء الأخير رغم انه الأول من نوعه يتم بشكل علني إلا انه ليس الوحيد على صعيد الاتصالات السياسية والدبلوماسية والجديد فيه ربطه بمجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية القضية المصيرية التي راهنت عليها باكستان منذ تأسيسها على يد محمد علي جناح من أنها لن تسعى للاعتراف بإسرائيل حتى لو اعترف بها جميع العرب ما دامت محتلة لأرض فلسطين إلا أن الانسحاب من قطاع غزة أفضى الى تغير الموقف 180 درجة رغم كل التأكيدات التي أدلى بها المسئولين الباكستان بان ما جرى لا يعدو كونه تطبيع جزئي مع عدم ورود مسألة الاعتراف حتى يتم الانسحاب الكامل من الضفة الغربية بينما مجريات الأحداث على الواقع برهنة أن باكستان لم تكن لتكترث بالمسألة الفلسطينية بعد أن تم نفي صفة العروبة عنها اثر انخراط الكثير من الدول العربية في مشاريع التطبيع استجابة للرغبة الامريكية الجامحة ما بعد أحداث 11 سبتمبر.
الخطوة الباكستانية بما حملته من إيحاءات أطرت لنفي الصفة الإسلامية عن القضية الفلسطينية لتصير صراعا إسرائيليا فلسطينيا بحتا صائرة بذلك جزءا من الجدار الضائقة حلقاته على الفلسطينيين لاسيما بعد نفي السلطات الفلسطينية أي علم أو علاقة لها بلقاء اسطنبول مما أدى الى وأد أمالهم وتطلعاتهم لدولة مستقلة باتت حلما بعيد المنال منذ أن أوكل بوش الى شارون تنفيذ خارطة الطريق ليستبدلها الأخير بخطة الفصل الأحادي عن غزة لضمان انسيابية الانقضاض على الضفة في إطار نظريته لتطوير الفكرة الصهيونية بعد نظرية شمعون بيريز اسرائيل العظمى بدل اسرائيل الكبرى أوائل تسعينيات القرن العشرين بما يضمن حسب مشروع شارون الانتقال بإسرائيل الى مرحلة الشراكة الكاملة مع واشنطن في مشروعها لإعادة صياغة أشكال سياسية جديدة في الشرق الأوسط ، يأتي هذا بعد أن خسر العرب دولة لها شأنها ومكانتها هي الهند التي ظلت مناصرة لقضاياهم لتتحول ورقة ضغط تحركها اسرائيل كيفما شاءت لتنظم إليها ثاني اكبر دولة إسلامية هي باكستان وبذلك يكونوا قد خرجوا من شبه القارة الهندية ولتحقق تل أبيب خرقا طال انتظاره نحو بلد إسلامي قد يكون مقدمة ضرورية نحو اندفاع بلدان إسلامية في الشرق الأقصى كاندونيسيا وفنزويلا بعد ما حققته من خرق كبير في الوطن العربي .
يأتي هذه في ظل تصاعد الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين منه فما جرى لا يعد كونه سيناريو رسمه اللوبي الصهيوني في أروقة البيت الأبيض وما كانت خطوة باكستان إلا إحدى الثمار المريرة لمساعيهم ومراميهم من وراء مسرحية الانسحاب من غزة والهادف في حقيقته الى تهويد القدس وترسيخ الاستيطان بالضفة ، الغريب أن القنبلة النووية الباكستانية التي دفع العرب معظم تكلفتها لم تعد خطرا يهدد الكيان الصهيوني وذلك لان كل طرف بات مقتنعا بضرورة الحصول على نصيبه من غنيمة الأوسط النفطية .
الحدث بتوقيته الزماني والمكاني ودلالاته السياسية مثل مادة دسمة للكتاب لم تخلو من التأويلات رغم ما أحدثه من ضجة إعلامية وميدانية بين المؤيدين والمعارضين لذا جاءت وقفتنا على ماهيته وجذوره وأبعاده ودوافعه .
المسارات التاريخية
بلا شك أن لقاء اسطنبول المنعقد بواسطة رئيس وزراء تركيا الضائعة بين اسلاميتها وعلمانيتها والباحثة عن هوية ودور مفقودين قد سبقه عدت خطوات واتصالات سرية أفضت الى إيجاد نوع من العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية أوصلت مجتمعه الى العقد الفريد بين دولتين متناقضتين مع عدم إخفاء ما لأمريكا واللوبي الصهيوني من يد طائلة .
1- التفاعلات السياسية:
تظل تصريحات مؤسس باكستان محمد علي جناح الراسمة لخطوط سياستها تجاه اسرائيل بالتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المحتلة عام 1948م إذ ألقي وزير خارجيتها السير ظفر الله خان خطبا مؤثرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة كما لم تعترف بلاده من حينه حتى لقاء اسطنبول بأي نوع من العلاقات مع اسرائيل مكذبة كافة الشائعات إلا أن الأحداث التاريخية كشفت عن وجود نوعا من الاتصالات واللقاءات السرية بين البلدين تبعا لعلاقة إسلام آباد مع واشنطن من ذلك ما شهدته فترة حكومة علي خان 1948-1951م من لقاءات بين دبلوماسيين باكستان وإسرائيليين هدفت الى التأثير على موقف باكستان من قرار تقسيم فلسطين منها اللقاء المنعقد في 7/4/1952م بين مندوبي البلدين الدائمين في الأمم المتحدة وكذا لقاء مندوب اسرائيل وقتها بظفر الله خان وزير خارجية باكستان في نيويورك 14/1/1953م في ظل حكومة خواجة نظم الدين 1951-1953م ، و مشاركة سفير اسرائيل لدى هولندا في احتفال أقامته سفيرة باكستان بيغم رعنا لياقت علي خان زوجة نواب لياقت علي خان أول رئيس وزراء باكستاني في 1960م بمناسبة اليوم الوطني ، وفي 1961م جرى التقاء ذو الفقار علي بوتو وزير المعادن والبترول حينها بمندوب اسرائيل في الأمم المتحدة ، وفي عقد السبعينيات من القرن العشرين توقفت الاتصالات اثر تأييد باكستان العرب في حرب 1973م ودعمها سوريا لارتباط الطرفين بمصالح استراتيجية مع السوفيت لتتغير الرؤية في نهاية السبعينيات مع مجيء ضياء الحق وبدء الجهاد الأفغاني ضد السوفيت حيث بدأت اسرائيل تتحرك نحو التقارب مع باكستان لتصير الأخيرة حلقة الوصل لإمداد الأفغان بالأسلحة الأمريكية والإسرائيلية ، بالإضافة الى قيام اسرائيل بتدريب الأفغان على الأراضي الباكستانية وبالمقابل سعت باكستان لتنقية الأجواء بين مصر والعالم العربي بعد فرض المقاطعة عليها بسبب زيارة السادات لإسرائيل وتوقيع اتفاق السلام معها ولم يختلف الحال في عهد نواز شريف وبنظير بوتو لقرب حكومتيهما من واشنطن مما أوجد علاقة غير رسمية مع اسرائيل إضافة الى التقاء بوتو بعض وزراء اسرائيل كما أنها سعت في 4/8/1994م للإعلان عن زيارة قطاع غزة إلا أن ذلك لم يتم بسبب رفض اسرائيل لعدم التنسيق معها مباشرة الأمر الذي بدأ معه الجدل حول الاعتراف بإسرائيل داخل باكستان أعقب ذلك حضور مندوبها في الأمم المتحدة احمد كمال حفل استقبال أقامه نظيره الصهيوني جاد يعقوبي ليتم توظيف ذلك من قبل القيادات الباكستانية المؤيدة لإقامة علاقات ثنائية أما في عهد حكومة شريف فقد قام مولانا أجمل قدري أمير جماعة الإسلام بزيارة الأقصى دعا بعدها الى ضرورة الاعتراف بإسرائيل لان تأخيره سيوفر البيئة الملائمة لنمو التحالف الهندي الصهيوني على حساب مصالح باكستان ، كما قام في 8/1997م قائد حزب عوامي قيادات ميرزا إسلام بيج بزيارة اسرائيل مؤكدا بأنه لا توجد خلافات جوهرية معها تبعه في 9/1997م إعلان السكرتير الصحفي لنواز من انه لا يرى ضررا في الاعتراف بها .
انقلاب برويز مشرف في 1999م أفضى الى توسيع الجدل حول مسألة التطبيع والاعتراف بعد تزايد التيارات المؤيدة وبالمقابل تزايد الاتصالات السرية ومن ذلك ما اعترف به الصهاينة أنفسهم بان العلاقات بدأت فعليا في 2002م بواسطة الباكستانيين المقيمين في أمريكا وبتشجيع من القنصل الصهيوني في نيويورك ألون بنكس مؤكدين كثرة الاتصالات قبلها والتي نشطت أكثر بعد أحداث 11/9/2001م لتتم بعد أن كانت مقتصرة على السفراء على مستوى الوزراء ومنها الاتصالات التي جرت بين يورام هسل رئيس قسم الاتصالات الخارجية بالموساد والمخابرات الباكستانية منذ 1998م اثر زيارة هسل الأخيرة إبان فترة نواز شريف ناهيك عن تبادل المعلومات المخابراتية .
الانقلاب العسكري الذي قاده مشرف حدى به الى خطب ود واشنطن لكسب تأييدها لحكومته من هنا بدأ بالتقدم نحو إقامة العلاقات مع الصهاينة مدللا على ذلك بتصريحه من باريس في 2/7/2003م من انه يريد وحدة فكرية بين الباكستانيين حول العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل أما في 24/1/2004م فقد خطى خطوة أكثر جسارة عقب لقاءه شمعون بيريز أثناء انعقاد المؤتمر الاقتصادي العالمي معلنا في 9/7/2004م أمام البرلمان الآذري بان بلاده تعترف بوجود اسرائيل على الأراضي التي تحت تصرفها قبل 1967م وفي نفس الوقت تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل يأتي هذا التنازل بعد أن كانت تأكيدات مؤسس باكستان على اراضي ما قبل 1948م وفي 9/2004م قبل مشرف دعوة المؤتمر العالمي اليهودي لحضور مؤتمره السنوي في أمريكا ليتم استكمال الصورة في لقاء اسطنبول وسيكون بعدها مدعوا لحضور المؤتمر اليهودي العالمي الذي سينعقد في مايو 2006م المنظم من قبل الكونجرس اليهودي بأمريكا .
2- العلاقات الاقتصادية:
تعددت مجالاتها تبعا للتنوع السياسي من ذلك زيارة عدد من رجال أعمال باكستان اسرائيل في 1992م بهدف خلق فرص الاستثمار والتبادل التجاري رغم انضمامها الى لجنة المقاطعة الإسلامية ولجنة المقاطعة البريدية, كما تم عقد عدد من الصفقات بين مؤسساتها الرسمية وإسرائيل أهمها صفقة شراء قطع غيار الطائرات في 1995م وإجراء بعض التعاملات التجارية غير المباشرة كانت فيها الأردن الوسيط لنقل البضائع الصهيونية .
3- التعاون الأمني:-
سبقت الإشارة الى قيام الصهاينة بتدريب الأفغان بالتنسيق مع الباكستان إضافة الى الاجتماعات السرية بين قيادات المخابرات الباكستانية والموساد في بعض العواصم الأوروبية بخصوص القضية الأفغانية منها ما تم على هامش احد المؤتمرات الأمنية الدولية المنعقدة في فبراير عام 1996م بالفلبين للتعرف على موقف باكستان حول مواجهة الإرهاب .
إذا فقد بدأت تجليات الصورة تتضح مع دعوة شريف الصريحة لإقامة علاقات مع اسرائيل ومغازلة مشرف المتضحة معالمها في قوالب إيحائية أوحت بان التطبيع والاعتراف من الأشياء المفرغ منها وإنما هي مسألة وقت وليست مصافحته لشارون على هامش مؤتمر دافوس الأخير ولقاءا ته المتكررة بزعماء المنظمة اليهودية الامريكية إيباك إلا دليل لموقفه الواضح منذ أن تم انتخاب شارون في 2001م لرئاسة الحكومة الصهيونية معتبرا إياه الشخص الوحيد القادر على إقرار السلام في الشرق الأوسط مرورا بتهنئته على خطة الانسحاب من غزة إذ شهدت الأجواء بعدها اتصالات و لقاءات مباشرة زادت وتيرتها بعد بدء الانسحاب اثر اتصال مشرف برجب طيب اردوجان طالبا منه الترتيب للقاء اسطنبول ليعلن وزير خارجية اسرائيل أثنائه أن بلاده لم تعتبر باكستان عدوا لها على مدار ال 58عاما الماضية وأنها لم تسعى للحصول من باكستان على ضمانات رسمية بان برنامجها النووي ليس موجها ضد اسرائيل لان بلاده كانت تؤمن بصدق الضمانات العامة التي صدرت عن إسلام آباد معبرا عن أمله بان تكون علاقتهما الأفضل من نوعها في الشرق الأوسط تم بعدها بـ 3 أسابيع عقد اجتماعات موسعة لقادة البلدين من سياسيين وعسكريين لترتيب إقامة العلاقات الدبلوماسية وتنظيم أوجه التعاون المختلفة بما يكفل لها الانتظام بعد خروجها من دهاليز الكواليس .
الدوافع والأهداف
رغم ما ذهبت إليه الصحف الخليجية من أن خطوة باكستان لم تكن في إطار المصلحة الوطنية الباكستانية وفقا لما رآه شعبها وقطعا أنها ليست في إطار المصلحة الرابطة بين باكستان والعالمين العربي والإسلامي إذا فهي لا تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني في صراعه مع الصهاينة رغم هذا وذاك فقد بررت باكستان موقفها ولعله الشفيع لها بما يشهد العرب والمسلمين من فقدان مزري لمناعة الصمود والمواجهة أمام الضغوط الصهيوامريكية المتزايدة لاسيما بعد ذهاب العراق منه فقد هدفت من وراء هذا تعزيز حضورها على الساحة الدولية وهذا لا يتأتى إلا من خلال كسب ثقة واشنطن ورضاها مما جعل من تقاربها مع الصهاينة وفقا لما يراه المراقبون تحولا سياسيا خارجيا مهما مرده القلق من تأثر التوازن الاستراتيجي في جنوب أسيا بزيادة تنامي الروابط العسكرية بين الهند وإسرائيل في حين كان هدف اسرائيل المتوافق مع واشنطن إحكام القبضة على وسط أسيا وجنوبها وغربها وتقليم أظافر الغول الصيني المتنامي وقطع الطريق عن حدوث أي اتصالات وتقاربات عربية إسلامية مع الصين وروسيا بعد أن تم إحكام القبضة على الخليج العربي عقب انتهاء مراسم وأد الحلم العربي بالانقضاض على العراق رغم هذا كله فقد ارتسمت عدة دوافع لدى إسلام آباد وتل أبيب حاول الطرفان من خلالها تبرير ما جرى .
الدوافع الباكستانية:
إدراك مشرف لأبعاد المشروع الأمريكي لإصلاح الأوسط والقاضي بإعادة رسم استراتيجية التحالفات الامريكية على مستوى العالم ومنه شبه القارة الهندية لحاجتها المستقبلية في خلق مناطق ضغط على الصين وبسبب عدم الاستقرار السياسي في باكستان اتجهت الى الهند لما تتمتع به من استقرار رغم ما قدمته باكستان من تعاون منقطع النظير في الإطاحة بنظام طالبان وتقليم أظافر القاعدة إلا أن ذلك لم يشفع لها ناهيك عن رغبة مشرف في تحول بلاده الى الانخراط غير المشروط في المشروع الأمريكي لمكافحة ما تسميه بالإرهاب ومعالجة التطرف الإسلامي انطلاقا من الداخل الباكستاني المتسم بالأصولية المتشددة التي باتت تمثل عبئا ضاغطا عسكريا وسياسيا لاسيما في منطقة القبائل المحاذية لأفغانستان ناهيك عن إعلان التوبة لعالم النووية الباكستانية عبد القادر خان لتسريبه النووية لعدد من الدول المتضاربة مصالحها مع واشنطن وهي كلها قضايا لم تشفع لها لدى واشنطن التي ظلت تمارس ضغطها على إسلام آباد على مدى العقود الماضية للاعتراف بإسرائيل وذلك ما عبر عنه مشرف في مقابلته مع ألبي بي سي 2/9/2005م "إن العالم يريد منا أن نلعب دورا في قضية الشرق الأوسط " إذا فخوفها من التهميش ورغبتها في إعادة بناء الثقة مع واشنطن ورغبة مشرف للبقاء في الحكم لاسيما وان حكومته قائمة على التأييد الأمريكي وحاجتها لإقناع الغرب بان باكستان دولة منفتحة بهدف إزالة تهم التشدد والإرهاب جعلها تتجه نحو اسرائيل لما تتمتع به من نفوذ وتأثير في البيت الأبيض لفتح أبوابها الموصدة بهدف الحصول على دور لها في الأوسط والحصول على المزيد من الدعم والمساعدة الاقتصادية الامريكية وهي محاولة مكشوفة إذ متى كانت واشنطن تقدم مساعداتها دون شروط أو مكاسب؟ لاسيما وان باكستان لا تتجاوز ديونها الخارجية 40 مليار دولار تستهلك منها سنويا 3 مليار دولار لسدادها مما يجعلها في حاجة لمساعدات دائمة لتردي اقتصادها إذ لا يتعد النمو فيها 2.6% فيما يصل العجز التجاري الى 3% والفقر 40% والتضخم 7% ولذا فهي بحاجة الى معونات واشنطن المشروطة بالاعتراف بإسرائيل ومن ذلك ما حدث أثناء زيارة مشرف لواشنطن في مايو 2003م تلقى فيها وعدا بمساعدة قيمتها 3 مليارات دولار على مدى خمس سنوات بمعدل 600 مليون سنويا مقابل الاعتراف منه فقد كان دافع التقرب من أمريكا هو الأهم .
أضف لذلك تزايد الضغط الباكستاني الداخلي على مشرف لتصفية عدة قضايا أهمها كشمير وتسويتها جذريا لاسيما بعد تزايد الشبهات الامريكية حول علاقات الاستخبارات الباكستانية بالتطرف الإسلامي ليأتي التقارب من الصهاينة لتكريس قاعدة مفادها أن اسرائيل باتت ممرا إجباريا نحو تحسين العلاقة مع واشنطن من جهة ومن جهة ثانية قد يعطيها ذلك ترتيب أولياتها لتشكيل علاقات مستقبلية مع الدولة العبرية والعالم الإسلامي تكون فيها باكستان همزة الوصل .
ناهيك عن رغبتها في قطع الطريق على ما تشهده العلاقات الهندية الصهيونية من تقدم والرغبة في التعاون العسكري مع اسرائيل لتحقيق التوازن مع الهند اثر صيرورة الهند من أهم المستوردين للأسلحة الصهيونية ... الخ .
الدوافع الصهيونية:
كون باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة المنضمة الى النادي النووي الدولي فهي حتما مصدر توجس وتوتر في نظر اسرائيل وصولا الى اتهامها بتصدير النووية الى إيران مما جعل من التطبيع معها مساعدا لضبط نوويتها وضامنا لعدم استعمالها ولو نظريا ضد اسرائيل ناهيك عن موقع باكستان الجيوسياسي والذي سيضمن لإسرائيل الوصول الى قلب آسيا بما يحويه من ملفات ساخنة قابلة للاستثمار وكثمرة للتقارب ستتمكن اسرائيل من ممارسة سياسة الاحتواء المزدوج لقضية كشمير والتحكم فيها بما يخدم مصالحها كدولة إقليمية كبرى ولاعبا سياسيا في الحل والعقد يجب حسب حسابه ، الأهم من هذا أن الاقتراب سيضمن لها معرفة أدق التفاصيل عن النووية الباكستانية ناهيك عن انه سيضيف لإسرائيل سوقا جديدة لمنتجاتها .. الخ .
رؤية مستقبلية:
رغم الدوافع الجامحة لدى الطرفين والتي لا تمت الى القضية الفلسطينية بصلة اثر مبادرة مسئوليها الى إبداء قلقهم من لقاء اسطنبول وإدانته داعين الشعب الباكستاني الى التحرك لرفض خطوة حكومته، الجامعة العربي من جهتها اعتبرت أن اسرائيل لم تقدم أي تنازلات تستحق هذه الخطوة وأما رهان مشرف من انه نال مباركة السعودية لخطوته فكيف لها أن تبارك شيء لم تفعله ورغم تأكيدات اسرائيل بان اللقاء ليس موجها ضد احد إلا أن ما يشهده الشارع الباكستاني يظل الأهم اثر تزايد شريحة المؤيدين للاعتراف والتطبيع وعدم الاكتفاء بالعلاقات الدبلوماسية في أوساط التجار والدبلوماسيين والجيش وعدد من رجال الدين كجماعة الإسلام وبعض القيادات الحزبية كحزب عوامي قيادات في حين التزمت بعض الأحزاب السياسية الحياد رغم تأكيدها بان المحادثات كانت في صالح الشعب الفلسطيني إلا أن الجماعات الإسلامية التي بادرت الى تحريك الشارع ومقاطعة نوابها في البرلمان جلساته علما أنها تضم 6 أحزاب يقودها حزب الجماعة الإسلامية منطلقة من عدة مبررات أهمها أن القضية الفلسطينية ليست قضية عربية خالصة وإنما هي في إطارها العام إسلامية المعنى والمبنى ومنه فاعتراف بعض الدول العربية بإسرائيل ليس مبررا كافيا للتطبيع كما أن ربط مصالح باكستان في كشمير بالتطبيع مع اسرائيل أمر مرفوض في إطار تزايد الإدراك لبذور الصهاينة في تزايد الصراع على كشمير .إذا فمستقبل العلاقة مع الصهاينة سيظل حلما بعيد المنال في ظل تنامي التيارات الرافضة لعدة أسباب أهمها طبيعة باكستان الإسلامية التي لازالت قبضة الأصولية فيها هي العليا والذي مثل فيها الطابع الإسلامي المحدد الأساسي لسياستها الخارجية ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي الداخلي فيها مما يحتم عليها تجنب إثارة القضايا الخلافية الحادة في مجتمعها ومنها العلاقة مع الصهاينة في حين أن تبنيها لعلاقة متشددة مع اليهود يظل الأساس لشرعية نظامها السياسي أيا كانت هويته لذا فسيكون الأمر منحصرا على إقامة العلاقات الدبلوماسية كمرحلة أولى الى إن يتم إعادة التوازن بين التيارات العلمانية والدينية بعكس تركيا و لعلى زلزال كشمير قد يهدئ فورة الغضب الى حين إلا أن السحب المتراكمة في سماء الشرق الأوسط لا تبشر بخير .
يظل لقاء اسطنبول بين وزيري خارجية باكستان وإسرائيل المنعقد في 1/9/2005م نقطة فارقة ولحظة تاريخية في مسار التقارب الثنائي لما حمله من دلالات وأبعاد وأيا كانت تبريرات إسلام آباد واشتراطاتها لمصير هذه العلاقة إلا أن ذلك سيظل محكوما بمشروع الأوسط الكبير المشترط في مفرداته حتمية التعايش السلمي ووجوبية مسارعة دول الأوسط للاعتراف بإسرائيل بعد صيرورتها واقعا لا نقاش حوله إذا ما أراد قادتها السلامة .
العلاقات الباكستانية الصهيونية بما يكتنفها من غموض وبغض النظر عن الكم و الكيف ظلت مرتبطة صعودا وهبوطا بمسارات التقارب والتنافر بين إسلام آباد وواشنطن عبر الخمسة العقود المنصرمة فيما كانت كلمة السر حكرا على المنظمات اليهودية الامريكية منه فاللقاء الأخير رغم انه الأول من نوعه يتم بشكل علني إلا انه ليس الوحيد على صعيد الاتصالات السياسية والدبلوماسية والجديد فيه ربطه بمجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية القضية المصيرية التي راهنت عليها باكستان منذ تأسيسها على يد محمد علي جناح من أنها لن تسعى للاعتراف بإسرائيل حتى لو اعترف بها جميع العرب ما دامت محتلة لأرض فلسطين إلا أن الانسحاب من قطاع غزة أفضى الى تغير الموقف 180 درجة رغم كل التأكيدات التي أدلى بها المسئولين الباكستان بان ما جرى لا يعدو كونه تطبيع جزئي مع عدم ورود مسألة الاعتراف حتى يتم الانسحاب الكامل من الضفة الغربية بينما مجريات الأحداث على الواقع برهنة أن باكستان لم تكن لتكترث بالمسألة الفلسطينية بعد أن تم نفي صفة العروبة عنها اثر انخراط الكثير من الدول العربية في مشاريع التطبيع استجابة للرغبة الامريكية الجامحة ما بعد أحداث 11 سبتمبر.
الخطوة الباكستانية بما حملته من إيحاءات أطرت لنفي الصفة الإسلامية عن القضية الفلسطينية لتصير صراعا إسرائيليا فلسطينيا بحتا صائرة بذلك جزءا من الجدار الضائقة حلقاته على الفلسطينيين لاسيما بعد نفي السلطات الفلسطينية أي علم أو علاقة لها بلقاء اسطنبول مما أدى الى وأد أمالهم وتطلعاتهم لدولة مستقلة باتت حلما بعيد المنال منذ أن أوكل بوش الى شارون تنفيذ خارطة الطريق ليستبدلها الأخير بخطة الفصل الأحادي عن غزة لضمان انسيابية الانقضاض على الضفة في إطار نظريته لتطوير الفكرة الصهيونية بعد نظرية شمعون بيريز اسرائيل العظمى بدل اسرائيل الكبرى أوائل تسعينيات القرن العشرين بما يضمن حسب مشروع شارون الانتقال بإسرائيل الى مرحلة الشراكة الكاملة مع واشنطن في مشروعها لإعادة صياغة أشكال سياسية جديدة في الشرق الأوسط ، يأتي هذا بعد أن خسر العرب دولة لها شأنها ومكانتها هي الهند التي ظلت مناصرة لقضاياهم لتتحول ورقة ضغط تحركها اسرائيل كيفما شاءت لتنظم إليها ثاني اكبر دولة إسلامية هي باكستان وبذلك يكونوا قد خرجوا من شبه القارة الهندية ولتحقق تل أبيب خرقا طال انتظاره نحو بلد إسلامي قد يكون مقدمة ضرورية نحو اندفاع بلدان إسلامية في الشرق الأقصى كاندونيسيا وفنزويلا بعد ما حققته من خرق كبير في الوطن العربي .
يأتي هذه في ظل تصاعد الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين منه فما جرى لا يعد كونه سيناريو رسمه اللوبي الصهيوني في أروقة البيت الأبيض وما كانت خطوة باكستان إلا إحدى الثمار المريرة لمساعيهم ومراميهم من وراء مسرحية الانسحاب من غزة والهادف في حقيقته الى تهويد القدس وترسيخ الاستيطان بالضفة ، الغريب أن القنبلة النووية الباكستانية التي دفع العرب معظم تكلفتها لم تعد خطرا يهدد الكيان الصهيوني وذلك لان كل طرف بات مقتنعا بضرورة الحصول على نصيبه من غنيمة الأوسط النفطية .
الحدث بتوقيته الزماني والمكاني ودلالاته السياسية مثل مادة دسمة للكتاب لم تخلو من التأويلات رغم ما أحدثه من ضجة إعلامية وميدانية بين المؤيدين والمعارضين لذا جاءت وقفتنا على ماهيته وجذوره وأبعاده ودوافعه .
المسارات التاريخية
بلا شك أن لقاء اسطنبول المنعقد بواسطة رئيس وزراء تركيا الضائعة بين اسلاميتها وعلمانيتها والباحثة عن هوية ودور مفقودين قد سبقه عدت خطوات واتصالات سرية أفضت الى إيجاد نوع من العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية أوصلت مجتمعه الى العقد الفريد بين دولتين متناقضتين مع عدم إخفاء ما لأمريكا واللوبي الصهيوني من يد طائلة .
1- التفاعلات السياسية:
تظل تصريحات مؤسس باكستان محمد علي جناح الراسمة لخطوط سياستها تجاه اسرائيل بالتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المحتلة عام 1948م إذ ألقي وزير خارجيتها السير ظفر الله خان خطبا مؤثرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة كما لم تعترف بلاده من حينه حتى لقاء اسطنبول بأي نوع من العلاقات مع اسرائيل مكذبة كافة الشائعات إلا أن الأحداث التاريخية كشفت عن وجود نوعا من الاتصالات واللقاءات السرية بين البلدين تبعا لعلاقة إسلام آباد مع واشنطن من ذلك ما شهدته فترة حكومة علي خان 1948-1951م من لقاءات بين دبلوماسيين باكستان وإسرائيليين هدفت الى التأثير على موقف باكستان من قرار تقسيم فلسطين منها اللقاء المنعقد في 7/4/1952م بين مندوبي البلدين الدائمين في الأمم المتحدة وكذا لقاء مندوب اسرائيل وقتها بظفر الله خان وزير خارجية باكستان في نيويورك 14/1/1953م في ظل حكومة خواجة نظم الدين 1951-1953م ، و مشاركة سفير اسرائيل لدى هولندا في احتفال أقامته سفيرة باكستان بيغم رعنا لياقت علي خان زوجة نواب لياقت علي خان أول رئيس وزراء باكستاني في 1960م بمناسبة اليوم الوطني ، وفي 1961م جرى التقاء ذو الفقار علي بوتو وزير المعادن والبترول حينها بمندوب اسرائيل في الأمم المتحدة ، وفي عقد السبعينيات من القرن العشرين توقفت الاتصالات اثر تأييد باكستان العرب في حرب 1973م ودعمها سوريا لارتباط الطرفين بمصالح استراتيجية مع السوفيت لتتغير الرؤية في نهاية السبعينيات مع مجيء ضياء الحق وبدء الجهاد الأفغاني ضد السوفيت حيث بدأت اسرائيل تتحرك نحو التقارب مع باكستان لتصير الأخيرة حلقة الوصل لإمداد الأفغان بالأسلحة الأمريكية والإسرائيلية ، بالإضافة الى قيام اسرائيل بتدريب الأفغان على الأراضي الباكستانية وبالمقابل سعت باكستان لتنقية الأجواء بين مصر والعالم العربي بعد فرض المقاطعة عليها بسبب زيارة السادات لإسرائيل وتوقيع اتفاق السلام معها ولم يختلف الحال في عهد نواز شريف وبنظير بوتو لقرب حكومتيهما من واشنطن مما أوجد علاقة غير رسمية مع اسرائيل إضافة الى التقاء بوتو بعض وزراء اسرائيل كما أنها سعت في 4/8/1994م للإعلان عن زيارة قطاع غزة إلا أن ذلك لم يتم بسبب رفض اسرائيل لعدم التنسيق معها مباشرة الأمر الذي بدأ معه الجدل حول الاعتراف بإسرائيل داخل باكستان أعقب ذلك حضور مندوبها في الأمم المتحدة احمد كمال حفل استقبال أقامه نظيره الصهيوني جاد يعقوبي ليتم توظيف ذلك من قبل القيادات الباكستانية المؤيدة لإقامة علاقات ثنائية أما في عهد حكومة شريف فقد قام مولانا أجمل قدري أمير جماعة الإسلام بزيارة الأقصى دعا بعدها الى ضرورة الاعتراف بإسرائيل لان تأخيره سيوفر البيئة الملائمة لنمو التحالف الهندي الصهيوني على حساب مصالح باكستان ، كما قام في 8/1997م قائد حزب عوامي قيادات ميرزا إسلام بيج بزيارة اسرائيل مؤكدا بأنه لا توجد خلافات جوهرية معها تبعه في 9/1997م إعلان السكرتير الصحفي لنواز من انه لا يرى ضررا في الاعتراف بها .
انقلاب برويز مشرف في 1999م أفضى الى توسيع الجدل حول مسألة التطبيع والاعتراف بعد تزايد التيارات المؤيدة وبالمقابل تزايد الاتصالات السرية ومن ذلك ما اعترف به الصهاينة أنفسهم بان العلاقات بدأت فعليا في 2002م بواسطة الباكستانيين المقيمين في أمريكا وبتشجيع من القنصل الصهيوني في نيويورك ألون بنكس مؤكدين كثرة الاتصالات قبلها والتي نشطت أكثر بعد أحداث 11/9/2001م لتتم بعد أن كانت مقتصرة على السفراء على مستوى الوزراء ومنها الاتصالات التي جرت بين يورام هسل رئيس قسم الاتصالات الخارجية بالموساد والمخابرات الباكستانية منذ 1998م اثر زيارة هسل الأخيرة إبان فترة نواز شريف ناهيك عن تبادل المعلومات المخابراتية .
الانقلاب العسكري الذي قاده مشرف حدى به الى خطب ود واشنطن لكسب تأييدها لحكومته من هنا بدأ بالتقدم نحو إقامة العلاقات مع الصهاينة مدللا على ذلك بتصريحه من باريس في 2/7/2003م من انه يريد وحدة فكرية بين الباكستانيين حول العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل أما في 24/1/2004م فقد خطى خطوة أكثر جسارة عقب لقاءه شمعون بيريز أثناء انعقاد المؤتمر الاقتصادي العالمي معلنا في 9/7/2004م أمام البرلمان الآذري بان بلاده تعترف بوجود اسرائيل على الأراضي التي تحت تصرفها قبل 1967م وفي نفس الوقت تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل يأتي هذا التنازل بعد أن كانت تأكيدات مؤسس باكستان على اراضي ما قبل 1948م وفي 9/2004م قبل مشرف دعوة المؤتمر العالمي اليهودي لحضور مؤتمره السنوي في أمريكا ليتم استكمال الصورة في لقاء اسطنبول وسيكون بعدها مدعوا لحضور المؤتمر اليهودي العالمي الذي سينعقد في مايو 2006م المنظم من قبل الكونجرس اليهودي بأمريكا .
2- العلاقات الاقتصادية:
تعددت مجالاتها تبعا للتنوع السياسي من ذلك زيارة عدد من رجال أعمال باكستان اسرائيل في 1992م بهدف خلق فرص الاستثمار والتبادل التجاري رغم انضمامها الى لجنة المقاطعة الإسلامية ولجنة المقاطعة البريدية, كما تم عقد عدد من الصفقات بين مؤسساتها الرسمية وإسرائيل أهمها صفقة شراء قطع غيار الطائرات في 1995م وإجراء بعض التعاملات التجارية غير المباشرة كانت فيها الأردن الوسيط لنقل البضائع الصهيونية .
3- التعاون الأمني:-
سبقت الإشارة الى قيام الصهاينة بتدريب الأفغان بالتنسيق مع الباكستان إضافة الى الاجتماعات السرية بين قيادات المخابرات الباكستانية والموساد في بعض العواصم الأوروبية بخصوص القضية الأفغانية منها ما تم على هامش احد المؤتمرات الأمنية الدولية المنعقدة في فبراير عام 1996م بالفلبين للتعرف على موقف باكستان حول مواجهة الإرهاب .
إذا فقد بدأت تجليات الصورة تتضح مع دعوة شريف الصريحة لإقامة علاقات مع اسرائيل ومغازلة مشرف المتضحة معالمها في قوالب إيحائية أوحت بان التطبيع والاعتراف من الأشياء المفرغ منها وإنما هي مسألة وقت وليست مصافحته لشارون على هامش مؤتمر دافوس الأخير ولقاءا ته المتكررة بزعماء المنظمة اليهودية الامريكية إيباك إلا دليل لموقفه الواضح منذ أن تم انتخاب شارون في 2001م لرئاسة الحكومة الصهيونية معتبرا إياه الشخص الوحيد القادر على إقرار السلام في الشرق الأوسط مرورا بتهنئته على خطة الانسحاب من غزة إذ شهدت الأجواء بعدها اتصالات و لقاءات مباشرة زادت وتيرتها بعد بدء الانسحاب اثر اتصال مشرف برجب طيب اردوجان طالبا منه الترتيب للقاء اسطنبول ليعلن وزير خارجية اسرائيل أثنائه أن بلاده لم تعتبر باكستان عدوا لها على مدار ال 58عاما الماضية وأنها لم تسعى للحصول من باكستان على ضمانات رسمية بان برنامجها النووي ليس موجها ضد اسرائيل لان بلاده كانت تؤمن بصدق الضمانات العامة التي صدرت عن إسلام آباد معبرا عن أمله بان تكون علاقتهما الأفضل من نوعها في الشرق الأوسط تم بعدها بـ 3 أسابيع عقد اجتماعات موسعة لقادة البلدين من سياسيين وعسكريين لترتيب إقامة العلاقات الدبلوماسية وتنظيم أوجه التعاون المختلفة بما يكفل لها الانتظام بعد خروجها من دهاليز الكواليس .
الدوافع والأهداف
رغم ما ذهبت إليه الصحف الخليجية من أن خطوة باكستان لم تكن في إطار المصلحة الوطنية الباكستانية وفقا لما رآه شعبها وقطعا أنها ليست في إطار المصلحة الرابطة بين باكستان والعالمين العربي والإسلامي إذا فهي لا تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني في صراعه مع الصهاينة رغم هذا وذاك فقد بررت باكستان موقفها ولعله الشفيع لها بما يشهد العرب والمسلمين من فقدان مزري لمناعة الصمود والمواجهة أمام الضغوط الصهيوامريكية المتزايدة لاسيما بعد ذهاب العراق منه فقد هدفت من وراء هذا تعزيز حضورها على الساحة الدولية وهذا لا يتأتى إلا من خلال كسب ثقة واشنطن ورضاها مما جعل من تقاربها مع الصهاينة وفقا لما يراه المراقبون تحولا سياسيا خارجيا مهما مرده القلق من تأثر التوازن الاستراتيجي في جنوب أسيا بزيادة تنامي الروابط العسكرية بين الهند وإسرائيل في حين كان هدف اسرائيل المتوافق مع واشنطن إحكام القبضة على وسط أسيا وجنوبها وغربها وتقليم أظافر الغول الصيني المتنامي وقطع الطريق عن حدوث أي اتصالات وتقاربات عربية إسلامية مع الصين وروسيا بعد أن تم إحكام القبضة على الخليج العربي عقب انتهاء مراسم وأد الحلم العربي بالانقضاض على العراق رغم هذا كله فقد ارتسمت عدة دوافع لدى إسلام آباد وتل أبيب حاول الطرفان من خلالها تبرير ما جرى .
الدوافع الباكستانية:
إدراك مشرف لأبعاد المشروع الأمريكي لإصلاح الأوسط والقاضي بإعادة رسم استراتيجية التحالفات الامريكية على مستوى العالم ومنه شبه القارة الهندية لحاجتها المستقبلية في خلق مناطق ضغط على الصين وبسبب عدم الاستقرار السياسي في باكستان اتجهت الى الهند لما تتمتع به من استقرار رغم ما قدمته باكستان من تعاون منقطع النظير في الإطاحة بنظام طالبان وتقليم أظافر القاعدة إلا أن ذلك لم يشفع لها ناهيك عن رغبة مشرف في تحول بلاده الى الانخراط غير المشروط في المشروع الأمريكي لمكافحة ما تسميه بالإرهاب ومعالجة التطرف الإسلامي انطلاقا من الداخل الباكستاني المتسم بالأصولية المتشددة التي باتت تمثل عبئا ضاغطا عسكريا وسياسيا لاسيما في منطقة القبائل المحاذية لأفغانستان ناهيك عن إعلان التوبة لعالم النووية الباكستانية عبد القادر خان لتسريبه النووية لعدد من الدول المتضاربة مصالحها مع واشنطن وهي كلها قضايا لم تشفع لها لدى واشنطن التي ظلت تمارس ضغطها على إسلام آباد على مدى العقود الماضية للاعتراف بإسرائيل وذلك ما عبر عنه مشرف في مقابلته مع ألبي بي سي 2/9/2005م "إن العالم يريد منا أن نلعب دورا في قضية الشرق الأوسط " إذا فخوفها من التهميش ورغبتها في إعادة بناء الثقة مع واشنطن ورغبة مشرف للبقاء في الحكم لاسيما وان حكومته قائمة على التأييد الأمريكي وحاجتها لإقناع الغرب بان باكستان دولة منفتحة بهدف إزالة تهم التشدد والإرهاب جعلها تتجه نحو اسرائيل لما تتمتع به من نفوذ وتأثير في البيت الأبيض لفتح أبوابها الموصدة بهدف الحصول على دور لها في الأوسط والحصول على المزيد من الدعم والمساعدة الاقتصادية الامريكية وهي محاولة مكشوفة إذ متى كانت واشنطن تقدم مساعداتها دون شروط أو مكاسب؟ لاسيما وان باكستان لا تتجاوز ديونها الخارجية 40 مليار دولار تستهلك منها سنويا 3 مليار دولار لسدادها مما يجعلها في حاجة لمساعدات دائمة لتردي اقتصادها إذ لا يتعد النمو فيها 2.6% فيما يصل العجز التجاري الى 3% والفقر 40% والتضخم 7% ولذا فهي بحاجة الى معونات واشنطن المشروطة بالاعتراف بإسرائيل ومن ذلك ما حدث أثناء زيارة مشرف لواشنطن في مايو 2003م تلقى فيها وعدا بمساعدة قيمتها 3 مليارات دولار على مدى خمس سنوات بمعدل 600 مليون سنويا مقابل الاعتراف منه فقد كان دافع التقرب من أمريكا هو الأهم .
أضف لذلك تزايد الضغط الباكستاني الداخلي على مشرف لتصفية عدة قضايا أهمها كشمير وتسويتها جذريا لاسيما بعد تزايد الشبهات الامريكية حول علاقات الاستخبارات الباكستانية بالتطرف الإسلامي ليأتي التقارب من الصهاينة لتكريس قاعدة مفادها أن اسرائيل باتت ممرا إجباريا نحو تحسين العلاقة مع واشنطن من جهة ومن جهة ثانية قد يعطيها ذلك ترتيب أولياتها لتشكيل علاقات مستقبلية مع الدولة العبرية والعالم الإسلامي تكون فيها باكستان همزة الوصل .
ناهيك عن رغبتها في قطع الطريق على ما تشهده العلاقات الهندية الصهيونية من تقدم والرغبة في التعاون العسكري مع اسرائيل لتحقيق التوازن مع الهند اثر صيرورة الهند من أهم المستوردين للأسلحة الصهيونية ... الخ .
الدوافع الصهيونية:
كون باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة المنضمة الى النادي النووي الدولي فهي حتما مصدر توجس وتوتر في نظر اسرائيل وصولا الى اتهامها بتصدير النووية الى إيران مما جعل من التطبيع معها مساعدا لضبط نوويتها وضامنا لعدم استعمالها ولو نظريا ضد اسرائيل ناهيك عن موقع باكستان الجيوسياسي والذي سيضمن لإسرائيل الوصول الى قلب آسيا بما يحويه من ملفات ساخنة قابلة للاستثمار وكثمرة للتقارب ستتمكن اسرائيل من ممارسة سياسة الاحتواء المزدوج لقضية كشمير والتحكم فيها بما يخدم مصالحها كدولة إقليمية كبرى ولاعبا سياسيا في الحل والعقد يجب حسب حسابه ، الأهم من هذا أن الاقتراب سيضمن لها معرفة أدق التفاصيل عن النووية الباكستانية ناهيك عن انه سيضيف لإسرائيل سوقا جديدة لمنتجاتها .. الخ .
رؤية مستقبلية:
رغم الدوافع الجامحة لدى الطرفين والتي لا تمت الى القضية الفلسطينية بصلة اثر مبادرة مسئوليها الى إبداء قلقهم من لقاء اسطنبول وإدانته داعين الشعب الباكستاني الى التحرك لرفض خطوة حكومته، الجامعة العربي من جهتها اعتبرت أن اسرائيل لم تقدم أي تنازلات تستحق هذه الخطوة وأما رهان مشرف من انه نال مباركة السعودية لخطوته فكيف لها أن تبارك شيء لم تفعله ورغم تأكيدات اسرائيل بان اللقاء ليس موجها ضد احد إلا أن ما يشهده الشارع الباكستاني يظل الأهم اثر تزايد شريحة المؤيدين للاعتراف والتطبيع وعدم الاكتفاء بالعلاقات الدبلوماسية في أوساط التجار والدبلوماسيين والجيش وعدد من رجال الدين كجماعة الإسلام وبعض القيادات الحزبية كحزب عوامي قيادات في حين التزمت بعض الأحزاب السياسية الحياد رغم تأكيدها بان المحادثات كانت في صالح الشعب الفلسطيني إلا أن الجماعات الإسلامية التي بادرت الى تحريك الشارع ومقاطعة نوابها في البرلمان جلساته علما أنها تضم 6 أحزاب يقودها حزب الجماعة الإسلامية منطلقة من عدة مبررات أهمها أن القضية الفلسطينية ليست قضية عربية خالصة وإنما هي في إطارها العام إسلامية المعنى والمبنى ومنه فاعتراف بعض الدول العربية بإسرائيل ليس مبررا كافيا للتطبيع كما أن ربط مصالح باكستان في كشمير بالتطبيع مع اسرائيل أمر مرفوض في إطار تزايد الإدراك لبذور الصهاينة في تزايد الصراع على كشمير .إذا فمستقبل العلاقة مع الصهاينة سيظل حلما بعيد المنال في ظل تنامي التيارات الرافضة لعدة أسباب أهمها طبيعة باكستان الإسلامية التي لازالت قبضة الأصولية فيها هي العليا والذي مثل فيها الطابع الإسلامي المحدد الأساسي لسياستها الخارجية ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي الداخلي فيها مما يحتم عليها تجنب إثارة القضايا الخلافية الحادة في مجتمعها ومنها العلاقة مع الصهاينة في حين أن تبنيها لعلاقة متشددة مع اليهود يظل الأساس لشرعية نظامها السياسي أيا كانت هويته لذا فسيكون الأمر منحصرا على إقامة العلاقات الدبلوماسية كمرحلة أولى الى إن يتم إعادة التوازن بين التيارات العلمانية والدينية بعكس تركيا و لعلى زلزال كشمير قد يهدئ فورة الغضب الى حين إلا أن السحب المتراكمة في سماء الشرق الأوسط لا تبشر بخير .