قوانين حظر النقاب .. قراءة للخلفيات الفكرية والسياسية
والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا تمنع تلك الدول النقاب بل حتى الحجاب كما هو ممنوع في فرنسا وفي مدارسها، وفي المقابل يسمحون لمن يلبسن الملابس العارية، والميني جيب والميكرو جيب وغيرها، خصوصاً أنَّها تُسَبِّبُ الكثير من المفاسد والتحرش الجنسي؟
قوانين حظر النقاب .. قراءة للخلفيات الفكرية والسياسية
يمثل المشهد الدولي في حربه على النقاب، سواء أكان ذلك في كثير من الدول الأوروبية، أو بعض الدول العربية، مسرحاً واضحاً تتبدى خيوطه ولأول وهلة في التضييق على النساء المنتقبات الصالحات، أو على أولياء أمورهنَّ، ومحاولة التحجيم من حريتهن الدينية، وراحتهنَّ الشخصيَّة، بل يهولون من منظر المنتقبات، ويسخرون منهنَّ، وكأن التي تلبسه شبح من الأشباح المخيفة، أو عضو في نادي النينجا العالمي، فهنَّ كغرابيب سود يجب اجتثاثهنَّ حتَّى لا تتعرض الكرة الأرضيَّة لهزَّة إرهابيَّة بسبب النقاب!
وفي هذه الدراسة المختصرة أحاول أن أقف مع هذه الحرب المكشوفة علناً وصراحة على مظاهر التدين ، خاصة حول قيام بعض الدول بـ:(حظر النقاب)، أو محاولة حظره، مفسراً بعض أسبابها، مناقشاً بعض الأفكار الغربية والتغريبيَّة الداعية لحظره، معالجاً لهذه المشكلة والظاهرة من خلال ثلاثة محاور أساسية :
المحور الأول:حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة، ويندرج تحتها:
أ ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب.
ب) دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب.
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين.
المحور الثاني: تعامل الإسلاميين مع قضية النقاب، ويندرج تحتها:
أ ) مشكلة تعامل بعض الإسلاميين مع النقاب.
ب ) خطورة الاندفاع لتسويق مسوغات الغرب (الجائرة) في حظر النقاب.
المحور الثالث : واجب المسلمين تجاه هذه القضية.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الدراسة، وهي في نهاية الأمر مجرد رأي بين بحار المقالات، وآلاف الكلمات، التي تحدثت عن موضوع النقاب، فما هي إلاَّ كثَـغْبةٍ في دأْماء([1])، وتُربةٍ في بهْماء([2])، والله المستعان.
· المحور الأول: حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة :
حاولت الكثير من القيادات السياسيَّة الغربيَّة وكذا العربيَّة استثمار ضربة سبتمبر لمصلحتهم السياسيَّة، ومحاولة الإدلاء بالتصريحات العبثيَّة التي أرادوا من خلالها ترهيب الناس من أهل الالتزام والتدين من المسلمين، وساعدهم في ذلك فرض قوانين وأنظمة لمحاربة مظاهر التميز الإسلامي، وقد شهدنا شيئاً كبيراً من ذلك، وبات محفوراً في قاع الذاكرة الإسلامية من حربهم للكثير من المظاهر الإسلامية ما لا ينسى، فحربهم على المساجد وتنصتهم عليها، ومنع فرنسا للمسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وقوانين حظر المآذن في سويسرا، ومحاولة منع الطعام الحلال في بعض الدول، وأخيراً وليس آخراً بهذه الحالة البركانية المتشظية يميناً وشمالاً في جوقة الحرب على النقاب وسن القوانين لمنعه، مع إبراز العضلات العقليَّة في فنون السخرية([3]) ممن يلبسنه، واتهامهنَّ ووصمهنَّ أنَّهن يتكلَّمن في زمن التخلف ويتحدثن في عصر الرجعية ويقرأن بعين الماضي، ولا يواكبن الوقت المعاصر بتجلياته ومشاهده وأحداثه.
هذه مشاهد تجعلنا ندرك حقيقة الحرب على مظاهر التميز الإسلامي وأنَّها ليست إلاَّ حرباً ضروساً على المسلمين في تلك الدول الغربية، الذين ينتشرون هنالك بفضل الله وينتشر الإسلام في تلك الدول انتشار النار في الهشيم([4])، وفي قبالة ذلك نجد ضموراً في انتشار الأديان الأخرى، مع الاحترام ومنح الحرية لبقيَّة الطوائف والديانات في تلك الدول الغربية.
أ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب :
العجيب أنَّ أعداء النقاب ليس لهم وجهة واضحة في أسباب حربهم للنقاب، وحظرهم له، بل نجدهم مختلفين في ذكر التفسيرات والأسباب للمطالبة بحظره.
- فتارة يقولون: إنَّ هذه المظاهر تجلب التفرقة بين أطياف المجتمع!
- وتارة يقولون: إنَّ ذلك كبت لحريَّة المرأة وتقييد لحريتها، وانتقاص من كرامتها، وهضم لحقها!
- وتارة يقولون: إنَّ النقاب عبارة عن سجن محمول، ولابد من حظره لتعيش النساء بكرامة، كما قال ذلك أندريه جيران - وهو قانوني شيوعي يقف وراء مبادرة للتصدي لانتشار البرقع([5])!
- وتارة يقولون: نخشى أن تكون هذه المنتقبة عامل إرهاب وتخويف للآخرين، وقد تكون من جماعات إرهابيَّة تريد أن تنفِّذ عمليَّة إرهابيَّة ضد المنشآت الغربيَّة!
- وتارة يقولون: إنَّ لباسه يثير الرعب والخوف وأنَّه يعتبر أمراً هجومياً ، حيث أشار لذلك صراحة فيليب هولوبون، وهو نائب عن حزب المحافظين المعارض، أمام البرلمان: "نحن لسنا دولة إسلامية، لذلك فإن تغطية الوجه في الأماكن العامة أمرٌ غريب، ويعتبره الكثير من الناس مخيفًا وهجوميًّا"، وزعم هولوبون: "أن ارتداء النقاب قمعي ورجعي، ويعرقل نهوض المرأة، وغير ملائم ومسيء للكثيرين في القرن الحادي والعشرين"([6]) !
- وتارة يقولون: هو عبارة عن استعباد للمرأة، حيث صرَّح بذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي([7]) !
- وتارة يقولون: هو انتهاك لمبدأ مساواة المرأة بالرجل!!
- وتارة يقولون: إنَّه بمثابة "انتهاك للحريات الفردية في وطننا"، كما أشارت وزيرة تكافؤ الفرص الإيطالية مارا كارفانيا: " البرقع والنقاب من رموز استعباد المرأة ويشكلان حاجزًا حقيقيًا أمام سياسة الاندماج، كما أنهما ليسا من الرموز الدينية من قبيل الحجاب على سبيل المثال، ولكنهما يخفيان وراءهما قصصاًً لنساء حرمن من حقوقهن الأساسية، مثل التعليم أو الاستفادة من فرص العمل"([8])، على حد زعمها!!
إنَّ المنتقبات هنَّ اللواتي رضين أن يلبسن النقاب، فكيف ينتهكن حريتهن الفردية بمحض إرادتهنَّ؟
وإن كانت المرأة اختارت ذلك فما دخلكم بها؟
أليست حريتها الشخصية وراحتها النفسية في ذلك؟
لكن العكس هو الصحيح ففرض قانون حظر النقاب هو بحد ذاته انتهاك للحرية الفردية في تلك البلاد، ولكن كما قيل : (رمتني بدائها وانسلت!).
وكل ما ذكرناه عن أولئك الغربيين في حربهم أو سعيهم لحظر النقاب، يُفسر أنَّ الحرب عليه وعلى المنتقبات ما هي إلا محاولة للتضييق على الحريات الدينية لدى المسلمات، وانتقاص كرامتهنَّ، فلو كانت هنالك دولة تريد أن تسعى لشيء من هذا القبيل لكانت أمريكا، وهي التي تحاول أن تربط الإرهاب بالمسلمين، ومع ذلك فلم تفرض هذا القانون، بل خالفت تلك الدول التي سعت لفرضه، فإذا كانت راعية حروب الإرهاب في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، قد عارضت قرار فرنسا، حيث (أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ واشنطن تعتبر ارتداء "اللباس الديني" جزءً مما أسمته الحرية الدينية وحرية التعبير، ولهذا فإنَّها اعتبرت قرار حظره مناقضاً لحرية التعبير)([9]).
وبعد هذا فلا أدري بمَ نصف المنهزمين نفسياً من بني جلدتنا ممن يحاولون سن قوانين حظر النقاب في دولنا الإسلاميَّة كذلك، وليتهم قلدوا أمريكا في إعطاء المنتقبات حقوقهنَّ في لبس النقاب، أو سكتوا وكفوا المسلمين شرَّ حديثهم!
ب)دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات:
للمنظمات الصهيونية دور كبير في إثارة الغربيين واستفزازهم لمحاربة المنتقبات، ويمكننا الاستدلال على ما نقوله في وقوف المنظمات الصهيونية في الدول الغربيَّة بالدعوة لحظر النقاب، بالكثير من الوقائع والأخبار التي جاءت في هذا الصدد، فتنشر وكالات الأنباء، ومنها وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" أنَّ منظمة "إسلاميست ووتش"([10]) الأمريكية وهي منظمة صهيونية، قد انتقدت تراجع كلية جامعية بالولايات المتحدة الأمريكية عن فرضها حظرا على ارتداء النقاب، في حين أن بلدا إسلاميا وشرقيا مثل مصر لا يزال متمسكا بحظره([11])!!
إنَّ مشكلة الغربيين أنَّهم ينقادون كثيراً للآراء الصهيونية والمنظمات اليهودية العاملة في دولهم، فصاروا أشبه بأمَّة من الغنم يقودها من يرعاها إلى حيث لا تعلم! خصوصاً وأنَّ هذه القيادة الصهيونية للأمم الغربية تكون تحت سيطرة الكثير من رؤوس الأموال، ووجود كبار الرأسماليين اليهود في تلك الدول الذين يحاولون في إعلامهم بشتَّى أنواعه إثارة (الإسلام فوبيا) في تلك الدول الغربيَّة وجعل الإسلاميين المتمسكين بدينهم فزاعة يمكن أن يأتي منهم كل حرب وإرهاب ضد المجتمعات الغربيَّة، ولربما يستغلون بعض أخطاء المسلمين الضئيلة التي إن وقعت فهي على مستوى أخطاء فردية تقع من المسلم وغير المسلم كذلك فيما يريدون تحقيقه من مصالحهم، فيحاول الغربيون استثمار هذه الأخطاء لصالحهم؛ لأنَّ بعض المسلمين قد يرتكب فعلاً خاطئاً ويعتقد أنه صحيح ولا يدري أنَّه يعمل من خلال خطَّة العدو، فيستغل العدو هذه الأخطاء لإثارة الرؤساء والقوانين عليهم، والمسلمون هنالك ليست لديهم رابطة أو منظمة قويَّة يمكن أن ترد بحجَّة وقوَّة على ادعاءات الغربيين أو المنظمات الصهيونية في تلك الدول الغربية، بل لربما وقعوا في الفخ وقالوا: نعم فإنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويجب أن تخلع المنتقبات هذا النقاب عن وجوههن؛ لأنَّه يثير المشكلات والفوضى ولربما قالوا: هو لباس طائفي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي الغربي، فيقعون في الفخ، ويصطادهم الغربيون بالوقوع في شراك حبالهم، ويسقطون في ذلك المطب، ويعملون كذلك من خلال خطَّة العدو.
وعلى كل حال فإنَّه كلما زاد الضغط على دولة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، تتفاقم وسيلة الاقتصاص من دين الإسلام بطرق أخرى، ويجد الغربيون ويؤازرهم اللوبي الصهيوني للنيل من الإسلام، وخصوصاً أنهم يتحكمون في مفاصل كبيرة في السياسة والاقتصاد والإعلام كما هو معلوم، أضف إلى ذلك أنَّ الأنظمة الأوروبية بقوانينها العلمانية تعتبر اليهودي مواطناً أصيلاً في مجتمعه والعربي المسلم قادماً جديداً وليس أصيلاً، بل إنَّ النظرة للعرب والمسلمين في أوروبا في الغالب هي نظرة إنسان إما هارب من حرب وإمَّا باحث عن عمل أما اليهودي فهو منتج وشخص فاعل في الحياة...!!
ولكي تتضح الصورة أكثر، فحينما تقع مشكلة كبرى على المسلمين سواء في دولهم أو في الأماكن التي يقطنون بها كجاليات إسلامية في دول غربية، فعلينا أن نفتش عن المستفيد الأكبر من ذلك وهم اليهود، فحينما ندرك حقيقة جذور التمدد اليهودي في فرنسا، بل هنالك كلام مشهور عن ساركوزي وانتمائه العنصري للصهيونية، وأقوال تؤكد أنَّه يهودي مهاجر من بولندا كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي المسلم "بيير زينحتى"([12])، فنجد هذا اليهودي بعد أن كان مهاجراً يصل إلى رئاسة فرنسا، فيكفي بهذا مثالاً حيَّاً من التمدد والتجذر الصهيوني في رأس دولة غربية كبرى كفرنسا، ومدى نجاحهم لإقرار هذا القانون الذي يقضي بحظر النقاب.
ولكي نربط الأحداث بعضها ببعض نرى أنَّ أول من يستفيد من قانون ظالم كهذا، هم اليهود في فلسطين حيث يستعد(الكنيست الإسرائيلي لإقرار قانون يقضي بمنع المسلمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 من ارتداء النقاب والبرقع أو تغطية أجسادهن بشكل كامل، وينص القانون الذي تقدمت به عضو الكنيست عن حزب كاديما "مرينا سولودكين" على فرض غرامة مائة دولار أو السجن لمدة أسبوع على كل من ترتدي النقاب في الأماكن العامة، كما تفرض غرامة 2500 دولاراً أو السجن لمدة ستة أشهر على كل من يرغم المرأة على ارتدائه)([13]) ونلحظ هنا مدى استفادة اليهود من قوانين جائرة حصلت في تلك الدول الغربيَّة، وكانت تكأة لهم لتحقيق مآربهم الشخصية ضد فلسطينيي الداخل.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب:
لقد تجرأ الغرب في قوانينهم بحظر النقاب؛ لأنَّ المسلمين في العالم الإسلامي لم يكونوا على مستوى المجابهة للقوانين الغربية، فها هي فرنسا قد أفلحت في حظر النقاب، وهنالك دول أخرى تبحث هذه القضيَّة مرة أخرى مثل بلجيكا وأسبانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها.
وبدلاً من أن يتَّفق المسلمون على أن تكون لديهم وقفة ذات مسؤولية تجاه قرارات الغرب الظالم، نجد فتوى شيخ الأزهر الراحل، ومفتي مصر الحالي، وهما من الموظفين الرسميين بعد تراجع دور الأزهر الذين يرون أنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويرون عدم جواز لبس النقاب، بل القيام بإصدار الأمر بحظره ومنعه في الجامعات، فضلاً عن أن يقوم شيخ الأزهر الراحل بنفسه بخلع النقاب عن إحدى الطالبات، وحينما يرى وجهها البريء يستهزئ بتلك المرأة المنتقبة باعتبارها غير جميلة وهي تلبس النقاب فيقول لها: فكيف لو كنت جميلة؟ فماذا ستفعلي وماذا ستلبسي؟!
ثمَّ بعد ذلك ينتصر لرأيه الأعوج، ويحظر لبس النقاب على المنتسبات للكليات والمعاهد الأزهريَّة، ويفرض رأيه في ذلك، كما حصل أن وزَّعت إحدى الكليات المشهورة في مصر أكثر من ألف كتيب أعده شيخ الأزهر السابق والدكتور حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، والدكتور علي جمعة، مفتي مصر، يؤكد أن النقاب عادة وليس فريضة، وذلك لمواجهة انتشار النقاب بالمدارس والكليات والجامعات.
ولهذا نجد الغربيين يحتجون بمثل هذه المواقف، ويستدلون بكلام بعض المشايخ وخصوصاً في أكبر جامعة دينية عريقة ومشهورة كجامعة الأزهر، ويخاطبون مجتمعاتهم بأنَّ هنالك مشايخ في الأزهر اتفقوا على أنَّه عادة وليس عبادة وألفوا في ذلك الكتب، بل منعوا النقاب وحظروه في جامعاتهم !
ولا ننسى نحن كذلك ما تواجهه النساء المستقيمات المنتقبات في عدد من الدول الإسلاميَّة من قوانين تحاول أن تحظر هذا النقاب، فوزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، قد طالب بخلع الحجاب أثناء التصوير لجواز السفر الجديد، ولأجل ذلك فقد أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية عن إعادة استصدار بطاقات هوية وجوازات سفر بيومترية، تشترط فيه تخفيف اللحية للرجال! وخلع النساء للحجاب([14]) – لاحظ الحجاب وليس النقاب فحسب - !
وكذلك الأمر في تونس - قبل سقوط طاغيتها - وغيرها من الدول التي تعتبر أنَّ النقاب عبارة عن شعار سياسي!([15]) مغلَّف بإطار ديني، وبالطبع فإنَّ النظام السياسي العلماني الحاكم آنذاك وجد من يسوغ له هذه الآراء فاستعار مشايخ زور، يسوغون له قراراته الجائرة حتَّى في حق المحجبات، حتى قال المفتي التونسي السابق إن" الحجاب لباس سياسي. واعتبر الملتزمات به خارجات عن "ولي أمره"([16])!!
إنَّ من بركات هذه الثورات العربية على الطواغيت الظلمة، أن كان من نتائجها إعادة النظر في قرارات رفع الحظر عن النقاب في بعض الدول العربية، فها نحن نقرأ أنَّ إدارة جامعة الأزهر قد سمحت للمنتقبات بالدخول لقاعات الامتحان([17])، وكذلك نقرأ أنَّ وزارة التعليم السورية أعادت الكثير من النساء المنتقبات اللواتي فصلن بسبب نقابهن، والذي اعتبرته الدولة السورية لباساً طائفياً كما يقولون!، وكان ذلك بسبب تلك الثورات الشعبيَّة والهبات الجماعية التي ثارت على الظلم والطغيان حيث انتبه المجرمون في سورية إلى خطورة مثل هذه القرارات، فقاموا برفعها مرة أخرى ليس لله بل خوفاً من تلك الثورة المباركة في الشام.
كان الأولى بالدول العربيَّة التي حظرت النقاب - إن كانت بالفعل مقتنعة بتراثها وقيمها - أن يكون لها وقفة ضدَّ هذه الممارسات الغربيَّة اللاإنسانية في حق النسوة التي لم تخل بنود الإرهاب في إطلاق وصمة الإرهاب عليهنَّ لأنَّهن منتقبات، فحتى النساء لم تفلت من أولئك الدكتاتوريين الطغاة.
كان الأولى بالدول العربية التي حظرت النقاب أن تحترم عاداتها وتقاليدها كذلك، ولا تتنكر لتراثها وأعرافها التي تحاول أن تربط الناس بها بدلاً من دينهم وعقيدتهم، ولكن ما كان أولئك إلا عملاء للاستعمار، فلا يقولون إلا بهواهم، ولا يتمنطقون إلاً بقولهم، ألا ساء ما يحكمون!
كان الأولى بالدول العربيَّة إن كان هواها عربياً أن تفرض بنوداً وقيوداً على السائحات الأجنبيات اللواتي دخلن للدول العربيَّة بملابس فاضحة تخالف قيم وتقاليد ودين المسلمات في تلك الدول العربية - هم يريدون وجود هذه الملابس بالطبع ولكن نقول كان الأولى !! - لكنَّ الدول العربيَّة انساقت وراء تلك الدول الغربيَّة التي تقودها بالفعل لكي تعلن بعض هذه الدول الحرب على النقاب وبفتاوى بعض العلماء بحجة أن النقاب عادة لا عبادة.
حسناً فلو كان النقاب عادة فلماذا لا يحترمون عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا؟!! أم أنَّ عوائد الغربيين هي التي لابد أن تحترم أما عوائد المجتمعات الإسلامية فما هي إلا مجرد خرافات وتقاليد بالية.
إنَّ منهج القوة والصرامة يكمن في الأخذ بالمبدأ الحق وهو الذي يجعل الغربيين يتراجعون عن كثير من قراراتهم وبنودهم ، فالأصل أن الدول الإسلامية ممثلة بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكذا اللجان الحقوقية والقانونية التابعة للكثير من الدول العربية والإسلامية أن تضغط على تلك الدول لتراجع عن قرارتها المجحفة ضد النسوة المنتقبات، أو على الأقل يكون هنالك أسلوب ضغط بإلقاء القبض على النسوة الغربيات المتبرجات في الدول العربيَّة بطريقة مخالفة للتقاليد والأعراف الإسلامية فضلاً عن دينهم الحنيف الذي ينهى عن تبرج النسوة، فإنّ ذلك من باب معاملتهم بالمثل، فالنساء المقبوض عليهن في تلك الدول الغربية واللواتي بتن يعشن في حصار خانق على حريتهن ولا يستطعن الخروج من البيت إلا بصعوبة بالغة، أليس لهن حق في حماية حقوقهن؟!!
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين:
ما دام الغرب يخشى على نفسه من العمليات الإرهابيَّة كما يقول؛ فإنَّنا نسأل:
- كم من شخص قام بمثل هذه العمليات التفجيريَّة ضدَّ الغربيين وكان مرتديا للنقاب؟
- وكم من امرأة منتقبَّة قامت بعمليات ضدَّ المجتمع الغربي؟
- وكم هو عدد المنتقبات في البلاد الغربية؟
- وكم من شخص غربي وضع اللثام على وجهه أثناء قيادته لدراجته الهوائية أو النارية سواء من المدنيين أو من الشرطة والعساكر؟
- وما الفرق بين امرأة مسلمة ترى أنَّ النقاب أستر لها وهو من لباس الحشمة الذي ترتاح له، وبين الشرطي الذي يضع خوذة على رأسه تغطي وجهه ليقود الدراجة وبين نقاب المرأة المسلمة، والذي تستطيع أن ترى فيه أكثر من رؤية ذلك الشرطي حيث أنَّ البرقع يسمح لها برؤية أوضح.
إنَّ الذي يثير الانتباه أنَّ عدد السكان الفرنسيين في فرنسا من غير المسلمين هو 60 مليون نسمة، وهنالك ستة ملايين أخرى من المسلمين، ويشكلون 10% من المجموع السكاني، ومن هذه الملايين من المسلمين لا يوجد سوى ألفي امرأة منتقبة!! وعليه فإنَّ هذا يبين أنَّ هذا العدد للمنتقبات ليس إلا شيئاً ضئيلاً للغاية بل هامشياً، ومع هذا تثار قوانين جائرة كحظر النقاب ضدَّهنَّ، فلم يترك الغرب رجال الإسلام فقط لمحاربتهم، ولم يكونوا كطواغيت الأمس يستحيون النساء، بل دمجوا النساء المسلمات المنتقبات مع الرجال المسلمين كذلك في حربهم والتخويف منهم!
إنَّ الذي يريد بالفعل أن يقوم بعملية تفجيريَّة في تلك المنشآت الغربية، فإنَّه لن يألو جهداُ بأن يخفي جميع الملامح التي تخفي شخصيَّته سواء كان مسلما أم غير مسلم، ولنفترض جدلاً أنَّ مسلماً يريد القيام بمثل هذه العملية فإنَّه سيغير من ديكوره الخارجي كما يقال فيحلق اللحية ويلبس السلسال وقد يتعاطى الدخان وقد يذهب للمرقص ويفعل ما لا يظن أو يعتقد أحد ما أنَّه يريد القيام بعملية ضد المنشآت الغربيَّة أو الأوروبيَّة.
وكذلك المرأة لو أرادت ذلك فإنها ستخلع النقاب وتلبس مثل النسوة المتبرجات، وتقوم بهذه الأعمال كتغطية على عملها ذاك !!
وحينما نفتش عن من قام بمثل هذه العمليات التخريبية نجد أنَّ من يتهمون بذلك ليست لديهم أدلة أو براهين صحيحة فدعاويهم صفر على الشمال، وهم يدورون في حلقة مفرغة فيقدمون الذرائع والأسباب لإلغاء النقاب والحقيقة لا توجد حقائق تصدق دعاويهم:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها* بينات أصحابها أدعياء
إنَّ من يقول: من حق الغربيين سن القوانين وفرض الأنظمة المانعة للنقاب، فيقال لهم: إنَّ هنالك الكثير من المسلمين يعيشون هنالك وهم أحرار في طبيعة لبس نسائهم، وكذلك الكثير من الجاليات المسلمة هنالك هم أحرار في لبسهم، فهل الحرية تكون لأناس دون أناس؟
أحرام على بلابله الدوح * حلال للطير من كل جنس؟!
أليس احترام المعتقدات الدينية جزءاً من معتقدات المجتمع العلماني، فما بال العلمانية التي تدعي الحرية تلزم النساء المسلمات المنتقبات بفرض قوانين تعيق حركتهنَّ في البلاد؟
لماذا لا تكون هذه القوانين تمييزاً عنصرياً وردة فكرية في الحرية الشخصية؟
ولماذا يصح للراهبات أن تلبس الملابس الدينية الخاصة بهن ولا يسمح للمسلمات كذلك؟
إنَّ حقيقة هذه الدعاوى ليست إلاَّ لتضييق الخناق على المسلمات، وقانون كهذا سيفرض على النسوة المنتقبات ثلاثة حلول أحلاهما مر:
- إما أن تغادر النساء فرنسا إلى غير رجعة بسبب هذه القوانين الجائرة، كما قال الرئيس الفرنسي أنه لا مكان للنقاب في فرنسا وهي دعوة واضحة منه أنَّه لا يتحمل وجود المنتقبات في فرنسا ولو كنَّ فرنسيات، ولا ننسى كلاماً له قاله قبل توليه رئاسة فرنسا كان نصه:(لا نريد إسلاماً في فرنسا بل نريد إسلاما فرنسياً)([18]).
- وإما أن تبقى المرأة حبيسة بيتها فلا تخرج منه مطلقا!
- وإمَّا أن تخلع النقاب عن وجهها وهو ما يتنافى مع معتقداتها ورأيها في فرض النقاب على المرأة!
والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا تمنع تلك الدول النقاب بل حتى الحجاب كما هو ممنوع في فرنسا وفي مدارسها، وفي المقابل يسمحون لمن يلبسن الملابس العارية، والميني جيب والميكرو جيب وغيرها، خصوصاً أنَّها تُسَبِّبُ الكثير من المفاسد والتحرش الجنسي؟([19]).
صحيح أنَّهم يقولون إنَّ هذا من قبيل الحرية الشخصية فلا يمكن لهم أن يمنعوا ملابس كهذه، لكننا نقول كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: (إنَّه أمر مثير للسخرية حقا أن ترى أن العلمانية اليوم موضع جدل في أوروبا وتقوض حريات معينة، فاليوم في فرنسا لا يوجد احترام للحرية الدينية للفرد)([20]).
ثمَّ إنَّنا نسأل : فلم يخصص الغربيون هذه الهجمة على المنتقبات المسلمات ويتركون مظاهر التميز الأخرى للديانات الأخرى من قبيل اليهود والهندوس والمجوس والنصارى؟! أليس الغرب غرباً علمانياً لا دينياً؟! فما سبب تخصيص المسلمين بهذه القرارات العنصريَّة وترك الحبل على الغارب للبقية، ليلبسوا ما يشاؤون ويفعلوا ما شاؤوا؟!
إنَّ الحضارة الغربية والأوربيَّة تعلم أنَّ الدين الحقيقي والمؤثر هو الدين الإسلامي، وأنَّ أكثر الحراك في المجتمعات الغربية للدعوة للدين هو الحراك الإسلامي بالدعوة لدين الإسلام العظيم، وهو ما يجعلهم يتخوفون من هذا الدين ويقوموا باضطهاد المسلمين وكبت حرياتهم بدعاوى باطلة.
إنَّ استهداف للمسلمين بات في الحقيقة على الهوية والمظهر، ونحن لا ننسى ما حصل في مدينة هاملتون الكندية، وبسبب أشكال الهنود وعمائمهم التي توقع الكنديون أنَّهم مسلمون، فأحرقوا معبداً للسيخ، وفي اليوم التالي، كتب السيخ لوحة أمام المعبد تقول:(نحن لسنا مسلمين)([21])
فقد صار المسلمون بالفعل مضطهدين من غيرهم بسبب ملامحهم وسحنتهم كما حصل في ظاهرة قتل القبطي المصري بسبب سحنته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحادثة مقتل مروة الشربيني التي قُتلت قبل سنة في ألمانيا، بعد أن حكم القاضي لصالحها ضد ألماني أساء إلى حجابها، فما كان من ذاك الألماني إلى أن طعنها طعنات قاتلة وهي حبلى في ساحة المحكمة، وكذلك ما ذكرته صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية أن محكمة ليستر أصدرت حكمها الثلاثاء بعد أن اعترف المجرم ستيفن أرد، الذي هاجم امرأة مسلمة منتقبة (ريحانة سيدات) حيث هاجمها وكان سكراناً، قائلا "انزعي ذلك عن وجهك أيتها المرأة"[22]!!
وهذا ما يدل أنَّ أي هوية ظاهرة للمسلم، فإنَّه سيكون مآلها الحرب، أو القتل، أو الحظر، أو السجن؛ لكي ينسى المسلمين الذين يعيشون في الكثير من شعائرهم ومظاهرهم فتكون في طي النسيان>>>>>.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث