منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#35817

(1)
لو خرج البوعزيزي من قبره ، ونظر إلى المشهد العربي لأصابه الذهول مما يحدث – ومما حدث – ولقال باستغراب كبير : يا إلهي .. هل فعلت كل هذا ؟! .. وسيدخل بعدها في غيبوبة طويلة من هول الصدمة !
سيقول التاريخ : البوعزيزي لم يشعل النار في جسده فقط .. بل أشعل المنطقة بأكملها ، ولم يكتفِ بحرق جسده النحيل .. بل أحرق “ أتخن” وأكبر الأنظمة .
سيقول التاريخ : البوعزيزي لم يكن يجر عربة الخضار .. بل كان يجر عربة التاريخ !
البوعزيزي هو ( القشة التي قصمت ظهر البعير).. وفوق ظهر هذا البعير العربي كبر الحمل ، وتراكمت عليه عقود من القهر والاستبداد ، في ظل حكومات وأنظمة لم يقدم بعضها له ما يشفع لها بالاستمرار ، وحرمته من أبسط حقوقه .. ووصل الأمر إلى رغيف الخبز والهواء المتاح للجميع .. فلم يعد يختلف الأمر : سواء مات مختنقا َ ، أو جائعا ً ، أو متظاهرا ً وسط أحد الميادين .
تعالوا لنتخيّل اختلافا بسيطا ً في المشهد :
يذهب البوعزيزي إلى قسم الشرطة ، تستقبله الشرطية بابتسامة طيبة بدلا ً من صفعه على وجهه ، يأمر المسؤول بإعادة عربة الخضار إليه .. انتهى المشهد .
ما الذي سيحدث ؟.. هل ستشتعل الثورة وتمتد نيرانها إلى جهات عربية اخرى؟..
هل ستغيّر عربة التاريخ وجهتها باختلاف وجهة عربة خضار البوعزيزي ؟
هل اختلاف أبطال المشهد ( البوعزيزي عربة الخضار الشرطية ) سيجعل المشهد يتغيّر تماما ً ؟
الحقيقة : أن عربة التاريخ لن توقفها ابتسامة الشرطية ، ولطف المسئول الاستثنائي .
الحقيقة : أن الزمن تغيّر ، وأدواته تغيّرت ، ووسائل التعبير تغيّرت ، وكبرت الفجوة بين الدولة العربية ومواطنيها . ( هذا إذا اتفقنا أن الدولة العربية « دولة « ورعاياها « مواطنون « بما تعنيه الكلمة!).
الحقيقة : أنه ليس بإمكان أي أحد أن يقف في وجه السنن الكونية ، ولا تستطيع كل الحُفر و( المطبات ) التي تملأ الشوارع العربية أن تُوقف العربة أو تغيّر مسارها .
الحقيقة : أنه سيأتي ( بو عزيزي ) آخر – وباسم مختلف – ليشعل الشرارة الأولى ، والتي ستمتد نارها لشوارع عربية اخرى مترعة بالنفط القابل للاشتعال !
الحقيقة : أن البعير العربي تنازل عن صفته الشهيرة « الصبر « واستعاد إحدى صفاته « الشجاعة« .
(2)
ولكن .. رغم كل ما حدث – وما يحدث الآن – سيكون من الرفاهية الفكرية أن نردد – في هذه اللحظة التاريخية – أسئلة مثل : ما الذي حدث ؟ .. وكيف حدث ؟.. فالسؤال الأهم – من وجهة نظري المتواضعة – إلى أين العرب ذاهبون ؟.. ما حدث – وما يحدث الآن – إلى أين سيأخذهم ؟ .. هل سيستبدلون المشهد بمشهد آخر شبيه له ، مع اختلاف أسماء أبطال المشهد الجديد ؟! .. هل سيضعون في عربة التاريخ كل خيباتهم التاريخية والثقافية ويحملونها معهم إلى المستقبل ؟.. أم أنهم سيذهبون باتجاه دولة القانون ، ومجتمع مدني حر يتساوى فيه الناس ، ويحصلون على كافة حقوقهم ، ويؤدون كافة واجباتهم ، في « دولة « حقيقة .. دولة تحترم مواطنها وتهابه .. دولة مهمتها الأولى حماية هذا المواطن العربي وتوفير سبل العيش الكريم له .
دولة حقيقية .. لا دول تحكم بعضها « عصابات « تُسمي نفسها حكومات !
(3)
« إلى أين العرب ذاهبون « ؟
أطرح هذا السؤال ، وعيني على « مصر « تحديداً..
وقلبي مُعلّق في « ميدان التحرير « ..
وأخاف .. أخاف أن يقوم أحد اللصوص بسرقة « عربة التاريخ « أو تحطيم عجلاتها !!

محمد الرطيان