صفحة 1 من 1

مجزرة سربرينيتسا جرح غائر في نفــوس مسلمي البوسنة

مرسل: السبت مايو 21, 2011 3:55 pm
بواسطة عبدالله المطيري(84)
سنوات طويلة ثقيلة الوطأة مضت على حدوثها وبقيت تذكر العالم ـ بقوةـ بوحشية ما فعله التتار في بغداد عاصمة الخلافة في القرن السابع الميلادي، ولتحفر تلك المشاهد البشعة وما ترتب عليها من ذهول وآلام في نفوس من كتبت لهم النجاة.
إنها مجزرة سربرينيتسا التي ارتكبها الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك عام 1995، في واحدة من أكثر الجرائم وحشية وأشدها بشاعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحينما تأتي على سيرتها في حديثك مع أي من أهالي البلدة أو أي من مسلمي البوسنة تسيل دموعه بغزارة وبكل تلقائية ويأخذه الحزن عميقا إذ ترفض عقولهم نسيان هذه المأساة الراسخة في الذاكرة الفردية والجمعية لهم والحاضرة بكل قوة وكأنه لم يمض عليها إلا يوم أو بعض يوم.

تأبــــــــــــــــين

شهد حفل تأبين ضحايا المذبحة الذي أقيم هذا العام حضورا حاشدا لا يقل عن 50 ألف شخص بينهم ناجون وذوو الضحايا وعدد كبير من رؤساء الدول والحكومات والوزراء والسفراء، وتخلل الاحتفال إعادة دفن رفات 775 من الضحايا الـ8000 في مركز «بوتوكاري» المخصص لإحياء ذكرى المجزرة، بعد أن تم التعرف إلى رفات هذه الجثث، من خلال اختبارات الحمض النووي (دي إن إيه)، فبعد قتل الضحايا تم دفنهم في مقابر جماعية، قبل أن يعاد دفنهم لاحقا وعلى عجل في أكثر من 70 موقعا في محاولة لإخفاء الأدلة، ولكن تعرف الخبراء في السنوات القليلة الماضية إلى عظام 6500 من الضحايا، وأعيد دفن رفات 3749 منهم في مقبرة «بوتوكاري» القريبة من سربرينيتسا. ووصفت الهيئات القضائية الدولية خصوصا محكمة الأمم المتحدة لجرائم الحرب بشأن يوغوسلافيا السابقة ومحكمة العدل الدولية المجزرة بأنها كانت جريمة إبادة جماعية.

وقد دعا الرئيس الصربي بوريس تاديتش بهذه المناسبة إلى المصالحة بين جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، وقال إن مشاركته في الحفل تمثل «فعل مصالحة وبناء جسور بين أمم الدولة السابقة، يوغوسلافيا»، بينما رأى بوسنيون في مشاركته نقطة مثيرة للألم ومحركة لأحزانهم.

ومن جهته وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المجزرة بـ«الجريمة التي أخزت أوروبا». وقال إن حكومته لن يرتاح لها بال حتى يساق المسؤولون عنها إلى العدالة.

وأضاف «ونحن مدينون للضحايا بأن نستخلص درس سربرينيتسا الذي يقول إننا يجب أن نتصدى للشر إذا كنا نريد الدفاع عن الإنسانية، كما أننا مدينون للضحايا بملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة وسوقهم للعدالة لينالوا جزاءهم».

وأكد كاميرون أن الحكومة الائتلافية البريطانية ستجعل من منطقة البلقان محور اهتمامها، وستساعد البوسنة على التقدم إلى الأمام من خلال قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وأنها مصرة على بذل كل الجهود الممكنة «للحيلولة دون تكرار هذه الجريمة».

لــوعـة

تقول مسلمة بوسنية فقدت ثلاثة من أبنائها خلال مجازر الصرب في سربرينيتسا، إنها تشعر بالضيق مع قدوم شهر يوليو من كل عام «ولن أنسى ما حييت فقداني أولادي». أما أكرم موهيتش الذي جلس مع عائلته على هضبة تطل على المقبرة التي وصلها بعد رحلة عبر الغابات استمرت ثلاثة أيام، على غرار نحو 5000 شخص قطعوا الطريق ذاتها التي سلكها الفارون من المجزرة، فقال «لقد جئت من أجل أخي، وكنا قد غادرنا سربرينيتسا أنا وهو معا واستطعت العودة لكنه لم يعد إليها حتى الآن».

وانتقدت رئيسة جمعية أمهات سربرينيتسا جابا منيرة سوبشتش، وهي تغالب دموعها أولئك الذين يشككون في حدوث المجزرة، وقالت «أحقا بعد كل هذه الجثث والأشلاء؟»، كما انتقدت بعض مسؤولي صرب البوسنة الذين لم يخفوا تأييدهم للمجزرة، وافتخارهم بأعمال القائد الميداني السابق لجيش صرب البوسنة راتكو ملاديـتش الـذي أشـرف على عمـليات القتل الجمـاعية والملاحـق منذ سـنوات مـن قوات حلف الأطلسي والمطلوب لمحكمة الأمم المتحدة الخاصة بجرائم الحرب الدولية.

وعشية الاحتفال بالذكرى الـ15 للمجزرة نظم الحزب الديمقراطي الصربي، وهو حزب قومي متطرف معارض أسسه زعيم صرب البوسنة رادوفان كرادجيتش حفلا في بانيا لوكا شمال البوسنة، لتكريم مؤسسه كرادجيتش الذي يحاكم في لاهاي لدوره في مجزرة سربرينتسا حيث تسلمت زوجته ليليانا ميداليات التكريم نيابة عنه، وقال زعيم الحزب ملادين بوسيتش «إن الحزب لا يخجل من ماضيه».

أزمة ضمير

لم ينسَ المحللون السياسيون تخاذل أوروبا طوال سنوات حرب البوسنة والهرسك وصمتها المريب إزاء الفظائع المروعة التي كانت قوات الصرب وصرب البوسنة ترتكبها ضد المسلمين والكروات البوسنيين حتى ذهب فريق من هؤلاء المحللين إلى حد الاعتقاد أن الموقف الأوروبي كان مشبوها ومريبا لدرجة التواطؤ حيث كان الصرب يرتكبون جرائمهم المشينة تحت سمع وبصر قادة أوروبا وقادتها ورؤساء حكوماتها، وكذلك تحت سمع وبصر قواتها التي كانت تعمل في البوسنة تحت مظلة الأمم المتحدة، ومن هنا جاء قرار البرلمان الأوروبي الخاص بإحياء ذكرى مجزرة سربرنيتسا في دول الاتحاد الأوروبي واعتبار 11 يوليو من كل عام ذكرى سنوية لغسل الضمير الأوروبي مما يثقله من أدران الذنب والإحساس بالتقصير، كما أثار القرار ارتياحا بالغا في الأوساط السياسية والشعبية وأهالي الضحايا بالبوسنة في حين قوبل باستـياء وغضـب في أوسـاط صربيا وصـرب البوسنة.

واعتبر كبير علماء البوسنة ومفتيها العام مصطفى تسيريتش، القرار اعترافا ضمنيا من أوروبا بخطئها وتقصيرها في التعاطي مع مجزرة سربرينيتسا التي راح ضحيتها 8000 مسلم، وتمنى أن يؤدي القرار إلى المصالحة بين العرقيات وتحقيق العدل وعدم تكرار مثل تلك الجرائم البشعة في المستقبل. وقال إن القرار الأوروبي فتح الأمل للناس في البوسنة للعيش في سلام «ولن يطارد بعضهم بعضا لأسباب عرقية أو دينية»، مشيرا إلى أن مسؤولية مذبحة سربرنيتسا لا تقع على عاتق الشعب الصربي بأكمله وإنما على من ارتكبوها.

من جهتها، امتدحت رئيسة جمعية أمهات سربرنيتسا منيرة سوبشتش، القرار واعتبرته احتراما لأمهات الضحايا وذويهم وقالت «إن أوروبا غـسلت ضـميرها من موقفها الخاطئ تجاه سربرنيتسا حينما صمتت عن المجزرة ولم تهتم بسربرنيتسا، رغم أنها كانت منطقة آمنة بقرار صادر عن مجلس الأمن».

حـمـلـة في الـ«فيس بوك»

سجل أكثر من 6000 بوسني أنفسهم في أقل من 48 ساعة على صفحة في الـ«فيس بوك» تديرها مجموعة «نوز زيكا سربرينيتسا» أي (السيف، السلك سربرينيتسا) التي تمجد مجزرة سربرينيتسا ووجه ناشطون بوسنيون رسالة إلى إدارة الـ«فيس بوك» جاء فيها أن المجموعة الصربية «تنشر الكراهية ضد كل المسلمين»، وتمجد أعمال الجنرال ملاديتش وترفع شعار «المسـلمون هم أفضل عندما يسبحون في حمض الكبريـت».

وترى أغلبية سكان البوسنة والهرسك أن ملاديتش وزعيم صرب البوسنة كرادجيتش مجرما حرب، وأنهما ملاحقان بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بينما يرى صرب كثيرون في الرجلين بطلين قوميين لكنّ عددا لا بأس به منهم عارضوا الصفحة الصربية على الإنترنت ووصفوها بـ«الفاشية».

المصدر: موقع الإمارات اليوم