اغتيال الحلم الامريكي
مرسل: الأحد مايو 22, 2011 6:48 am
هناك قناعة أن أحداث 11/9 غيّرت من العالم الذي نعيش فيه. ولكن ربما يكون الأكثر أهمية من الأحداث المأساوية التي وقعت صباح ذلك اليوم هو رد الفعل السياسي الذي تبعها. يقول فواز جرجس، أستاذ سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، إن النتائج طويلة المدى والتداعيات الثقافية لـ«الحرب على الإرهاب» وصلت إلى السواحل الأميركية. وفي أوروبا أيضا، التي تفخر بأنها معقل الحرية والتعددية الثقافية، تنتشر بشدة إشارات مثيرة للقلق على وجود ما أصبح يعرف بالإسلاموفوبيا.
بعد مرور عشر سنوات تقريبا على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يتعرض الإسلام والمسلمون الأميركيون للمحاكمة في الولايات المتحدة، حيث أصبحوا مذنبين بالتبعية للقاعدة باعتبارهم يدينون بالديانة ذاتها. بالإضافة إلى قيادة مغامرة عسكرية (غزو العراق والتصعيد الأخير في أفغانستان وباكستان)، وزيادة الدين القومي، وعسكرة الشؤون الداخلية، كشفت أيضا سياسة الإرهاب والحديث عنه (الذي ينشر فكرة أن الغرب ما زال تحت تهديد مستمر ووشيك بوقوع هجمات) تصدعات ثقافية وقانونية وفلسفية عميقة داخل المجتمعات الغربية. لقد اجتاحت الميول غير الليبرالية والتشريعات القاسية التي تستهدف المسلمين جميع أنحاء الدول الغربية وباتت تهدد نسيج الغرب ذاته.
الوجه القبيح للإسلاموفوبيا
تخفت ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي أحيانا ما تسمى بـ«معاداة السامية الجديدة»، بوجهها القبيح خلف مظهر جديد وذريعة مختلفة، كما أنها وصلت أخيرا إلى البر الأميركي. لقد سمحت «الحرب العالمية على الإرهاب» لليمين المتطرف، بما فيه اليمين الديني، بتشويه سمعة المسلمين وتصويرهم على أنهم غرباء، وطابور خامس داخل المجتمعات الغربية. وعلى الرغم من أن هذا الشعور دفعته جماعات شعبية يمينية متشددة قوية، فإنه أصبح سائدا.
في أوروبا، أصبح الانزعاج من أسلمة القارة، تحت اسم الأزمة الديموغرافية التي يتكاثر فيها المسلمون أكثر من نظرائهم المسيحيين، مألوفا، حيث ينعكس في الكتب، بدءا من المعالجات المعقدة مثل كتاب «تأملات في الثورة في أوروبا» لكريستوفر كالدويل، وصولا إلى مهاترات فظة مثل كتاب «أميركا وحدها» لمارك ستين و«يورابيا» لبات يائور.
وتشير دراسات واستطلاعات رأي عام أجريت أخيرا إلى زيادة أعداد المواطنين الغربيين الذي يقبلون الصورة الهامشية للمسلمين. يقول الكثير من الناس إنهم غير حريصين على السماح للمسلمين بالحريات والحقوق الدينية والقانونية ذاتها التي يتمتع بها آخرون. ووفقا لاستطلاع شمل جميع أنحاء الولايات المتحدة أجرته جامعة كورنيل، قال نحو نصف الأميركيين (44 في المائة) إنه ينبغي على الحكومة أن تقيد الحريات المدنية للمسلمين الأميركيين.
توجد صناعة متنامية للمعلّقين والسياسيين الغربيين الذين يتغذّون على مهاجمة الإسلام. وقدمت لهم الحرب على الإرهاب غطاء مهما مناسبا لآرائهم. ففي حين قاد «خبراء» الإرهاب مثل دانيال بايبس، وستيف إمرشون وروبرت سبنسر هجمة معاداة الإسلام في البداية، فإنها الان انتشرت بصورة كبيرة. ويمكن إلقاء نظرة على هذا النوع من الخطاب المليء بالضغينة بقراءة تدوينة لمارتن بيرتز، رئيس تحرير «نيو ريبابليك»، التي كتب فيها: «بصراحة، حياة المسلم رخيصة، وبخاصة بالنسبة للمسلمين». وأضاف بيرتز، المؤيد القوي لإسرائيل، قائلا: «أتعجب ما إذا كانت هناك حاجة إلى تكريم هؤلاء الناس والتظاهر بأنهم يستحقون مميزات التعديل الأول من الدستور، وهو ما أخمّن أنهم سيسيئون استخدامه».
وعلى الرغم من اعتذار بريتز مرتين، فإنه دافع عن تأكيده بأن حياة المسلم رخيصة. وقال: «هذا أمر حقيقي وليس تقييما». وكتب ماثيو دوس من مركز أميركان بروغرس أن كراهية العرب والمسلمين لم تستقر فقط في «نيو ريبابليك»، إحدى أقدم وأعرق المجلات الليبرالية الأميركية، بل وأيضا في الكثير من المنتديات الموالية لإسرائيل التي تثير مشاعر الخوف من الإسلام من أجل أغراض سياسية.
وتروج قناة «فوكس» الإخبارية، التي يعمل بها غلين بيك وشون هانيتي، والكثير من مذيعي البرامج الحوارية ذوي الشعبية، مثل راش ليمبو ومايكل سافاج، باستمرار للإسلاموفوبيا على الساحة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، يضفي سياسيون بارزون، منهم نيوت غينغريتش وبيتر كينغ والسيناتور ساكسباي تشامبليس، شرعية على تشويه صورة المسلمين بلغة قاتمة ومضللة. وقد ساهمت قطاعات مهمة في الحركة المسيحية الإنجيلية و زعماء دينيون بارزون أمثال بات روبرتسون وجون هاغي وفرانكلين غراهام، في تكثيف وتصعيد الظاهرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وكذلك، يشتعل الخلاف في أوروبا، معقل الليبرالية والتعددية الثقافية. وقد صوتت أغلبية السويسريين ضد إنشاء المساجد، على الرغم من أن عدد الجالية الإسلامية في سويسرا يبلغ 400.000 فرد، معظمهم ليسوا عربا ولا أفارقة، بل أوروبيون من البوسنة وألبانيا وكوسوفو. وتجري مناقشات في كل من فرنسا وبلجيكا حول تمرير تشريع يحظر قانونا ارتداء النقاب أو أي غطاء للوجه. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010، تم تمرير الحظر في مجلسي السلطة التشريعية الفرنسية بغالبية كاسحة، ومن المقرر تنفيذه في ربيع عام 2011.
أثار الشعور بمعاداة المسلمين في الدول الأوروبية، التي تضم عددا كبيرا من الأقليات المسلمة، مقرونا باشتعال كراهية المهاجرين بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة وارتفاع نسبة البطالة، أسئلة مهمة عن مستقبل المجتمعات الغربية متعددة الثقافات والأديان. واستثمارا للخلاف المرير، أصدر زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن و ساعده الأيمن أيمن الظواهري الكثير من الشرائط الصوتية يدينان فيها اضطهاد المسلمين، ويتعهدان بشن هجمات على تلك الدول الأوروبية التي تهين الإسلام ورسوله. والمفارقة هي أن منتقدي الإسلام يقدمون لبن لادن وشركائه المزيد من الأسباب لدعوتهم المروجة للقتل.
وكذلك وضعت التداعيات الثقافية للحرب على الإرهاب القيم الأميركية التي تعبر عن التسامح والحرية الفردية موضع اختبار. من بين شعب يبلغ تعداده 300 مليون نسمة، يوجد ما بين 2.5 مليون إلى 7 ملايين مسلم في الولايات المتحدة، ثلثهم من الأميركيين من أصول أفريقية. وقد اندلعت المواجهات بسبب اقتراح إقامة مساجد في تينيسي وكاليفورنيا وجورجيا وكنتاكي وويسكونسن وإلينوي بالإضافة إلى بروكلين وجزيرة ستاتين وميدلاند بيتش وشيبشيد باي في نيويورك. وكان الصراع البارز الذي نشأ حول إقامة مسجد ومركز إسلامي على بعد بنايتين من غراوند زيرو في مانهاتن، أو ما يطلق عليه معارضون ومنتقدوه مسجد غراوند زيرو، هو الأبرز والأكثر فضحا.
لقد انتهز بعض المعادين للإسلام، مثل باميلا غيلر وروبرت سبنسر، فرصة الاقتراح بإقامة المسجد والمركز الإسلامي لإثارة الشعور بكراهية المسلمين. وقاد نيوت غينغريتش، الذي يأمل في الترشح لمنصب الرئيس، المعارضين لإنشاء هذا المسجد طالما ظلت السعودية تحظر إقامة الكنائس والمعابد. وقال غينغريتش إن بناء المسجد «على بعد مبان قليلة من الموقع الذي قتل فيه المتطرفون المسلمون ما يزيد على 3000 أميركي (يعد عملا سياسيا) يعبر عن (الانتصار)». وأضاف: «يمكن أن يعلن الكونغرس هذه المنطقة ميدان معركة وطنية ويتحكم في ما يُبنى فيها».
و برر غينغريتش معارضته بتشبيه ذلك بالهولوكوست، حيث قال: «لا يملك النازيون الحق في وضع إشارة لهم بالقرب من متحف الهولوكوست في واشنطن». وفي الوقت ذاته، قدم المحلل المحافظ تشارلز كراوثامر حجة مشابهة في الكثير من المقالات الافتتاحية في «نيويورك تايمز». لقد تقدم سياسيون يمينيون من أجل قيادة الهجوم على الإسلام والمسلمين للفوز بنقاط سياسية رخيصة. وقد ادعى ريك لازيو، الذي يخوض الانتخابات على منصب حاكم ولاية نيويورك، أن خطة بناء المسجد تحرم سكان نيويورك من حقهم في «الشعور بالأمان».
وقد أيد عدد من السياسيين والمواطنين مشروع إقامة المسجد بناء على مبدأ حرية الأديان، ومن بينهم عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ، وأخيرا الرئيس الاميركي باراك أوباما، الذي أعلن تأييده بعد أن صدر قرار لجنة المعالم الرئيسة في مدينة نيويورك بالموافقة على البناء. ولكن أوضح الخلاف المسموم أن سياسة الإرهاب والحديث عنه يهددان القيم الأميركية المقدسة. بل وأثار أوباما ذاته مسألة «الحكمة» من بناء المركز الإسلامي في هذا الموقع.
لقد انتشر الشعور بالعداء للمسلمين في الكثير من الأوساط في أميركا. ولعل القس بيل رينش راعي كنيسة كالفاري المعمدانية في تيميكولا بكاليفورنيا أوضح من عبّر عن مشاعر المعارضين لبناء مسجد في تيميكولا، حيث قال لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «الإسلام ليس راسخا هنا، ولا نريد حقا أن ينتشر نفوذه». وأضاف قائلا: «توجد مخاوف بسبب جميع الشائعات التي نسمعها عن الخلايا النائمة وغيرها. فهل من المفترض أن نقبل لمجرد أن هؤلاء الناس يقولون إنه دين سلام؟ يقول الكثيرون الشيء ذاته».
عقد من العداء للإسلام
في عام 2010، نشر مشروع حقائق المسلمين والغرب في مركز غالوب نتائج استطلاع كبير للرأي عن مشاعر التعصب الأميركية ضد الإسلام. وأظهرت النتائج علاقة سببية بين ازدياد الشعور بالعداء للإسلام وسياسة الإرهاب. وكان أهم اكتشاف وصلت إليه النتائج غير مفاجئ على الإطلاق: تقول غالبية بسيطة من الأميركيين (53 في المائة) إن رأيهم في الدين «ليس إيجابيا للغاية» (22 في المائة) أو «ليس إيجابيا على الإطلاق» (31 في المائة).
ويبلغ عدد الأميركيين الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية تجاه المسلمين ضعف الأميركيين الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية تجاه البوذيين أو المسيحيين أو اليهود. ويختلف غالب الأميركيين على عبارة أن معظم المسلمين متقبلون للأديان الأخرى (66 في المائة)، وأن العقيدة الدينية للمسلمين والمسيحيين متماثلة في الأساس (68 في المائة). ومن غير المفاجئ أن غالبية الأميركيين يعترفون إما بأنهم يعرفون قليلا للغاية عن الإسلام (40 في المائة) أو لا يعرفون عنه شيئا على الإطلاق (23 في المائة).
وفي محاولة لإضفاء أفضل صورة على نتائج استطلاع غالوب، قال جيمس كارول الكاتب في «بوسطن غلوب» إن المسلمين يتعرضون لسوء فهم وحكم خاطئ، ولكن الأميركيين «في حال حرب، وخائفون»، لذلك «هذه المخاوف المبالغة تغذي ذاتها، ومن الممكن أن يكون الشعور بالكراهية هو التيار السائد». ويشبه كارول القولبة الشاملة للمسلمين بالتيار غير المرئي الذي كان يسير تحت سطح الثقافة الغربية منذ ألف عام.
ويحذر ستيفان ساليسبري الكاتب في «فيلادلفيا إنكويرر» من أن تيار العداء للمسلمين الذي يسير فيه مرشحون سياسيون رئيسيون قد يمهد الطريق لظهور زعيم دهماء يمكنه أن يجمع بين تشويه صورة المسلمين والتضحية بهم، والمخاوف التي تثيرها التوترات الاقتصادية، ونضج نشاط اليمين المتطرف، والازدراء المتنامي المنتشر نحو الحكومة في واشنطن. لقد أصبح الأميركيون المسلمون التهديد الجديد القادم من الداخل، وبدأ الشعور بكراهية المسلمين «يتنشر الآن مثل دخان سام لا يقف عند حد ولا يخضع للسيطرة».
وأصبحت كلمة «مسلم» تمثل تحقيرا في أميركا، كما أشارت «يو إس إيه توداي» في موضوع غطى أسباب تزايد أعداد الأميركيين الذين يعتقدون أن الرئيس أوباما مسلم. وقال 18 في المائة من الأميركيين إن الرئيس مسلم، بعد أن كان عددهم 11 في المائة في مارس (آذار) 2009، وفقا لبحث أجراه مركز بيو عن الدين والحياة العامة الذي صدر في أغسطس (آب) 2010.
ويعتقد واحد من بين كل خمسة أميركيين أن أوباما مسلم، بعد أن كانت نسبة من قالوا إنه مسلم واحد إلى عشرة في العام الماضي. وكشف استطلاع للرأي أجرته «نيوزويك» عن أن 52 في المائة من الجمهوريين يعتقدون أنه «حقيقي تماما» أو «قد يكون حقيقيا» أن «باراك أوباما يتعاطف مع أهداف الأصوليين المسلمين الذين يريدون فرض الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء العالم».
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها مساعدو الرئيس للتقليل من أهمية الأرقام المذهلة، فإن «يو إس إيه توداي» ركزت على كلمة «مسلم» باعتبارها سخرية، أو الأسوأ من ذلك، أن تطلق على شخص هذه الكلمة عندما تكرهه أو تخشاه أو تختلف معه، أي أنها وسيلة للتحقير من شأن شخص ما وسط أشخاص مهذبين: «فهل تتحول كلمة مسلم من وصمة عار سياسي لتترسخ داخل النسيج الاجتماعي؟».
يعرقل الحديث عن الإرهاب وزيادة الإسلاموفوبيا في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، القيم الأميركية والغربية في جميع أنحاء العالم، مما يسمح لبن لادن ونوابه أن يظهروا أنفسهم في صورة المقاتلين الشرعيين أو المدافعين عن الحرية الذين يقاومون القوة العظمى الوحيدة الباقية. منذ نهاية التسعينيات، كان الهدف الرئيس للقاعدة هو إشعال الصدام الحضاري بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي. وعلى الرغم من أن بن لادن ورجاله خسروا الصراع على عقول وقلوب المسلمين، فإن الشعور بالعداء للإسلام يثير خطاب تنظيم القاعدة ويقدم له الأكسجين الكافي لاستمرار بقائه.
* فواز جرجس - أستاذ سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن. ومن كتبه: «العدو البعيد: لماذا أصبح الجهاد عالميا». وكتابه القادم: «صعود وهبوط القاعدة: ما لا يخبرك به السياسيون وخبراء الإرهاب الأميركيون والأوروبيون»، ومن المقرر أن تنشره جامعة أكسفورد عام 2011.
بعد مرور عشر سنوات تقريبا على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يتعرض الإسلام والمسلمون الأميركيون للمحاكمة في الولايات المتحدة، حيث أصبحوا مذنبين بالتبعية للقاعدة باعتبارهم يدينون بالديانة ذاتها. بالإضافة إلى قيادة مغامرة عسكرية (غزو العراق والتصعيد الأخير في أفغانستان وباكستان)، وزيادة الدين القومي، وعسكرة الشؤون الداخلية، كشفت أيضا سياسة الإرهاب والحديث عنه (الذي ينشر فكرة أن الغرب ما زال تحت تهديد مستمر ووشيك بوقوع هجمات) تصدعات ثقافية وقانونية وفلسفية عميقة داخل المجتمعات الغربية. لقد اجتاحت الميول غير الليبرالية والتشريعات القاسية التي تستهدف المسلمين جميع أنحاء الدول الغربية وباتت تهدد نسيج الغرب ذاته.
الوجه القبيح للإسلاموفوبيا
تخفت ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي أحيانا ما تسمى بـ«معاداة السامية الجديدة»، بوجهها القبيح خلف مظهر جديد وذريعة مختلفة، كما أنها وصلت أخيرا إلى البر الأميركي. لقد سمحت «الحرب العالمية على الإرهاب» لليمين المتطرف، بما فيه اليمين الديني، بتشويه سمعة المسلمين وتصويرهم على أنهم غرباء، وطابور خامس داخل المجتمعات الغربية. وعلى الرغم من أن هذا الشعور دفعته جماعات شعبية يمينية متشددة قوية، فإنه أصبح سائدا.
في أوروبا، أصبح الانزعاج من أسلمة القارة، تحت اسم الأزمة الديموغرافية التي يتكاثر فيها المسلمون أكثر من نظرائهم المسيحيين، مألوفا، حيث ينعكس في الكتب، بدءا من المعالجات المعقدة مثل كتاب «تأملات في الثورة في أوروبا» لكريستوفر كالدويل، وصولا إلى مهاترات فظة مثل كتاب «أميركا وحدها» لمارك ستين و«يورابيا» لبات يائور.
وتشير دراسات واستطلاعات رأي عام أجريت أخيرا إلى زيادة أعداد المواطنين الغربيين الذي يقبلون الصورة الهامشية للمسلمين. يقول الكثير من الناس إنهم غير حريصين على السماح للمسلمين بالحريات والحقوق الدينية والقانونية ذاتها التي يتمتع بها آخرون. ووفقا لاستطلاع شمل جميع أنحاء الولايات المتحدة أجرته جامعة كورنيل، قال نحو نصف الأميركيين (44 في المائة) إنه ينبغي على الحكومة أن تقيد الحريات المدنية للمسلمين الأميركيين.
توجد صناعة متنامية للمعلّقين والسياسيين الغربيين الذين يتغذّون على مهاجمة الإسلام. وقدمت لهم الحرب على الإرهاب غطاء مهما مناسبا لآرائهم. ففي حين قاد «خبراء» الإرهاب مثل دانيال بايبس، وستيف إمرشون وروبرت سبنسر هجمة معاداة الإسلام في البداية، فإنها الان انتشرت بصورة كبيرة. ويمكن إلقاء نظرة على هذا النوع من الخطاب المليء بالضغينة بقراءة تدوينة لمارتن بيرتز، رئيس تحرير «نيو ريبابليك»، التي كتب فيها: «بصراحة، حياة المسلم رخيصة، وبخاصة بالنسبة للمسلمين». وأضاف بيرتز، المؤيد القوي لإسرائيل، قائلا: «أتعجب ما إذا كانت هناك حاجة إلى تكريم هؤلاء الناس والتظاهر بأنهم يستحقون مميزات التعديل الأول من الدستور، وهو ما أخمّن أنهم سيسيئون استخدامه».
وعلى الرغم من اعتذار بريتز مرتين، فإنه دافع عن تأكيده بأن حياة المسلم رخيصة. وقال: «هذا أمر حقيقي وليس تقييما». وكتب ماثيو دوس من مركز أميركان بروغرس أن كراهية العرب والمسلمين لم تستقر فقط في «نيو ريبابليك»، إحدى أقدم وأعرق المجلات الليبرالية الأميركية، بل وأيضا في الكثير من المنتديات الموالية لإسرائيل التي تثير مشاعر الخوف من الإسلام من أجل أغراض سياسية.
وتروج قناة «فوكس» الإخبارية، التي يعمل بها غلين بيك وشون هانيتي، والكثير من مذيعي البرامج الحوارية ذوي الشعبية، مثل راش ليمبو ومايكل سافاج، باستمرار للإسلاموفوبيا على الساحة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، يضفي سياسيون بارزون، منهم نيوت غينغريتش وبيتر كينغ والسيناتور ساكسباي تشامبليس، شرعية على تشويه صورة المسلمين بلغة قاتمة ومضللة. وقد ساهمت قطاعات مهمة في الحركة المسيحية الإنجيلية و زعماء دينيون بارزون أمثال بات روبرتسون وجون هاغي وفرانكلين غراهام، في تكثيف وتصعيد الظاهرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وكذلك، يشتعل الخلاف في أوروبا، معقل الليبرالية والتعددية الثقافية. وقد صوتت أغلبية السويسريين ضد إنشاء المساجد، على الرغم من أن عدد الجالية الإسلامية في سويسرا يبلغ 400.000 فرد، معظمهم ليسوا عربا ولا أفارقة، بل أوروبيون من البوسنة وألبانيا وكوسوفو. وتجري مناقشات في كل من فرنسا وبلجيكا حول تمرير تشريع يحظر قانونا ارتداء النقاب أو أي غطاء للوجه. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010، تم تمرير الحظر في مجلسي السلطة التشريعية الفرنسية بغالبية كاسحة، ومن المقرر تنفيذه في ربيع عام 2011.
أثار الشعور بمعاداة المسلمين في الدول الأوروبية، التي تضم عددا كبيرا من الأقليات المسلمة، مقرونا باشتعال كراهية المهاجرين بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة وارتفاع نسبة البطالة، أسئلة مهمة عن مستقبل المجتمعات الغربية متعددة الثقافات والأديان. واستثمارا للخلاف المرير، أصدر زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن و ساعده الأيمن أيمن الظواهري الكثير من الشرائط الصوتية يدينان فيها اضطهاد المسلمين، ويتعهدان بشن هجمات على تلك الدول الأوروبية التي تهين الإسلام ورسوله. والمفارقة هي أن منتقدي الإسلام يقدمون لبن لادن وشركائه المزيد من الأسباب لدعوتهم المروجة للقتل.
وكذلك وضعت التداعيات الثقافية للحرب على الإرهاب القيم الأميركية التي تعبر عن التسامح والحرية الفردية موضع اختبار. من بين شعب يبلغ تعداده 300 مليون نسمة، يوجد ما بين 2.5 مليون إلى 7 ملايين مسلم في الولايات المتحدة، ثلثهم من الأميركيين من أصول أفريقية. وقد اندلعت المواجهات بسبب اقتراح إقامة مساجد في تينيسي وكاليفورنيا وجورجيا وكنتاكي وويسكونسن وإلينوي بالإضافة إلى بروكلين وجزيرة ستاتين وميدلاند بيتش وشيبشيد باي في نيويورك. وكان الصراع البارز الذي نشأ حول إقامة مسجد ومركز إسلامي على بعد بنايتين من غراوند زيرو في مانهاتن، أو ما يطلق عليه معارضون ومنتقدوه مسجد غراوند زيرو، هو الأبرز والأكثر فضحا.
لقد انتهز بعض المعادين للإسلام، مثل باميلا غيلر وروبرت سبنسر، فرصة الاقتراح بإقامة المسجد والمركز الإسلامي لإثارة الشعور بكراهية المسلمين. وقاد نيوت غينغريتش، الذي يأمل في الترشح لمنصب الرئيس، المعارضين لإنشاء هذا المسجد طالما ظلت السعودية تحظر إقامة الكنائس والمعابد. وقال غينغريتش إن بناء المسجد «على بعد مبان قليلة من الموقع الذي قتل فيه المتطرفون المسلمون ما يزيد على 3000 أميركي (يعد عملا سياسيا) يعبر عن (الانتصار)». وأضاف: «يمكن أن يعلن الكونغرس هذه المنطقة ميدان معركة وطنية ويتحكم في ما يُبنى فيها».
و برر غينغريتش معارضته بتشبيه ذلك بالهولوكوست، حيث قال: «لا يملك النازيون الحق في وضع إشارة لهم بالقرب من متحف الهولوكوست في واشنطن». وفي الوقت ذاته، قدم المحلل المحافظ تشارلز كراوثامر حجة مشابهة في الكثير من المقالات الافتتاحية في «نيويورك تايمز». لقد تقدم سياسيون يمينيون من أجل قيادة الهجوم على الإسلام والمسلمين للفوز بنقاط سياسية رخيصة. وقد ادعى ريك لازيو، الذي يخوض الانتخابات على منصب حاكم ولاية نيويورك، أن خطة بناء المسجد تحرم سكان نيويورك من حقهم في «الشعور بالأمان».
وقد أيد عدد من السياسيين والمواطنين مشروع إقامة المسجد بناء على مبدأ حرية الأديان، ومن بينهم عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ، وأخيرا الرئيس الاميركي باراك أوباما، الذي أعلن تأييده بعد أن صدر قرار لجنة المعالم الرئيسة في مدينة نيويورك بالموافقة على البناء. ولكن أوضح الخلاف المسموم أن سياسة الإرهاب والحديث عنه يهددان القيم الأميركية المقدسة. بل وأثار أوباما ذاته مسألة «الحكمة» من بناء المركز الإسلامي في هذا الموقع.
لقد انتشر الشعور بالعداء للمسلمين في الكثير من الأوساط في أميركا. ولعل القس بيل رينش راعي كنيسة كالفاري المعمدانية في تيميكولا بكاليفورنيا أوضح من عبّر عن مشاعر المعارضين لبناء مسجد في تيميكولا، حيث قال لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «الإسلام ليس راسخا هنا، ولا نريد حقا أن ينتشر نفوذه». وأضاف قائلا: «توجد مخاوف بسبب جميع الشائعات التي نسمعها عن الخلايا النائمة وغيرها. فهل من المفترض أن نقبل لمجرد أن هؤلاء الناس يقولون إنه دين سلام؟ يقول الكثيرون الشيء ذاته».
عقد من العداء للإسلام
في عام 2010، نشر مشروع حقائق المسلمين والغرب في مركز غالوب نتائج استطلاع كبير للرأي عن مشاعر التعصب الأميركية ضد الإسلام. وأظهرت النتائج علاقة سببية بين ازدياد الشعور بالعداء للإسلام وسياسة الإرهاب. وكان أهم اكتشاف وصلت إليه النتائج غير مفاجئ على الإطلاق: تقول غالبية بسيطة من الأميركيين (53 في المائة) إن رأيهم في الدين «ليس إيجابيا للغاية» (22 في المائة) أو «ليس إيجابيا على الإطلاق» (31 في المائة).
ويبلغ عدد الأميركيين الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية تجاه المسلمين ضعف الأميركيين الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية تجاه البوذيين أو المسيحيين أو اليهود. ويختلف غالب الأميركيين على عبارة أن معظم المسلمين متقبلون للأديان الأخرى (66 في المائة)، وأن العقيدة الدينية للمسلمين والمسيحيين متماثلة في الأساس (68 في المائة). ومن غير المفاجئ أن غالبية الأميركيين يعترفون إما بأنهم يعرفون قليلا للغاية عن الإسلام (40 في المائة) أو لا يعرفون عنه شيئا على الإطلاق (23 في المائة).
وفي محاولة لإضفاء أفضل صورة على نتائج استطلاع غالوب، قال جيمس كارول الكاتب في «بوسطن غلوب» إن المسلمين يتعرضون لسوء فهم وحكم خاطئ، ولكن الأميركيين «في حال حرب، وخائفون»، لذلك «هذه المخاوف المبالغة تغذي ذاتها، ومن الممكن أن يكون الشعور بالكراهية هو التيار السائد». ويشبه كارول القولبة الشاملة للمسلمين بالتيار غير المرئي الذي كان يسير تحت سطح الثقافة الغربية منذ ألف عام.
ويحذر ستيفان ساليسبري الكاتب في «فيلادلفيا إنكويرر» من أن تيار العداء للمسلمين الذي يسير فيه مرشحون سياسيون رئيسيون قد يمهد الطريق لظهور زعيم دهماء يمكنه أن يجمع بين تشويه صورة المسلمين والتضحية بهم، والمخاوف التي تثيرها التوترات الاقتصادية، ونضج نشاط اليمين المتطرف، والازدراء المتنامي المنتشر نحو الحكومة في واشنطن. لقد أصبح الأميركيون المسلمون التهديد الجديد القادم من الداخل، وبدأ الشعور بكراهية المسلمين «يتنشر الآن مثل دخان سام لا يقف عند حد ولا يخضع للسيطرة».
وأصبحت كلمة «مسلم» تمثل تحقيرا في أميركا، كما أشارت «يو إس إيه توداي» في موضوع غطى أسباب تزايد أعداد الأميركيين الذين يعتقدون أن الرئيس أوباما مسلم. وقال 18 في المائة من الأميركيين إن الرئيس مسلم، بعد أن كان عددهم 11 في المائة في مارس (آذار) 2009، وفقا لبحث أجراه مركز بيو عن الدين والحياة العامة الذي صدر في أغسطس (آب) 2010.
ويعتقد واحد من بين كل خمسة أميركيين أن أوباما مسلم، بعد أن كانت نسبة من قالوا إنه مسلم واحد إلى عشرة في العام الماضي. وكشف استطلاع للرأي أجرته «نيوزويك» عن أن 52 في المائة من الجمهوريين يعتقدون أنه «حقيقي تماما» أو «قد يكون حقيقيا» أن «باراك أوباما يتعاطف مع أهداف الأصوليين المسلمين الذين يريدون فرض الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء العالم».
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها مساعدو الرئيس للتقليل من أهمية الأرقام المذهلة، فإن «يو إس إيه توداي» ركزت على كلمة «مسلم» باعتبارها سخرية، أو الأسوأ من ذلك، أن تطلق على شخص هذه الكلمة عندما تكرهه أو تخشاه أو تختلف معه، أي أنها وسيلة للتحقير من شأن شخص ما وسط أشخاص مهذبين: «فهل تتحول كلمة مسلم من وصمة عار سياسي لتترسخ داخل النسيج الاجتماعي؟».
يعرقل الحديث عن الإرهاب وزيادة الإسلاموفوبيا في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، القيم الأميركية والغربية في جميع أنحاء العالم، مما يسمح لبن لادن ونوابه أن يظهروا أنفسهم في صورة المقاتلين الشرعيين أو المدافعين عن الحرية الذين يقاومون القوة العظمى الوحيدة الباقية. منذ نهاية التسعينيات، كان الهدف الرئيس للقاعدة هو إشعال الصدام الحضاري بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي. وعلى الرغم من أن بن لادن ورجاله خسروا الصراع على عقول وقلوب المسلمين، فإن الشعور بالعداء للإسلام يثير خطاب تنظيم القاعدة ويقدم له الأكسجين الكافي لاستمرار بقائه.
* فواز جرجس - أستاذ سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن. ومن كتبه: «العدو البعيد: لماذا أصبح الجهاد عالميا». وكتابه القادم: «صعود وهبوط القاعدة: ما لا يخبرك به السياسيون وخبراء الإرهاب الأميركيون والأوروبيون»، ومن المقرر أن تنشره جامعة أكسفورد عام 2011.