- الأحد مايو 22, 2011 7:06 am
#36004
يأتي العيد الخمسين لاستقلال الكويت وذكرى العقد الثاني لتحريرها من غزو نظام صدام حسين والبلاد في حاجة ماسة الى تذكر كلمات ابي الاستقلال والدستور المرحوم الشيخ عبدالله السالم، الذي قال في خطاب القسم في اليوم الاول من افتتاح اول مجلس منتخب في الكويت في عام 1963: " في هذه المرحلة التي تعتبر حلقة من حلقات مسيرة دولتنا الصاعدة نحو هدفها الأعلى، يسعدني أن أهنئكم بثقة الشعب بكم حين اختاركم لتحملوا أمانة تمثيله، وأن أكرر وصيتي لكم (كوالد لأبنائه)، أن تحرصوا على وحدة الصف في هذه الدولة العربية المتمسكة بدينها وتقاليدها، وإنه ليسعدني في هذا اليوم الأغر من تاريخ بلادنا، أن أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه".
الوصية التي تركها عبد الله السالم للاجيال الكويتية اللاحقة، لم يصغ اليها الكثيرون بعد. الشعوب تسير حثيثا في بناء المؤسسات التي تسميها مؤسسات "ديمقراطية" من اجل ان تقوم نخبها بحل المشكلات الناجمة عن تضارب المصالح واختلاف القوى المجتمعية، والتوصل الى حلول سياسية وحلول وسطى من خلال تلك المؤسسات.
التجربة الكويتية لم تكن كذلك في الغالب، مع الاعتراف ببعض النجاحات. فمن اول مجلس منتخب برزت المشكلات السياسية التي لم تجد لها حلا او حلولا نهائية. ودخلت الكويت – على ما اتاح الله لها من وفر مالي –في معضلات سياسية كان سقفها بالطبع الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، وتفاصيلها هذا التعنت السياسي الذي يخبو ليظهر ويغطس ليبان من جديد.
لا اريد ان اقول ان نسيان نصيحة الرجل المؤسس للديمقراطية، الشيخ عبد الله السالم، والقائلة بـ "الحرص على وحدة الصف"، هو الذي سبب لوحده الغزو العراقي، ولكنني على قناعة بان نسيانها كان احد المسببات.
دستور الكويت وضع في عام 1962، وهو دستور – مثله مثل الدساتير الاخرى – وضعه بشر، لا يمكن ولا يجوز القول ان الزمن لا يفعل فعله فيه، فقد تطور المجتمع الكويتي منذ ذلك الوقت في نواح كثيرة. اولها ديمغرافيا، فالكويت اليوم فيها من السكان ما يقارب 22 مرة عما كان فيها من السكان عند وضع الدستور، وفيها من المتعلمين اضعاف، ورغبات السكان تغيرت تغيرا جذريا، وامتد العمران الحضري على معظم مساحة الكويت.
كانت الازمة في الكويت ولا تزال، بل تفاقمت، ما بين بناء الدولة، وبين المطالب المحدودة لبعض فئات السكان التي تسيست سريعا. العملية الانتخابية في حد ذاتها في الكويت زكت الى حد بعيد – في نظري – الهويات الصغرى، منها القبلية، ومنها الطائفية، ومنها المناطقية، ومنها المصلحية، على حساب الهوية الشمولية وهي هوية الدولة، وفي صلبها المواطنة.
هذه العملية التي اراد اللاعبون السياسيون ان يستفيدوا منها – كل بقدر حاجته في اوقات مختلفة – جعلت من القماشة الاجتماعية الكويتية ممزقة، تارة بين سنة وشيعة، يستفيد منها من يريد تأجيجها، وتارة بين بدو وحضر، يطلقها من يريد ان يتصيد الفرص السياسية، واخرى بين اهل (بطنها) وبين الاخرين، امعانا في التفرقة، حتى غدا ما نادى به المؤسس للديمقراطية، "وحدة الصف"، هي آخر هموم المشتغلين بالسياسية.
الدولة واجهزتها ، بخاصة في السنوات التي لحقت سنوات الاحتلال العراقي والتحرير، خارت قواها نتيجة التدخلات المختلفة في التعيين والتنصيب، واصبح ما يمكن ان يسمى بـ " الفساد" طاغيا في المجتمع، فتسيب العمل السياسي الى درجة ان اختلط العمل التنفيذي بالعمل التشريعي، وعطلت او تعطلت مشاريع كبرى، وخربت مشاريع اخرى عن طريق التسويف.
التعليم مثلا – وهو السلاح الحقيقي في المجتمع لمواجة المستقبل – فرغ من محتواه تماما وبدأت المؤسسة التعليمية، على اختلاف درجاتها، تضخ للمجتمع من يفك الخط فقط. الادارة الحكومية تعطلت الى درجة ان اهم مؤسستين، اي ديوان المحاسبة و الفتوى والتشريع، تم تحميلهما الثقل الاكبر حيث بدأت البيروقراطية – خوفا او وجلا من تحمل المسؤولية – تلقي بثقلها على كاهل هاتين المؤسستين. وتعطل العمل التنفيذي، فتعطلت شؤون الدولة، وخسرت الكويت سنوات من الفرص، وعددا كبيرا من المشاريع.
في مرحلة ما بين التحرير وبين سقوط نظام صدام حسين، اي بين عام 1991 و2004 تقريبا، مرت الكويت بمرحلة من عدم اليقين.
على المستوى العربي – وبسبب الضعف في هيكلية المؤسسات العربية – تم تصنيف العلاقة بين المعتدي والمعتدى عليه على انه "حالة"، فكانت الادبيات السياسية الرسمية تتحدث عن "الحالة الكويتية العراقية" فقط، اي ان التصنيف كان خاليا من الروح ولم يلحظ ان الاجتياح العراقي للكويت كان فعل معتدي، وان الكويت كانت في خانة المعتدى عليه.
في هذه الفترة، لم يكن باستطاعة الكويت ان تلتفت الى عمل داخلي جاد، فقد كان السيف مسلطا عليها.
الراحة النسبية جاءت بعد سقوط النظام العراقي، واقول نسبية، لان الحكومة الجديدة في العراق لم تظهر – حتى الان على الاقل – موقفا جديا مخالفا لما كان من سياسات سابقة، على رغم كل الكلمات الطيبة بين وقت واخر. كذلك هناك موضوعات عالقة لم تفصل فيها الحكومة العراقية الحالية بعد.
مرحلة ما بين التحرير وبين سقوط نظام صدام حسين، داخل الكويت، ضعفت السلطة التنفيذية امام السلطة التشريعية، ودخلت الكويت في مرحلة عدم استقرار سياسي، حدا بمتخذ القرارات فيها الى اللجوء الى حل مجلس الامة اكثر من مرة، على ضوء ثقافة سياسية تعرف ما لا تريد ولا تعرف ما تريد، في اجواء سياسية واعلامية مستفزة، حتى وصل التنابز بين الفرقاء السياسيين الى مرحلة متدنية من الخطاب لم يألفها النسيج الاجتماعي الكويتي من قبل.
واليوم ونحن في اخر العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، وبعد عقدين على تحرير الكويت، يتطلع ابناء الكويت الى مرحلة جديدة من العمل الجاد، مرحلة تحتاج الى مصارحة وشجاعة في اتخاذ القرار الذي يخرج الكويت، وهي مقبلة على الاحتفال بنصف قرن من الاستقلال، من هذه المراوحة في المكان، فتعيد التذكير من جديد بنصيحة المؤسس، انه بلا وحدة الصف، تتعرض البلاد الى مخاطر جمة، وهي مخاطر محيطة في شيوع عدم الاستقرار في الجوار وقد تفيض على الكويت سلبا، بخاصة عند تفرق صفوف الكويتيين– بوباء الفرقة والتنافر.
وكانت دعوة الرجل الصالح المرحوم جابر الاحمد ان " حفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه" هو ما يلهج به قلب وعقل الكويتي اليوم.
*محمد الرميحي
استاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت
الوصية التي تركها عبد الله السالم للاجيال الكويتية اللاحقة، لم يصغ اليها الكثيرون بعد. الشعوب تسير حثيثا في بناء المؤسسات التي تسميها مؤسسات "ديمقراطية" من اجل ان تقوم نخبها بحل المشكلات الناجمة عن تضارب المصالح واختلاف القوى المجتمعية، والتوصل الى حلول سياسية وحلول وسطى من خلال تلك المؤسسات.
التجربة الكويتية لم تكن كذلك في الغالب، مع الاعتراف ببعض النجاحات. فمن اول مجلس منتخب برزت المشكلات السياسية التي لم تجد لها حلا او حلولا نهائية. ودخلت الكويت – على ما اتاح الله لها من وفر مالي –في معضلات سياسية كان سقفها بالطبع الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، وتفاصيلها هذا التعنت السياسي الذي يخبو ليظهر ويغطس ليبان من جديد.
لا اريد ان اقول ان نسيان نصيحة الرجل المؤسس للديمقراطية، الشيخ عبد الله السالم، والقائلة بـ "الحرص على وحدة الصف"، هو الذي سبب لوحده الغزو العراقي، ولكنني على قناعة بان نسيانها كان احد المسببات.
دستور الكويت وضع في عام 1962، وهو دستور – مثله مثل الدساتير الاخرى – وضعه بشر، لا يمكن ولا يجوز القول ان الزمن لا يفعل فعله فيه، فقد تطور المجتمع الكويتي منذ ذلك الوقت في نواح كثيرة. اولها ديمغرافيا، فالكويت اليوم فيها من السكان ما يقارب 22 مرة عما كان فيها من السكان عند وضع الدستور، وفيها من المتعلمين اضعاف، ورغبات السكان تغيرت تغيرا جذريا، وامتد العمران الحضري على معظم مساحة الكويت.
كانت الازمة في الكويت ولا تزال، بل تفاقمت، ما بين بناء الدولة، وبين المطالب المحدودة لبعض فئات السكان التي تسيست سريعا. العملية الانتخابية في حد ذاتها في الكويت زكت الى حد بعيد – في نظري – الهويات الصغرى، منها القبلية، ومنها الطائفية، ومنها المناطقية، ومنها المصلحية، على حساب الهوية الشمولية وهي هوية الدولة، وفي صلبها المواطنة.
هذه العملية التي اراد اللاعبون السياسيون ان يستفيدوا منها – كل بقدر حاجته في اوقات مختلفة – جعلت من القماشة الاجتماعية الكويتية ممزقة، تارة بين سنة وشيعة، يستفيد منها من يريد تأجيجها، وتارة بين بدو وحضر، يطلقها من يريد ان يتصيد الفرص السياسية، واخرى بين اهل (بطنها) وبين الاخرين، امعانا في التفرقة، حتى غدا ما نادى به المؤسس للديمقراطية، "وحدة الصف"، هي آخر هموم المشتغلين بالسياسية.
الدولة واجهزتها ، بخاصة في السنوات التي لحقت سنوات الاحتلال العراقي والتحرير، خارت قواها نتيجة التدخلات المختلفة في التعيين والتنصيب، واصبح ما يمكن ان يسمى بـ " الفساد" طاغيا في المجتمع، فتسيب العمل السياسي الى درجة ان اختلط العمل التنفيذي بالعمل التشريعي، وعطلت او تعطلت مشاريع كبرى، وخربت مشاريع اخرى عن طريق التسويف.
التعليم مثلا – وهو السلاح الحقيقي في المجتمع لمواجة المستقبل – فرغ من محتواه تماما وبدأت المؤسسة التعليمية، على اختلاف درجاتها، تضخ للمجتمع من يفك الخط فقط. الادارة الحكومية تعطلت الى درجة ان اهم مؤسستين، اي ديوان المحاسبة و الفتوى والتشريع، تم تحميلهما الثقل الاكبر حيث بدأت البيروقراطية – خوفا او وجلا من تحمل المسؤولية – تلقي بثقلها على كاهل هاتين المؤسستين. وتعطل العمل التنفيذي، فتعطلت شؤون الدولة، وخسرت الكويت سنوات من الفرص، وعددا كبيرا من المشاريع.
في مرحلة ما بين التحرير وبين سقوط نظام صدام حسين، اي بين عام 1991 و2004 تقريبا، مرت الكويت بمرحلة من عدم اليقين.
على المستوى العربي – وبسبب الضعف في هيكلية المؤسسات العربية – تم تصنيف العلاقة بين المعتدي والمعتدى عليه على انه "حالة"، فكانت الادبيات السياسية الرسمية تتحدث عن "الحالة الكويتية العراقية" فقط، اي ان التصنيف كان خاليا من الروح ولم يلحظ ان الاجتياح العراقي للكويت كان فعل معتدي، وان الكويت كانت في خانة المعتدى عليه.
في هذه الفترة، لم يكن باستطاعة الكويت ان تلتفت الى عمل داخلي جاد، فقد كان السيف مسلطا عليها.
الراحة النسبية جاءت بعد سقوط النظام العراقي، واقول نسبية، لان الحكومة الجديدة في العراق لم تظهر – حتى الان على الاقل – موقفا جديا مخالفا لما كان من سياسات سابقة، على رغم كل الكلمات الطيبة بين وقت واخر. كذلك هناك موضوعات عالقة لم تفصل فيها الحكومة العراقية الحالية بعد.
مرحلة ما بين التحرير وبين سقوط نظام صدام حسين، داخل الكويت، ضعفت السلطة التنفيذية امام السلطة التشريعية، ودخلت الكويت في مرحلة عدم استقرار سياسي، حدا بمتخذ القرارات فيها الى اللجوء الى حل مجلس الامة اكثر من مرة، على ضوء ثقافة سياسية تعرف ما لا تريد ولا تعرف ما تريد، في اجواء سياسية واعلامية مستفزة، حتى وصل التنابز بين الفرقاء السياسيين الى مرحلة متدنية من الخطاب لم يألفها النسيج الاجتماعي الكويتي من قبل.
واليوم ونحن في اخر العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، وبعد عقدين على تحرير الكويت، يتطلع ابناء الكويت الى مرحلة جديدة من العمل الجاد، مرحلة تحتاج الى مصارحة وشجاعة في اتخاذ القرار الذي يخرج الكويت، وهي مقبلة على الاحتفال بنصف قرن من الاستقلال، من هذه المراوحة في المكان، فتعيد التذكير من جديد بنصيحة المؤسس، انه بلا وحدة الصف، تتعرض البلاد الى مخاطر جمة، وهي مخاطر محيطة في شيوع عدم الاستقرار في الجوار وقد تفيض على الكويت سلبا، بخاصة عند تفرق صفوف الكويتيين– بوباء الفرقة والتنافر.
وكانت دعوة الرجل الصالح المرحوم جابر الاحمد ان " حفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه" هو ما يلهج به قلب وعقل الكويتي اليوم.
*محمد الرميحي
استاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت