ابن رشد
مرسل: الاثنين مايو 23, 2011 9:47 pm
ابن رشد:
ابن رشد هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي القرطبي، ولد سنة 520 ه/ 1126م، وقد اشتهر بالطب والفلسفة والرياضيات والفلك، وتوفي سنة 595 ه/ 1198 ميلادية، وكان فيلسوفا، طبيباً، وقاضي قضاة، ونحويا، لغوياً، محدثاً بارعاً يحفظ شعر، وكان متواضعاً، لطيفاً، دافئ اللسان، جم الأدب، قوي الحجة، راسخ العقيدة، يحضر مجالس حلفاء “الموحدين” وعلى جبينه أثار ماء الوضوء.وهو حفيد ابن رشد المتوفى سنة 520ه/ 1126م. ويسميه الفرنج averroes. وقد ولد في قرطبة سنة وفاة جده. وكان أبوه قاضيا وكان جده من قبله قاضي القضاة، وهو من أسرة كبيرة مشهورة بالفضل والرياسة. درس ابن رشد الفقه والأصول ودرس من علوم الأوائل الطب والرياضيات والفلسفة وتولى القضاء سنوات في إشبيلية ثم في قرطبة، وعاش ابن رشد في بيئة كان فيها لكل العلوم, عند أهل الأندلس, حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم, ما عدا بعض الخاصة, فكانوا لا يتظاهرون بها خوف العامة, فكانت العامة تطلق اسم زنديق على كل من يشتغل بهما.
وقد نشأ ابن رشد في ظل دولة الموحدين, وملكهم يومئذ أبو يوسف يعقوب المنصور بن عبد المؤمن الذي أمر بإبعاده إلى (أليسانة) قرب غرناطة، ثم نفي إلى بلاد المغرب، وتوفي في مراكش عن 75 عاما، ونقلت جثته إلى قرطبة، وبموته تفرق تلاميذه ومريدوه، وقد خلف ابن رشد كتبا بالفقه والأصول واللغة والطب والفلسفة والفلك, ولما كان شديد الإعجاب بأرسطو فقد عني بفلسفته وتولى إيضاحها، وشرح آراء أرسطو في الكون وفسر غامضها. وفي الطب كان ابن رشد أعظم أطباء زمانه فقد كان أول من شرح في كتابه (الكليات) وظائف أعضاء الجسم ومنافعها شرحا مفصلا ودقيقا.
يعد ابن رشد من أهم الفلاسفة العرب. دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وارسطو. درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة.
تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب ابن رشد، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسخط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
مؤلفاته :
وصنف ابن رشد نحو خمسين كتابا في مختلف العلوم منها (التحصيل) في اختلاف مذاهب العلماء, و (الحيوان) و (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) و (منهاج الأدلة) في الأصول. و (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه و (جوامع كتب أرسطاطاليس) في الطبيعيات والإلهيات و (تلخيص كتب أرسطو) و (الكليات) في الطب, و (شرح أرجوزة ابن سينا) في الطب ورسالة في حركة الفلك. و (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة) وقد رد عليه الإمام تقي الدين ابن تيمية وناقش أقواله فيها، وترجمت أكثر كتبه, وخاصة الفلسفية, إلى اللاتينية والعبرية والإسبانية, وترجمها المستشرقون إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية.
ما قيل عنه:
يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه "المدينة العربية في الغرب":
"ومن فضل العرب علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة: تموت روحي بموتِ الفلسفة".
وفي كتابه "تاريخ موجز للفكر الحر" كتب المفكر الإنكليزي جون روبرتسون : "إن ابن رشد أشهر مفكر مسلم، لأنه كان أعظم المفكرين المسلمين أثراً وأبعدهم نفوذاً في الفكر الأوروبي، فكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى".
وكتب المستشرق الإسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز : "إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة".
ورأى هرنانديز أن ابن رشد قدم رؤية أكثر شمولاً وإنسانية للمدينة الفاضلة. وكان يرى أن في الإمكان قيام كثير من المدن الفاضلة، تقوم بينها علاقات سلمية فاضلة -والمدينة هنا تكاد تعني الدولة تماماً- واعتقد أن قيام الحروب بين الدول هو نهاية العالم.
السياسة عند ابن رشد:
حتى سنوات متأخرة من القرن العشرين، ما كان الخطاب السياسي لفيلسوف قرطبة ابن رشد معروفاً بتفاصيله، إلا أن نشر كتابه ''الضروري في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون'' عام ،1998 كشف عن تفاصيل مهمة عن هذا الخطاب.
كانت النسخة الأصل من هذا الكتاب، تلك التي خطها ابن رشد بيده، مفقودة باللغة العربية إلا أن الدكتور حسن العبيدي، أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة الكوفة بالعراق، كان قد تمكَّن من نقل الكتاب من الإنكليزية إلى العربية بمساعدة المترجمة العراقية الأستاذة فاطمة الذهبي، وصدر عام 1998 عن دار الطليعة في بيروت بعنوان ''تلخيص السياسة لأفلاطون''.
وفي العام ذاته، سرعان ما ظهرت نسخة محققة أخرى مترجمة عن اللغة العبرية، وهي النسخة الوحيدة التي حفظت لنا النَّص الرشدي عبر التاريخ، وقام الأستاذ أحمد شحلان بالترجمة التي قدم لها المفكِّر المغربي محمد عابد الجابري وصدرت في كتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. فكان ظهور الترجمتين بمثابة الخروج من مأزق الخطاب الرشدي الذي بدا مبتور الجانب بسبب سقوط المتن السياسي عنه واحتجابه.
عندما كان المؤرخون والمفهرسون العرب والغربيون من علماء المشرقيات يشيرون إلى عنوان هذا الكتاب من بين عناوين مؤلفات ابن رشد، يتبدى الاعتقاد أمامهم أن هذا الكتاب مجرَّد شرح أو تعليق عابر، لكن متن النَّص بدا متوافراً على ما هو ثر في أفكاره وتمثيله لمعطيات الأزمة السياسية التي كان عليها حال الأمة الإسلامية زمن ابن رشد. وهذا ما تناوله الدكتور فريد العليبي، الباحث التونسي في شؤون الفكر الفلسفي الإسلامي، في كتابه ''رؤية ابن رشد السياسية'' الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت هذا العام.
حافظ المؤلف على منظومة ابن رشد المصطلحية وهو يتناول الموضوعة السياسية، وانعكس ذلك على أسلوبية البحث لديه. جاء الكتاب بثلاثة أقسام، هي: التأسيس الفلسفي للتدبير المدني ومقاصده، ومعالم آراء ابن رشد السياسية، وملامح الإصلاح السياسي لدى ابن رشد ومعوقاته، وتضمَّنت هذه الأقسام سبعة فصول، هي: التأسيس الفلسفي للسياسة باعتبارها تدبيراً للمدينة، ومقاصد التأسيس الفلسفي لتدبير المدينة، والحرية، والعدل، والحرب، ومدينة ضد الفلسفة، وأخيراً من شروط صلاح المدينة.
يلخِّص المؤلف رؤية ابن رشد الفلسفية في السياسة قائلاً: طرقَ فيلسوف قرطبة إشكالية السياسة وما تفرَّع إليها من قضايا من زاوية عقلية، ومن البيِّن أن الكثير من أطروحاته لا تزال ''محافظة'' على قيمتها بالنسبة إلى العرب، خصوصاً موقفه من المرأة، ونقده للجور والاستبداد، ودعوته إلى النظر في الشأن السياسي من موقع التفكُّر والرويّة، وتصدِّيه لتدخُّل رجال الدين في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، ودفاعه عن تأصيل الفلسفة في التربة العربية.
وإذا كانت مساهمة ابن رشد في حقل الفلسفة السياسية قد وضعت نصب العين الارتقاء بالتعامل مع الظاهرة السياسية من مستوى التعاطي العرضي والخطابي إلى مستوى التحليل البرهاني، فإن ذلك لا يعني أن السياسة قد تحوَّلت معه إلى علم مستقل بذاته.
اهتم أبوالوليد بتحليل إشكاليات المدينة الأندلسية التي عاش فيها واقعياً، وهو بذلك ما كان بعيداً عن لحظتها التاريخية والاجتماعية التي كانت تشهد توترات واضطرابات وقلق وفتن فأدرك فيلسوف قرطبة كل ذلك. بل كان في مواجهة شاملة مع مدينته، مواجهة طغى عليها نقده القاسي لمظاهر الانحراف التي انتشرت فيها، في الاقتصاد والسياسة والثقافة، بدفعه إلى ذلك إدراكه أن إصلاح الأمة يقتضي إرجاع الأمور إلى نصابها عبر تنقية الشريعة والفلسفة من التحريفات التي أُدخلت عليها، ولذلك تحرَّك المشروع الرشدي على واجهتين: إصلاح الفلسفة بتخليص تعاليم أرسطو من تحريفات الفلاسفة العرب المتأخرين في المشرق ومنهم ابن سينا، وإصلاح الشريعة بتخليصها من تأويلات المتكلِّمين التي تزعم لنفسها الصدق.
وضمن هذا السياق يندرج نقد ابن رشد للطاغية الذي يصفه بأنه ''وحدانيُّ التسلُّط''، وللفُقهاء والمتكلِّمين أيضاً، أما الجمهور فقد نظر إليه بحسب قدرته الذهنية على تمثل الخطاب البرهاني، ومن ثمَّ ميَّز بينه والفلاسفة بالنظر إلى عجزه عن إدراك ما هو برهاني، وذلك في ظل لحظة تاريخية كان أبناء الأمة فيها واقعين تحت سيطرة الجهل المعرفي.
ابن رشد هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي القرطبي، ولد سنة 520 ه/ 1126م، وقد اشتهر بالطب والفلسفة والرياضيات والفلك، وتوفي سنة 595 ه/ 1198 ميلادية، وكان فيلسوفا، طبيباً، وقاضي قضاة، ونحويا، لغوياً، محدثاً بارعاً يحفظ شعر، وكان متواضعاً، لطيفاً، دافئ اللسان، جم الأدب، قوي الحجة، راسخ العقيدة، يحضر مجالس حلفاء “الموحدين” وعلى جبينه أثار ماء الوضوء.وهو حفيد ابن رشد المتوفى سنة 520ه/ 1126م. ويسميه الفرنج averroes. وقد ولد في قرطبة سنة وفاة جده. وكان أبوه قاضيا وكان جده من قبله قاضي القضاة، وهو من أسرة كبيرة مشهورة بالفضل والرياسة. درس ابن رشد الفقه والأصول ودرس من علوم الأوائل الطب والرياضيات والفلسفة وتولى القضاء سنوات في إشبيلية ثم في قرطبة، وعاش ابن رشد في بيئة كان فيها لكل العلوم, عند أهل الأندلس, حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم, ما عدا بعض الخاصة, فكانوا لا يتظاهرون بها خوف العامة, فكانت العامة تطلق اسم زنديق على كل من يشتغل بهما.
وقد نشأ ابن رشد في ظل دولة الموحدين, وملكهم يومئذ أبو يوسف يعقوب المنصور بن عبد المؤمن الذي أمر بإبعاده إلى (أليسانة) قرب غرناطة، ثم نفي إلى بلاد المغرب، وتوفي في مراكش عن 75 عاما، ونقلت جثته إلى قرطبة، وبموته تفرق تلاميذه ومريدوه، وقد خلف ابن رشد كتبا بالفقه والأصول واللغة والطب والفلسفة والفلك, ولما كان شديد الإعجاب بأرسطو فقد عني بفلسفته وتولى إيضاحها، وشرح آراء أرسطو في الكون وفسر غامضها. وفي الطب كان ابن رشد أعظم أطباء زمانه فقد كان أول من شرح في كتابه (الكليات) وظائف أعضاء الجسم ومنافعها شرحا مفصلا ودقيقا.
يعد ابن رشد من أهم الفلاسفة العرب. دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وارسطو. درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة.
تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب ابن رشد، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسخط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
مؤلفاته :
وصنف ابن رشد نحو خمسين كتابا في مختلف العلوم منها (التحصيل) في اختلاف مذاهب العلماء, و (الحيوان) و (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) و (منهاج الأدلة) في الأصول. و (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه و (جوامع كتب أرسطاطاليس) في الطبيعيات والإلهيات و (تلخيص كتب أرسطو) و (الكليات) في الطب, و (شرح أرجوزة ابن سينا) في الطب ورسالة في حركة الفلك. و (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة) وقد رد عليه الإمام تقي الدين ابن تيمية وناقش أقواله فيها، وترجمت أكثر كتبه, وخاصة الفلسفية, إلى اللاتينية والعبرية والإسبانية, وترجمها المستشرقون إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية.
ما قيل عنه:
يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه "المدينة العربية في الغرب":
"ومن فضل العرب علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة: تموت روحي بموتِ الفلسفة".
وفي كتابه "تاريخ موجز للفكر الحر" كتب المفكر الإنكليزي جون روبرتسون : "إن ابن رشد أشهر مفكر مسلم، لأنه كان أعظم المفكرين المسلمين أثراً وأبعدهم نفوذاً في الفكر الأوروبي، فكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى".
وكتب المستشرق الإسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز : "إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة".
ورأى هرنانديز أن ابن رشد قدم رؤية أكثر شمولاً وإنسانية للمدينة الفاضلة. وكان يرى أن في الإمكان قيام كثير من المدن الفاضلة، تقوم بينها علاقات سلمية فاضلة -والمدينة هنا تكاد تعني الدولة تماماً- واعتقد أن قيام الحروب بين الدول هو نهاية العالم.
السياسة عند ابن رشد:
حتى سنوات متأخرة من القرن العشرين، ما كان الخطاب السياسي لفيلسوف قرطبة ابن رشد معروفاً بتفاصيله، إلا أن نشر كتابه ''الضروري في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون'' عام ،1998 كشف عن تفاصيل مهمة عن هذا الخطاب.
كانت النسخة الأصل من هذا الكتاب، تلك التي خطها ابن رشد بيده، مفقودة باللغة العربية إلا أن الدكتور حسن العبيدي، أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة الكوفة بالعراق، كان قد تمكَّن من نقل الكتاب من الإنكليزية إلى العربية بمساعدة المترجمة العراقية الأستاذة فاطمة الذهبي، وصدر عام 1998 عن دار الطليعة في بيروت بعنوان ''تلخيص السياسة لأفلاطون''.
وفي العام ذاته، سرعان ما ظهرت نسخة محققة أخرى مترجمة عن اللغة العبرية، وهي النسخة الوحيدة التي حفظت لنا النَّص الرشدي عبر التاريخ، وقام الأستاذ أحمد شحلان بالترجمة التي قدم لها المفكِّر المغربي محمد عابد الجابري وصدرت في كتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. فكان ظهور الترجمتين بمثابة الخروج من مأزق الخطاب الرشدي الذي بدا مبتور الجانب بسبب سقوط المتن السياسي عنه واحتجابه.
عندما كان المؤرخون والمفهرسون العرب والغربيون من علماء المشرقيات يشيرون إلى عنوان هذا الكتاب من بين عناوين مؤلفات ابن رشد، يتبدى الاعتقاد أمامهم أن هذا الكتاب مجرَّد شرح أو تعليق عابر، لكن متن النَّص بدا متوافراً على ما هو ثر في أفكاره وتمثيله لمعطيات الأزمة السياسية التي كان عليها حال الأمة الإسلامية زمن ابن رشد. وهذا ما تناوله الدكتور فريد العليبي، الباحث التونسي في شؤون الفكر الفلسفي الإسلامي، في كتابه ''رؤية ابن رشد السياسية'' الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت هذا العام.
حافظ المؤلف على منظومة ابن رشد المصطلحية وهو يتناول الموضوعة السياسية، وانعكس ذلك على أسلوبية البحث لديه. جاء الكتاب بثلاثة أقسام، هي: التأسيس الفلسفي للتدبير المدني ومقاصده، ومعالم آراء ابن رشد السياسية، وملامح الإصلاح السياسي لدى ابن رشد ومعوقاته، وتضمَّنت هذه الأقسام سبعة فصول، هي: التأسيس الفلسفي للسياسة باعتبارها تدبيراً للمدينة، ومقاصد التأسيس الفلسفي لتدبير المدينة، والحرية، والعدل، والحرب، ومدينة ضد الفلسفة، وأخيراً من شروط صلاح المدينة.
يلخِّص المؤلف رؤية ابن رشد الفلسفية في السياسة قائلاً: طرقَ فيلسوف قرطبة إشكالية السياسة وما تفرَّع إليها من قضايا من زاوية عقلية، ومن البيِّن أن الكثير من أطروحاته لا تزال ''محافظة'' على قيمتها بالنسبة إلى العرب، خصوصاً موقفه من المرأة، ونقده للجور والاستبداد، ودعوته إلى النظر في الشأن السياسي من موقع التفكُّر والرويّة، وتصدِّيه لتدخُّل رجال الدين في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، ودفاعه عن تأصيل الفلسفة في التربة العربية.
وإذا كانت مساهمة ابن رشد في حقل الفلسفة السياسية قد وضعت نصب العين الارتقاء بالتعامل مع الظاهرة السياسية من مستوى التعاطي العرضي والخطابي إلى مستوى التحليل البرهاني، فإن ذلك لا يعني أن السياسة قد تحوَّلت معه إلى علم مستقل بذاته.
اهتم أبوالوليد بتحليل إشكاليات المدينة الأندلسية التي عاش فيها واقعياً، وهو بذلك ما كان بعيداً عن لحظتها التاريخية والاجتماعية التي كانت تشهد توترات واضطرابات وقلق وفتن فأدرك فيلسوف قرطبة كل ذلك. بل كان في مواجهة شاملة مع مدينته، مواجهة طغى عليها نقده القاسي لمظاهر الانحراف التي انتشرت فيها، في الاقتصاد والسياسة والثقافة، بدفعه إلى ذلك إدراكه أن إصلاح الأمة يقتضي إرجاع الأمور إلى نصابها عبر تنقية الشريعة والفلسفة من التحريفات التي أُدخلت عليها، ولذلك تحرَّك المشروع الرشدي على واجهتين: إصلاح الفلسفة بتخليص تعاليم أرسطو من تحريفات الفلاسفة العرب المتأخرين في المشرق ومنهم ابن سينا، وإصلاح الشريعة بتخليصها من تأويلات المتكلِّمين التي تزعم لنفسها الصدق.
وضمن هذا السياق يندرج نقد ابن رشد للطاغية الذي يصفه بأنه ''وحدانيُّ التسلُّط''، وللفُقهاء والمتكلِّمين أيضاً، أما الجمهور فقد نظر إليه بحسب قدرته الذهنية على تمثل الخطاب البرهاني، ومن ثمَّ ميَّز بينه والفلاسفة بالنظر إلى عجزه عن إدراك ما هو برهاني، وذلك في ظل لحظة تاريخية كان أبناء الأمة فيها واقعين تحت سيطرة الجهل المعرفي.