الثقافة السياسية والاستقرار السياسي
مرسل: الاثنين مايو 23, 2011 9:58 pm
الثقافة السياسية والاستقرار السياسي:
إن الثقافة السياسية الداعمة، والمتراكمة عبر الاجيال تساهم في استقرار الأنظمة السياسية. فالنظام القائم على الحق يمكن له أن يدوم فترة أطول، لكونه في الحد الأدنى أشد تأثيراً من ذلك النظام الذي يعتمد على القوة وحدها. إن تأثير الثقافة السياسية على الاستقرار السياسي كما يكشف عن ذلك كتاب ألموند وفيربا (الثقافة المدنية الصادرة عام 1963) والمستند على عمليات مسح أجريت خلال عامي 1959 ـ 1960 في الولايات المتحدة وبريطانيا، والمانيا الغربية، وايطاليا والمكسيك. وكان الغرض من عمليات المسح تلك هو تعريف الثقافة السياسية التي كانت في أغلب الاحتمالات تعيش وتتطور فيها الديمقراطية الليبرالية.
وقد استطاع الموند وفيربا التمييز بين ثلاثة أنواع نقية من الثقافة السياسية: الأبرشية أو المحدودة (parochial)، التابعة، والمشاركة. في الثقافة السياسية الابرشية، فإن المواطنين يعون بصورة غير محددة وجود حكومة مركزية فحسب، ويصدق هذا على القبائل المعزولة والتي لا يتأثر وجودها وبقاؤها بالقرارت الوطنية التي تتخذها الحكومة المركزية. في الثقافة السياسية التابعة، فإن المواطنين ينظرون الى أنفسهم غير مشاركين في العملية السياسية، وإنما كتابعين ورعايا للحكومة، كما هو الحال بالنسبة للشعوب التي تعيش تحت نظام ديكتاتوري. أما في الثقافة السياسية الأكثر شهرة، وهي القائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنون بأنهم قادرون على المساهمة في النظام وأنهم أيضاً متأثرون به.
إن الفكرة الجوهرية في كتاب الموند وفيربا هي أن الديمقراطية أثبتت بأنها أكثر استقراراً في المجتمعات التي تزوّد فيها الثقافات المحدودة والخاضعة بثقل مضاد من حيث الجوهر للثقافة المشاركة. وهذا الخليط يطلق عليه (الثقافة المدنية ـ civic culture). في هذا التركيب المثالي، يكون المواطنون فاعلين بدرجة كافية في السياسية للتعبير عن خياراتهم المفضّلة لحكامهم ولكنهم ليسوا ضالعين في رفض قبول القرارات التي لا يتفقون معها. في دراسة الموند وفيربا، تقترب بريطانيا والى حد أقل الولايات المتحدة، من هذه الفكرة المثالية. في هذين البلدين، شعر المواطنون بأنهم قادرون على التأثير في الحكومة ولكن غالباً ما يختاروا عدم فعل ذلك، وهذا ما يعطي الحكومة فسحة من المرونة.
وبطبيعة الحال، فإن الزمن يتغير، ومنذ تاريخ الدراسة الفريدة التي قدّمها الموند وفيربا، فإن كثيراً من الديمقراطيات الليبرالية قد اصطدمت بمياه عاصفة: فيتنام، النشاط الطلابي، الكساد الاقتصادي، الحركة المناهضة للنشاط النووي، جماعات البيئة، تقلّصات في دولة الرفاة. وكما لاحظ الموند وفيربا عام 1980 خلال تحديثهما للعمل الاصلي، بأن هذه الاحداث تركت أثرها على الثقافات السياسية الغربية. في بريطانيا، والولايات المتحدة فإن الثقة في الحكومة تراجع كثيراً. وأن ثلاثة أرباع الاميركيين قالوا عام 1964 بأنهم وثقوا بأن الحكومة الفيدرالية (تقوم بعمل ما هو صحيح) ولكن في عام 1996 لم يكن هناك سوى الثلث من يعتقد ذلك. في بريطانيا، فإن القسم الذي يثق في أن الحكومة تقدّم البلاد قبل الحزب سقط من 39 بالمئة في عام 1974 الى 22 بالمئة في عام 1996. تكشف هذه الارقام عن تحوّل كبير في الثقافة المدنية باتجاه سلوك ارتيابي جوهري في السياسة. يبقى، في الولايات المتحدة كما الحال في الديمقراطيات الرصينة، فإن الحكومات تواصل عملها الحكومي. وفي معظم العالم الديمقراطي، فإن الحكام كانوا قادرين على خصخصة الشركات العامة وتخفيض المعونات دون تهديد استقرار النظام السياسي. إن مثل هذا التذمر الظاهر يسلّط الضوء بدرجة أكبر على أداء الأحزاب الحاكمة والقادة أكثر مما يسلط الضوء على العملية الديمقراطية نفسها.
إن هذه النقاط تثبت بأن الديمقراطيات المستقرة لها بنك من الرأسمال السياسي والذي بمقدروه تعزيزها في الفترات الحالكة. وكما لاحظ ميكافيلي (1469 ـ 1527) في كتابه (الأمير) فإن (الامير يجب أن يكسب الشعب الى جانبه، واذا كان العكس هو الصحيح، فليس له عون في اللحظات الصعبة)، وقد ذكر انجلهارت (Inglehart) نقطة مماثلة بقوله:
حتى وإن كانت الديمقراطية لا تملك جواباً على سؤال: (ماذا فعلت لأجلي مؤخراً؟)، فإنها قد تتعزز عن طريق المشاعر المنبثّة بأنها من حيث الجوهر أمر جيد. إن هذه المشاعر قد تعكس من جهة نجاحات اقتصادية وغيرها والتي قد شهدها أحد ما منذ فترة طويلة أو تعلّمها من طريق آخر كجزء من المشاركة الاجتماعية المبكّرة للفرد.
وقد طوّر بوتنام (Putnam) عام 1993 مقاربة ألموند وفيربا، مستعملاً إيطاليا كمثال له. وقد أوضح كيف ان الثقافة السياسية الداعمة تعزز بصورة مباشرة أداء وأيضاً إستقرار أي نظام سياسي. في العمل الاصلي لكل من الموند وفيربا، صوّر الأخيران ايطاليا على أنها بلد يشعر سكانه بأنهم غير مضطلعين بالسياسة ومعزولين عنها. لقد عاد بوتنام الى هذا الموضوع ولكن أولى اهتماماً أكبر للتباين داخل ايطاليا، وشرح كيف أن الثقافات السياسية المتباينة في البلاد أثّرت في نشاطية عشرين حكومة اقليمية كانت قد أقامتها ايطاليا في السبعينيات. وعلى اية حال، فإن العشرين حكومة المتشابهة في تركيبتها وسلطاتها الرسمية اختلفت بدرجة متعاظمة من حيث الاداء. البعض منها (مثل إيميليا روماغانا في الشمال) أثبتت بأنها مستقرة وفاعلة، وقادرة على صناعة وتطبيق السياسات الابداعية. أما البعض الآخر (مثل كالابريا في الجنوب) فقد حققت القليل. والسؤال: مالذي يفسّر هذه الاختلافات؟
لقد عثر بوتنام على جوابه في الثقافة السياسية، إذ يعتقد بان الأقاليم الأكثر نجاحاً لديها ثقافة سياسية ايجابية، أي ثقافة ثقة وتعاون والتي تنتج مستوى عالياً مما أصطلح عليه بـ (الرأسمال الاجتماعي ـ social capital). في المقابل، فقد لوحظ بأن الحكومات الاقل فاعلية موجودة في المناطق التي تفتقر لأية ثقافة تعاون ومساواة. في ظروف كهذه، فإن بإمكان الحكومات تحقيق القليل وأن مخزون الرأسمالي الاجتماعي، الذي هو في الاصل محدود، سيتضاءل بصورة أكبر.
والرأسمال الاجتماعي يعرّف على أنه ثقافة الثقة والتعاون التي تجعل العمل الجماعي ممكناً ومؤثراً. وكما يقول بوتنام (إنها قدرة المجتمع على تطوير الانا الى نحن. إن الثقافة السياسية ذات رصيد من الرأسمال الاجتماعي يمكّن المجتمع من بناء المؤسسات السياسية بقدرة حقيقية لحل المشاكل الجماعية. وحيث تكون الثقافة السياسية شحيحة، فإن حتى الحكومة المنتخبة سينظر اليها على أنها تهديد للمصالح الفردية).
ولكن السؤال: من أين يأتي الرأسمال الاجتماعي ذاته؟ وتماماً كما الحال بالنسبة لكل من ألموند وفيربا قبل ذلك، فإن جواب بوتنام هو تاريخي. إنه يرجع، بصورة خلافية الى حد ما، التوزيع غير العادل للرأسمال الاجتماعي في ايطاليا الحديثة الى الاحداث العميقة في تاريخ كل إقليم. إن الحكومات الاكثر فاعلية في الشمال تستند على تقليد الحكم الذاتي الجماعي الذي يرجع الى القرن الثاني عشر الميلادي. أما الادارات الأقل نجاحاً في الجنوب فهي مثقلة بتاريخ طويل من الحكم الاقطاعي، الاجنبي، البيروقراطي، والتسلطي. وعليه، فإن تحليل بوتنام للثقافة السياسية يصبح الجهاز الذي من خلاله يفرض الماضي تأثيره على الحاضر.
ولكن تأثير الثقافة السياسية على الحكومة يسري في كلي الاتجاهين. فالثقافة المدنية تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية، ولكن الديمقراطية التي تقدّم ـ حرفياً ـ الصالح تخلق مواقف داعمة وستعزز النظام السياسي في المستقبل. وقد كتب دايموند وليبست عام 1995 (من أجل نجاح طويل المدى للديمقراطية، ليس هناك بديل للاستقرار الاقتصادي والتقدّم). إن نجاح المانيا الغربية في ترجمة معجزة اقتصاد ما بعد الحرب الى مواقف مفضّلة في ديمقراطيتها الجديدة هو اختبار لسلطة الاداء الاقتصادي في تشكيل الثقافات السياسية. على العكس، كان على البلدان الشيوعية سابقاً التعاطي مع الانهيار الاقتصادي في سنواتها الاولى، وهو تعديل لا بد أنه إختبر الالتزام العام لتفريخ الديمقراطية. ولذلك من الاهمية بمكان إدراك أن الثقافة السياسية نفسها تتشكل من قبل تاريخ الامة والاداء الاقتصادي.[/size]
إن الثقافة السياسية الداعمة، والمتراكمة عبر الاجيال تساهم في استقرار الأنظمة السياسية. فالنظام القائم على الحق يمكن له أن يدوم فترة أطول، لكونه في الحد الأدنى أشد تأثيراً من ذلك النظام الذي يعتمد على القوة وحدها. إن تأثير الثقافة السياسية على الاستقرار السياسي كما يكشف عن ذلك كتاب ألموند وفيربا (الثقافة المدنية الصادرة عام 1963) والمستند على عمليات مسح أجريت خلال عامي 1959 ـ 1960 في الولايات المتحدة وبريطانيا، والمانيا الغربية، وايطاليا والمكسيك. وكان الغرض من عمليات المسح تلك هو تعريف الثقافة السياسية التي كانت في أغلب الاحتمالات تعيش وتتطور فيها الديمقراطية الليبرالية.
وقد استطاع الموند وفيربا التمييز بين ثلاثة أنواع نقية من الثقافة السياسية: الأبرشية أو المحدودة (parochial)، التابعة، والمشاركة. في الثقافة السياسية الابرشية، فإن المواطنين يعون بصورة غير محددة وجود حكومة مركزية فحسب، ويصدق هذا على القبائل المعزولة والتي لا يتأثر وجودها وبقاؤها بالقرارت الوطنية التي تتخذها الحكومة المركزية. في الثقافة السياسية التابعة، فإن المواطنين ينظرون الى أنفسهم غير مشاركين في العملية السياسية، وإنما كتابعين ورعايا للحكومة، كما هو الحال بالنسبة للشعوب التي تعيش تحت نظام ديكتاتوري. أما في الثقافة السياسية الأكثر شهرة، وهي القائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنون بأنهم قادرون على المساهمة في النظام وأنهم أيضاً متأثرون به.
إن الفكرة الجوهرية في كتاب الموند وفيربا هي أن الديمقراطية أثبتت بأنها أكثر استقراراً في المجتمعات التي تزوّد فيها الثقافات المحدودة والخاضعة بثقل مضاد من حيث الجوهر للثقافة المشاركة. وهذا الخليط يطلق عليه (الثقافة المدنية ـ civic culture). في هذا التركيب المثالي، يكون المواطنون فاعلين بدرجة كافية في السياسية للتعبير عن خياراتهم المفضّلة لحكامهم ولكنهم ليسوا ضالعين في رفض قبول القرارات التي لا يتفقون معها. في دراسة الموند وفيربا، تقترب بريطانيا والى حد أقل الولايات المتحدة، من هذه الفكرة المثالية. في هذين البلدين، شعر المواطنون بأنهم قادرون على التأثير في الحكومة ولكن غالباً ما يختاروا عدم فعل ذلك، وهذا ما يعطي الحكومة فسحة من المرونة.
وبطبيعة الحال، فإن الزمن يتغير، ومنذ تاريخ الدراسة الفريدة التي قدّمها الموند وفيربا، فإن كثيراً من الديمقراطيات الليبرالية قد اصطدمت بمياه عاصفة: فيتنام، النشاط الطلابي، الكساد الاقتصادي، الحركة المناهضة للنشاط النووي، جماعات البيئة، تقلّصات في دولة الرفاة. وكما لاحظ الموند وفيربا عام 1980 خلال تحديثهما للعمل الاصلي، بأن هذه الاحداث تركت أثرها على الثقافات السياسية الغربية. في بريطانيا، والولايات المتحدة فإن الثقة في الحكومة تراجع كثيراً. وأن ثلاثة أرباع الاميركيين قالوا عام 1964 بأنهم وثقوا بأن الحكومة الفيدرالية (تقوم بعمل ما هو صحيح) ولكن في عام 1996 لم يكن هناك سوى الثلث من يعتقد ذلك. في بريطانيا، فإن القسم الذي يثق في أن الحكومة تقدّم البلاد قبل الحزب سقط من 39 بالمئة في عام 1974 الى 22 بالمئة في عام 1996. تكشف هذه الارقام عن تحوّل كبير في الثقافة المدنية باتجاه سلوك ارتيابي جوهري في السياسة. يبقى، في الولايات المتحدة كما الحال في الديمقراطيات الرصينة، فإن الحكومات تواصل عملها الحكومي. وفي معظم العالم الديمقراطي، فإن الحكام كانوا قادرين على خصخصة الشركات العامة وتخفيض المعونات دون تهديد استقرار النظام السياسي. إن مثل هذا التذمر الظاهر يسلّط الضوء بدرجة أكبر على أداء الأحزاب الحاكمة والقادة أكثر مما يسلط الضوء على العملية الديمقراطية نفسها.
إن هذه النقاط تثبت بأن الديمقراطيات المستقرة لها بنك من الرأسمال السياسي والذي بمقدروه تعزيزها في الفترات الحالكة. وكما لاحظ ميكافيلي (1469 ـ 1527) في كتابه (الأمير) فإن (الامير يجب أن يكسب الشعب الى جانبه، واذا كان العكس هو الصحيح، فليس له عون في اللحظات الصعبة)، وقد ذكر انجلهارت (Inglehart) نقطة مماثلة بقوله:
حتى وإن كانت الديمقراطية لا تملك جواباً على سؤال: (ماذا فعلت لأجلي مؤخراً؟)، فإنها قد تتعزز عن طريق المشاعر المنبثّة بأنها من حيث الجوهر أمر جيد. إن هذه المشاعر قد تعكس من جهة نجاحات اقتصادية وغيرها والتي قد شهدها أحد ما منذ فترة طويلة أو تعلّمها من طريق آخر كجزء من المشاركة الاجتماعية المبكّرة للفرد.
وقد طوّر بوتنام (Putnam) عام 1993 مقاربة ألموند وفيربا، مستعملاً إيطاليا كمثال له. وقد أوضح كيف ان الثقافة السياسية الداعمة تعزز بصورة مباشرة أداء وأيضاً إستقرار أي نظام سياسي. في العمل الاصلي لكل من الموند وفيربا، صوّر الأخيران ايطاليا على أنها بلد يشعر سكانه بأنهم غير مضطلعين بالسياسة ومعزولين عنها. لقد عاد بوتنام الى هذا الموضوع ولكن أولى اهتماماً أكبر للتباين داخل ايطاليا، وشرح كيف أن الثقافات السياسية المتباينة في البلاد أثّرت في نشاطية عشرين حكومة اقليمية كانت قد أقامتها ايطاليا في السبعينيات. وعلى اية حال، فإن العشرين حكومة المتشابهة في تركيبتها وسلطاتها الرسمية اختلفت بدرجة متعاظمة من حيث الاداء. البعض منها (مثل إيميليا روماغانا في الشمال) أثبتت بأنها مستقرة وفاعلة، وقادرة على صناعة وتطبيق السياسات الابداعية. أما البعض الآخر (مثل كالابريا في الجنوب) فقد حققت القليل. والسؤال: مالذي يفسّر هذه الاختلافات؟
لقد عثر بوتنام على جوابه في الثقافة السياسية، إذ يعتقد بان الأقاليم الأكثر نجاحاً لديها ثقافة سياسية ايجابية، أي ثقافة ثقة وتعاون والتي تنتج مستوى عالياً مما أصطلح عليه بـ (الرأسمال الاجتماعي ـ social capital). في المقابل، فقد لوحظ بأن الحكومات الاقل فاعلية موجودة في المناطق التي تفتقر لأية ثقافة تعاون ومساواة. في ظروف كهذه، فإن بإمكان الحكومات تحقيق القليل وأن مخزون الرأسمالي الاجتماعي، الذي هو في الاصل محدود، سيتضاءل بصورة أكبر.
والرأسمال الاجتماعي يعرّف على أنه ثقافة الثقة والتعاون التي تجعل العمل الجماعي ممكناً ومؤثراً. وكما يقول بوتنام (إنها قدرة المجتمع على تطوير الانا الى نحن. إن الثقافة السياسية ذات رصيد من الرأسمال الاجتماعي يمكّن المجتمع من بناء المؤسسات السياسية بقدرة حقيقية لحل المشاكل الجماعية. وحيث تكون الثقافة السياسية شحيحة، فإن حتى الحكومة المنتخبة سينظر اليها على أنها تهديد للمصالح الفردية).
ولكن السؤال: من أين يأتي الرأسمال الاجتماعي ذاته؟ وتماماً كما الحال بالنسبة لكل من ألموند وفيربا قبل ذلك، فإن جواب بوتنام هو تاريخي. إنه يرجع، بصورة خلافية الى حد ما، التوزيع غير العادل للرأسمال الاجتماعي في ايطاليا الحديثة الى الاحداث العميقة في تاريخ كل إقليم. إن الحكومات الاكثر فاعلية في الشمال تستند على تقليد الحكم الذاتي الجماعي الذي يرجع الى القرن الثاني عشر الميلادي. أما الادارات الأقل نجاحاً في الجنوب فهي مثقلة بتاريخ طويل من الحكم الاقطاعي، الاجنبي، البيروقراطي، والتسلطي. وعليه، فإن تحليل بوتنام للثقافة السياسية يصبح الجهاز الذي من خلاله يفرض الماضي تأثيره على الحاضر.
ولكن تأثير الثقافة السياسية على الحكومة يسري في كلي الاتجاهين. فالثقافة المدنية تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية، ولكن الديمقراطية التي تقدّم ـ حرفياً ـ الصالح تخلق مواقف داعمة وستعزز النظام السياسي في المستقبل. وقد كتب دايموند وليبست عام 1995 (من أجل نجاح طويل المدى للديمقراطية، ليس هناك بديل للاستقرار الاقتصادي والتقدّم). إن نجاح المانيا الغربية في ترجمة معجزة اقتصاد ما بعد الحرب الى مواقف مفضّلة في ديمقراطيتها الجديدة هو اختبار لسلطة الاداء الاقتصادي في تشكيل الثقافات السياسية. على العكس، كان على البلدان الشيوعية سابقاً التعاطي مع الانهيار الاقتصادي في سنواتها الاولى، وهو تعديل لا بد أنه إختبر الالتزام العام لتفريخ الديمقراطية. ولذلك من الاهمية بمكان إدراك أن الثقافة السياسية نفسها تتشكل من قبل تاريخ الامة والاداء الاقتصادي.[/size]